قرية ظالمة عندما فكرت في كتابة نبذة عن هذه الرواية ترددت كثيراً، حيث أنني خِفتُ ألاأوفيهاlملخص
حقها من الطرح . . . . . لكن يكفيني شرف المحاولة.
عن المؤلف :د.محمد كامل حسين (1901-1977) جراحاً بارعاً و أستاذاً نابهاً، تفوق في الطب فكان يُعد رائد طب
العظام في مصر، و نال جائزة الدولة في العلوم 1966بعد أن نال جائزة الدولة في الأدب 1957، فأصبح بذلك أول مصري يحوز جائزتي الأدب و العلوم. و له عدة كتب تتناول اللغة العربية و الأدب و النقد و الطب و العلوم، و من اهمها ((الوادي المقدس)) و ((قوم لا يتطهرون)) و (( اللغة العربية المعاصرة)) و ((التحليل البيولوجي للتاريخ))، و غيرهم .
عن الرواية :يتحدث الكاتب عن ذلك اليوم الذي أجمع فيه بنو إسرائيل أمرهم على صلب المسيح..” في ذلك اليوم أجمع بنو إسرائيل أمرهم ان يطلبوا إلى الرومان صلب المسيح ليقضوا على دعوته. و ما كانت دعوة المسيح إلا أن يحتكم الناس إلى ضميرهم في كل ما يعملون و يفكرون، فلما عزموا أن يصلبوه لم يكن عزمهم إلا أن يقتلوا الضمير الإنساني و يطفئوا نوره، و هم يحسبون أن عقلهم و دينهم يأمران بما يعلو أوامر الضمير، و لم يفطنوا إلا أن الناس حين يفقدون الضمير لا يغنيهم عنه شئ “هذا اليوم هو محور الرواية، لكن بمعالجة متميزة و متعمقة جداً، يناقش الكاتب العديد من القضايا المجتمعية التي دائماً ما تؤرق الإنسان، و يركز بشكل أقوى على قضية الضمير الإنساني أهميته للإنسان، و اختلاف هذا الضمير لدى الفرد عنه لدى الجماعة عند القيام بسلوك ما، كما يتعرض لقضايا أخرى مثل عدل الله و وجود الشر في الحياة، و أيضاً قضية الدين و المنطق( العقل)، و الماديات و المعنويات، كل ذلك من خلال حوارات (شائقة) بين أشخاص الرواية ذات طابع فلسفي جدلي.دعونا نتوغل في الرواية بلا إبطاء. . . . . . . . . . تنقسم الرواية إلى ثلاثة أقسام هي:
1) عند بني إسرائيل:يدور الكاتب في ذلك اليوم بين شخصيات عدة تمثل فئات مختلفة من المجتمع اليهودي . . يتعرَّض لتفكيرهم و ردود أفعالهم مع هذا الجُرم الجماعي .. صلب المسيح – الذي هو في اعتقادهم فتنة على دينهم.و من هذه الشخصيات :– رجل الإتهام: (الذي يتولى اتهام من يخرجون على القانون)” أما هو فأخذ طريقه إلى دار الندوة مهموماً يفكر في أمر نفسه، و ساوره الشك في صدق اتهامه العنيف لرجل لم يقترف إثماص و لم يدع إلى منكر. ثم ذكر ما قاله بالأمس من أن الرجل سيكون سبب فتنة و شقاق بين بني إسرائيل، و أن دعوته تهدم نظام أمتهم . . . و كان قد ثبت عندهم أن الدين قد أصبح جنتهم دون خطر التفكك الذي تعرضوا له منذ احتل الرومان بلادهم. . . . . ذكر كل ذلك ليقنع نفسه أنه على حق، و خيل إليه أنه اطمأن، و إن يكن في الواقع قد أحاط نفسه بسياج من حججه القديمة حتى لا ينفذ إليها وخز الضمير و ألم الشك “” و أخذ يقول لنفسه: إن أكبر الجرائم ترتكب في سهولة و يسر إذا وزعت توزيعاً يجعل نصيب كل فرد أصغر من أن يضطرب له ضميره! لم يجد الشيطان إغراء للناس يسوقهم إلى جهنم أقوى أثراً من هذا القول. أتراني أنا أيضاً أسير وراءه إلى جهنم؟ “– المفتي: يقول” إني لن أفتي بعد اليوم إنهم أساءوا فهم فتواي، و يريدون أن يقتلوا رجلاً لا أرى ضميري يرضى عن قتله. “- لازار: (هو معجزة المسيح، الرجل الذي أحياه الله بعد موتٍ، و كان مصدر شؤم لإسرائيل)” و هموا به فامتقع لونه، و علم أن الإنسان يقف أمام الجموع الهائجة كما يقف امام الحيوان المفترس. و منذ ذلك اليوم كره الجموع الحاشدة، إذ أيقن أنها لا تفهم الحق و لا العقل و لا العدل، و أنها لا تفهم إلا القوة، و لا تخضع إلا لها.”- قيافا : حاكم بني إسرائيل” و بلغ إعجابه بالنبي الجديد غايته حين سمع بمملكة السماء، ذلك أن قيافا ظل طول حياته يبحث عن حل حاسم لمشكلة خُلُقية لم يعثر لها على حل . . . . . . . و لم تكن هذه المشكلة التي أهمته إلا البحث عن جزاء الفضائل السلبية و الفضائل المستترة . . . . أما الفضائل المستترة كالصبر و الإمتناع عن عمل الشر .. و الأمانة فليس لها جزاء واضح إلا إذا علم أمرها و ذاع صيتها و ذلك يذهب بفضلها. “دار الندوة:” اقتحم الناس الدار و هم يصيحون: اقتلوهم، حرقوهم جميعاً. لابد من قتله و قتلهم معه (النبي و أتباعه) ، و ساد الهرج، و غُلب ذوو الرأي على أمرهم فلم يغيروا من قرارهم (بالأمس) شيئاً و سارت الجماهير إلى دار الحاكم الروماني تطلب دم هذا الرجل و أتباعه، و لم يكن فيهم من يعلم عنه شراً، و لم يكن فيهم من يريد قتله عن عقيدة و اقتناع شخصي. هكذا تمت أكبر جرائم التاريخ، جريمة الحكم على المسيح بالصلب، لكفره بالله ( و ما كفر إلا برأيهم في الله)، دون أن يعلم أحد من أهل أورشليم من الذي يريد قتله، و لا على من يقع وزر هذه الجريمة الشنعاء!! “
2) عند الحواريين :كان الحواريون مضطربين أشد الإضطراب، يتناقشون و يتجادلون حول ما يجب فعله لإنقاذ المسيح، هل يستخدمون العنف لنصرة الحق؟ هل لا يستخدمونه حتى لا يُعَدُ ذلك عصيان لأوامر نبيهم؟ كيف يتصرفون؟يقول أحدهم محاوراً آخر: ” – أتريد منه أن يقول لنا موتوا دفاعاً عني، إنما يقول ذلك القياصرة . . . . أما هو فلا يليق به و هو صاحب القلب الرحيم أن يأمرنا أن نموت من أجله.* إني أعارض إنقاذه إذا كان هذا يلجئنا إلى استعمال العنف، و هو ما نهانا عنه . . . .- إن في هذا الرأي ضعفاً يقرب الخيانة . . أليس في نصرته نصر للدين . . .* إني لا أريد أن أرتكب معصية في سبيل حماية الدين فإن للدين رباً يحميه . . . . . “
” إن القول و الرأي يكذبان، أما العمل فلا يكذب، و الذي يريد أن يبدو شجاعاً و هو جبان يبوء بخيبتين. إحداهما في نفسه و الأخرى في عمله”و كان الحكيم الماجي ( و هو من حضر موعظة الجبل) ضيفاً عليهم، لما رأى جدالهم و عجزهم عن التوصل لرأي محدد أبدى دهشته و هاله ما تبين فيهم من قصور عن اتباع موعظة الجبل، و شرع يحدثهم مبيناً لما وقعوا فيه من خطأ . . . . . . و كان مما قال:” و دعوتم إلى نصرة الحق بالقوة، و ما ذلك إلا لأنه اختلط عليكم موقف الحق من القوة. الحق له حدود طبيعية، بل هو هذه الحدود نفسها، و القوة من طبعها أن تتخطى الحدود ما استطاعت، فإذا رأيتموهما يسيران جنباً إلى جنب فذلك إلى حين، و الذين يدافعون عن الحق بالقوة لا يلبثون إلا ريثما يبلغون ما يريدون ثم تصبح القوة وحدها رائدهم . . . . . . . . . ألا فاعلموا أنه مادام الحق في المحل الثاني فسيان أن يخضع للقوة أو للباطل. “لم يجد الحواريون حلاً لما أُشكل على المؤمنين منذ القدم و هو كيفية التوفيق بين عدل الله و وجود الشر، و قد أوضح الكاتب هذه النقطة قائلاً :” لن يحدث أبداً أن يقع حجر رأسا على الأرض ثم ينحرف عن طريقه لئلا يقع على رأس متعبد مؤمن أو طفل برئ، لأن مثل هذا الانحراف عن سنن الطبيعة يقضي على نظام العالم كله كما نعرفه . . . . . . . . . . إن ذلك لا يتعلق بقدرة الله و عدله فإنه ليس بين هذه الأمور و عدل الله سبب، و لو ساد رأي الناس في عدل الله في هذه الأمور ما بقي على الأرض من قانون طبيعي يسير عليه نظام السماء و الأرض. “ما القرار الذي توصل إليه الحواريون في النهاية؟ هذا أتركه لكم عند قراءة الرواية ……..
3) عند الرومان:النظام الإجتماعي الروماني قائم على تمجيد القوة و تقديس النظام، هذا ما يقوم الكاتب بتوضيحه من خلال عدة مواقف يستعرض كيفية تعامل الرومان معها و عدة شخصيات، منها قائد الجيش الروماني.و كان في جيشه عصبة من الشباب الذين لا يخالفون النظام و لكن يهزءون به و يتبعونه مكرهين، فلما سمع بأمرهم رأى أن آرائهم الساخرة كفيلة بالقضاء على روح العسكرية الطامحة فقرر أن يرمي بالجيش في حرب مأمونة العواقب مكفول لهم فيها النصر حتى يستعيدوا حميتهم، فأعلن أنهم سائرون إلى إحدى المدن لفتحها و اختلق لذلك عذراً تافهاً ألا و هو أن أحد السكان سب القيصر في سوق المدينة!لكن ما حدث في تلك الحرب كان مختلفاً عن كل مخططات ذلك القائد و كل توقعاته . . . . . و كان رأي هؤلاء العصبة الثائرة من الشباب هو:إن الذي يسوق قومه إلى الحرب مقامر حقير يقذف بالناس إلى الموت و هو عالم أنهم إن انتصروا فالغنم له و إن خذلوا فهو بمنجاة من كل عقاب، لتقم الحروب إذا شئتم و لكنها يجب أن تبدأ بقتل من يدعون إليها.و يقول أحدهم:و عندي أن الحرب يجب أن لا يكون لها إلا قانون واحد هو أن كل من خرج من بلاده ليحارب قوماً آمنين في ديارهم فهو المعتدي و يحل لهؤلاء أن لا يراعوا فيه قانوناً و لا عهداً و أن لا تأخذهم فيه رأفة و لا رحمة. و ليس له أن يطلب إليهم ذلك مادام قد خرج من بلاده ليقتلهم و يؤذيهم.نلاحظ بالطبع أن آراء الكاتب يمكن إسقاطها على الواقع الذي نعيشه، و أن روايته صالحة لأن تُقرأ في أي زمان لأنها تعالج قضايا إنسانية متجددة، و سيدهشكم أن تعلموا أن هذه الرواية كتبت عام 1945 م !!نعود لنُـكمل . . . . . .و يقول آخر:و أنا أقدم هذه الآراء بدءً للهجوم على النظم التي ضل بها الناس . . . سيحدث حينذاك أن يبلغ الجندي من الرقي الفكري ما يسمح له أن يعلم ما في الحروب من خدعة الحاكمين للمحكومين، و أن يتبين أن حياة كل فرد أكبر شأناً من أت تُضحى لغرض تملونه عليه (يقصد الحاكمين).. . . . . . . . . . . . . . نعود لربط الأحداث . . . . . . . . . . .
بعد خروج بني إسرائيل من دار الندوة توجهوا إلى حاكم إقليم أورشليم الروماني (بيلاتوس) ليطالبوه بصلب المسيح :و كان في ذلك اليوم مرهق النفس بعد أن حمله بنو إسرائيل على أن يستجيب إلى ما طلبوه من قتل رجل لا يعلم عنه إلا خيراً، و كان يعلم أنهم مخطئون و أنه مخطئ.ثم أظلمت الدنيا :ثلاث ساعات من الظلام الحالك، فهم الحكيم الماجي أن ذلك وقت رفع اللهُ المسيحَ إلى السماء فذهب إلى جبل كالفاري ليحضر ذلك، و هناك قابل الفيلسوف اليوناني (صديق بيلاتوس) فظلا يتجادلان حول سبب الظلام، و كان مما قاله الحكيم الماجي:يعنيني أولاً أن تكون من المؤمنين سواء كان ما تؤمن به خطأ أم صواباً. فالإيمان هو الإحساس الذي يستطيع به الإنسان أن يتبين معنويات ما يحدث و مغزى ما يقع له.و أشد من هذا خطأ أنكم لا تريدون أن يؤمن الناس بالله حتى يفهموا صفاته عقلاً. و لا تريدون أن يهتدي الناس بشئ حتى يتبينوا ماهية الهداية. و هذا منكم عجيب. كأنكم تريدون أن لا يستخدم الناس النار للدفء حتى يعلموا طبيعتها. و أن لا يهتدوا بالنور حتى يفهموا حقيقته. و أن لا يستخدموا السفن حتى يعرفوا قوانين ((أرشميدس)). أليس ذلك خبالاً.كان معهما فوق جبل كالفاري أيضاً مجموعة من النسوة المؤمنات بالمسيح، رجل يهودي، راعية صغيرة و بعض الجنود الرومان. كيف انقضت الساعات الثلاث على هؤلاء و على بني إسرائيل؟ ما التأثير الذي أحدثته فيهم؟ هل غير أحدهم من اعتقاده عندما رأى هذه الآية (الظلام الحالك وقت الظهيرة)؟ أين الحواريون و ماذا فعلوا؟ . . . . . . . . . .خاتمةيختتم الكاتب أحداث الرواية قائلاً:لو كان الناس متعظين بشئ لكانت لهم في ذلك اليوم عبر و عظات. و لكنهم لا يتعظون أبداً. و قد علموا كيف ضل أهل أورشليم ضلالاً مبينا، حين عصفت بهم قوى متباينة، فيه الخير و الشر فغلب الشر الخير و غلب الضلال الهدى و هم لا يدرون ما يفعلون.في أحداث يوم الجمعة ذلك كل عوامل الضلال و الخطأ، و في كل يوم من أيام الحياة تتكرر مآسي ذلك اليوم. فليتدبر الناس هذه العوامل، و ليجتنبوها، و سيجدون بعد ذلك أمامهم مجالاً واسعا لعمل الخير، يسعدون به فينعمون بحياة طيبة جميلة.ع الهامشآسفة . . أطلت عليكم، لكنّ هذا العمل الأدبي دسم جداً و ما أحببت أن أختزله في سطور قليلة لا تليق به . . . . دمتم بود و عافية- معلومات أكثر :عنوان الرواية : قرية ظالمةاسم المؤلف : محمد كامل حسينالناشر: مكتبة النهضة عام 1945 و أعادت دار الشروق نشرها عام 2007عدد الصفحات : 225
ملخص
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق