الاثنين، 8 سبتمبر 2014

أدب " الخيال العلمي "



هو جنس أدبي وُلد في نهاية القرن الثامن عشر، يقوم على إقحام ظواهر تعتبر خارقة للطبيعة في الواقع، ويستند على القلق أو الذعر الناجمين عن ظواهر غامضة تصدم بقوة خيال الشخصيات، وكذلك القارئ. الكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية fantasticus، المشتقة بدورها من اليونانية phantastikos. التي تعني «القدرة على خلق الصور»، «fantaisie».
2ـ محاولة لوضع التعريف
ليس من السهل وضع تعريف للأدب العجائبي، وبالتالي تتواجه المدارس وتتعارض: أين يبدأ الأدب الفانتازي وأين ينتهي؟ ومن الصعب تقديم جواب حاسم. هناك من المنظّرين من يرفض عدّ الفانتازيا جنساً [أدبياً]، وخاصة الفيلسوف (ألان شارفِر مِجان) Alain Chareyre ـ Méjan الذي يرفض الوقوع في مطب تعريف الفانتازي، فهو يتعامل معه كـ«واقعة جمالية»، كإحساس قريب من المنفّر. وهناك كثيرون يجعلون بداية الفانتازيا مع أبولي(1) Apulée وكتابه التحولات Métamorphoses، وآخرون مع غرائب القرون الوسطى. لكن معظم المنظّرين يعتقدون كمسلّمة أن الأدب الفانتازي بدأ في القرن الثامن عشر، واستمر خلال القرن التاسع عشر؛ حيث بلغ عصره الذهبي، ووصل إلى القرن العشرين. ثمة ثلاث مقاربات نقدية للفانتازيا تسيطر على تحليلات هذا الجنس، الأولى تاريخية (بيير جورج كاستكس Pierre ـ Georges Castex) والثانية سيماتية (روجي كايوا Roger Caillois ولوي فاكس Louis Vax)، والأخيرة بنيوية (تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov).


أـ المقاربة التاريخية
يقدم المنظِّر كاستكس في كتابه الحكاية الفانتازية في فرنسا منذ (نوديه) وحتى (موباسان) (1951) le Conte Fantastique en France de Nodier à Maupassant، تعريفاً للفانتازيا على أنها أسلوب ظهر في سياق ثقافي «أنواري illuministe»، مؤمن بالإخفائية occultiste كارتكاس تجاه العقلانية والوضعية السائدة حينئذ. و«تُعرَّف الحكاية الفانتازية في فرنسا كجنس مستقل منذ حوالي 1830، تحت تأثير هوفمان Hoffmann [...] والفارق بين الفانتازيا والغرائبي merveilleux التقليدي: يتصف الفانتازي بإقحام غير متوقع لحدث غامض mystère في الحياة الواقعية؛ وهو بشكل عام متعلق بحالات مَرَضية للوعي، الذي يسقط أمامه، في ظواهر كابوسية أو هذيانية، صوراً لهواجسه ومخاوفه». يميز كاستكس بين فترتين: الأولى بين 1830 ـ 1850، التي تمثل في نظره العصر الذهبي للفانتازيا، والثانية بين 1850 ـ 1890، التي شهدت تراجع هذا الجنس.


ب ـ المقاربة السيماتية
أما روجي كايوا في كتابه «في قلب الفانتازي Au cœur du fantastique (1965)»، وكذلك في «صور، صور...: محاولة في دور وقدرات التخيل Images, Images… : Essais sur le rôle et les pouvoirs de l’imagination (1966)»، فهو يرى أن «الفانتازي يبدي [...] صدمة، تمزقاً، مفاجأة غير مألوفة، تكاد لا تُحتمل في العالَم الواقعي». ويعرّف الفانتازي من خلال تعارضه مع الغرائبي حيث لا يكون الخارق للطبيعة على قطيعة مع الواقع. يطرح مقاربة سيماتية من خلال وصفه العناصر المكوِّنة للفانتازيا (كائنات فوق طبيعية، أزمنة، أمكنة، إلخ) وتأثيرات هذه البواعث الفانتازية على الأشخاص، مثل السر المخيف mysterium tremendum (القلق، الخوف، النفور، الكرب)، أو الخلاب fascinans (الفتنة، الإغواء، إلخ). يرى أن الفانتازي قد ولد من التقاطع بين الفرد والعالم، ومن الصلة بين العمل والقارئ ضمن علاقة تماهٍ، وبُعْد يبحث هذا الأخير فيه عن القشعريرة كما البطل.
وعلى خطا (كايوا) هناك (لوي فاكس)، الذي يعتقد بأن «الحكاية الفانتازية [...] تريد أن تقدم لنا، نحن سكان العالم الواقعي الذي نحن فيه، أناساٍ مثلنا، فجأة في مواجهة الغامض»، ويتكلم عن التعبيرية الفانتازية في كتاب الفن والأدب الفانتازيان l’Art et la littérature fantastiques (1963) وكتاب غواية الغريب la Séduction de l’étrange (1965). فيقول: «على الفانتازي، كي يفرض نفسه، ليس فقط أن يقتحم بغتةً الواقعي، بل يجب على الواقعي أيضا أن يمد له يديه، ويرضى بإغوائه».


ج ـ المقاربة البنيوية
في كتابه مدخل إلى الأدب الفانتازي(2) (1970) يعرّف (تودوروف) الفانتازي على أنه «تردد يشعر به كائن لا يعرف إلا القوانين الطبيعية، في مواجهة حدث يبدو خارقا للطبيعة». يطرح تودوروف تحليلاً بنيوياً يأخذ بالحسبان ظواهر تدار عن طريق منظومة معينة ـ «ما يعني أن هناك صلات ضرورية لازمة، وليست اعتباطية بين الأقسام المكوِّنة لهذا النص» ـ ، عن طريق عدد محدود من الوحدات، وقواعد تنسيق هذه الوحدات، من خلال تحليل البنية التركيبية syntaxique، على حساب السيماتي [الدلالي]. وهناك برأيه ثلاثة شروط ضرورية للفانتازي: «الفانتازي يقوم بشكل أساسي على تردد القارئ ـ قارئ يتماهى بالشخصية الرئيسية ـ بخصوص طبيعة الحدث الغريب»؛ هذا التردد قد تحس به الشخصية، وبذلك يمكن للقارئ أن يتوحّد بها؛ وعلى القارئ أيضا أن يرفض كل تأويل ترميزي [أللّيغوري] أو شاعري.
د ـ مقاربات أخرى
في النقد المعاصر، ترى (إيرِن بسييرIrène Bessière) في كتابها: الحكاية الفانتازية. شاعرية الغامض le Récit fantastique. La poétique de l’ incertain (1974) أن الفانتازيا «تتلاعب بالواقع من حيث أنها تماهي بين الفريدِ وتمزّقِ الهوية، وبين تبدّي الشاذ وتبدي عدم التجانس، وهو يُرى منظماً دوماً، وحاملاً لمنطق سرّي أو مجهول».
ويرى (تشارل غريفل Charles Grivel) في كتابه: الفانتازيا ـ الخيال Fantastique ـ fiction (1992) أن «الفانتازيا هي منتهى نقاط علام. وأدعو فانتازي ما يجعلنا لن نتمكن بعدُ من القول: على غرار comme. هناك حيث يتوارى المعنى. والفانتازي يشير إلى أن هذا يستطيع أن يُنكر، وكيف et comment»؟
وأخيراً كتب (روجي بوزيتو Roger Bozzetto) في كتابه: (مناطق الفانتازيا Territoires des fantastiques 1998) أن «النص الفانتازي ينشئ نمطاً خاصاً للعلاقة مع العالم، ويجعله ملموساً. وظاهراً عن طريق وجود أشياء وأحداث و/أو حالات اعتيادية في العالم المتمثَّل، ومعها يبني مقلدات (لغوية وأيقونية) تتذرع بالبداهة، لكن الترابط المنطقي للعالم الاختباري «Empirique»، رغم استدعائه، يكون فيها خاضعاً للوجود المفترض لقوانين أخرى. وهذه تظل مكتَنفة بالأسرار، وبالتالي تبعث على القلق، لأن النص لا يسمح أبداً بالولوج إليها».
3ـ تاريخ الأدب الفانتازي
ظهر الأدب الفانتازي في نهاية القرن الثامن عشر في أوروبا، بفضل سياق ثقافي جديد؛ حيث فرض العلم نفسه في الإحساس بالعالم وفي تمثُّله. وولدت الفانتازيا من توتر بين الواقع، الذي يفيد كإطار للقص، والظواهر، التي لا يفسرها العلم. إنه يقع على الحدود بين العقلاني وغير العقلاني، بين الواقعي والمتخيل. إن القرابة بين العالم الموصوف وعالم القارئ تبعث على الرعب.
أـ الرواية الإنكليزية (القوطية [السوداء] Gothique: إرهاص للفانتازيا
حصلت القطيعة الأولى مع ظهور الرواية القوطية، التي سيطرت في الأدب الشعبي الإنكليزي في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر. وفي تلك الفترة ظهر تذوق معين لجمالية الموت وأطلال الماضي. وتطلّبَ الأدبُ القوطي المعمارَ (القصر، الدير، الكنيسة، الزنزانة، مدفن قبو الكنيسة)، مناخاً أسود وشخصيات نمطية بشكل خاص (شابة شجاعة، وشخصية ذكرية سيئة). وافتتح هوراس والوبل Horace Walpole هذا الجنس عام 1764 برواية (قصر أوترانت le Château d’Otrante)، التي تطرح تيماته الرئيسة. غير أن أعمال (آن رادكليف Ann Radcliffe)، وخاصة (خفايا أودولف les Mystères d’Udolphe) (1794) هي التي بقيت أكثر شهرة. فرض ماثيو غرغوري لويس Matthew Gregory Lewis نفسه كخلَف جدير له مع (رواية الراهب le Moine) (1796).
في هذه الروايات يبدو اللجوءُ إلى الرعب إجراءً يهدف إلى إظهار المستغرَب [ما لا يصدَّق]، لكن فصلاً أخيراً يضيء السر بشكل عام. والعودة إلى الواقع تغيب تحديداً في الفانتازيا بالمعنى الدقيق؛ حيث تبقى الشخصيات والقارئ منهمكين بالتفسير، وموزعين بين الظواهر الخارقة للطبيعة ومجال العقل.


ب ـ العصر الذهبي للفانتازيا
الفانتازيا الفرنسية
ازدهرت الفانتازيا الفرنسية في الحقبة الرومانتيكية. ومن الغريب أن اثنتين من أوائل الروايات القوطية في اللغة الفرنسية أتتا من كتّاب أجانب، فاتيك Vathek (1786) لوليم بِكفورد William Beckford والمخطوط الذي عثر عليه في سرقسطة Manuscrit trouvé à Saragosse (1804 ـ 1805) لجان بوتوكي Jan Potocki. لقد تأثر المؤلفون الفرنسيون كثيراً بالأدب الألماني، وخاصة أشيم فون أرنيم Achim von Arnim (إيزابل المصرية Isabelle d’?gypte، 1811)، وهوفمان E. T. A. Hoffmann (إكسير الشيطان les ?lixirs du diable، 1816؛ والقط مور le Chat Murr، 1822)، مكتشفين أن الغرابة والرعب يمكن أن يخدما تماماً كحامل لخلق رومانتيكي.
وهكذا قدم شارل نودييه شهرةً للفانتازيا الفرنسية من خلال قصص موجهة أحياناً نحو الحلم (تريلبي أو عفريت أرجيل Trilby ou le Lutin d’Argail، 1822؛ الجنية المقطّعة la Fée aux miettes 1832)، وحيناً نحو الجنون (سمارا أو شياطين الليل Smarra ou les Démons de la nuit، 1821). وبروسبر ميرمه Prosper Mérimée (فينوس الجزيرة، 1837)، وجيرا ردي نيرفال Gérard de Nerval (بنات النار، 1854)، وتيوفيل غوتييه Théophile Gautier (قصة المومياء، 1858) واقتحموا كذلك هذا الجنس من خلال مواربة الحكايات والقصص. قصورٌ مسكونة بالأرواح، مواثيق مع الشيطان، لعنات من كل نوع تشكل ذخيرة لمواضيع مثيرة، وتغذت واستُخدمت من عدد من الكتاب المعاصرين.
العلم والفانتازيا
أخذت الفانتازيا زخماً جديداً مع الأمريكي (إدغار ألان بو)، الذي ترجم له (شارل بودلير) قصص غير عادية، خلال عقد الخمسينيات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه القصص ـ وهي تستلهم الرواية القوطية الإنكليزية ـ منغمسةً في مناخ داكن ومظلم ومتابعة لإدغار آلان بو تغذت قصص النصف الثاني من القرن التاسع عشر من التقدم الحاصل في الأمراض النفسية، ومن الأبحاث ماوراء النفسية والفراديس الاصطناعية.
وفي الحقيقة تجدد هذا الجنس، في سبعينيات القرن التاسع عشر، عن طريق ميادين جديدة للبحث العلمي مثل الأمراض النفسية، والاهتمام بالأمراض العقلية والتنويم والمغناطيسية، والاكتشافات المتعلقة بالكهرباء وانتشار الضوء، وكذلك الملاحظات بخصوص ملامح للحياة في الكواكب البعيدة. وبهذا الصدد فقد لعبت قصة (هورلا le Horla (1887) لغي دو موباسان Maupassant) دوراً كبيراً، وهي تضع في المشهد راوياً هو ضحية الجنون.
وعلى هذا المنوال توضح قصة (الحالة الغريبة) للدكتور جكل والسيد هايد (1886) تأثر روبيرت لويس ستيفنسون بالاستلاب وبالازدواجية. أما قصص جول باربي دورفيلي Jules Barbey d’Aurevilly: (الشيطانيون Diaboliques، 1874)، وقصص أوغست فيليه دوليل آدم Auguste Villiers de L’Isle ـ Adam: (حكايات فظة Contes cruels، 1883)، وقصص جوريس كارل هويسمان Huysmans: (هناك Là ـ bas، 1891)، فهي تدل على جاذبية معينة نحو المصائب والمرض والشيطانية. وعلى صعيد آخر تجد حكاياتُ مصاصي الدماء والأشباح أسيادها المعترف بهم في شخص جوزيف شِريدان لوفانو Joseph Sheridan Le Fanu في قصص (كاميلا Camilla، 1872) وبرام ستوكر Bram Stoker (دراكيولا Dracula، 1897)، وفي قصص هنري جيمس Henry James (دورة اللولب Tour d’écrou، 1898).
ت ـ الفانتازيا في القرن العشرين
استمرت الفانتازيا في القرن العشرين، وإن كان ذلك بشكل متفرق. والتفت (فرانز كافكا) في بداياته صوب هذا الجنس، وبالتحديد في قصته (المسخ Métamorphose) (1915) التي تروي قصة رجل تحول إلى حشرة. أما (هوارد فيليب لوفكرافت Lovecraft)، المنافس الكبير لإدغار آلان بو، فهو مؤلف نحو ستين قصة فانتازية، منها: (نداء كتولهو l’Appel de Cthulhu) (1928)، و(في مهوى الزمن Dans l’abîme du temps )(1936). ونجد في أعمال جان ري Jean Ray أسطورة رعب هي (آخر حكايات كانتربوري les Derniers Contes de Canterbury، 1944).
وشهد أدب أمريكا اللاتينية ثلاثة وجوه رائدة للقصة الفانتازية. فقد عَرَفَ (خورخيه لويس بورخيس Jorge Luis Borges) شهرة مع كتابي (خيالات Fictions (1941) والألِف l’Aleph) (1949) اللذين أدرجاه ضمن تفكير ميتافيزيقي. أما مواطنه وصديقه (أدولفو بيوي كاساريس Adolfo Bioy Casares) فهو مؤلف الرواية الشهيرة (إبداع مورِل l’Invention de Morel) (1940) و(أنطولوجيا الأدب الفانتازي) الذي وضعه بالاشتراك مع زوجته (سيلفينا أوكامبو Silvina Ocampo) و(بورخيس). أخيراً القصاص الموهوب (خوليو كورتازار Julio Cort?zar) الذي تمزج قصصه القلق والواقع اليومي بمهارة (الرواد التلقائيون للطريق الكوني les Autonautes de la cosmoroute، 1984).


عن:
Microsoft ® Encarta ® 2007. © 1993 ـ 2006 Microsoft Corporation. Tous droits reserve.
(1) أو لوسيوس أبوليوس تيزيوس (Lucius Apuleius Theseus v. 125 ـ v. 200,) كاتب وفيلسوف روماني، درس الأدب في قرطاجة والفلسفة في أثينا والقانون في روما. وضع روايته التحولات أو الحمار الذهبي في 11 كتاب. وفيها تحول الشخصية الرئيسية، لوسيوس، إلى حمار عن طريق سحر عارض، وبعد حوادث عرضية عديدة استعادت شكلها البشري بفضل كاهنة الإلهة المصرية إيزيس التي أطعمته الزهور. المترجم
(2) صدرت ترجمته بعنوان «مدخل إلى الأدب العجائبي»، وقام بها الصديق بوعلام. دار شرقيات. القاهرة. 1994. وآثرنا التعريب بسبب الالتباس الذي يجده القارئ في كثير من الكتب والمقالات بين الفانتازي والـ merveilleux أو الغرائبي، وغالباً ما يتبادل المصطلحان كلمتي «غرائبي» و«عجائبي» في ترجمة هذين المصطلحين، لذلك نفضل تعريب «الفانتازيا» بوصفها جنساً أدبياً. المترجم
في سبيل تعريف لأدب الخيال العلمي جاك غوامار Jaques Goimard ـــ ت.د.إياس حسن
يُعنى بتعريف الخيال العلمي ثلاثةُ أنماط رئيسة من المستخدمين: 1- أولئك الذين لا يعرفون ما هو ويرجعون إلى التعريفات المعجمية؛ 2- هواة هذا الجنس الأدبي، الذين يكتبون ويقرؤون تعريفات مادحة définitions-éloges؛ 3- المؤرخون والمنظرون لهذا الجنس، وهم نوع من الطليعة المجاهدة التي تواجه بشكل دائم إشكالية التعريف، والجاهزة دوما لتنصب له كميناً على امتداد مسيره الغامض في غابة التناقضات.
وتقرن تعريفات المعاجم بين ثلاثة تعابير:
1- المعرَّف le défini (وهنا كلمة الخيال-العلمي).
2- المعرِّف définissant، وهو بشكل عام جملة محملة إلى حد ما بنعوت وبظروف [أحوال] تمثل مقداراً من الخصائص المحتواة في التعريف.
3- علاقة تكافؤ بين المعرَّف والمعرِّف. هنا تبدأ التشويشات بسبب أن المعاجم، كما الكلمات المتقاطعة، غالباً ما تكتفي بعلاقات شبه التكافؤ de quasi-équivalence التي تأخذ بالحسبان ألعاب الكلمات (الكلمات المتقاطعة) وبالاعتبارات الاشتقاقية (المعاجم) بامتلاكها على الأقل ميزة أن توقظ اهتمام الذين ليسوا على علم به، وأن تسهّل اندماج التصورات الحديثة في الثقافة الأساس.
إن التعريفات التي يقدمها الهواة (أو نوع من الهواة الملقبين بالمتحمسين fans) موسومة بشغف مشترك تجاه هذا الجنس، شغف يودّون بسطه على غير المبالين، وعلى الخصوم الحقيقيين أو المفترضين للخيال العلمي. ومن جهة أخرى، يمتلك الهواة ثقافةً، وفي أفضل الحالات كفاءةً حقيقيتين، تسمحان لهم باستشفاف انتماء كتاب أو فيلم إلى صف أعمال الخيال العلمي، و(إذا أمكن القول) بأن لا يستغربوا من دهشتهم. بإمكانهم كذلك أن يستشفّوا هذا الحكم أو ذاك كإعلان عن خصيصة للخيال العلمي، حتى لو وضعها التشديد، في لائحة خصائص الجنس، على الأكثر استساغة وأحياناً المعبِّرة بشكل أكثر سذاجة، (الخيال العلمي عقلاني أيضا كالعلم، فهو يتنبأ بالمستقبل تماماً كما الاستشراف، إلخ). وأخيراً فهم يستطيعون اعتماد موقف شخصي بخصوص الأجناس الثانوية sous-genres المتنافسة، وبخصوص المدارس التي تجدد بشكل دوري الاهتمام بالخيال العلمي. إنهم حوض توليد المؤلفين والمتخصصين(1).
ولا يحتاج المؤلفون إلى أن يقدموا التعريفات. وبقي "المتخصصون" (المؤرخون، المنظرون). وإلى هؤلاء يعود تحليل الأعمال والنماذج، وعليهم أن يستخلصوا منها قوائم بالخصائص المميزة أو المخالفة، وأن يسبروا حدود المجموعات أو المجموعات الثانوية التي صيغت بهذا الشكل، ويطرحوا تصنيفات ونظريات موحِّدة، إلخ. وهناك عملٌ يحتاج إلى التفرغ الكامل أمام أجيال الباحثين: فقد شغل تصنيفُ الكائنات الحية علماءَ الطبيعة على امتداد القرن (الثامن عشر) قبل أن يتم اكتشاف المبدأ الأساس؛ وبعد ذلك أصبح التصنيف شيئاً فشيئاً علماً بالتفاصيل، مع أن البيولوجيا، في اندفاعها، كانت تصوغ في سنوات عدة نظرية التطور ومبدأ وحدة الكائن الحي.
غير أن جهد علماء البيولوجيا على امتداد القرون، يجب ألاّ يحبِط، بسبب نجاحه المتأخر، أولئك الذين يحاولون اليوم طرح مشكلات مماثلة دون توفر عددٍ مماثل من الباحثين ومدةٍ مماثلة من الزمن. لنتذكر لينه(2) الذي طرح في منتصف القرن الثامن عشر ـ في منتصف المسافةـ قرينةً لتصنيف النباتات لم تكن الأفضل، لكنه سمح لمن أتى بعده، بعشرين أو ثلاثين سنة، أن يجدوا الأفضل وهم يقاربون الواقع عن كثب. لقد عثرت الفانتازيا fantastique على ما يمكن أن يعادل لينه، في شخص تزفيتان تودوروف(3) الذي بنى تعريفاً فائقاً لهذا الجنس، وهو يرفض أسلافه "الشرعيين" (كاستِكس Castex، فاكس Vax، كايوا(4) Caillois) قبل أن يحرّض معادين لتودورف، والذين نجح رفضُهم بمقدار ما كان كتابُه شديدَ الوضوح؛ وهناك أيضاً بالنسبة للفانتازيا من يقوم مقام جسيو وكاندول، فهم موجودون بيننا، ويسهل التعرف إلى بعض منهم، وإن لم ينتجوا عملهم الكبير إلى الآن.
وفيما يتعلق بالخيال العلمي فهو ما زال، من حيث الأساس، وقفاً على بلاغة المديح والجدال. وقادت تحفظات المؤسسة الجامعية الفرنسية، في معارضتها له، مشاركاتِ باحثين شديدي النشاط للعمل خصوصاً على الفانتازيا(5). لكن جبهة البحث في الفانتازيا كانت قد لامست الخيال العلمي (نفكر تحديدا بعمل روجي بوزيتو Roger Bozzetto) ويمكننا أن نقدر أن الحملة، عندما تنطلق، ستمضي بشكل أسرع مما كان سيحضِّر له [معادلو] لينه وجسيو وكاندول في الفانتازيا.
وهكذا فإن التعريف، بمجرد ما يتنقّى، يبدو كشقيق توأم للتصنيف. لنشدد بهذا الصدد على أن غرض التصنيفات الأدبية والفنية هو ترتيب، ليس الأعمال (إذ يحق للمؤلفين دوماً «مزجُ» الأجناس)، بل خصائص الأعمال. وهذا يطرح عدة فصائل من العمليات المتعاقبة.
1ـ وضع قائمة بخصائص الأعمال
ولتكن مجموعة الأعمال أ، ب، ج، د، هـ ... والتي أظهر لنا وصفُها مجموعةَ الخصائص: ألف، باء، جيم، دال، هاء. أن عدد الأعمال المدروسة متبدل: لقد وُضِعت نظريةُ التراجيديا ـ بما فيها تعريفهاـ بناء على نموذج وحيد تقريباً من قبل أرسطو (أوديب الملك) وهيجل (أنتيجون)؛ ويستخدم تودوروف نحو عشرين نموذجاً، ويضيف إليها ـ من أجل التحديد الدقيق للفانتازيا كما يتصورها ـ عدداً معيناً من النماذج المضادة(6).
والمعارضون لتودوروف ـ وهم يرون أن مدونته شديدة الحصرية ـ رفضوا نظريته بمساعدة نماذج من خارج مدونته. فالأنطولوجيات الجامعية للنصوص النقدية تقدم منها أكثر بكثير (بشكل عام حول الرواية، الشعر، التراجيديا، الكوميديا، إلخ)، إنما المدونة المثالية هي كامل الأعمال التي يمكن الوصول إليها (32 بالنسبة للتراجيديا الإغريقية، نحو 1000 بالنسبة للتراجيديا في الفترة الإليزابيثية، عدة آلاف بالنسبة للتراجيديا الإسبانية في القرن الذهبي(7)): نمط مثالي ومن البدهي أنه متعذر التنفيذ، ويمكن أن تحل محله عينة معقولة، ما يفترض دراسات مسبقة.
فيما يتعلق بالخصائص، يحصي تودوروف ما يزيد قليلاً عن ثلاثين منها في نحو عشرة فصول.
وحصل لنا أن رتبنا في بطاقات عملاً قديماً إلى حد ما حول الميلودراما(8)، وقد استخلصنا منه 75 خصيصة لهذا الجنس، تختلط فيها الفئات كافة. يجب الاعتراف أيضاً بأن نهجنا، الاختباري «Empirique» البحت، لم يكن يتوفر على الواقي الذي يشكله سَنَدٌ نظري بنّاء (مثلما كان علم اللغة بالنسبة لتودوروف)، وقد ضمنّاه طروحات متناقضة، منذ أن ظهرت في مصدرنا.
2- ترتيب الخصائص
يجب إذن أن تعاد دراسة المدونة لكشف التناقضات وتبديد سوء الفهم؛ وبعد ذلك ستكون الخصائص بعد إعادة صياغتها مرتبة تبعاً للتواترات المتناقصة، فالأكثر صياغة في الغالب تكون ذات الحظ الأوفر للظهور في التعريف النهائي.
هناك في الحقيقة، وباستقلال عن روح المنظومة، جمالية للتعريف: كل مفهوم مدروس بنجاح يجب أن يكون من الممكن تحديده بجملة واحدة، حتى لو أُثقِل بتضمينات بمقدار ما وضع أرسطو منها في تعريفه ـ المشهور جداً!ـ للتراجيديا. هذا الإيجاز يفترض منطلقين:
أ) التخلي عن بعض الخصائص الثانوية، ربما تُطرَح من الخصائص التي كان سيتم الاحتفاظ بها، وذلك لجعل الجملة سهلة الحفظ- لنحصل منها، بالمحصلة، على قول مأثور ينقش على الرخام و[يصلح للطباعة].
ب) إظهار علاقات كانت صامتة سابقاً، ويجب، في طور معين، أن تصاغ.
يمكن الاعتقاد أنه في هذه الحالة، يصبح من المتعذر تجنب تناول الدراسة مع إضافة الخصائص... ضاد، ظاء، غين، التي خمن الباحث وجودها مؤخراً، إلى الخصائص ألف، باء، جيم، دال، التي اعتُمدت في البداية. لكن الرياضيات التطبيقية، إذا ما لجأنا إليها، تسمح بدراسة "التجميعات عديدة الأطروحات groupements polythétique" التي تقرن الأعمال الرسمية [الشرعية] بأعمال أخرى تكون فيها الخصيصةُ الرئيسة (المعطاة بالتعريف) غائبةً بوضوح وببساطة. تلكم حالة خصوصية إلى حد ما. وهي ليست الوحيدة. إنها تدعونا للحذر: التعريف ليس قانوناً فيزيائياً، يطبَّق على جميع العناصر في مجموعة، وعليها فقط؛ إنه باقة مقطوفة بيد ماهرة إلى هذا الحد أو ذاك من قلب دغلٍ ملتبس إلى هذا الحد أو ذاك.
3- وظيفة التعريف
للتعريف إذن مهمة أن يكون شعبياً، بمعنى جمالي تسويقي في آن واحد: ما يُتصوَّر جيداً يُعلن بوضوح، وما يعلن بوضوح يصيب بشكل أفضل الهدف في مركزه (ولو متعدد الأطروحات polythétique). ومن الزاوية المعرفية، ليس للتعريف بالمعنى الدقيق قيمة الحقيقة de vérité، بل قيمة الاستخلاص de résumé (من مجموعة من الطروحات يمكن تبيانها).
ومع ذلك لا يجوز أن يكون التعريف مشوشاً. فهو ينجم عن تصنيف جيد ويستطيع أن يحرض على نظريات جيدة؛ وهو بتوضعه في مفترق استراتيجي، يستطيع بنفسه فقط –وهذا نادر- أن يبلور النظريات.
* * *
لن نتناول ثانية هنا المشكلة من أساسها. وسنغفل عن تقديم تعريفات الماضي للقارئ الحالي، التي قد يكفي وصلها طرفاً بطرف لملء حجم هائل. من بين هذه التعريفات، فإنني لا أحتسب إلا التي أنتجتها بنفسي، وخصوصاً من الأخير، المنشور في الطبعة الأحدث من موسوعة يونيفيرساليس(9) Encyclopoedia Universalis.
حاولنا أن نحتفظ فيه بتسمية الخيال العلمي للقصص الخيالية التي تقرن بين الخصيصتين التاليتين: 1- أثر غير مألوف extraordinaire يسبب عند القارئ/المشاهد اندهاشاً شديداً، هو مصدر قلق أو نشوة، لكن يدل قبل كل شيء على هزيمة أشكال يقين منجزة موروثة من التقاليد؛ 2- أثر تأسيس أو إعادة إحياء للمحتمل الواقعي، الذي اختل عند القارئ بصدمته بغير المألوف، يؤمّن له عنفاً أعظمياً من خلال إعداده المسبق، أو من خلال مصاحبته في ارتداداته على انسجام العالم الاختباري، الذي تؤمنه حتى هنا مجموعة غير منتظمة إلى حد ما من القوانين الفيزيائية، ومن القواعد الاجتماعية، ومن الضوابط الثقافية، ومن الصنيعات التكنولوجية؛ وفي نهاية هذه العملية سيكون نظام العالم قد أطيح به (بشكل تدريجي كما في نظرية أحجار الدومينو، أو دفعة واحدة) أو أُجبر على إعادة التركيب بشكل آخر من أجل أخذ الواقع الجديد بعين الاعتبار.
إنه تعريف طويل بالفعل، ولا يبدو شديد الصعوبة على التبسيط. وهذا هو الهدف الذي سنهتم به هنا، دون أن يكون عندنا أمل بملاحقته هذه المرة حتى في معاقله الأخيرة.
لنلاحظ بدايةً أن الصدمة مما هو غير مألوف مشتركة بين الخيال العلمي وبين الفانتازيا (وبشكل أكثر تعميماً بين الأجناس كافة التي تستخدم التأثير الغرائبي effet de merveilleux). أما إعادة بناء المحتمل [الواقعي] وتكييف نظام العالم مع الواقع الجديد؛ فهما أكثر خصوصية للخيال العلمي وحده ("الخيال العلمي هو فانتازيا ذات مسامير [أكثر إحكاماً]"، كما يقول ببساطة تيري براتشِت Prachett). ويمكن إذن الاعتقاد أننا أمام تعريف per genus et differentiam specificam (عن طريق جنسٍ، هو الأكثر قرباً، واختلافٍ مما يميز النوع)، كما يقول الأرسطيون. يبدو أن هذه السمة تعلن تفرّعاً يقود إلى أجناس أخرى، إلى أنواع أخرى، إلخ. لكن لنحتفظ برأينا حول هذه النقطة، والذي قد يكون جريئاً حتى الآن.
لنلاحظ بعد ذلك أن عنصري هذا التعريف متضادان: المحتمل يتراجع في المرحلة الأولى، وبعد ذلك يتقدم ثانية، وهو يستعير طرقاً جديدة. من هذا المنظور نكون قريبين جداً من عيب إضافي، يوشك تعريف الخيال العلمي أن يذوب في تعريف أكثر عمومية للقصة récit.



ما هو الحدث البوليسي الكلاسيكي؟ جريمة، هي في وقت واحد صادمة وغامضة، وتحرٍّ ناجح يحل السر الغامض، ويحضّر لعودة النظام الاجتماعي معدَّلاً بالاختفاء المزدوج للضحية وللقاتل.
ما هي التراجيديا الإغريقية، أوديب الملك أو أنتيجون؟ جريمة وعقوبة، وهذه مسبوقة أو غير مسبوقة بتحقيق ومحاكمة.
ما هي الكوميديا الكبرى على طريقة طرطوف؟ جريرة مضاعفة (مهرج وقور auguste مغفل، هي أورغون، يعرّض للخطر زوجاً من العشاق تحت تأثير بهلوان خبيث منافق clown blanc، يتلاعب به، هو طرطوف)، يتبعها عقاب مضاعف (المهرج الوقور وقد خاب أمله يرضى بقران العاشقين، والبهلوان الخبيث، وقد افتضح أمره، يُرسَل إلى السجن). ويمكن الإكثار من الأمثلة.
ليس إذن وجود حركتين متعاكستين هو الذي يجب أن يلفت انتباهنا، إنما طبيعة هاتين الحركتين: فقدٌ مفاجئ للمرجّح(10) vraisemblance، وإعادةُ بناء بعد الزلزال لمعقولية نفترض أنها قادرة على المقاومة في الهزة القادمة. فالعالم الاختباري "Empirique"، بصفته نقطة البدء لجميع التحولات، يخلي المكان لسلسلة من العوالم المتخيَلة من الدرجة الأولى (تنويع واحد)، ومن الدرجة الثانية (تنويعان)، إلخ. وإذا ما وُجدت قلة من القصص تقدم أكثر من تنوعين، فإن بعض الروايات الطويلة يستخدم منها الآلاف، وهي تحيل قراءها الولعين بالشروحات إلى ملاحق مطوّلة.
بهذا الشكل يرتبط تعريف الخيال العلمي بهذا القسم من الخطاب الذي أسمته البلاغة القديمة توصيفاً [واقعياً] description. والتوصيف بمقدار ما يكون طويلاً وصعبَ التفسير، يمارس الخديعة بخصوص قيم الحقيقة المقبولة في العالم الاختباري، ويكاد دوماً يبعث في القارئ مللاً يدفع إلى النوم، إلا إذا كانت مهارة النص في إنتاج تموجات ondoyances ملونة تصادف لدى القارئ عُصاباً استحواذياً قديماً يدفعه إلى البحث عن انسجامات في الشاذ. وباختصار، إن موقع المسامير هناك حيث نسي الكاتب تحديداً أن يضعها.
والخيال العلمي وقع في المطب، وعمل جهده للخروج منه في فترات مختلفة وبطرق متنوعة: توصيفاتٌ مسبقة للعالم التجريبي، معلومةٌ متأخرة، وحتى توضيح نهائي، ومعلومةٌ منتشرة في القصة يكشفها الحدث، إلخ. لكن فرصته التاريخية كانت في الاعتياد المتدرج الذي استلهمه الهواة عن طريق موضوعه، والذي انتهى إلى تشكيل عالم شبه اختباري ـ فيما خلا طارئ ثقافي، وقطع مفاجئ ممكن دوماًـ، وعالمٍ يلتزم من الناحية التقليدية بـ «التعليق [الإرجاء] الطوعي للشك»، هو كونسرفاتوار [المحافظ على] المحتمل في مملكة الفانتا.
(1) ظهرت هذه الوظيفة في الولايات المتحدة وبريطانيا خلال عقد العشرينيات من القرن العشرين، وفي فرنسا خلال الخمسينيات. وقد ركزت مجلة فيكشن Fiction ولفترة طويلة، على المعلومات والمساجلات حول هذه التيمة. ونجد توليفاً رائعاً في مقدمة سيرج لامان Lahman في أنطولوجيا Escales sur l`horizon (Fleuve Noir).
(2) Linné (كارل فون لينه أو لينيوس. 1707-1778). طبيب وعالم نبات سويدي وضع مجموعة المصطلحات التي تشير إلى الكائنات الحية كافة باستخدام اسمين من اللغة اللاتينية يدلان على النوع وعلى الجنس، مازالت صالحة حتى الآن. وضع عام 1735 تصنيفاً للنباتات يعتمد على اللواقح. وتم التخلي عنه فيما بعد لصالح طريقة جسيو Jussieu (Antoine Laurent) (1748-1836). وهو عالم نبات فرنسي، ابن أخ برنار جسيو، خلفه في وظيفة قيّم على حديقة النبات الملكية، وتابع= =منهجه في التصنيف (المنهج الطبيعي). وطبع بدءاً من عام 1763 تصنيفه بوضع الكائنات ضمن عائلات معتمداً على الخصائص الثابتة والمتغيرة.
أما كاندول Candolle (Augustin Pyrame de) (1778-1841). فهو عالم نبات سويسري، وضع تصنيفاً عام 1817مستنداً على جسيو، واعتمد فقط على الصفات الشكلية. أما الطريقة المتبعة حالياً فهي أكثر تعقيداً، وتقوم على العلاقات التطورية بين الأنواع.المترجم
(3) Introduction a la littérature fantastique, Seuil, 1970.
وقد صدرت ترجمته إلى العربية تحت عنوان: مدخل إلى الأدب العجائبي. ترجمة الصديق بو علام، دار شرقيات. القاهرة 1994.المترجم
(4) بخصوص مساهماتهم المقصودة هنا، راجع موضوع "الأدب الفانتازي [العجائبي]" في هذا الملف. المترجم
(5) إن مثال الـ CERLI (مركز الدراسات والأبحاث حول الأدب المتخيل) مفيد جدا. من سيكتب قصته؟
(6) يظهر الخيال العلمي، الذي تقدمه مجموعة شيكلي Sheckley، مصنفا بسبب ذلك بين دائرة الغرائبي.
(7) فترة الذروة للتاج الإسباني بين 1525-1660.المترجم.
(8) Paul Ginisty, Le Melodrame, Paris 1911.
(9) كاتب هذا البحث، غوامار، هو الذي حرر مادة "الخيال العلمي" في موسوعة يونيفيرساليس، 1997.المترجم
(10) هذه هي الكلمة التي استخدمها أرسطو. يفضل كوليريدج Coleridge أن يقول بأن القارئ يقبل أن "يعلّق طوعاً عدم تصديقه" كي يتذوق بشكل أفضل متعة النص. وهذا يشير إلى تواطؤ بين القارئ (الذي ليس فقط المهرج الوقور الأحمق auguste) والمؤلف (الذي ليس فقط المهرج الخبيث المنافق clown blanc).


الأحد، 7 سبتمبر 2014

أزهار الشر........... شارل بودلير


عن صاحب الأزهار:
شارل پيير بودلير (1821-1867) هو شاعر وناقد فني فرنسي، يعتبر من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. حيث حُسب شعره على أنه متقدم ومتجاوز لشعر زمنه فلم يفهم جيدًا إلا بعد وفاته. بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه الشهير “أزهار الشر”، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبري مثل باريس.
عاش بودلير في عصر نضح بمتغيرات عدة، وعج بأسماء لامعة في الفكر والفلسفة والعلوم والأدب (فريدريك نيتشه، هيجل، كانت، كارل ماركس، فكتور هوجو، فلوبير، أوغست كونت، داروين، شوبنهاور وغيرهم)، خلاله صقل شخصية الشاعر الفذ فيه ومارس حريته في قول وفعل ما يريد. هو الذي يتحدث في يومياته عن أن الروح تمر بحالات تكاد تكون فوق طبيعية، يتجلى أثناءها عمق الحياة بأكمله في أي مشهد يتاح للعين مهما كان عاديًا. إن النظر إلى عمق الحياة هي مهمة الشاعر الحقيقي. لكن الشاعر لا بد أن يكون إنسانا قبل كل شيء، بما يحمله هذا الإنسان بداخله من تناقضات صارخة. إن المواءمة بين الشرط الشعري والشرط الإنساني هي التي تصنع الشاعر الحقيقي أو ما يسميه بودلير “الداندي” نسبة إلى “الدانديزم” الذي يعرفه بودلير بأنه المعادلة الخيميائية التي بفضلها يلتحم الشاعر بالإنسان لإنجاب الكائن الأسمى: الداندي.. هذا الداندي عليه، حسب بودلير، أن يعيش ويموت أمام مرآة، وأن يكون عظيما في نظر نفسه قبل كل شيء إذ أن “الأمم لا تنجب العظماء إلا مرغمة. إذن لن يكون الرجل عظيمًا إلا إذا انتصر على أمته جمعاء”، كما أن الداندي عاشق للفن والجمال، ولكن ليس الجمال النمطي المكرس والقار. الجميل عند بودلير هو شيء ما متأجج وحزين، شيء ما يفسح المجال للتخمين، ويجعل من شروطه الغموض والندم، ويضيف إليهما شرط التعاسة.







* قال عن نفسه في أحد خطاباته عام 1814:
“أنا إنسان مريض، شنيع الطبائع، والذنب هنا هو ذنب أبوي. من جراهما يسري البلى في نسجي وتنحل عراي وترث قواي؛ ذلك من يولد لأم في السابعة والعشرين وأب طاعن في الثانية والستين. فتأمل يا صاح خمسة وثلاثين عامًا بين الاثنين. تقول إنك تدرس علم البنية والطبائع. فسل نفسك عما ترى في الثمرة الناتجة عن قران كهذا القران.




* قال فيه الشاعر الفرنسي آرثر رامبو:
“إن بودلير لهو أمير الشعراء.. إنه إله حقيقي للشعر”







تقديم الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر لديوان “أزهار الشر”:
موقف بودلير الأصلي هو موقف العاكف على نفسه يتأملها كنرسيس الأسطورة. فليس لديه شعور مباشر لا تخترقه نظرة مرهفة. نحن عندما نتأمل مثلاً شجرة أو بيتاً نستغرق في هذه الأشياء وننسى أنفسنا، أما بودلير فإنه لا ينسى نفسه أبداً. فهو يتأمل نفسه عندما يتأمل الأشياء، وهو ينظر إلى نفسه ليرى نفسه يُنظر. إنه يتأمل شعوره بالبيت وبالشجرة لذا لا يراها إلا أشد ضآلة وأقل وقعاً كما لو كان ينظر إليها من خلال عدسة مصغرة. فلا تدل إحداهما على الأخرى كما يدل السهم على الطريق أو الإشارة إلى الصفحة. وفكر بودلير لا يضيع أبداً في متاهاتها ولكن على العكس يرى أن المهمة المباشرة لها هي أن تعيد له شعوره بذاته. لقد كتب يقول: “ما يهم ما تستطيع أن تكون الحقيقة الموضوعة خارج نفسي إذا هي ساعدتني على أن أعيش وأن أشعر إني موجود ومن أنا”. وفي نفسه كان همّه ألا يظهر الأشياء إلا من خلال جدار سميك من الشعور الإنساني عندما يقول في كتابه “الفن الفلسفي”.
“ما هو الفن الخالص في المفهوم الحديث؟” “هو أن تخلق سحراً متلاحقاً يحتوي الموضوع والعلة معاً والعالم الخارجي للفنان والفنان نفسه، بشكل يستطيع معه إلقاء محاضرة بعنوان ضآلة الحقيقة في العالم الخارجي” ذرائع، انعكاسات، أطر الأشياء كلها لا قيمة لها مطلقاً بذاتها وليس لها من مهمة سوى أن تعطي الفنان فرصة تأمل نفسه وهو يراها. لبودلير مسافة جوهرية تفصله عن العالم ليست هي مسافتنا نحن فبينه وبين الأشياء تتدخل دائمًا نصف شفافية لزجة قليلاً معطرة كثيراً كأنها ارتجاف هواء الصيف الحار وهذا الشعور المراقب والذي يشعر بأنه مراقب وهو يقوم بأعماله العادية، يفقد الإنسان عفويته كالطفل الذي يلعب في ظل مراقبة الكبار. هذه العفوية التي كرهها بودلير بقدر ما ندم على حرمانه منها. هو لا يملكها مطلقاً فكل شيء عنده مزيّف لأنه مراقب فأتفه نزوة وأقل رغبة تولد مراقبة وحلولة الرموز. وإذا ما تذكرنا المعنى الذي أعطاه “هيجل” لكلمة مباشرة أدركنا أن تميز بودلير العميق يكمن في كونه الرجل الذي فقد المباشرية. ولكن كان لهذا التميز من قيمة بالنسبة لنا نحن الذين نراه من الخارج، فغنه وهو الذي ينظر إلى نفسه من الداخل لم يستطيع أن يمسك به مطلقاً. كان يفتش عن طبيعته أي خصائصه وكيانه، لكنه لم يدرك سوى توالي حالاته النفسية الرتيبة الطويلة التي جعلته يسخط عليها. كان يرى جيداً ماذا يصنع خصوصية الجنرال أو بيك وخصوصية أمه. فكيف إذنْ لم يتمتع بخصوصية شخصه هو. ذلك لأنه كان ضحية وهم طبيعي، بموجبه ينطبع داخل الإنسان على خارجه. وهذا غير موجود. وهذه الصفة المميزة التي تشير إليه دون الآخرين، لا اسم لها في لغته الداخلية. فهل يرى نفسه روحانياً أم مبتذلاً أم متميزاً؟ أو هل باستطاعته حتى أن يدرك حيويته وسعة ذكائه؟ هذا الذكاء الذي لا يحدّه سوى نفسه، وما لم يتدخل المخدر ليسرّع قليلاً من مجرى أفكاره فقد كان معتادًا على وتيرتها وكانت تعابير التشبيه تنقصه ليعرف كيف يتذوق سرعة جريانها. أما عن تفاصيل أفكاره وعواطفه المتوقعة والمعروفة حتى قبل أن تظهر والشفافة من كل النواحي فإنها تلوح له معروفة جداً، قد رآها من قبل ولها في نفسه ألفة لا رائحة لها ولا طعم. آتية من حياة سائبة. إن نفسه مملوئة بنفسه حتى الفيضان. لكن هذه النفس ليست سوى مزاج كابٍ فَقَدَ التماسك والمقاومة، حتى عجز عن الحكم والملاحظة دون ظلال ولا أنوار. إنه وعي ثرثار يرود نفسه بهمس متلاحق ويلتصق بنفسه التصاقاً يمنعه من قيادة نفسه ورؤيتها بوضوح. وهنا تبدأ المأساة البودليرية.تصوروا الشحرور الأبيض أصيب بالعمى ـ لأن النور المبهر إذا انعكس على العين يعادل العمى ـ فتسلطت عليه فكرة البياض المنتشر على جناحيه, يراه كل الشحارير و يحدثونه عنه وهو وحده لا يستطيع أن يراه, ووضوح بودلير الشهير ليس سوى مجهود لتعويض الخسارة. فالأمر يتعلق باستعادة نفسه وبما أن النظر تملّك فيجب أن يرى نفسه ولكن لكي يرى نفسه يجب أن يكون شخصين. إن بودلير يستطيع أن يرى يديه وذراعيه لأن العين مختلفة عن اليد لكن العين لا تستطيع أن ترى فنسها إنها تشعر بنفسها وتعيشها غير أنها لا تستطيع أن تتخذ المسافة الضرورية لكي تتذوق نفسها. وعبثاً ما يصرخ في أزهار الشر قائلاً:
وجهاً لوجه كئيباً واضحاً
يقف وقلبه مرآته











وهذه المواجهة ما تكاد خطوطها الأولى ترتسم حتى تتلاشى لأنه لا يملك سوى رأس واحد. وسينحصر مجهود بودلير في دفع المحاولة المجهضة من الازدواجية إلى نهايتها القصوى، والتي هي الضمير العاكس. وإذا تمتع مبدئيا ًبالوضوح فليس ذلك من أجل أن يقدم لنفسه حساباً عن أخطائه ولكن من أجل أن يصبح اثنين. وإذا أراد أن يكون اثنين فلكي يحقق من هذا الازدواج الامتلاك النهائي للأنا بواسطة الأنا وهكذا يضج منه وضوحه. فلم يكن سوى شاهد نفسه وسيحاول أن يكون جلادها لأن التعذيب يولد ازدواجية كاملة الاتحاد، فيه يستولي الجلاد على الضحية. وبما أنه لم ينجح في رؤية نفسه فلا أقل من أن ينبشها كما تنبش السكين الجرح آملاً من وراء ذلك أن يصل إلى الوحدة العميقة التي تكوّن حقيقة طبيعته:
أنا الجرح والسكين
أنا الضحية والجلاد
فهل هذا التنكيل بنفسه يقلدّ الامتلاك؟ إنه ينزع إلى خلق لحم تحت أصابعه، لحمه هو حتى يعرف أنه لحمه من خلال ما يشعر به من ألم. فأنْ تجعل إنساناً يتألم ذلك يساعدك على امتلاكه وخلقه كما يساعدك على القضاء عليه. والصلة التي تجمع بالتبادل الضحية والمحقق هي صلة جنسية. وعبثاً يحاول أن ينقل إلى حياته الشخصية هذه العلاقة التي لا معنى لها إلا بين أشخاص متمايزين. أن يحول إلى سكين وجدانه العاكس وإلى جرح وجدانه المستقبل في حين أنهما في الواقع واحد.لا يمكن أن يحب الإنسان نفسه ولا أن يكرهها ولا أن يعذب نفسه، فالضحية والجلاد يختفيان في عدم تمييز مطلق عندما يطالب الأول بالألم والثاني يمارسه بعمل إرادي وحيد. وبودلير أراد بعمل معاكس، لكنه يهدف إلى الغاية نفسها، أن يجعل من نفسه الشريك المتكتم بوجدانه المستقبل، ضد وجدانه العاكس. وعندما يكف عن جعل نفسه تستشهد فذلك لأنه يحاول أن يندهش من نفسه، وسيدّعي عفوية محيّرة، وسيتظاهر بالاستسلام إلى أكثر النزوات مجانية، لكي يضع نفسه فجأة أمام نفسه، كشيء معتم وغير منتظر، أو بتعبير آخر كشخص يختلف عن شخصه. فإذا نجح في هذا المسعى، فالمشكلة محلولة جزئياً وباستطاعته إذن أن يتمتع بشخصه. ولكنه هنا أيضاً لا يكوّن سوى شخص واحد مع الذي يريد أن يفاجئه، وأقل ما يقال أنه يحدس مشروعه حتى قبل أن يضعه. إنه يتوقع مفاجأته ويقيسها ويركض وراء اندهاشه الشخصي دون أن يستطيع أبداً إدراكه. فبودلير هو الرجل الذي اختار أن يرى نفسه كأنه شخص آخر ولم تكن حياته كلها سوى قصة هذا الفشل. وعلى الرغم من الخدع التي نسجت صورته في نظرنا إلى الأبد فإنه يعرف تماماً بأن نظرته الشهيرة ليست هي والشيء المنظور سوى واحد. وأنه لن يصل أبداً إلى امتلاك حقيقي لشخصه ولكنه يصل فقط إلى ذلك التذوّق الفاتر الذي يميز الوجدان العاكس.إنه يشعر بالضجر وهذا الضجر “تلك العاطفة العجيبة التي هي أصل كل أمراضه وكل نجاحاته البائسة” ليس حالة عارضة أو كما يدّعي هو أحياناً ثمرة عدم فضوله القرف: إنه “الضجر النقي من الحياة” الذي تكلم عنه “فاليري”، إنه الطعم الذي يملكه الإنسان لنفسه بالضرورة إنه طعم الوجود.
أنا غرفة انتظار عتيقة
مليئة بالورود الذابلة
يملؤها خليط عجيب
من أزياء فات زمانها
ولا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب
إلا الرسوم النائحة
ولوحات بوشيه الشاحبة
هذه الرائحة الخفيفة التي تتصاعد من حق مفتوح إنك لا تكاد تشعر بها، لكنك تراها فهي حاضرة بكل هدوء وفظاعة، لأنها الرمز الأمثل لوجود الوجدان من أجل نفسه. فهل الضجر أيضاً شعور ميتافيزيقي.
هذا هو المنظر الداخلي لبودلير والمادة الأزلية التي صنعت منها أفراحه وغضبه وأحزانه. وها هو تناسخه الجديد: بعد أن سدّ عليه حدسه، بتفرده الصريح، المنافذ كلها، يدرك أنه وقف على كل إنسان. فسار في طريق الوضوح ليكشف عن طبيعته المتميزة وعن مجموع الملامح التي تستطيع أن تجعل منه الرجل الذي لا يمكن تعويضه. أما ما وجده في طريقه فلم يكن وجهه هو، لكنه الأنماط الغامضة للضمير الكوني. فالكبرياء والوضوح والسأم كلها واحدة في نظره. ففي داخله وعلى الرغم منه، يصل ضمير المجموع إلى ضمير الفرد ويتعارفان.








مختارات من “أزهار الشر”:






القطرس
غالبًا ما يصطاد البحارة طلبًا للتسلية
طيور القطرس. هذه الطيور الكبيرة
التي تتبع بغير مبالاة السفينة المنسابة
فوق اللجج كأنها رفاق السفر
وما إن يضع البحارة ملك الفضاء هذا
على ألواح السفينة
حتى يتحول إلى أخرق خجل
يترك جناحيه الكبيرين الناصعين
يجرجران إلى جانبه كالمجاديف
بصورة تدعو للرثاء
يا له من أخرق تافه مضحك بشع
هذا المسافر المجنح الذي كان في غاية الجمال
فواحد يزعج منقاره بغليونه
وآخر يقلد وهو يعرج هذا المريض الذي كان يحلق
ما أشبه الشاعر بأمير الفضاء هذا
الذي كان يرود العاصفة ويهزأ بالرماة
إنه على الأرض منفيّ بين الغوغاء
وأجنحته الجبارة تعوقه عن مواصلة المسير.








العدوّ
شبابي لم يكن سوى زوبعة قاتمة
اخترقته هنا وهناك الشموس اللامعة
فقد عبث المطر والرعد ببستاني
فلم يبقيا فيه إلا القليل من الثمار الذهبية
وها إن أفكاري قد بلغت خريفها
ولا بد لي من استعمال الرفش والمسلفة
لأعيد تنظيم هذه المزارع التي غمرتها المياه
وحفرت فيها حفرًا واسعة كالقبور
من يدري إذا كانت هذه الأزهار الجديدة
التي كنت بها أحلم
ستجد في التربة المغسولة كالرمل
الغذاء الرمزي الذي يبعث فيها النشاط
أيها الألم إن الزمن يُبلي الحياة
والعدوّ الغامض الذي ينهش قلوبنا
على دمنا المسفوح ينمو ويقوى.




الرجل والبحر
أيها الإنسان الحر ستحب البحر دائمًا
فالبحر مرآتك تتأمل نفسك في انبساط أمواجه
غير المتناهية، في حين
أن روحك هاوية لا يقل عنه مرارة
ومن دواعي سرورك أن تغوص في أعماق صورتك
وتضمها بعينيك وذراعيك
وقلبك يلهو أحيانًا بخفقانه
وبصخب هذه الشكوى الوحشية المتمردة
فأنتما غامضان لا تبوحان
فيا أيها الرجل.. لم يستطع أحد أن يسبر أغوار نفسك
ويا أيها البحر.. لم يستطع أحد أن يعرف مقدار ثروتك
الدفينة في أعماقك
لحرصكما الشديد على كتمان أسراركما
ومع ذلك فإنكما تحتربان بلا شفقة ولا ندم
لأنكما تحبان كثيرًا الموت والمجازر
يا أيها المتحاربان الأزليان
والأخوان اللذان لا يعرفان الهدوء








بكاملها
زارني الشيطان يومًا في غرفتي العالية
محاولاً أن يضبطني متلبسًا بالخطيئة
فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها
فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها
ومن الأشياء الوردية والسوداء
التي تكوّن جسدها الفاتن
أي شيء هو الأجمل
أراك يا نفسي تجيبين كارهة
لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم
فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها
أجدني أجهل الشيء الذي سحرني
إنها كالفجر تبهيني وكالليل تعزيني
والانسجام الذي يلف كل جسدها
بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصّر
عن تعداد توافقاتها العديدة
فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة
إن أنفاسها تصنع الموسيقى
وإن صوتها يصنع العطور.




الشبح
كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغًا وسيستمر باردًا حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب.








موت الفقراء
إنه الموت الذي يعزي واحسرتاه
وهو الذي يحملنا على الحياة
إنه غاية الحياة والأمل الوحيد
الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا
ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية
عبر الإعصار والثلج والجليد
هو الضوء المتموّج في آفاقنا السود
إنه الفندق الذائع الصيت
الذي يوفر الطعام والراحة والنوم
إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية
الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة
ويسوي مضاجع الفقراء والعراة
هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي
وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم
إنه الرواق المفتوح على الآفاق
المجهولة.






مترجمة عن الفرنسية