الأربعاء، 10 ديسمبر 2014

إياك والزواج من كبيرة القدمين.........




العنوان أعلاه هو عنوان كتاب صدر في عام 2004م لمينيكية شيبر (Mineke Schipper) أستاذة الآداب بجامعة ليدن الهولندية. الكتاب الصادر باللغة الإنجليزية أساساً (Never Marry A Woman With Big Feet) قامت دار الشروق بترجمته إلى اللغة العربية ونشره عام 2008م. وهذا الكتاب الضخم الذي يقع في حوالي 650 صفحة هو دراسة قامت بها الباحثة عن النساء في أمثال الشعوب حول العالم. ويندرج هذا الكتاب تحت بند الدراسات المقارنة حيث قامت الباحثة وعلى مر الأعوام بجمع 15,735 مثلاً من 240 لغة من كل البلدان وتتناول جميع مناحي حياة النساء بدءًا من الأمثال الخاصة بالسمات الجسدية وحتى الأمثال التي تصف سلوكيات المرأة، هادفة من وراء ذلك إلى عمل دراسة مقارنة تكشف الأنماط المشتركة بين الثقافات والشعوب في التحيز والتمييز ضد النساء، والتي تكوّن الأمثال الشعبية فيها نموذجاً واضحاً للقيم الاجتماعية السائدة ولنظرة المجتمع تجاه المرأة. 

\"إياك والزواج من كبيرة القدمين\" وهو مثل أفريقي وجدت الكاتبة أن هناك مثلاً صينياً يرادفه: \"المرأة طويلة القدمين ينتهي بها الحال وحيدة في غرفة\". مثل هندي آخر يقول: \"النساء كالأحذية يمكن دائماً استبدالها\" بينما نجد مثلاً فنزويلياً يقول: \"النساء كالأتوبيسات يرحل واحد، يأتي الآخر\". تقول الكاتبة: \"وقد اتضح في الآلاف من الأمثال المتاحة لي بعض أوجه الشبه العامة بين أمثال من مناطق بالغة الاختلاف من العالم. ونجد عبر الثقافات المتنوعة صوراً مجازية مختلفة تحمل نفس الرسالة عن البنات والزوجات والأرامل وعائلة الزوجة أو الزوج، وعن التقدم في السن وعن الجمال والحب والحمل وما إلى ذلك. بل وتظهر حتى نفس الصور عبر الثقافات، وهو ما نجده على سبيل المثال في صورة النساء باعتبارهن خيلاً (تحتاج إلى رجال أشداء يركبونهن) أو كالدجاج (في حاجة إلى ديوك تنطق بالنيابة عنها) أو باعتبارهن طعاماً (والرجال هم آكلوه)\". وتنبع أهمية المادة المطروحة هنا لا مما تعكسه الأمثال عن الواقع بل مما تمثله من أفكار لما يجب أن يكون عليه الواقع. بالتالي فهي على حد قول الكاتبة: \"تقدم مرآة مثيرة للمصالح والتخوفات والأفكار الموروثة حول الأنوثة المثالية والمنحرفة التي يوحي بها الذكور، ومن هنا توضح في نفس الوقت وجهات نظر موروثة عن معايير الذكورة المثالية والمنحرفة\". وتورد هنا نموذجاً من مثل من رواندا يقول \"البيت السيئ يرسلك في طلب الماء والحطب\" مما يعني أن الرجل \"يصبح عبد زوجته إذا قبل بأن يقوم بأعمال المرأة المهينة بدلاً عنها\". ونحن إذ لدينا في الثقافة العربية أمثلة على شاكلة \"طاعة النساء ندامة\" أو \"شاور زوجتك واعصها\" فإن مثل هذه الأمثال لا تعكس الواقع الذي نعيشه حيث يقوم العديد من الرجال باستشارة زوجاتهم. ولكن تلك الأمثال تضع حداً فاصلاً بين الصواب والخطأ فتصبح مشاورة النساء من ثم استثناء للقاعدة الأساسية وخروجاً عن الطريق القويم. 
للأمثال الشعبية نوع من السلطوية الثقافية نظراً لارتباطها بحكمة الأجداد والتراث وفي نظر الكثير بالدين أيضاً. تقول الكاتبة: \"الأمثال بصفتها جزءاً من ميراث الناس الثقافي تؤكد بطبيعتها القيم والمعايير الاجتماعية .. يصر مستخدم الأمثال على القبول الجمعي للمعايير والقيم السائدة كقضايا مسلم بها ويميل الناس إلى تقديس الماضي\". مثل هذا النوع من التقديس موجود بحسب الكاتبة رغم وجود \"نساء كثيرات على مستوى العالم اليوم يتمتعن بحريات أكثر مما كان يمكن لجداتهن وحتى والداتهن أن يحلمن بها في الماضي، فالنساء الناجحات يتمتعن بقدر من التعليم وبوظائف أكثر تميزاً مما كان متاحاً للنساء في الأجيال السابقة وهن بذلك يقدمن نموذجاً ملهماً لأخواتهن وصديقاتهن وبناتهن. وفي اللغة البنجالية نجد شعاراً حديثاً شائعاً يشجع على تعليم النساء قائلاً (أعطني أماً متعلمة أعطك أمة مزدهرة).. ومع ذلك توجد أيضاً مجتمعات وثقافات يتم فيها النظر للأدوار المتغيرة للنساء باعتبارها خيانة للتراث والدين، ففي مثل تلك المجتمعات تكون الحدود بين العالم الداخلي والعالم الخارجي خاضعة لحراسة صارمة. وإذ تتنوع أساليب هذه الحراسة فإن الأمثال تعد وجهاً لها يعكس القيم الثقافية السائدة.
من أجل ذلك ترى الكاتبة أن \"تحليل التراث الخاص بالجنسين عبر الثقافات يساهم في زيادة الوعي بالموروثات التي لا نزال نقبلها باعتبارها طبيعية أو على النقيض من ذلك نؤمن بأننا قد تركناها خلفنا .. إن الأمثال جزء من التاريخ الثقافي الحيوي للبشرية ويتعين علينا أن نفهم دروسه قبل اتخاذ القرار بشأن الجزء الذي نود نقله لأطفالنا وأحفادنا من الجوانب المتنوعة لهذا التراث\"
المثير في الكتاب هو أسلوب المقارنة الذي اعتمده في إيصال الرسالة. فنحن إذ نملك في الثقافة العربية أمثالا على شاكلة (تحت البراقع سم ناقع) نجد لها الكثير من المرادفات في الثقافات الأخرى. (أشر السموم قلب المرأة – 
تايلاندي) (المرأة والنبيذ كلاهما يحمل سماً – فرنسي) أو المثل العربي الآخر (النساء حبائل الشيطان) وهي فكرة منتشرة بكثرة (الشيطان أستاذ الرجل وتلميذ المرأة – ياباني) (حتى أفضل النساء فيها ضلع شيطان –روماني) (أينما يفشل الشيطان يرسل امرأة – أوروبي).
مثل هذا المنهج في الاستقراء يقودنا لاكتشاف أن الكثير من الأمثال التي كنا نعتبرها وليدة مجتمعات لها جوهرها الخاص من الدين والثقافة ليست كذلك. بل على العكس قد تعكس هذه الأمثال مدى انحراف مجتمع إسلامي كمجتمعاتنا عن القيم الأصيلة للإسلام. فضرب الزوجة على سبيل المثال أمر بات منتشراً في مجتمعاتنا ولدينا من الأمثال الكثير مما يحفز عليه. (اضرب المرة تفهمك) (دق البنت في ميقعكم يبقى فيها ما يلقعكم) (اكسر لها ضلع يطلع لها اثنين) (اللي ما يذبح شاته ويضرب مراته موته خير من حياته). وقد يعزو البعض نشوء مثل هذه الأمثال لجذور دينية، الدين منها براء. ولكن المقارنة مع أدب الأمثال العالمي وخاصة الغربي منها يكشف الكثير من الحقائق. (النساء وشرائح اللحم كلما ضربتها أصبحت أفضل – مثل ألماني) (اضرب زوجتك بانتظام فإن لم تعرف أنت له سبباً ستعرف هي السبب – مثل غرب أفريقي) (النساء كالأجراس يجب ضربهن بانتظام – إنجليزي) (من يضرب زوجته يحسن الله طعامه – روسي) (إن لم تضرب زوجتك علقة ربما تظن أنها قد أصبحت أرملة – أرمني) (الخيول الجيدة والخيول السيئة في حاجة إلى المهماز والنساء الصالحات والنساء السيئات في حاجة إلى الكرباج – فرنسي) (المرأة التي تتعرض للضرب ستكون زوجة أفضل – كوري).
حتى النظر للمرأة على أنها عورة يجب سترها أو التخلص منها سريعاً أو تفضيل الصبي على البنت كلها أمور مشتركة مع العديد من الثقافات والملفت للنظر هنا هو تشابهها مع ثقافات غربية. فالأمثال العربية مثل (البنت يا تسترها يا تقبرها) (إن ماتت أختك انستر عرضك) (خلف البنات يحوج لنسب الكلاب) لها ما يوافقها في الثقافات الغربية مثل (الميت والابنة يجب أن يتركا المنزل سريعاً – مثل هولندي) (البنات والسمك الميت أشياء ليست للحفظ – إنجليزي) (أمانة البنت مثل الثلج عندما يذوب لا يرى بياضه – روماني). المثل العربي الشهير الوارد في عدة نسخ الذي يحدد (خروج المرأة من منزلها مرتين فقط في حياتها مرة عند زواجها والأخرى عند دفنها). ويتشدق البعض بهذا المثل لما يرون فيه من قيم الحفاظ على الشرف والعرض وما يحمله من دلالات دينية، لكن الملفت حقيقة للنظر هو وجود مثل إنجليزي يطابق هذا المثل تماماً (المرأة تخرج من منزلها ثلاث مرات. عند تعميدها وزواجها ودفنها - إنجليزي).
ما يقودنا إليه هذا المنهج في المقارنة والاستقراء هو استجلاء واقع الانحراف الكبير الذي أصاب مجتمعاتنا في التعامل والنظر للمرأة بعيداً عن روح القيم الإسلامية الأصيلة. فثقافة تحقير وإهانة وضرب المرأة ثقافة عالمية جاء الإسلام ليحطمها وينزعها من القلوب. ومن المؤسف أن تتحول هذه الثقافة بما تكشفه لنا أمثالنا إلى شيء نربطه بالدين بدلاً من أن يعمل الدين على تحطيمه. فالإسلام جاء ليرفع من مكانة وقدر النساء ويفتح لهن مناحي الحياة وباب المشاركة الفاعلة في المجتمع إلى حد قيام الصحابيات بالتشمير والمشاركة في الغزوات مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالسيف والسلاح. مما يضعنا أمام استحقاق تاريخي لمراجعة تراثنا وتنقيته من الشوائب والأخطاء التي علقت به بعيداً عن أي تقديس للعادات والتقاليد أو الموروثات الثقافية. وهنا يبدو الأمل والتفاؤل بذلك معلقاً على الجيل القادم من الشباب الذي بدأ هذه المراجعة التاريخية في بيوتهم وأماكن عملهم وفي تعاملهم مع زوجاتهم وبناتهم ونساء المجتمع.

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

تاريخ القراءة - ألبرتو مانغويل

تاريخ القراءة - ألبرتو مانغويل




كان يا ما كان في سالف الأزمان، قلم و دواة و عقل و بنان، اجتمعت فأضحت إنساناً و كتاباً لبعضهما عاشقان. و في يوم من ذات الأيام، ظهر هذا العشق و استبان، عابرا التواريخ و البلدان، ليُجمع بين دفتين و عنوان
لا أدري من أين أبتدئ الحكاية… ربما من حكايتي معه…
حين انتهيت من فصله الأول سارعت بارتداء ملابسي و ركضت إلى أقرب مكتبة لشراء نسخة لي _إذ كنت أقرأ بنسخة صديقتي وفاء_، فقد أخذ سحره بمجامع قلبي و وقعت في حبه من أول فصل و علمت أني إن لم أحظ به فسأموت حسرة…
قد كان من ألذ الكتب التي استمتعت بتذوقها، و كأنه لوح كبير من الشوكولاتة ، كنت أمزمز صفحاته الـ (384) بتلذذ و بطء شديدين مشفقة من انتهائه…
حين ذكر الناشر من أنه قصة حب كبيرة لم يجحفه حقه، فهو قصة عشق حقيقة لكل مولع بالكتب و القراءة… رحلة تأسر الألباب في عالم متنوع من القصص و الغرائب و الطرائف عن الكتب و القرّاء حول العالم و عبر التاريخ…
هو ليس بحثا علميا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هو أقرب لسيرة ذاتية لآلبرتو المولع بالقراءة مازجاً إياها بأحاديث و شواهد و صور و أخبار و اقتباسات شيقة عن القراءة و الكتب عبر الزمان و المكان…
فصوله متنوعة و ملونة كتلون الكتاب و الإنسان: القراءة الصامتة… الصفحة الأولى المفقودة… شكل الكتاب… القراءة على الآخرين… قراءة الصور… سرقة الكتب… الصفحة الأخيرة… القراءة الممنوعة… الولع بالكتب…
يحمل قارئه بخفة و رشاقة بين العوالم المتعددة… يقفز من كافكا الذي يرى أن الكتاب حبس للعالم إلى بورخيس الذي كان يقرأ عليه المؤلف…أمبروسيوس أول من قرأ قراءة صامتة… القيصر الصيني الذي أحرق كل الكتب بإمبراطوريته… الأمير الفارسي الذي يصطحب معه مكتبته المؤلفة من 117000 كتاب على ظهر قافلة… و الدوق ليبري سارق الكتب المهووس… إطلاق عمال التبغ على السجائر أسماء أبطال الروايات التي تـُقرأ عليهم… كتاب سفينة الولعين و صفاتهم… السود و معاناتهم مع القراءة و و و و…
حكايات و مغامرات و كلمات و صور و رسوم لا يستشعر مدى لذتها إلا عشّاق الكتب وحدهم…
ليس هناك من كتاب كامل طبعا… فعيبه المشين هو إغفاله شبه التام للحضارة الإسلامية و كأنها لم تقم يوما و لم تسهم في الإرث الإنساني اللهم إلا بذكره تلميحات بسيطة في زواية ما من الكتاب… بيد أنه لا يمكن أن يُلام كثيرا على هذا فهو مؤلف غربي و من الطبيعي كون شواهده بمعظمها من تاريخه و ثقافته و بيئته خاصة أمريكا اللاتينية…
أما الترجمة فلا هي بالبديعة و لا بالمميزة، و لكنها توصل الفكرة على أية حال…
لكن هناك أمران وددت لو أن دار الساقي قد فعلتهما:
الأول- وددت لو أنها وضعت الفهرس الأجنبي للصور و الأسماء و ذلك حتى يسهل البحث على من أحب الاستزادة… أو على الأقل لو أنها أبقت الأسماء بأحرفها اللاتينية لكان الأمر أسهل في البحث… فقد استغرقني البحث عن بعض الصور و المعلومات ساعات على الشبكة، و حتى أجد بعضها اضطررت للعودة لصفحة الفهرس الموضوعة في موقع أمازون و المصورة بصورة رديئة جدا و بعضها اضطررت لتصويره من الكتاب مباشرة و غيرها تركت البحث عنه لشدة ما سئمت…
الثاني- لو أنها جعلت الصور ملونة و بأحجام كبيرة، حتى و لو زاد سعر الكتاب فلا أظن ذلك سيؤثر على مبيعاته كثيرا… فهذا الكتاب سيشتريه العاشقون مهما كان سعره… بل ستكون الصور المرفقة الملونة إغراء لا يمكن مقاومته…
بأية حال سأتوقف عن الثرثرة النظرية الجافة… و سأقوم بعرض غيض من فيض هذا الكتاب و صوره، قارنة أحيانا بعضها بشيء من تراثنا الإسلامي الذي ذكرتني به…
· لعل أغرب و أشهى كتاب ذكره هو كتاب الفنان سريفيني
( The Codex Seraphinianus)


الذي أصدره في أواخر السبعينات، و هو عبارة عن كتاب أشبه بموسوعة مصورة، يصور فيه مواضيع غير معروفة شارحا إياها بلغة غير مفهومة اخترعها سريفيني نفسه!!!



Rocket Circumambulation from The Codxe Seraphinianus
—————
· في القرن الخامس عشر ظهرت أناجيل تسمى بأناجيل الفقراء
(Biblia Pauperum)
و هي عبارة عن أناجيل مصورة توضع في الكنائس لأجل أن يتتبع الفقراء الذين لا يعرفون القراءة كلمات الكاهن في موعظته…0


Page of Biblia Pauperum
و هنا تذكرت رسوم الواسطي على مقامات الحريري في القرن الثالث عشر و التي مذ قرأت عنها مرة و شاهدت بعض رسومها و هي تسكنني و تأبى أن تغادرني…


مكتبة البصرى من رسومات الواسطي على مقامات الحريري
—————
· من الطرف طريقة قراءة للسطور كانت تُعرف باليونانية القديمة بـ
(Boustrophedon)
أي كما يغير المرء اتجاه ثور الحرث… من اليسار إلى اليمين ثم من اليمين إلى اليسار و هكذا…
و قد ذكرني ذلك ببعض أبيات الشعر العربية التي يمكن لك أن تقرأها من اليمين إلى اليسار و بالعكس مثلاً لو قرأت هذا البيت حرفا حرفا من اليمين إلى اليسار أو بالعكس لكان نفسه:
مودته تدوم لكل هول … وهل كل مودته تدوم
—————
· في عام 1588 نشر مهندس إيطالي يُدعى آغوستينو راميللي كتابا فيه اختراعات مفيدة من بينها آلة القراءة الذكية و التي _على حد قوله_ يستطيع المرء أن يقرأ عبرها عدة كتب دفعة واحدة دون مغادرة محله!!!
يبدو الإختراع طريفا للغاية إذ كيف له أن يقرأها كلها عبره!!!


Lesemaschine by Ramelli
—————
· في فصل سماه بـ(القراءة على الآخرين) تحدث عن متعة الاستماع لكتاب من فم الآخر بدل أن يقرأه بنفسه… ليس فقط ضرورة لأمية المتلقي كما كان الحال في العصور الوسطى و التي أظهرها الفنان ماريلييه (Marillier) في نقشه القراءة على العموم في فرنسا القرن الثامن عشر…

Clement Pierre Marillier Engraving
و هنا خطر على بالي الحكواتي الذي كان _و ما زال حتى اليوم_ يجلس في قهوة النوفرة قرب الجامع الأموي بدمشق ليقرأ السيرة الهلالية أو عنترة و عبلة على مستمعيه و كيف كان الحضور يتفاعلون لدرجة الاقتتال بينهم…

الحكواتي في قهوة النوفرة
—————
· يذكر أن أقدم أصغر كتاب في العالم يدعى حديقة الورود
(Bloem-Hofje)
الصادر في هولندا 1674 و الذي هو أصغر من طابع بريدي
11x9mm…


Bloem-Hofje
—————
· في فصل (القراءة الممنوعة ) يحدثنا عن الإمبراطور الصيني شيهوانغ-تي
(Qin Shi Huang)
الذي ألغى القراءة و أمر بحرق جميع الكتب الموجودة في إمبراطوريته!!!


حرق الكتب تحت إشراف الإمبراطور شيهوانغ-تي، طبعة رسوم خشبي صيني من القرن 16
ألا يذكـّرنا ذلك بما قام به الإسبان من حرق أكثر من مليون كتاب في ساحة غرناطة!!!
و كم مرة أعاد التاريخ نفسه و لا زال!!!
—————
· في فصل القراءة الوحدانية يحدثنا عن اللحظات الحميمة التي يقضيها المرء مع كتابه في الفراش: (القراءة في الفراش تعتبر أكثر من مجرد تمضية للوقت؛ إنها تمثل نوعاً من الوحدة. فالمرء يتراجع مركزاً على ذاته، و يترك الجسد يرتاح، و يجعل من نفسه بعيداً لا يمكن الوصول إليه مخفياً عن العالم.)ص180


راهب أثناء القراءة في الفراش في يوم شتوي قارس البرد؛ من كتاب مصور فرنسي من القرن 13
فعلاً ليس أجمل من قراءة كتاب مشوق في سرير دافئ في ليلة باردة…0
—————
· يعتبر فصل الوَلِع بالكتب من أمتع الفصول و أظرفها: (كسلان، واهن القوى، متبجح، متحذلق، مدعي الانتماء إلى النخبة – هذه الصفات و غيرها ألصقت على مر الأيام بالأستاذ شارد الذهن، بالقارئ القصير النظر، و بالمولعين بالكتب.) ص324 ثم يحدثنا عن كتاب سفينة الولعين
(Das Narrenschiff -Ship of Fools-)
الذي نشره سباستيان برانت
(Sebastian Bran)
عام 1494 و الذي فيه يصور صورة مولع بالكتب بنظارته على سبيل التندر و التي أصبحت هي الصورة المتعارف عليها اليوم للمولعين بالكتب…0

The Book Fool, who collects books, yet gathers no wisdom from them. From Sebastian Brant’s Ship of Fools (Das Narrenschiff), 1497.
—————
· و هكذا اجتمع قلبان، على كتاب في روضة ذات أفنان…

Paolo und Francesca by Anselm Feuerbach 1864 München Schack-Galerie
لكن الحكاية لم تنته عند هذا المكان، و لا يمكن لها أن تنتهي ما دام في الأرض كتاب و عينان تقرآن…
و من يدري فقد يمر من هنا باحث بالتاريخ فهمان، فتقدح في ذهنه فكرة تأليف كتاب ثان، عن تاريخ القراءة في تراث الإسلام و العربان، فيكمل لنا الرواية عن أجمل النوادر و الأخبار و الأشجان، و درر أجدادنا التي غيّبها النسيان، و يبتدئ الحكاية من جديد بكان يا ما كان، إنسان و كتاب عاشقان…

من مدونة : عن الكتب Muhammad Osman







-

الاثنين، 27 أكتوبر 2014

قابيل وهابيل.......


تُ


صوّر هذه اللوحة المصير البائس الذي انتهى إليه قابيل، الابن الأكبر لآدم وحوّاء، والذي بعد أن قتل شقيقه
الأصغر هابيل، حُكم عليه بالتيه الدائم.
قابيل المنهك والسائر على غير هُدى يظهر في أقصى يمين الصورة وهو يقود قبيلته عبر الصحراء استباقا لغضب الربّ. وعلى محفّة خشبيّة يحملها أبناؤه، تجلس امرأة حائرة مع طفليها النائمين. بينما تظهر حيوانات وقطع من لحم نازف وهي معلقّة على طرف المحفّة.
الرجال الآخرون، وبينهم صيّادون، يمشون جنبا إلى جنب. الخوف من غضب الربّ مرتسم على الوجوه. أحد الأشخاص يحمل بين ذراعيه امرأة شابّة يبدو على ملامحها الإنهاك والمرض، بينما تظهر بعض الكلاب الضالّة في الخلف.
الرسّام الفرنسي فرناند كورمون جعل الظلال طويلة كما لو أن ضوء الحقيقة يلاحق المذنب في هذا السهل المجدب والكئيب. وقد استخدم الألوان الترابيّة وضربات الفرشاة القويّة كي يضيف توتّرا إلى الصورة. كما انه ركّز على دقّة التشريح بأن جلب إلى محترفه أشخاصا حقيقيين لتمثيل كلّ شخصيّة.
هذه اللوحة تمثل إعادة بناء انثروبولوجية للقصّة المشهورة التي وردت في العديد من الكتب السماوية. كما أنها تقدّم ميدانا جديدا، أي عصور ما قبل التاريخ، وبالتحديد الوقت الذي بدأ فيه الإنسان بالرسم على الصخور في العصر الحجريّ القديم.
وفي غياب أيّة وثائق أو أسانيد مؤكّدة، خمّن الرسّام طبيعة الحياة في تلك الأزمنة البعيدة، عندما كان البشر البدائيّون يكافحون من أجل البقاء ويتنقّلون بأقدام حافية وشعر مجعّد وجلد خشن. وقد اختار الرسّام عنوانا فرعيّا للوحة اقتبسه من استهلال قصيدة لـ فيكتور هوغو بعنوان "الضمير" يقول فيه: عندما فرّ قابيل من غضب ربّه أشعث الشعر مغبرّا كان يصحبه أبناؤه. كانوا يرتدون جلود الحيوانات وتتقاذفهم العواصف. وعندما تلاشى الضوء، وصل الرجل الكالح إلى سفح جبل في سهل واسع".
تقول القصّة إن قابيل، بعد ارتكابه جريمة قتل شقيقه، رحل وهو وزوجته عن منزل والديه ليعيشا في مكان بعيد. وقد أنجبا في ذلك المكان أطفالا. ثمّ أسّس أبناؤه في ما بعد مدينة أطلق عليها قابيل هانوك أو إدريس، على اسم طفله الأوّل.


❉ ❉ ❉
حملت حوّاء من آدم بطفلهما الأوّل وأسمياه قابيل. وبعد فترة أنجبت طفلا ثانيا أسمياه هابيل. وفي ما بعد أصبح هابيل راعيا للغنم، بينما كان قابيل يعكف على استزراع الأرض. تقول القصّة إن قابيل قدّم بعضا من نتاج الأرض التي كان يزرعها قربانا للربّ، بينما قدّم هابيل قربانا بعضا من أبكار غنمه. وقد تقبّل الربّ قربان هابيل، لكنّه لم يتقبّل قربان قابيل. لذا غضب الأخير وأحسّ بالنبذ. وذات يوم دعا قابيل شقيقه كي يذهبا معا إلى الحقل بعد أن أسرّ في نفسه أمرا. وهناك هاجم قابيل هابيل وقتله.
محور هذه القصّة هو الأنانيّة المتأصّلة عند قابيل وعدوانيّته وغيرته الشديدة. الرواية القرآنية عن القصّة تماثل تلك التي وردت في التوراة، وهي توحي بأن دافع قابيل لارتكاب الجريمة كان رفض الربّ أن يتقبّل منه قربانه.


❉ ❉ ❉
قصّة قابيل وهابيل تتضمّن طبقات متعدّدة من المعاني. فالقصّة تقول لنا أن الله يفضّل قرابين اللحم على قرابين الخبز والفاكهة. كما أنها توضّح تفوّق ثقافة الرعي والترحال على ثقافة الزراعة والاستقرار. وهذه الفكرة تتكرّر في قصص العهد القديم، حيث يثور الأنبياء ضدّ شرور أهل المدن، بينما يمتدحون الرعي والعيش في الأرياف. وهناك في العالم المعاصر اليوم من لا يزالون يفضّلون الحياة في البوادي والقرى باعتبارها أكثر طهرانية ونقاءً.
لكن القصّة تتضمّن مجموعة أخرى من الأفكار التي أسهمت في تغيير تاريخ البشر وفي تحوّل الوعي الإنساني. تذكر القصّة، مثلا، أن الله وضع وصمة على قابيل بعد ارتكابه للجريمة وذلك بأن جعل بشرته سوداء وشعره مجعّدا. والغريب أن انتشار الرقّ في القرنين الماضيين في أمريكا وفي غيرها من مناطق العالم كان يُبرّر دائما بأن الأفارقة ينحدرون من سلالة قابيل، ولذا حلّت عليهم تلك اللعنة وأصبح قدرهم أن يعيشوا مستعبدين في الحياة.
وليس البيض وحدهم هم من يؤمنون بهذا الشيء، بل إن رجال الدين السود يشاطرونهم هذا الرأي أيضا ويعتقدون بأن الحال ستظلّ هكذا إلى أن يعود المسيح إلى الأرض ثانية فيرفع عنهم تلك اللعنة بعد أن يتأكّد من أنهم أصبحوا أتقياء صالحين!


بعد طرد آدم وحوّاء من جنّات عدن، اشتغلت ذرّيتهما في الأعمال البدائيّة البسيطة. إبناهما، أي قابيل وهابيل، يوصفان كأوّل مزارع وراعٍ في سلالة البشر. غير أن الاثنين مارسا أيضا شيئا لم يعرفه أبواهما في الجنّة، أي الدين.
وعلى الرغم من أن القصّة لا توحي أبدا بأن الربّ طلب منهما هذا الأمر، إلا أن الاثنين قدّما إلى الله قرابين دينيّة على هيئة جزء من غلّتهما. وعلى ما يبدو، كان الله مستاءً من قابيل لأنه قدّم قربانا من الحبوب والفاكهة، في حين انه كان يفضّل أضحية من دم كتلك التي قدّمها هابيل. هذا على الأقل ما افترضه قابيل وهابيل. يمكننا فقط أن نخلص إلى أن هابيل أصاب ثروة أفضل من تلك التي جمعها قابيل، وهذا ما انتهى إليه فهمهما.
وأيّا ما كان الأمر، فقد شعر قابيل بالغيرة من هابيل وقام بقتله. وكانت تلك أوّل جريمة قتل تُرتكب في تاريخ البشرية وأوّل حادثة عنف دينيّ.
طوال فترة مكوثهما في الجنّة، لم يقدّم آدم وحوّاء أيّ قربان لله. لكن لم يمض وقت طويل حتى قرّر ابناهما أن تلك هي الطريقة المثلى لنيل رضا الخالق. وما أن بدءا هذه الممارسة حتى انكشف شرّها المتأصّل بطريقة مأساويّة.
يذهب بعض مؤرّخي الأديان إلى انه من الصعب أن نتصوّر أن الله يمكن أن يروّج لمثل هذه العادة المشكوك فيها. وحتى الآن، ما يزال جزء كبير من اللاهوت المسيحيّ الغربيّ يرتكز على فكرة أن الله يطلب الاضحيات والقرابين لكي يتمّ استرضاؤه وتجنّب غضبه. لكن هناك من الأنبياء من قالوا صراحة بخلاف ذلك، أي أن الله ليس مهتمّا بقرابين البشر، وأن كلّ ما يطلبه منهم هو أن يعملوا بعدل ومحبّة ورحمة.


❉ ❉ ❉
ترى كيف كانت طبيعة العالم الذي وجده آدم وحوّاء بعد طردهما من الجنّة؟ هل كان هناك بشر بدائيّونيعيشون خارج عدن؟ ومَن كان الطغاة العمالقة الذين تذكر بعض المصادر الدينية أنهم كانوا يعيشون على الأرض ويعيثون فيها الخراب إلى أن انقرضوا قبيل حادثة الطوفان؟ هل الله هو الذي خلقهم أم أنهم كانوا تمظهرات وتحوّلات للشيطان؟ ومن كانت زوجتا قابيل وهابيل؟
الكتب المقدّسة لا تتطرّق إلى مثل هذه الأمور. لكن يمكننا أن نفترض أن العالم خارج عدن لم يكن عالما مثاليّا. ومع ذلك كان هناك شكل من أشكال الحضارة الإنسانيّة، بل وربّما أنواع أخرى من البشر شبيهة بالإنسان. وكانت هناك مزروعات وقطعان من الحيوانات المفترسة والمستأنسة تتعايش مع الإنسان في أجواء من الصراع والخطر والموت.


❉ ❉ ❉
في الفنّ المسيحيّ الذي يعود إلى القرون الوسطى، ولا سيّما فنّ القرن السادس عشر، كان قابيل يُرسم بشكل نمطيّ على هيئة يهوديّ ملتحٍ وذي شعر أشعث. وهو يقتل هابيل الذي يظهر بملامح أوربّية وشعر أشقر ويرمز للمسيح.
وقد استمرّ هذا التصوير التقليدي لعدّة قرون. وأقرب مثال عليه هو لوحة جيمس تيسو بعنوان قابيل يقود هابيل إلى الموت والمرسومة في القرن التاسع عشر. لكن في ما بعد أصبح قابيل يُصوّر كأب للمجموعات السرّية وعصابات الجريمة المنظّمة.
وكثيرا ما شكلّت قصّة قابيل وهابيل موضوعا للأعمال الدرامية المأساوية. كان قابيل يُصوّر غالبا بشعر احمر ولحية ملوّنة، كما في مسرحيّة شكسبير "سيّدات وندسور المرحات". شكسبير أيضا يذكر قابيل وهابيل على لسان كلوديوس في مسرحيّة هاملت. كما يرد ذكر الاثنين في مسرحية "بانتظار غودو" لـ سامويل بيكيت.
وفي روايته شرقي عدن ، يستدعي جون شتاينبك قصّة قابيل وهابيل ليسقطها على وقائع هجرة الأوربّيين إلى كاليفورنيا في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.
اللورد بايرون أعاد كتابة القصّة في قصيدة له بعنوان "قابيل". وهو ينظر إلى قابيل كرمز للمزاج الدمويّ الذي أثاره نفاق هابيل وتظاهره الزائف بالتقوى. وفي الكوميديا الإلهية، يواجه قابيل العقوبة التي فرضها الله عليه لارتكابه خطيئة الحسد بعبارته المشهورة: سأصبح مطاردا وهائما على وجهي في الأرض، ومن يجدني سيقتلني".
وفي أعمال أدبيّة أخرى، أصبح اسم قابيل مرادفا للعنة المتوارثة. فالوحش في قصّة بيوولف ينحدر من سلالة قابيل. غير أن بودلير كان الكاتب الأكثر تعاطفا مع قابيل في قصيدته "هابيل وقابيل" من مجموعة أزهار الشرّ ، حيث يصوّر قابيل كممثّل لكلّ الشعوب المضطهدة في العالم.
في الرسم، كانت قصّة قابيل وهابيل احد المواضيع المفضّلة للفنّانين منذ القدم. ومن أشهر من رسمها كلّ من تيشيان وغوستاف دوري وتينتوريتو وروبنز ووليام بليك وغيرهم.
بعض من كتبوا عن قابيل وهابيل في ما بعد حلّلوا قصّتهما من منظور معاصر مع بعد دياليكتيكيّ، فأشاروا إلى أن الموت العنيف لهابيل كان نتيجة لحالة من حالات الصراع الطبقيّ المبكّرة، وأن العنف هو نتيجة حتميّة طالما أن المجتمع يصنّف الناس على أساس الثروة والسلطة، بدلا من توحيدهم على أساس التعاطف المتبادل والأخوّة الإنسانيّة.
من مدونة : خواطر وأفكار

الأحد، 19 أكتوبر 2014

مقتطفات من رواية أرض النفاق........يوسف السباعي





أرض النفاق صدرت لأول مرة سنة 1949م تُصنّف هذه الرواية ضمن الأعمال الأدبية الاجتماعية التي تغرس اهتمتمنا في عمق المشاكل الإجتماعية. تتحدث الرواية فتتحدث عن المجتمع المصري والعربي في نهاية الأربعينات في إطار خيالي ولكنها واقعية في نفس الوقت. فضح الكاتب في الرواية معظم أشكال العوار الاجتماعيوالسياسي في تلك الفترة الحرجة حيث كانت حرب فلسطين على الأبواب والمجتمع المصري في حالة غليان داخلي. يعتبر النقاد هذه الرواية واحدة من الروايات المبشرة بانتهاء العهد الملكي في مصر حيث أن صدورها سبق ثورة يوليو بثلاث سنوات فقط. قام الفنان فؤاد المهندس بتمثيل هذه القصة في فيلم أرض النفاق (نفس اسم الرواية) عام 1968.
مقتطفات

نحن شعب يحب الموتي ولا يري مزايا الاحياء حتي يستقروا ف باطن الارض-----------------



النزاهه والعفه والمروءه والتضحيه
اوتظن ان هذا هو ما يدفع بالمرء الي مرتبه الزعماء في هذا الزمن؟ هل تظن ان زعماء هذا الزمن يجب ان تتوافر فيهم هذه المزايا والأخلاق
----------------
لقد طال بي الجلوس ياسيدي بين أكياس الأخلاق طال بي الجلوس بين سؤالات للشجاعه والصدق والإخلاص والصراحه والنزاهه والكرم والصبر والعفه طال بي الجلوس بين هذه الأصناف البائره دون ان يسألني انسان اين انت واخذت اشرب من شوال الصبر الجرعه تلو الجرعه حتي كاد الصبر ينفذ والبضائع مكدسه كما هي
-------------------
ما الشجاعه؟ هل هي ذلك الشئ الذي يمكن تركيزه في النهايه في إحساس الانسان بعدم خشيه الموت وترحيبه بلقائه؟
------------------
الموت اخ النوم او قل اب النوم فهو النومة الكبري او هو الانطلاق النهائي من أغلال الحياه والفرار الابدي من كل ما يثقل علينا فيها من متاعب ومشاغل وهو راحه من عناء العمل والتفكير ------------------



تلك هي العله في هذا البلد ان الذي يحس بالمصاب لا يملك منعه لا يكاد يحس وجوده
ان الذين يقطنون الحظائر ويبيتون على الطوي ويشربون مع البهائم من ماء الترع
ان الهياكل التي هزلت من الفقر والجوع والحرمان والأجساد التي حطمها المرض وانهكتها العلل لا تملك من امر نفسها شيئاً انها بلا حول ولاقوه انها قطيع يسير الي مصيره التعس فى رضا واستسلام
----------------------
يجب ان يجرب رئيس الوزراء والوزراء وغيرهم من العظماء والأثرياء كيف يمكن لإنسان ان يعيش هو واسرته باربعه جنيهات شهريا يجب ان يقطنوا ف عشه من عشش الترجمان وزينهم يجب ان يجربوا كيف يأكل انسان لحمه مره واحده ف الشهر لحمه لا تزيد علي الفشش والأزرار والكروش
يجب ان يصوموا عن الغني والنعيم لا الي الأبد ولكن لمده شهر واحد حتي يحسوا ذلك البؤس الذي لايخطر لهم ع بال
فإذا طلب من الوزراء بعد ذلك ان ينصفوا طائفه تشكوا لم يتمهلوا او يتريثوا وإذ اطلب من الأغنياء ان يدفعوا الضرائب لم يتألمون كما لو كانت تستقطع من جلودهم
اجل لن تنصلح آلامه الا اذا سن فيها قانون الصيام ......الصيام عن الغني والترف والنعيم -------------------


ان اليهود الذين فرقهم الله ف الارض شيعاً قد فرقوكم شيعاً ان اليهود الضالين قد اضلوكم ان اليهود الجبناء قد جعلوا منكم جبناء يا امه العرب
-------------------
لقد سمعت زعيماً عربياً يقول عندما اعلن نبأ التقسيم"ان القلم سيضمن وسيتكلم السيف" واصايتني اذا ذاك هزه وانتسبت من فرط الحماسه وتذكرت خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وتذكرت انتصارات العرب وغزواتهم
ورثيت لليهود المساكين وانتظرت ان اسمع حديث السيف
انتظرت.....وانتظرت وطال مني الانتظار لاسمع شيئاً حتي اتضح لي ف النهايه ان السيف لابد ان يكون به خرس
--------------------
فلفتت نظري لافته مكتوب عليها "الامانه العامه" فتقدمت لها واخذت انزعها وتقدم الي الحارس فسألني عما افعله فقلت أني سأغيرها ولم يناقشني الرجل فقد اعتقد انني مكلف رسمياً
وكنت قد قررت ان أضع مكانها لافته اخري كتب عليها بالخط العريض" الخيانه العامــه "
-----------------------
ان الانسان هو الانسان غشاش مخادع كذاب منافق ف كل امه وكل جيل
لا تقولوا رحم الله آباءنا وأجدادنا لانهم كانوا خيراً منا وافضل خُلقاً منا لا تقولوا ذلك
لقد كانوا انانيين مثلنا كدابين مثلنا آثمين مثلنا
ان هذه العصا من تلك العصيا وهذا النعل من ذاك الوطا
----------------------
اسعد الناس ف الحياه هم أقدرهم ع فهم الناس
---------------------
هذا البطء المميت ف الاعمال الحكوميه وفي قضاء مصالح الشعب الذي يتناول الموظفون آجرهم من قوته
ان اكثر ما يحز ف النفس هو ان العله لا علاج لها ولا امل ف البرء منها لقد قال الشاعر
لكل داء دواء يستطاب به
الا الحماقه اعيت من يداويها
ولكن اعتقد ان الشاعر لو عاش ف زمننا هذا لاستبدل بالحماقه الحكومه وقال" الا الحكومه اعيت من يداويها"
---------------------
السياسه ف مصر هي الحرفه التي توصل الي الحكم والأحزاب هي فرق تتباري وتتسابق ف الوصول الي الحكم والحكم مفروض فيه ان يكون وسيله بقياده البلاد والنهوض بها والعمل علي رخاء الشعب ولكن الحكم ف هذا البلد ليس وسيله لشئ اللهم الا رخاء الشعب وقيادته واصلاحه والنهوض به فتلك أشياء قد لا تأتي ف أذهان الحاكمين الا عرضاً او لا تأتي ابداً
-------------------
العاقل ف قوم مجانين يتساوي مع المجنون ف قوم عقلاء ومن منتهي العقل منهي الجنون فأعقل الناس أشدهم نبوغاً وأشدهم نبوغاً اكثرهم جنوناً
-----------------
الضمير شئ لا يستيقظ الا بعد ان تقع الواقعه وتتم الهزيمه فيبدأ وخزه وتأنيبه الذي لا جدوي فيه ولا فائده منه
----------------
مررت علي الفضيله وهي تبكي
فقلت علام تبكي الفتاه؟
فقالت كيف لا ابكي وأهلي
جميعاً دون خلق الله ماتوا؟
-----------------
حيا الله الجبن فما رفع منار الفضيله غيره ان افضل خلق الله اجبنهم كيف؟
الناس من حيث رغبتهم ف النساء نوعان نوع زاهد فاضل ونوع مستهتر متهتك
والنوع الفاضل نوعان نوع فاضل حقاً ونوع مخادع يعرف كيف يستر آثامه فيبدوا امام الناس فاضلا وهذا النوع يستوي مع المستهتر المتهتك
بقي أمامنا النوع الزاهد الفاضل حقاً ماهي عله زهده وفضله؟
امر واحد هو جبنه وخوفه من ان يفتضح أمره أتريب لو أتيحت لاحد من هؤلاء الزاهدين الأفاضل فرصه ان يمتع نفسه بأحدي حوريات الجنان وسهلت له المسأله بحيث لا يُفضح أمره ولا يعود عليه منها ضرر او عاقبه هل تراه يقاوم او يتورع!؟
----------------------
إيه يا تاجر الحق ف ارض النفاق يا بائع الصدق ف دنيا الرياء يا مُهدي الشجاعه لمعشر الجبناء والإخلاص لجمع ضاع بينهم الحق وعز الوفاء لشد ما المتني فجيعتك واوجعتني خسارتك
---------------------
يا اهل القذاره رحماكم ان النظافه من الايمان وهي نوع من الايمان لا يكلفكم كثيرا ولا قليلا لا يكلفكم اكثر من ان تتعودوه لا يكلفكم اكثر من ان وتناسوا قليلا فن القذاره وتكفوا عن غلوائكم فيه
-------------------
هناك الملايين ممن يستحقون العون ولا يجيزون علي ان يمدوا ايديهم للسؤال أولئك الذين فقدوا كل شئ الا ماء وجوههم والذين أضاعوا كل ما يملكون الا كرامتهم
أولئك الذين يستحقون ان تهب لهم من مروءتك كل ما استطعت وتعطيهم من إحسانك فيضاً غزير
وأؤكد لك انك لن تجد صعوبه ف البحث عنهم فهم تحت بصرك وملء يديك
---------------------
هل النسل داء والذريه عله؟ وانا معكم "المال والبنون زينه الحياه الدنيا" ولكن ما رأيكم ف بنين بلا مال بنين حاف هل تظنونهم للحياه الدنيا زينه ام انها مصاب وبلاء!؟
-------------------
أيها الناس لا تحزنوا لا تحزنوا
كيف تحزنون علي شئ وانتم لا شئ فيم حزنكم وبعد لحظه او لحظات ستضحون رمه لا تستطيع حتي الحزن؟
أيها الناس لا تحزنوا علي ما ضاع فانتم أنفسكم ضائعون كيف يحزن ضائع علي ضائع؟ وهالك علي هالك ؟ وزائل علي زائل؟
----------------------
الإناث كان الله ف عونهن فقد عصبن بطونهن وشددن صدورهن ومشين علي اطراف اصابعهن رافعات كعوبهن كأنهن مصلوبات او مشنوقات ملاقيات ف سبيل ملابسهن عذاباً اليماً يحتملنه بنفس صابره
---------------------
" اتق شر من أحسنت اليه " انه مثل صحيح مائه بالمائه فان الناس قد أنطووا ع خبث وسفاله ودناءه فليس ع البشر أسهل من نسيان الإحسان وانكار الفضل واعتباره بمضي المده حق لهم وواجباً عليك لابد لك من تأديته فإذا ارغمتك الظروف ع منعه عنهم ملء نفوسهم السخط عليك والتبرم منك واتهموك بانك ظالم قاس
-----------------------
الحياه هي التي تجبرنا علي سوء الخلق فأما ان نعيش سيئي الخلق وأما ان نموت مثاليين
---------------------
اشفق علي الناس واعطف عليهم وأخاف مما يمكن ان يصيبهم لو عريت نفوسهم من طلاء النفاق أني أخشي ان يموتوا فزعاً لو أبصروا حقيقه نفوسهم وقد خلت من بريق النفاق الزائف وستار الغش المزركش المنمق
النفاق يعين الناس علي تحمل ويلات الحياه انه يريهم ترابها تبرا وشرها خيرا ويغمض اعينهم عن خطاياهم وشرورهم ولولاه لانكشفت الحقيقه فانتحر الناس جزعا
---------------------
الانسان ليس صنيعه الأوهام انه يعيش ع الأوهام وبالاوهام سعادته وهم وشقاؤه وهم وفرحه وهم وحزنه وهم
هو لا يهمه ان ينعدم الشر بقدر ما يهمه الا يري الشر انه يفضل ان يُخدع مائه مره علي ان يعلم انه خدع مره واحده ولا أظن هناك فرقاً كبيراً عنده بين ان تزول حبابة الحياه او تستر عنه
----------------------
الحكام سيكونون اشد الناس غضباً فهم اكثر الناس انتفاعا من النفاق فما ستر زيفهم سواه وما حجب خداعهم غيره اننا سنحرمهم من خير بضاعتهم البضاهع التي بفضلها استطاعوا ان يكونوا حكاماً
هل يمكن ان تتصور حكاماً بلا نفاق؟ تصور وقتها رأيهم ف الرعيه وراي الرعيه فيهم
-----------------------
لا تقبل بالنعمه الطارئه لا تقبل بالكثير المنقطع فسيجعلك تكفر بالقليل الدائم الذي وطنا نفسك ع قبوله والرضا به ان الانسان يظل قانعاً بما وهبه الله له مهما قل راضيا سعيدا بما منحه اياه حتي يذوق ما ف يد غيره ويحس بما انعم الله به علي سواه فإذا به قد كفر وبطر واحس بالشقاء والتعاسه
ان مبعث شقائنا ف الحياه هو المقارنه بين النعم
كل انسان يحس بالشقاء والحرمان لانه ينظر الي اعلي ولو علمنا انفسنا ان ان ننظر دائما الي من هم اسفل لحمدنا الله علي العلو الذي وضعنا فيه
-----------------------
لقد جعلنا من العباده غايه وهي الوسيله الي الغايه فاسغنينا عن الغايه بالوسيله وعن الغرض بمجرد التسكع ف الطريق فما وصلنا الي الغرض وما اهتدينا الي غايه
ان الصلاه تنهي عن الفحشاء والمنكر ما قيمه الصلاه اذا ركعتا وسجدوا وبسملنا وبعد كل ذلك ارتكبنا الفحشاء واتبعنا المنكر؟!!!!
ما فائده ان نُحشد ف المساجد فنمسح بأرضها جباهنا ونخشع ونتذلل ونستغفر ونحني الهمات ونسمع الخطب الزاجره ثم ننطلق بعد ذلك ف ربوع الارض فنعيث فيها فسادا ونرتكب الآثام ونطغي ونتكبر ونتجبر
ما فائده ان نفعل الوسيله ولا نصل الي الغايه؟!!!!!
-----------------------
أيها القراء المخدوعون ان هدف الصحيفه الاول إيه صحيفه ليست الوطنيه ولا للثقافه ولا خدمه الشعب ولا حريه الراي ولا رفع منار الفضيله ولا شئ من كل هذه الخزعبلات
ان هدف الصحيفه الاول هو بيع الصحيفه هو المكسب هو اكل العيش فهدفنا الربح
فإذا كانت الوطنيه مربحه فلتحيا الوطنيه واذا كان الهزل والفكاهه اكثر ربحا فلتسقط الوطنيه وليحيا الهزل والفكاهه واذا كان ذكر الفضائح اشد ربحا فلتحيا الفضائح واذا كانت محاربه الرذيله وسيله لانتشار الجريده فلتحيا الفضيله واذا كانت الصوره الفاضحه والسيقان العاريه والتعود البارزه وسيله ربح فلتذهب الفضيله الي حيث القت
----------------------
ليس أنفع ف الارضمن اهل الفكر المخلصين الصرحاء الذين يكتبون بقلوبهم فهم خير قاده للبشر وخير واق للإنسانيه ولكننا ف هذا البلد اتلفناهم فقد تحولوا من كتاب وأهل فكر الي باعه كلمات وتجار افكار يكتبون لمجرد ملء الفراغ وسد الخانع فيملأون الصفحات بالسخف والناس موهمون من أسمائهم الرنانه
-----------------------------
وزاره بلا نفاق لا بد ان تحل مجلس النواب ومجلس نواب بلا نفاق لابد ان ان يسقط الوزاره
-------------------------
كيف يستطيع الناس ان يحيوا بلا نفاق؟ كيف يستطيع ان يحتمل بعضهم بعضا ؟! كيف يستطيع الزوج ان يعيش مع زوجته لحظه بلا رياء او نفاق؟! كيف تستقيم الامور وكيف تنقضي المصالح؟! كيف تنتظم الحياه ويتعامل الناس وقد خلوا من النفاق؟!
-------------------
يا للنفاق ويا للرياء !!!
تصوروا ان السلطه ف هذا البلد هي سلطه الشعب!!
هذا الشعب لابد ان يكون احد اثنين اما شعب يكره نفسه لانه رغم ما يشبعون عنه انه مصدر السلطات يلبي ان يصلح حاله ويعالج مصابه ويزيل عن نفسه ذلك القيد الثقيل من الفقر والجهل والمرض
وأما انه شعب زاهد قد تعود ذلك البؤس الذي يرتع فيه والحرمان الذي ياخذ بخناقه
او من يدري ربما يكون من فرط حبه لأولي الامر وولعه باسياده قد ابي الا ان يحرم نفسه العيش ليؤكلهم الفطائر فيجوع ليتخموا ويموتوا ليحيوا. !!!!
---------------------------
لقد عالجوا مرض الشعب باللجان والاجتماعات وقضوا علي جوعه وفقره ببضعه مطاعم وولائم وعلي جهله بالوعود والأمنيات
اتراهم يظنون بالشعب انه هذه القله المحيطه؟ اتراهم يخدعون انفسهم ام يخدعون الشعب!!؟
كل هذا أيها الساده مبعثه النفاق واقسم لكم انه لو استمر هذا الحال لكان الساده اول الضحايا اجل سيكونون هم اول من يجني عاقبه نفاقهم
فما بمثل هذا يكون إصلاح جال الرعيه وعلاج مصائب الشعب
------------------------
-فتصايح الناس نريد أخلاق شجاعه نزاهه اخلاص
-صبراً صبراً هذه كلها أشياء موجوده ف نفوسكم ولكنها رافده ف غفوه لقد علاها الصدأ من طول الركود شئ واحد يحركها وهو ان تتبعوا باخلاص قول " عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به" ضع نفسك دائما مكان سواك ثم عامله كما تعامل نفسك اذا وددت ان يظلمك غيرك فاظلم واذا اردت ان يشي بك غيرك فارتكب النميمه والوشايه اذا اردت ان تؤكل أموالك وأموال أولادك اذا ما تتيموا فكل أموال اليتامى
أيها الناس اذا امكنكم ان يعامل بعضكم بعضا كما تعاملون انفسكم بكفي بهذا دينا ان الدين عند الله المعامله

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

أدب " الخيال العلمي "



هو جنس أدبي وُلد في نهاية القرن الثامن عشر، يقوم على إقحام ظواهر تعتبر خارقة للطبيعة في الواقع، ويستند على القلق أو الذعر الناجمين عن ظواهر غامضة تصدم بقوة خيال الشخصيات، وكذلك القارئ. الكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية fantasticus، المشتقة بدورها من اليونانية phantastikos. التي تعني «القدرة على خلق الصور»، «fantaisie».
2ـ محاولة لوضع التعريف
ليس من السهل وضع تعريف للأدب العجائبي، وبالتالي تتواجه المدارس وتتعارض: أين يبدأ الأدب الفانتازي وأين ينتهي؟ ومن الصعب تقديم جواب حاسم. هناك من المنظّرين من يرفض عدّ الفانتازيا جنساً [أدبياً]، وخاصة الفيلسوف (ألان شارفِر مِجان) Alain Chareyre ـ Méjan الذي يرفض الوقوع في مطب تعريف الفانتازي، فهو يتعامل معه كـ«واقعة جمالية»، كإحساس قريب من المنفّر. وهناك كثيرون يجعلون بداية الفانتازيا مع أبولي(1) Apulée وكتابه التحولات Métamorphoses، وآخرون مع غرائب القرون الوسطى. لكن معظم المنظّرين يعتقدون كمسلّمة أن الأدب الفانتازي بدأ في القرن الثامن عشر، واستمر خلال القرن التاسع عشر؛ حيث بلغ عصره الذهبي، ووصل إلى القرن العشرين. ثمة ثلاث مقاربات نقدية للفانتازيا تسيطر على تحليلات هذا الجنس، الأولى تاريخية (بيير جورج كاستكس Pierre ـ Georges Castex) والثانية سيماتية (روجي كايوا Roger Caillois ولوي فاكس Louis Vax)، والأخيرة بنيوية (تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov).


أـ المقاربة التاريخية
يقدم المنظِّر كاستكس في كتابه الحكاية الفانتازية في فرنسا منذ (نوديه) وحتى (موباسان) (1951) le Conte Fantastique en France de Nodier à Maupassant، تعريفاً للفانتازيا على أنها أسلوب ظهر في سياق ثقافي «أنواري illuministe»، مؤمن بالإخفائية occultiste كارتكاس تجاه العقلانية والوضعية السائدة حينئذ. و«تُعرَّف الحكاية الفانتازية في فرنسا كجنس مستقل منذ حوالي 1830، تحت تأثير هوفمان Hoffmann [...] والفارق بين الفانتازيا والغرائبي merveilleux التقليدي: يتصف الفانتازي بإقحام غير متوقع لحدث غامض mystère في الحياة الواقعية؛ وهو بشكل عام متعلق بحالات مَرَضية للوعي، الذي يسقط أمامه، في ظواهر كابوسية أو هذيانية، صوراً لهواجسه ومخاوفه». يميز كاستكس بين فترتين: الأولى بين 1830 ـ 1850، التي تمثل في نظره العصر الذهبي للفانتازيا، والثانية بين 1850 ـ 1890، التي شهدت تراجع هذا الجنس.


ب ـ المقاربة السيماتية
أما روجي كايوا في كتابه «في قلب الفانتازي Au cœur du fantastique (1965)»، وكذلك في «صور، صور...: محاولة في دور وقدرات التخيل Images, Images… : Essais sur le rôle et les pouvoirs de l’imagination (1966)»، فهو يرى أن «الفانتازي يبدي [...] صدمة، تمزقاً، مفاجأة غير مألوفة، تكاد لا تُحتمل في العالَم الواقعي». ويعرّف الفانتازي من خلال تعارضه مع الغرائبي حيث لا يكون الخارق للطبيعة على قطيعة مع الواقع. يطرح مقاربة سيماتية من خلال وصفه العناصر المكوِّنة للفانتازيا (كائنات فوق طبيعية، أزمنة، أمكنة، إلخ) وتأثيرات هذه البواعث الفانتازية على الأشخاص، مثل السر المخيف mysterium tremendum (القلق، الخوف، النفور، الكرب)، أو الخلاب fascinans (الفتنة، الإغواء، إلخ). يرى أن الفانتازي قد ولد من التقاطع بين الفرد والعالم، ومن الصلة بين العمل والقارئ ضمن علاقة تماهٍ، وبُعْد يبحث هذا الأخير فيه عن القشعريرة كما البطل.
وعلى خطا (كايوا) هناك (لوي فاكس)، الذي يعتقد بأن «الحكاية الفانتازية [...] تريد أن تقدم لنا، نحن سكان العالم الواقعي الذي نحن فيه، أناساٍ مثلنا، فجأة في مواجهة الغامض»، ويتكلم عن التعبيرية الفانتازية في كتاب الفن والأدب الفانتازيان l’Art et la littérature fantastiques (1963) وكتاب غواية الغريب la Séduction de l’étrange (1965). فيقول: «على الفانتازي، كي يفرض نفسه، ليس فقط أن يقتحم بغتةً الواقعي، بل يجب على الواقعي أيضا أن يمد له يديه، ويرضى بإغوائه».


ج ـ المقاربة البنيوية
في كتابه مدخل إلى الأدب الفانتازي(2) (1970) يعرّف (تودوروف) الفانتازي على أنه «تردد يشعر به كائن لا يعرف إلا القوانين الطبيعية، في مواجهة حدث يبدو خارقا للطبيعة». يطرح تودوروف تحليلاً بنيوياً يأخذ بالحسبان ظواهر تدار عن طريق منظومة معينة ـ «ما يعني أن هناك صلات ضرورية لازمة، وليست اعتباطية بين الأقسام المكوِّنة لهذا النص» ـ ، عن طريق عدد محدود من الوحدات، وقواعد تنسيق هذه الوحدات، من خلال تحليل البنية التركيبية syntaxique، على حساب السيماتي [الدلالي]. وهناك برأيه ثلاثة شروط ضرورية للفانتازي: «الفانتازي يقوم بشكل أساسي على تردد القارئ ـ قارئ يتماهى بالشخصية الرئيسية ـ بخصوص طبيعة الحدث الغريب»؛ هذا التردد قد تحس به الشخصية، وبذلك يمكن للقارئ أن يتوحّد بها؛ وعلى القارئ أيضا أن يرفض كل تأويل ترميزي [أللّيغوري] أو شاعري.
د ـ مقاربات أخرى
في النقد المعاصر، ترى (إيرِن بسييرIrène Bessière) في كتابها: الحكاية الفانتازية. شاعرية الغامض le Récit fantastique. La poétique de l’ incertain (1974) أن الفانتازيا «تتلاعب بالواقع من حيث أنها تماهي بين الفريدِ وتمزّقِ الهوية، وبين تبدّي الشاذ وتبدي عدم التجانس، وهو يُرى منظماً دوماً، وحاملاً لمنطق سرّي أو مجهول».
ويرى (تشارل غريفل Charles Grivel) في كتابه: الفانتازيا ـ الخيال Fantastique ـ fiction (1992) أن «الفانتازيا هي منتهى نقاط علام. وأدعو فانتازي ما يجعلنا لن نتمكن بعدُ من القول: على غرار comme. هناك حيث يتوارى المعنى. والفانتازي يشير إلى أن هذا يستطيع أن يُنكر، وكيف et comment»؟
وأخيراً كتب (روجي بوزيتو Roger Bozzetto) في كتابه: (مناطق الفانتازيا Territoires des fantastiques 1998) أن «النص الفانتازي ينشئ نمطاً خاصاً للعلاقة مع العالم، ويجعله ملموساً. وظاهراً عن طريق وجود أشياء وأحداث و/أو حالات اعتيادية في العالم المتمثَّل، ومعها يبني مقلدات (لغوية وأيقونية) تتذرع بالبداهة، لكن الترابط المنطقي للعالم الاختباري «Empirique»، رغم استدعائه، يكون فيها خاضعاً للوجود المفترض لقوانين أخرى. وهذه تظل مكتَنفة بالأسرار، وبالتالي تبعث على القلق، لأن النص لا يسمح أبداً بالولوج إليها».
3ـ تاريخ الأدب الفانتازي
ظهر الأدب الفانتازي في نهاية القرن الثامن عشر في أوروبا، بفضل سياق ثقافي جديد؛ حيث فرض العلم نفسه في الإحساس بالعالم وفي تمثُّله. وولدت الفانتازيا من توتر بين الواقع، الذي يفيد كإطار للقص، والظواهر، التي لا يفسرها العلم. إنه يقع على الحدود بين العقلاني وغير العقلاني، بين الواقعي والمتخيل. إن القرابة بين العالم الموصوف وعالم القارئ تبعث على الرعب.
أـ الرواية الإنكليزية (القوطية [السوداء] Gothique: إرهاص للفانتازيا
حصلت القطيعة الأولى مع ظهور الرواية القوطية، التي سيطرت في الأدب الشعبي الإنكليزي في نهاية القرن الثامن عشر وبداية التاسع عشر. وفي تلك الفترة ظهر تذوق معين لجمالية الموت وأطلال الماضي. وتطلّبَ الأدبُ القوطي المعمارَ (القصر، الدير، الكنيسة، الزنزانة، مدفن قبو الكنيسة)، مناخاً أسود وشخصيات نمطية بشكل خاص (شابة شجاعة، وشخصية ذكرية سيئة). وافتتح هوراس والوبل Horace Walpole هذا الجنس عام 1764 برواية (قصر أوترانت le Château d’Otrante)، التي تطرح تيماته الرئيسة. غير أن أعمال (آن رادكليف Ann Radcliffe)، وخاصة (خفايا أودولف les Mystères d’Udolphe) (1794) هي التي بقيت أكثر شهرة. فرض ماثيو غرغوري لويس Matthew Gregory Lewis نفسه كخلَف جدير له مع (رواية الراهب le Moine) (1796).
في هذه الروايات يبدو اللجوءُ إلى الرعب إجراءً يهدف إلى إظهار المستغرَب [ما لا يصدَّق]، لكن فصلاً أخيراً يضيء السر بشكل عام. والعودة إلى الواقع تغيب تحديداً في الفانتازيا بالمعنى الدقيق؛ حيث تبقى الشخصيات والقارئ منهمكين بالتفسير، وموزعين بين الظواهر الخارقة للطبيعة ومجال العقل.


ب ـ العصر الذهبي للفانتازيا
الفانتازيا الفرنسية
ازدهرت الفانتازيا الفرنسية في الحقبة الرومانتيكية. ومن الغريب أن اثنتين من أوائل الروايات القوطية في اللغة الفرنسية أتتا من كتّاب أجانب، فاتيك Vathek (1786) لوليم بِكفورد William Beckford والمخطوط الذي عثر عليه في سرقسطة Manuscrit trouvé à Saragosse (1804 ـ 1805) لجان بوتوكي Jan Potocki. لقد تأثر المؤلفون الفرنسيون كثيراً بالأدب الألماني، وخاصة أشيم فون أرنيم Achim von Arnim (إيزابل المصرية Isabelle d’?gypte، 1811)، وهوفمان E. T. A. Hoffmann (إكسير الشيطان les ?lixirs du diable، 1816؛ والقط مور le Chat Murr، 1822)، مكتشفين أن الغرابة والرعب يمكن أن يخدما تماماً كحامل لخلق رومانتيكي.
وهكذا قدم شارل نودييه شهرةً للفانتازيا الفرنسية من خلال قصص موجهة أحياناً نحو الحلم (تريلبي أو عفريت أرجيل Trilby ou le Lutin d’Argail، 1822؛ الجنية المقطّعة la Fée aux miettes 1832)، وحيناً نحو الجنون (سمارا أو شياطين الليل Smarra ou les Démons de la nuit، 1821). وبروسبر ميرمه Prosper Mérimée (فينوس الجزيرة، 1837)، وجيرا ردي نيرفال Gérard de Nerval (بنات النار، 1854)، وتيوفيل غوتييه Théophile Gautier (قصة المومياء، 1858) واقتحموا كذلك هذا الجنس من خلال مواربة الحكايات والقصص. قصورٌ مسكونة بالأرواح، مواثيق مع الشيطان، لعنات من كل نوع تشكل ذخيرة لمواضيع مثيرة، وتغذت واستُخدمت من عدد من الكتاب المعاصرين.
العلم والفانتازيا
أخذت الفانتازيا زخماً جديداً مع الأمريكي (إدغار ألان بو)، الذي ترجم له (شارل بودلير) قصص غير عادية، خلال عقد الخمسينيات من القرن التاسع عشر، وكانت هذه القصص ـ وهي تستلهم الرواية القوطية الإنكليزية ـ منغمسةً في مناخ داكن ومظلم ومتابعة لإدغار آلان بو تغذت قصص النصف الثاني من القرن التاسع عشر من التقدم الحاصل في الأمراض النفسية، ومن الأبحاث ماوراء النفسية والفراديس الاصطناعية.
وفي الحقيقة تجدد هذا الجنس، في سبعينيات القرن التاسع عشر، عن طريق ميادين جديدة للبحث العلمي مثل الأمراض النفسية، والاهتمام بالأمراض العقلية والتنويم والمغناطيسية، والاكتشافات المتعلقة بالكهرباء وانتشار الضوء، وكذلك الملاحظات بخصوص ملامح للحياة في الكواكب البعيدة. وبهذا الصدد فقد لعبت قصة (هورلا le Horla (1887) لغي دو موباسان Maupassant) دوراً كبيراً، وهي تضع في المشهد راوياً هو ضحية الجنون.
وعلى هذا المنوال توضح قصة (الحالة الغريبة) للدكتور جكل والسيد هايد (1886) تأثر روبيرت لويس ستيفنسون بالاستلاب وبالازدواجية. أما قصص جول باربي دورفيلي Jules Barbey d’Aurevilly: (الشيطانيون Diaboliques، 1874)، وقصص أوغست فيليه دوليل آدم Auguste Villiers de L’Isle ـ Adam: (حكايات فظة Contes cruels، 1883)، وقصص جوريس كارل هويسمان Huysmans: (هناك Là ـ bas، 1891)، فهي تدل على جاذبية معينة نحو المصائب والمرض والشيطانية. وعلى صعيد آخر تجد حكاياتُ مصاصي الدماء والأشباح أسيادها المعترف بهم في شخص جوزيف شِريدان لوفانو Joseph Sheridan Le Fanu في قصص (كاميلا Camilla، 1872) وبرام ستوكر Bram Stoker (دراكيولا Dracula، 1897)، وفي قصص هنري جيمس Henry James (دورة اللولب Tour d’écrou، 1898).
ت ـ الفانتازيا في القرن العشرين
استمرت الفانتازيا في القرن العشرين، وإن كان ذلك بشكل متفرق. والتفت (فرانز كافكا) في بداياته صوب هذا الجنس، وبالتحديد في قصته (المسخ Métamorphose) (1915) التي تروي قصة رجل تحول إلى حشرة. أما (هوارد فيليب لوفكرافت Lovecraft)، المنافس الكبير لإدغار آلان بو، فهو مؤلف نحو ستين قصة فانتازية، منها: (نداء كتولهو l’Appel de Cthulhu) (1928)، و(في مهوى الزمن Dans l’abîme du temps )(1936). ونجد في أعمال جان ري Jean Ray أسطورة رعب هي (آخر حكايات كانتربوري les Derniers Contes de Canterbury، 1944).
وشهد أدب أمريكا اللاتينية ثلاثة وجوه رائدة للقصة الفانتازية. فقد عَرَفَ (خورخيه لويس بورخيس Jorge Luis Borges) شهرة مع كتابي (خيالات Fictions (1941) والألِف l’Aleph) (1949) اللذين أدرجاه ضمن تفكير ميتافيزيقي. أما مواطنه وصديقه (أدولفو بيوي كاساريس Adolfo Bioy Casares) فهو مؤلف الرواية الشهيرة (إبداع مورِل l’Invention de Morel) (1940) و(أنطولوجيا الأدب الفانتازي) الذي وضعه بالاشتراك مع زوجته (سيلفينا أوكامبو Silvina Ocampo) و(بورخيس). أخيراً القصاص الموهوب (خوليو كورتازار Julio Cort?zar) الذي تمزج قصصه القلق والواقع اليومي بمهارة (الرواد التلقائيون للطريق الكوني les Autonautes de la cosmoroute، 1984).


عن:
Microsoft ® Encarta ® 2007. © 1993 ـ 2006 Microsoft Corporation. Tous droits reserve.
(1) أو لوسيوس أبوليوس تيزيوس (Lucius Apuleius Theseus v. 125 ـ v. 200,) كاتب وفيلسوف روماني، درس الأدب في قرطاجة والفلسفة في أثينا والقانون في روما. وضع روايته التحولات أو الحمار الذهبي في 11 كتاب. وفيها تحول الشخصية الرئيسية، لوسيوس، إلى حمار عن طريق سحر عارض، وبعد حوادث عرضية عديدة استعادت شكلها البشري بفضل كاهنة الإلهة المصرية إيزيس التي أطعمته الزهور. المترجم
(2) صدرت ترجمته بعنوان «مدخل إلى الأدب العجائبي»، وقام بها الصديق بوعلام. دار شرقيات. القاهرة. 1994. وآثرنا التعريب بسبب الالتباس الذي يجده القارئ في كثير من الكتب والمقالات بين الفانتازي والـ merveilleux أو الغرائبي، وغالباً ما يتبادل المصطلحان كلمتي «غرائبي» و«عجائبي» في ترجمة هذين المصطلحين، لذلك نفضل تعريب «الفانتازيا» بوصفها جنساً أدبياً. المترجم
في سبيل تعريف لأدب الخيال العلمي جاك غوامار Jaques Goimard ـــ ت.د.إياس حسن
يُعنى بتعريف الخيال العلمي ثلاثةُ أنماط رئيسة من المستخدمين: 1- أولئك الذين لا يعرفون ما هو ويرجعون إلى التعريفات المعجمية؛ 2- هواة هذا الجنس الأدبي، الذين يكتبون ويقرؤون تعريفات مادحة définitions-éloges؛ 3- المؤرخون والمنظرون لهذا الجنس، وهم نوع من الطليعة المجاهدة التي تواجه بشكل دائم إشكالية التعريف، والجاهزة دوما لتنصب له كميناً على امتداد مسيره الغامض في غابة التناقضات.
وتقرن تعريفات المعاجم بين ثلاثة تعابير:
1- المعرَّف le défini (وهنا كلمة الخيال-العلمي).
2- المعرِّف définissant، وهو بشكل عام جملة محملة إلى حد ما بنعوت وبظروف [أحوال] تمثل مقداراً من الخصائص المحتواة في التعريف.
3- علاقة تكافؤ بين المعرَّف والمعرِّف. هنا تبدأ التشويشات بسبب أن المعاجم، كما الكلمات المتقاطعة، غالباً ما تكتفي بعلاقات شبه التكافؤ de quasi-équivalence التي تأخذ بالحسبان ألعاب الكلمات (الكلمات المتقاطعة) وبالاعتبارات الاشتقاقية (المعاجم) بامتلاكها على الأقل ميزة أن توقظ اهتمام الذين ليسوا على علم به، وأن تسهّل اندماج التصورات الحديثة في الثقافة الأساس.
إن التعريفات التي يقدمها الهواة (أو نوع من الهواة الملقبين بالمتحمسين fans) موسومة بشغف مشترك تجاه هذا الجنس، شغف يودّون بسطه على غير المبالين، وعلى الخصوم الحقيقيين أو المفترضين للخيال العلمي. ومن جهة أخرى، يمتلك الهواة ثقافةً، وفي أفضل الحالات كفاءةً حقيقيتين، تسمحان لهم باستشفاف انتماء كتاب أو فيلم إلى صف أعمال الخيال العلمي، و(إذا أمكن القول) بأن لا يستغربوا من دهشتهم. بإمكانهم كذلك أن يستشفّوا هذا الحكم أو ذاك كإعلان عن خصيصة للخيال العلمي، حتى لو وضعها التشديد، في لائحة خصائص الجنس، على الأكثر استساغة وأحياناً المعبِّرة بشكل أكثر سذاجة، (الخيال العلمي عقلاني أيضا كالعلم، فهو يتنبأ بالمستقبل تماماً كما الاستشراف، إلخ). وأخيراً فهم يستطيعون اعتماد موقف شخصي بخصوص الأجناس الثانوية sous-genres المتنافسة، وبخصوص المدارس التي تجدد بشكل دوري الاهتمام بالخيال العلمي. إنهم حوض توليد المؤلفين والمتخصصين(1).
ولا يحتاج المؤلفون إلى أن يقدموا التعريفات. وبقي "المتخصصون" (المؤرخون، المنظرون). وإلى هؤلاء يعود تحليل الأعمال والنماذج، وعليهم أن يستخلصوا منها قوائم بالخصائص المميزة أو المخالفة، وأن يسبروا حدود المجموعات أو المجموعات الثانوية التي صيغت بهذا الشكل، ويطرحوا تصنيفات ونظريات موحِّدة، إلخ. وهناك عملٌ يحتاج إلى التفرغ الكامل أمام أجيال الباحثين: فقد شغل تصنيفُ الكائنات الحية علماءَ الطبيعة على امتداد القرن (الثامن عشر) قبل أن يتم اكتشاف المبدأ الأساس؛ وبعد ذلك أصبح التصنيف شيئاً فشيئاً علماً بالتفاصيل، مع أن البيولوجيا، في اندفاعها، كانت تصوغ في سنوات عدة نظرية التطور ومبدأ وحدة الكائن الحي.
غير أن جهد علماء البيولوجيا على امتداد القرون، يجب ألاّ يحبِط، بسبب نجاحه المتأخر، أولئك الذين يحاولون اليوم طرح مشكلات مماثلة دون توفر عددٍ مماثل من الباحثين ومدةٍ مماثلة من الزمن. لنتذكر لينه(2) الذي طرح في منتصف القرن الثامن عشر ـ في منتصف المسافةـ قرينةً لتصنيف النباتات لم تكن الأفضل، لكنه سمح لمن أتى بعده، بعشرين أو ثلاثين سنة، أن يجدوا الأفضل وهم يقاربون الواقع عن كثب. لقد عثرت الفانتازيا fantastique على ما يمكن أن يعادل لينه، في شخص تزفيتان تودوروف(3) الذي بنى تعريفاً فائقاً لهذا الجنس، وهو يرفض أسلافه "الشرعيين" (كاستِكس Castex، فاكس Vax، كايوا(4) Caillois) قبل أن يحرّض معادين لتودورف، والذين نجح رفضُهم بمقدار ما كان كتابُه شديدَ الوضوح؛ وهناك أيضاً بالنسبة للفانتازيا من يقوم مقام جسيو وكاندول، فهم موجودون بيننا، ويسهل التعرف إلى بعض منهم، وإن لم ينتجوا عملهم الكبير إلى الآن.
وفيما يتعلق بالخيال العلمي فهو ما زال، من حيث الأساس، وقفاً على بلاغة المديح والجدال. وقادت تحفظات المؤسسة الجامعية الفرنسية، في معارضتها له، مشاركاتِ باحثين شديدي النشاط للعمل خصوصاً على الفانتازيا(5). لكن جبهة البحث في الفانتازيا كانت قد لامست الخيال العلمي (نفكر تحديدا بعمل روجي بوزيتو Roger Bozzetto) ويمكننا أن نقدر أن الحملة، عندما تنطلق، ستمضي بشكل أسرع مما كان سيحضِّر له [معادلو] لينه وجسيو وكاندول في الفانتازيا.
وهكذا فإن التعريف، بمجرد ما يتنقّى، يبدو كشقيق توأم للتصنيف. لنشدد بهذا الصدد على أن غرض التصنيفات الأدبية والفنية هو ترتيب، ليس الأعمال (إذ يحق للمؤلفين دوماً «مزجُ» الأجناس)، بل خصائص الأعمال. وهذا يطرح عدة فصائل من العمليات المتعاقبة.
1ـ وضع قائمة بخصائص الأعمال
ولتكن مجموعة الأعمال أ، ب، ج، د، هـ ... والتي أظهر لنا وصفُها مجموعةَ الخصائص: ألف، باء، جيم، دال، هاء. أن عدد الأعمال المدروسة متبدل: لقد وُضِعت نظريةُ التراجيديا ـ بما فيها تعريفهاـ بناء على نموذج وحيد تقريباً من قبل أرسطو (أوديب الملك) وهيجل (أنتيجون)؛ ويستخدم تودوروف نحو عشرين نموذجاً، ويضيف إليها ـ من أجل التحديد الدقيق للفانتازيا كما يتصورها ـ عدداً معيناً من النماذج المضادة(6).
والمعارضون لتودوروف ـ وهم يرون أن مدونته شديدة الحصرية ـ رفضوا نظريته بمساعدة نماذج من خارج مدونته. فالأنطولوجيات الجامعية للنصوص النقدية تقدم منها أكثر بكثير (بشكل عام حول الرواية، الشعر، التراجيديا، الكوميديا، إلخ)، إنما المدونة المثالية هي كامل الأعمال التي يمكن الوصول إليها (32 بالنسبة للتراجيديا الإغريقية، نحو 1000 بالنسبة للتراجيديا في الفترة الإليزابيثية، عدة آلاف بالنسبة للتراجيديا الإسبانية في القرن الذهبي(7)): نمط مثالي ومن البدهي أنه متعذر التنفيذ، ويمكن أن تحل محله عينة معقولة، ما يفترض دراسات مسبقة.
فيما يتعلق بالخصائص، يحصي تودوروف ما يزيد قليلاً عن ثلاثين منها في نحو عشرة فصول.
وحصل لنا أن رتبنا في بطاقات عملاً قديماً إلى حد ما حول الميلودراما(8)، وقد استخلصنا منه 75 خصيصة لهذا الجنس، تختلط فيها الفئات كافة. يجب الاعتراف أيضاً بأن نهجنا، الاختباري «Empirique» البحت، لم يكن يتوفر على الواقي الذي يشكله سَنَدٌ نظري بنّاء (مثلما كان علم اللغة بالنسبة لتودوروف)، وقد ضمنّاه طروحات متناقضة، منذ أن ظهرت في مصدرنا.
2- ترتيب الخصائص
يجب إذن أن تعاد دراسة المدونة لكشف التناقضات وتبديد سوء الفهم؛ وبعد ذلك ستكون الخصائص بعد إعادة صياغتها مرتبة تبعاً للتواترات المتناقصة، فالأكثر صياغة في الغالب تكون ذات الحظ الأوفر للظهور في التعريف النهائي.
هناك في الحقيقة، وباستقلال عن روح المنظومة، جمالية للتعريف: كل مفهوم مدروس بنجاح يجب أن يكون من الممكن تحديده بجملة واحدة، حتى لو أُثقِل بتضمينات بمقدار ما وضع أرسطو منها في تعريفه ـ المشهور جداً!ـ للتراجيديا. هذا الإيجاز يفترض منطلقين:
أ) التخلي عن بعض الخصائص الثانوية، ربما تُطرَح من الخصائص التي كان سيتم الاحتفاظ بها، وذلك لجعل الجملة سهلة الحفظ- لنحصل منها، بالمحصلة، على قول مأثور ينقش على الرخام و[يصلح للطباعة].
ب) إظهار علاقات كانت صامتة سابقاً، ويجب، في طور معين، أن تصاغ.
يمكن الاعتقاد أنه في هذه الحالة، يصبح من المتعذر تجنب تناول الدراسة مع إضافة الخصائص... ضاد، ظاء، غين، التي خمن الباحث وجودها مؤخراً، إلى الخصائص ألف، باء، جيم، دال، التي اعتُمدت في البداية. لكن الرياضيات التطبيقية، إذا ما لجأنا إليها، تسمح بدراسة "التجميعات عديدة الأطروحات groupements polythétique" التي تقرن الأعمال الرسمية [الشرعية] بأعمال أخرى تكون فيها الخصيصةُ الرئيسة (المعطاة بالتعريف) غائبةً بوضوح وببساطة. تلكم حالة خصوصية إلى حد ما. وهي ليست الوحيدة. إنها تدعونا للحذر: التعريف ليس قانوناً فيزيائياً، يطبَّق على جميع العناصر في مجموعة، وعليها فقط؛ إنه باقة مقطوفة بيد ماهرة إلى هذا الحد أو ذاك من قلب دغلٍ ملتبس إلى هذا الحد أو ذاك.
3- وظيفة التعريف
للتعريف إذن مهمة أن يكون شعبياً، بمعنى جمالي تسويقي في آن واحد: ما يُتصوَّر جيداً يُعلن بوضوح، وما يعلن بوضوح يصيب بشكل أفضل الهدف في مركزه (ولو متعدد الأطروحات polythétique). ومن الزاوية المعرفية، ليس للتعريف بالمعنى الدقيق قيمة الحقيقة de vérité، بل قيمة الاستخلاص de résumé (من مجموعة من الطروحات يمكن تبيانها).
ومع ذلك لا يجوز أن يكون التعريف مشوشاً. فهو ينجم عن تصنيف جيد ويستطيع أن يحرض على نظريات جيدة؛ وهو بتوضعه في مفترق استراتيجي، يستطيع بنفسه فقط –وهذا نادر- أن يبلور النظريات.
* * *
لن نتناول ثانية هنا المشكلة من أساسها. وسنغفل عن تقديم تعريفات الماضي للقارئ الحالي، التي قد يكفي وصلها طرفاً بطرف لملء حجم هائل. من بين هذه التعريفات، فإنني لا أحتسب إلا التي أنتجتها بنفسي، وخصوصاً من الأخير، المنشور في الطبعة الأحدث من موسوعة يونيفيرساليس(9) Encyclopoedia Universalis.
حاولنا أن نحتفظ فيه بتسمية الخيال العلمي للقصص الخيالية التي تقرن بين الخصيصتين التاليتين: 1- أثر غير مألوف extraordinaire يسبب عند القارئ/المشاهد اندهاشاً شديداً، هو مصدر قلق أو نشوة، لكن يدل قبل كل شيء على هزيمة أشكال يقين منجزة موروثة من التقاليد؛ 2- أثر تأسيس أو إعادة إحياء للمحتمل الواقعي، الذي اختل عند القارئ بصدمته بغير المألوف، يؤمّن له عنفاً أعظمياً من خلال إعداده المسبق، أو من خلال مصاحبته في ارتداداته على انسجام العالم الاختباري، الذي تؤمنه حتى هنا مجموعة غير منتظمة إلى حد ما من القوانين الفيزيائية، ومن القواعد الاجتماعية، ومن الضوابط الثقافية، ومن الصنيعات التكنولوجية؛ وفي نهاية هذه العملية سيكون نظام العالم قد أطيح به (بشكل تدريجي كما في نظرية أحجار الدومينو، أو دفعة واحدة) أو أُجبر على إعادة التركيب بشكل آخر من أجل أخذ الواقع الجديد بعين الاعتبار.
إنه تعريف طويل بالفعل، ولا يبدو شديد الصعوبة على التبسيط. وهذا هو الهدف الذي سنهتم به هنا، دون أن يكون عندنا أمل بملاحقته هذه المرة حتى في معاقله الأخيرة.
لنلاحظ بدايةً أن الصدمة مما هو غير مألوف مشتركة بين الخيال العلمي وبين الفانتازيا (وبشكل أكثر تعميماً بين الأجناس كافة التي تستخدم التأثير الغرائبي effet de merveilleux). أما إعادة بناء المحتمل [الواقعي] وتكييف نظام العالم مع الواقع الجديد؛ فهما أكثر خصوصية للخيال العلمي وحده ("الخيال العلمي هو فانتازيا ذات مسامير [أكثر إحكاماً]"، كما يقول ببساطة تيري براتشِت Prachett). ويمكن إذن الاعتقاد أننا أمام تعريف per genus et differentiam specificam (عن طريق جنسٍ، هو الأكثر قرباً، واختلافٍ مما يميز النوع)، كما يقول الأرسطيون. يبدو أن هذه السمة تعلن تفرّعاً يقود إلى أجناس أخرى، إلى أنواع أخرى، إلخ. لكن لنحتفظ برأينا حول هذه النقطة، والذي قد يكون جريئاً حتى الآن.
لنلاحظ بعد ذلك أن عنصري هذا التعريف متضادان: المحتمل يتراجع في المرحلة الأولى، وبعد ذلك يتقدم ثانية، وهو يستعير طرقاً جديدة. من هذا المنظور نكون قريبين جداً من عيب إضافي، يوشك تعريف الخيال العلمي أن يذوب في تعريف أكثر عمومية للقصة récit.



ما هو الحدث البوليسي الكلاسيكي؟ جريمة، هي في وقت واحد صادمة وغامضة، وتحرٍّ ناجح يحل السر الغامض، ويحضّر لعودة النظام الاجتماعي معدَّلاً بالاختفاء المزدوج للضحية وللقاتل.
ما هي التراجيديا الإغريقية، أوديب الملك أو أنتيجون؟ جريمة وعقوبة، وهذه مسبوقة أو غير مسبوقة بتحقيق ومحاكمة.
ما هي الكوميديا الكبرى على طريقة طرطوف؟ جريرة مضاعفة (مهرج وقور auguste مغفل، هي أورغون، يعرّض للخطر زوجاً من العشاق تحت تأثير بهلوان خبيث منافق clown blanc، يتلاعب به، هو طرطوف)، يتبعها عقاب مضاعف (المهرج الوقور وقد خاب أمله يرضى بقران العاشقين، والبهلوان الخبيث، وقد افتضح أمره، يُرسَل إلى السجن). ويمكن الإكثار من الأمثلة.
ليس إذن وجود حركتين متعاكستين هو الذي يجب أن يلفت انتباهنا، إنما طبيعة هاتين الحركتين: فقدٌ مفاجئ للمرجّح(10) vraisemblance، وإعادةُ بناء بعد الزلزال لمعقولية نفترض أنها قادرة على المقاومة في الهزة القادمة. فالعالم الاختباري "Empirique"، بصفته نقطة البدء لجميع التحولات، يخلي المكان لسلسلة من العوالم المتخيَلة من الدرجة الأولى (تنويع واحد)، ومن الدرجة الثانية (تنويعان)، إلخ. وإذا ما وُجدت قلة من القصص تقدم أكثر من تنوعين، فإن بعض الروايات الطويلة يستخدم منها الآلاف، وهي تحيل قراءها الولعين بالشروحات إلى ملاحق مطوّلة.
بهذا الشكل يرتبط تعريف الخيال العلمي بهذا القسم من الخطاب الذي أسمته البلاغة القديمة توصيفاً [واقعياً] description. والتوصيف بمقدار ما يكون طويلاً وصعبَ التفسير، يمارس الخديعة بخصوص قيم الحقيقة المقبولة في العالم الاختباري، ويكاد دوماً يبعث في القارئ مللاً يدفع إلى النوم، إلا إذا كانت مهارة النص في إنتاج تموجات ondoyances ملونة تصادف لدى القارئ عُصاباً استحواذياً قديماً يدفعه إلى البحث عن انسجامات في الشاذ. وباختصار، إن موقع المسامير هناك حيث نسي الكاتب تحديداً أن يضعها.
والخيال العلمي وقع في المطب، وعمل جهده للخروج منه في فترات مختلفة وبطرق متنوعة: توصيفاتٌ مسبقة للعالم التجريبي، معلومةٌ متأخرة، وحتى توضيح نهائي، ومعلومةٌ منتشرة في القصة يكشفها الحدث، إلخ. لكن فرصته التاريخية كانت في الاعتياد المتدرج الذي استلهمه الهواة عن طريق موضوعه، والذي انتهى إلى تشكيل عالم شبه اختباري ـ فيما خلا طارئ ثقافي، وقطع مفاجئ ممكن دوماًـ، وعالمٍ يلتزم من الناحية التقليدية بـ «التعليق [الإرجاء] الطوعي للشك»، هو كونسرفاتوار [المحافظ على] المحتمل في مملكة الفانتا.
(1) ظهرت هذه الوظيفة في الولايات المتحدة وبريطانيا خلال عقد العشرينيات من القرن العشرين، وفي فرنسا خلال الخمسينيات. وقد ركزت مجلة فيكشن Fiction ولفترة طويلة، على المعلومات والمساجلات حول هذه التيمة. ونجد توليفاً رائعاً في مقدمة سيرج لامان Lahman في أنطولوجيا Escales sur l`horizon (Fleuve Noir).
(2) Linné (كارل فون لينه أو لينيوس. 1707-1778). طبيب وعالم نبات سويدي وضع مجموعة المصطلحات التي تشير إلى الكائنات الحية كافة باستخدام اسمين من اللغة اللاتينية يدلان على النوع وعلى الجنس، مازالت صالحة حتى الآن. وضع عام 1735 تصنيفاً للنباتات يعتمد على اللواقح. وتم التخلي عنه فيما بعد لصالح طريقة جسيو Jussieu (Antoine Laurent) (1748-1836). وهو عالم نبات فرنسي، ابن أخ برنار جسيو، خلفه في وظيفة قيّم على حديقة النبات الملكية، وتابع= =منهجه في التصنيف (المنهج الطبيعي). وطبع بدءاً من عام 1763 تصنيفه بوضع الكائنات ضمن عائلات معتمداً على الخصائص الثابتة والمتغيرة.
أما كاندول Candolle (Augustin Pyrame de) (1778-1841). فهو عالم نبات سويسري، وضع تصنيفاً عام 1817مستنداً على جسيو، واعتمد فقط على الصفات الشكلية. أما الطريقة المتبعة حالياً فهي أكثر تعقيداً، وتقوم على العلاقات التطورية بين الأنواع.المترجم
(3) Introduction a la littérature fantastique, Seuil, 1970.
وقد صدرت ترجمته إلى العربية تحت عنوان: مدخل إلى الأدب العجائبي. ترجمة الصديق بو علام، دار شرقيات. القاهرة 1994.المترجم
(4) بخصوص مساهماتهم المقصودة هنا، راجع موضوع "الأدب الفانتازي [العجائبي]" في هذا الملف. المترجم
(5) إن مثال الـ CERLI (مركز الدراسات والأبحاث حول الأدب المتخيل) مفيد جدا. من سيكتب قصته؟
(6) يظهر الخيال العلمي، الذي تقدمه مجموعة شيكلي Sheckley، مصنفا بسبب ذلك بين دائرة الغرائبي.
(7) فترة الذروة للتاج الإسباني بين 1525-1660.المترجم.
(8) Paul Ginisty, Le Melodrame, Paris 1911.
(9) كاتب هذا البحث، غوامار، هو الذي حرر مادة "الخيال العلمي" في موسوعة يونيفيرساليس، 1997.المترجم
(10) هذه هي الكلمة التي استخدمها أرسطو. يفضل كوليريدج Coleridge أن يقول بأن القارئ يقبل أن "يعلّق طوعاً عدم تصديقه" كي يتذوق بشكل أفضل متعة النص. وهذا يشير إلى تواطؤ بين القارئ (الذي ليس فقط المهرج الوقور الأحمق auguste) والمؤلف (الذي ليس فقط المهرج الخبيث المنافق clown blanc).


الأحد، 7 سبتمبر 2014

أزهار الشر........... شارل بودلير


عن صاحب الأزهار:
شارل پيير بودلير (1821-1867) هو شاعر وناقد فني فرنسي، يعتبر من أبرز شعراء القرن التاسع عشر ومن رموز الحداثة في العالم. حيث حُسب شعره على أنه متقدم ومتجاوز لشعر زمنه فلم يفهم جيدًا إلا بعد وفاته. بدأ بودلير كتابة قصائده النثرية عام 1857 عقب نشر ديوانه الشهير “أزهار الشر”، مدفوعا بالرغبة في شكل شعري يمكنه استيعاب العديد من تناقضات الحياة اليومية في المدن الكبري مثل باريس.
عاش بودلير في عصر نضح بمتغيرات عدة، وعج بأسماء لامعة في الفكر والفلسفة والعلوم والأدب (فريدريك نيتشه، هيجل، كانت، كارل ماركس، فكتور هوجو، فلوبير، أوغست كونت، داروين، شوبنهاور وغيرهم)، خلاله صقل شخصية الشاعر الفذ فيه ومارس حريته في قول وفعل ما يريد. هو الذي يتحدث في يومياته عن أن الروح تمر بحالات تكاد تكون فوق طبيعية، يتجلى أثناءها عمق الحياة بأكمله في أي مشهد يتاح للعين مهما كان عاديًا. إن النظر إلى عمق الحياة هي مهمة الشاعر الحقيقي. لكن الشاعر لا بد أن يكون إنسانا قبل كل شيء، بما يحمله هذا الإنسان بداخله من تناقضات صارخة. إن المواءمة بين الشرط الشعري والشرط الإنساني هي التي تصنع الشاعر الحقيقي أو ما يسميه بودلير “الداندي” نسبة إلى “الدانديزم” الذي يعرفه بودلير بأنه المعادلة الخيميائية التي بفضلها يلتحم الشاعر بالإنسان لإنجاب الكائن الأسمى: الداندي.. هذا الداندي عليه، حسب بودلير، أن يعيش ويموت أمام مرآة، وأن يكون عظيما في نظر نفسه قبل كل شيء إذ أن “الأمم لا تنجب العظماء إلا مرغمة. إذن لن يكون الرجل عظيمًا إلا إذا انتصر على أمته جمعاء”، كما أن الداندي عاشق للفن والجمال، ولكن ليس الجمال النمطي المكرس والقار. الجميل عند بودلير هو شيء ما متأجج وحزين، شيء ما يفسح المجال للتخمين، ويجعل من شروطه الغموض والندم، ويضيف إليهما شرط التعاسة.







* قال عن نفسه في أحد خطاباته عام 1814:
“أنا إنسان مريض، شنيع الطبائع، والذنب هنا هو ذنب أبوي. من جراهما يسري البلى في نسجي وتنحل عراي وترث قواي؛ ذلك من يولد لأم في السابعة والعشرين وأب طاعن في الثانية والستين. فتأمل يا صاح خمسة وثلاثين عامًا بين الاثنين. تقول إنك تدرس علم البنية والطبائع. فسل نفسك عما ترى في الثمرة الناتجة عن قران كهذا القران.




* قال فيه الشاعر الفرنسي آرثر رامبو:
“إن بودلير لهو أمير الشعراء.. إنه إله حقيقي للشعر”







تقديم الفيلسوف والكاتب الفرنسي جان بول سارتر لديوان “أزهار الشر”:
موقف بودلير الأصلي هو موقف العاكف على نفسه يتأملها كنرسيس الأسطورة. فليس لديه شعور مباشر لا تخترقه نظرة مرهفة. نحن عندما نتأمل مثلاً شجرة أو بيتاً نستغرق في هذه الأشياء وننسى أنفسنا، أما بودلير فإنه لا ينسى نفسه أبداً. فهو يتأمل نفسه عندما يتأمل الأشياء، وهو ينظر إلى نفسه ليرى نفسه يُنظر. إنه يتأمل شعوره بالبيت وبالشجرة لذا لا يراها إلا أشد ضآلة وأقل وقعاً كما لو كان ينظر إليها من خلال عدسة مصغرة. فلا تدل إحداهما على الأخرى كما يدل السهم على الطريق أو الإشارة إلى الصفحة. وفكر بودلير لا يضيع أبداً في متاهاتها ولكن على العكس يرى أن المهمة المباشرة لها هي أن تعيد له شعوره بذاته. لقد كتب يقول: “ما يهم ما تستطيع أن تكون الحقيقة الموضوعة خارج نفسي إذا هي ساعدتني على أن أعيش وأن أشعر إني موجود ومن أنا”. وفي نفسه كان همّه ألا يظهر الأشياء إلا من خلال جدار سميك من الشعور الإنساني عندما يقول في كتابه “الفن الفلسفي”.
“ما هو الفن الخالص في المفهوم الحديث؟” “هو أن تخلق سحراً متلاحقاً يحتوي الموضوع والعلة معاً والعالم الخارجي للفنان والفنان نفسه، بشكل يستطيع معه إلقاء محاضرة بعنوان ضآلة الحقيقة في العالم الخارجي” ذرائع، انعكاسات، أطر الأشياء كلها لا قيمة لها مطلقاً بذاتها وليس لها من مهمة سوى أن تعطي الفنان فرصة تأمل نفسه وهو يراها. لبودلير مسافة جوهرية تفصله عن العالم ليست هي مسافتنا نحن فبينه وبين الأشياء تتدخل دائمًا نصف شفافية لزجة قليلاً معطرة كثيراً كأنها ارتجاف هواء الصيف الحار وهذا الشعور المراقب والذي يشعر بأنه مراقب وهو يقوم بأعماله العادية، يفقد الإنسان عفويته كالطفل الذي يلعب في ظل مراقبة الكبار. هذه العفوية التي كرهها بودلير بقدر ما ندم على حرمانه منها. هو لا يملكها مطلقاً فكل شيء عنده مزيّف لأنه مراقب فأتفه نزوة وأقل رغبة تولد مراقبة وحلولة الرموز. وإذا ما تذكرنا المعنى الذي أعطاه “هيجل” لكلمة مباشرة أدركنا أن تميز بودلير العميق يكمن في كونه الرجل الذي فقد المباشرية. ولكن كان لهذا التميز من قيمة بالنسبة لنا نحن الذين نراه من الخارج، فغنه وهو الذي ينظر إلى نفسه من الداخل لم يستطيع أن يمسك به مطلقاً. كان يفتش عن طبيعته أي خصائصه وكيانه، لكنه لم يدرك سوى توالي حالاته النفسية الرتيبة الطويلة التي جعلته يسخط عليها. كان يرى جيداً ماذا يصنع خصوصية الجنرال أو بيك وخصوصية أمه. فكيف إذنْ لم يتمتع بخصوصية شخصه هو. ذلك لأنه كان ضحية وهم طبيعي، بموجبه ينطبع داخل الإنسان على خارجه. وهذا غير موجود. وهذه الصفة المميزة التي تشير إليه دون الآخرين، لا اسم لها في لغته الداخلية. فهل يرى نفسه روحانياً أم مبتذلاً أم متميزاً؟ أو هل باستطاعته حتى أن يدرك حيويته وسعة ذكائه؟ هذا الذكاء الذي لا يحدّه سوى نفسه، وما لم يتدخل المخدر ليسرّع قليلاً من مجرى أفكاره فقد كان معتادًا على وتيرتها وكانت تعابير التشبيه تنقصه ليعرف كيف يتذوق سرعة جريانها. أما عن تفاصيل أفكاره وعواطفه المتوقعة والمعروفة حتى قبل أن تظهر والشفافة من كل النواحي فإنها تلوح له معروفة جداً، قد رآها من قبل ولها في نفسه ألفة لا رائحة لها ولا طعم. آتية من حياة سائبة. إن نفسه مملوئة بنفسه حتى الفيضان. لكن هذه النفس ليست سوى مزاج كابٍ فَقَدَ التماسك والمقاومة، حتى عجز عن الحكم والملاحظة دون ظلال ولا أنوار. إنه وعي ثرثار يرود نفسه بهمس متلاحق ويلتصق بنفسه التصاقاً يمنعه من قيادة نفسه ورؤيتها بوضوح. وهنا تبدأ المأساة البودليرية.تصوروا الشحرور الأبيض أصيب بالعمى ـ لأن النور المبهر إذا انعكس على العين يعادل العمى ـ فتسلطت عليه فكرة البياض المنتشر على جناحيه, يراه كل الشحارير و يحدثونه عنه وهو وحده لا يستطيع أن يراه, ووضوح بودلير الشهير ليس سوى مجهود لتعويض الخسارة. فالأمر يتعلق باستعادة نفسه وبما أن النظر تملّك فيجب أن يرى نفسه ولكن لكي يرى نفسه يجب أن يكون شخصين. إن بودلير يستطيع أن يرى يديه وذراعيه لأن العين مختلفة عن اليد لكن العين لا تستطيع أن ترى فنسها إنها تشعر بنفسها وتعيشها غير أنها لا تستطيع أن تتخذ المسافة الضرورية لكي تتذوق نفسها. وعبثاً ما يصرخ في أزهار الشر قائلاً:
وجهاً لوجه كئيباً واضحاً
يقف وقلبه مرآته











وهذه المواجهة ما تكاد خطوطها الأولى ترتسم حتى تتلاشى لأنه لا يملك سوى رأس واحد. وسينحصر مجهود بودلير في دفع المحاولة المجهضة من الازدواجية إلى نهايتها القصوى، والتي هي الضمير العاكس. وإذا تمتع مبدئيا ًبالوضوح فليس ذلك من أجل أن يقدم لنفسه حساباً عن أخطائه ولكن من أجل أن يصبح اثنين. وإذا أراد أن يكون اثنين فلكي يحقق من هذا الازدواج الامتلاك النهائي للأنا بواسطة الأنا وهكذا يضج منه وضوحه. فلم يكن سوى شاهد نفسه وسيحاول أن يكون جلادها لأن التعذيب يولد ازدواجية كاملة الاتحاد، فيه يستولي الجلاد على الضحية. وبما أنه لم ينجح في رؤية نفسه فلا أقل من أن ينبشها كما تنبش السكين الجرح آملاً من وراء ذلك أن يصل إلى الوحدة العميقة التي تكوّن حقيقة طبيعته:
أنا الجرح والسكين
أنا الضحية والجلاد
فهل هذا التنكيل بنفسه يقلدّ الامتلاك؟ إنه ينزع إلى خلق لحم تحت أصابعه، لحمه هو حتى يعرف أنه لحمه من خلال ما يشعر به من ألم. فأنْ تجعل إنساناً يتألم ذلك يساعدك على امتلاكه وخلقه كما يساعدك على القضاء عليه. والصلة التي تجمع بالتبادل الضحية والمحقق هي صلة جنسية. وعبثاً يحاول أن ينقل إلى حياته الشخصية هذه العلاقة التي لا معنى لها إلا بين أشخاص متمايزين. أن يحول إلى سكين وجدانه العاكس وإلى جرح وجدانه المستقبل في حين أنهما في الواقع واحد.لا يمكن أن يحب الإنسان نفسه ولا أن يكرهها ولا أن يعذب نفسه، فالضحية والجلاد يختفيان في عدم تمييز مطلق عندما يطالب الأول بالألم والثاني يمارسه بعمل إرادي وحيد. وبودلير أراد بعمل معاكس، لكنه يهدف إلى الغاية نفسها، أن يجعل من نفسه الشريك المتكتم بوجدانه المستقبل، ضد وجدانه العاكس. وعندما يكف عن جعل نفسه تستشهد فذلك لأنه يحاول أن يندهش من نفسه، وسيدّعي عفوية محيّرة، وسيتظاهر بالاستسلام إلى أكثر النزوات مجانية، لكي يضع نفسه فجأة أمام نفسه، كشيء معتم وغير منتظر، أو بتعبير آخر كشخص يختلف عن شخصه. فإذا نجح في هذا المسعى، فالمشكلة محلولة جزئياً وباستطاعته إذن أن يتمتع بشخصه. ولكنه هنا أيضاً لا يكوّن سوى شخص واحد مع الذي يريد أن يفاجئه، وأقل ما يقال أنه يحدس مشروعه حتى قبل أن يضعه. إنه يتوقع مفاجأته ويقيسها ويركض وراء اندهاشه الشخصي دون أن يستطيع أبداً إدراكه. فبودلير هو الرجل الذي اختار أن يرى نفسه كأنه شخص آخر ولم تكن حياته كلها سوى قصة هذا الفشل. وعلى الرغم من الخدع التي نسجت صورته في نظرنا إلى الأبد فإنه يعرف تماماً بأن نظرته الشهيرة ليست هي والشيء المنظور سوى واحد. وأنه لن يصل أبداً إلى امتلاك حقيقي لشخصه ولكنه يصل فقط إلى ذلك التذوّق الفاتر الذي يميز الوجدان العاكس.إنه يشعر بالضجر وهذا الضجر “تلك العاطفة العجيبة التي هي أصل كل أمراضه وكل نجاحاته البائسة” ليس حالة عارضة أو كما يدّعي هو أحياناً ثمرة عدم فضوله القرف: إنه “الضجر النقي من الحياة” الذي تكلم عنه “فاليري”، إنه الطعم الذي يملكه الإنسان لنفسه بالضرورة إنه طعم الوجود.
أنا غرفة انتظار عتيقة
مليئة بالورود الذابلة
يملؤها خليط عجيب
من أزياء فات زمانها
ولا يتنفس فيها عبير عطر مسكوب
إلا الرسوم النائحة
ولوحات بوشيه الشاحبة
هذه الرائحة الخفيفة التي تتصاعد من حق مفتوح إنك لا تكاد تشعر بها، لكنك تراها فهي حاضرة بكل هدوء وفظاعة، لأنها الرمز الأمثل لوجود الوجدان من أجل نفسه. فهل الضجر أيضاً شعور ميتافيزيقي.
هذا هو المنظر الداخلي لبودلير والمادة الأزلية التي صنعت منها أفراحه وغضبه وأحزانه. وها هو تناسخه الجديد: بعد أن سدّ عليه حدسه، بتفرده الصريح، المنافذ كلها، يدرك أنه وقف على كل إنسان. فسار في طريق الوضوح ليكشف عن طبيعته المتميزة وعن مجموع الملامح التي تستطيع أن تجعل منه الرجل الذي لا يمكن تعويضه. أما ما وجده في طريقه فلم يكن وجهه هو، لكنه الأنماط الغامضة للضمير الكوني. فالكبرياء والوضوح والسأم كلها واحدة في نظره. ففي داخله وعلى الرغم منه، يصل ضمير المجموع إلى ضمير الفرد ويتعارفان.








مختارات من “أزهار الشر”:






القطرس
غالبًا ما يصطاد البحارة طلبًا للتسلية
طيور القطرس. هذه الطيور الكبيرة
التي تتبع بغير مبالاة السفينة المنسابة
فوق اللجج كأنها رفاق السفر
وما إن يضع البحارة ملك الفضاء هذا
على ألواح السفينة
حتى يتحول إلى أخرق خجل
يترك جناحيه الكبيرين الناصعين
يجرجران إلى جانبه كالمجاديف
بصورة تدعو للرثاء
يا له من أخرق تافه مضحك بشع
هذا المسافر المجنح الذي كان في غاية الجمال
فواحد يزعج منقاره بغليونه
وآخر يقلد وهو يعرج هذا المريض الذي كان يحلق
ما أشبه الشاعر بأمير الفضاء هذا
الذي كان يرود العاصفة ويهزأ بالرماة
إنه على الأرض منفيّ بين الغوغاء
وأجنحته الجبارة تعوقه عن مواصلة المسير.








العدوّ
شبابي لم يكن سوى زوبعة قاتمة
اخترقته هنا وهناك الشموس اللامعة
فقد عبث المطر والرعد ببستاني
فلم يبقيا فيه إلا القليل من الثمار الذهبية
وها إن أفكاري قد بلغت خريفها
ولا بد لي من استعمال الرفش والمسلفة
لأعيد تنظيم هذه المزارع التي غمرتها المياه
وحفرت فيها حفرًا واسعة كالقبور
من يدري إذا كانت هذه الأزهار الجديدة
التي كنت بها أحلم
ستجد في التربة المغسولة كالرمل
الغذاء الرمزي الذي يبعث فيها النشاط
أيها الألم إن الزمن يُبلي الحياة
والعدوّ الغامض الذي ينهش قلوبنا
على دمنا المسفوح ينمو ويقوى.




الرجل والبحر
أيها الإنسان الحر ستحب البحر دائمًا
فالبحر مرآتك تتأمل نفسك في انبساط أمواجه
غير المتناهية، في حين
أن روحك هاوية لا يقل عنه مرارة
ومن دواعي سرورك أن تغوص في أعماق صورتك
وتضمها بعينيك وذراعيك
وقلبك يلهو أحيانًا بخفقانه
وبصخب هذه الشكوى الوحشية المتمردة
فأنتما غامضان لا تبوحان
فيا أيها الرجل.. لم يستطع أحد أن يسبر أغوار نفسك
ويا أيها البحر.. لم يستطع أحد أن يعرف مقدار ثروتك
الدفينة في أعماقك
لحرصكما الشديد على كتمان أسراركما
ومع ذلك فإنكما تحتربان بلا شفقة ولا ندم
لأنكما تحبان كثيرًا الموت والمجازر
يا أيها المتحاربان الأزليان
والأخوان اللذان لا يعرفان الهدوء








بكاملها
زارني الشيطان يومًا في غرفتي العالية
محاولاً أن يضبطني متلبسًا بالخطيئة
فقال: أتوق أن تخبرني عن أحلى ما فيها
فبين كل المفاتن التي تصنع سحرها
ومن الأشياء الوردية والسوداء
التي تكوّن جسدها الفاتن
أي شيء هو الأجمل
أراك يا نفسي تجيبين كارهة
لا سبيل إلى المفاضلة فكل ما فيها بلسم
فعندما يلفني بسحره كل شيء فيها
أجدني أجهل الشيء الذي سحرني
إنها كالفجر تبهيني وكالليل تعزيني
والانسجام الذي يلف كل جسدها
بلغ من روعته أن عجز التحليل وقصّر
عن تعداد توافقاتها العديدة
فيا تغيُّر حواسي كلها الذائبة في واحدة
إن أنفاسها تصنع الموسيقى
وإن صوتها يصنع العطور.




الشبح
كالملائكة ذات العيون الوحشية
سأعود إلى مخدعك
وأتسلل إليك بغير جلبة مع ظلام الليل
وسأمنحك يا سمرائي
قبلاً باردة كالقمر
ومداعبات أفعوان يسعى حول وكره
وعندما يعود الصباح الكئيب
ستجدين مكاني فارغًا وسيستمر باردًا حتى المساء
وكما يحب بعضهم أن يسيطروا
بالحب على حياتك وشبابك
أنا أريد أن أسيطر بالرعب.








موت الفقراء
إنه الموت الذي يعزي واحسرتاه
وهو الذي يحملنا على الحياة
إنه غاية الحياة والأمل الوحيد
الذي يرفعنا ويبعث كالإكسير النشوة في نفوسنا
ويزوّدنا بالجرأة التي تجعلنا نتابع الطريق إلى النهاية
عبر الإعصار والثلج والجليد
هو الضوء المتموّج في آفاقنا السود
إنه الفندق الذائع الصيت
الذي يوفر الطعام والراحة والنوم
إنه الملاك الذي يحمل بين أصابعه السحرية
الرقاد ونعمة الأحلام السعيدة
ويسوي مضاجع الفقراء والعراة
هو مجد الآلهة ومخزن الغلال الرمزي
وكيس نقود الفقراء وموطنهم القديم
إنه الرواق المفتوح على الآفاق
المجهولة.






مترجمة عن الفرنسية

الأحد، 10 أغسطس 2014

المافيا




المافيا (المعروفة أيضا باسم كوزا نوسترا) هي منظمة إجرامية ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية بإيطاليا. وهي تحالف حر بين عصابات إجرامية تجمعها بنية تنظيمية مشتركة وقواعد سلوكية موحدة.
كلمة مافيا ترجع إلى كلمة mafiusu باللهجة السيسيلية والتي بدورها تعود إلى كلمة شعبية عربية مهياص التي معناها عدواني وعنيف ومتشدق. واحتمال ثانٍ يقول أن الكلمة مشتقة من الكلمة العربية “مرفوض”.
لكن حسب الرواية الشعبية، التفسير الأكثر شيوعا يرجح تاريخ كلمة مافيا إلى القرن الثالث عشر مع الغزو الفرنسي لأراضي صقلية عام 1282م، حيث تكونت في هذه الجزيرة منظمة سرية لمكافحة الغزاة الفرنسيين كان شعارها : MorteAlla Francia Italia Anelia ويعني (موت الفرنسيين هو صرخة إيطاليا) فجاءت كلمة (مافيا MAFIA) من أول حرف من كلمات الشعار. وهناك وجهة نظر أخرى حيث يذكر بعض زعماء المافيا وعلى رأسهم جوبونانو أن بداية المافيا كانت تتويجاً للتمرد والعصيان الذي ظهر بصقلية عقب قيام أحد الغزاة الفرنسيين بخطف فتاة في ليلة زفافها، يوم إثنين من عام 1282م، مما أشعل نار الانتقام في صدور الإيطاليين والتي امتدت لهيبها من مدينة إلى أخرى، فقاموا بقتل عدد كبير من الفرنسيين في ذلك الوقت انتقاماً لشرفهم المذبوح في هذا اليوم المقدس لديهم، وكان شعارهم في ذلك الوقت هو الصرخة الهستيرية التي صارت ترددها أم الفتاة وهي تجري وتبكي في الشوارع كالمجنونة.
ومن أشهر فرق المافيا فرقة جزيرة صقلية بإيطاليا.


نشأت المافيا في وقت ما خلال منتصف القرن التاسع عشر في جزيرة صقلية. وأصبحت بحلول الربع الأخير من القرن التاسع عشر القوة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المسيطرة في غربي صقلية، وكانت في بادئ الأمر في أعمال الحماية والابتزاز في منطقة بالرمو وما حولها من مزارع الليمون والبرتقال، وضمت بين طياتها بعض من أفراد الارستقراطية الحاكمة، حيث انقسم المجتمع في بداية الدولة الإيطالية الناشئة إلى الساسة وأصحاب الأراضي ودخلت المافيا بين هذين الفريقين كما كانت المحرك للعديد من أفراد الحكومة ورجال الأعمال، ويتبع أفرادها شفرة خاصة تمنع إفادة الشرطة بالجريمة.خلال الفترة الفاشية، هرب الكثير من أعضاء المافيا إلى الولايات المتحدة خشية الاضطهاد والسجن، من بينهمجوزيف بونانو الشهير ب (جو باناناز) والذي جاء ليسطر على فرع المافيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
تنطلق فكرة المافيا من العائلة التي هي نواة المافيا التي يرتبط أعضاؤها فعلياً في ما بينهم بالانتماء إلى أسرة واحدة بالقرابة أو الزواج أو عرى الصداقة الوثيقة. اعتمدت في عملها على إرسال خطابات إلى الأثرياء لمطالبتهم بدفع مبالغ مالية لتأمين حماية شخصية لهم من المجرمين الذين غالبا ما يكونون هم أنفسهم، وكان مصير الأشخاص الذين لا يستجيبون لمطالب المافيا التفجير أو الخطف والقتل. ومع ذلك اشتهرت المافيا في إيطاليا باحترام الإيطاليات، وعدم النظر إليهن بسوء[3].
بدأت الهياكل التنظيمية لجماعات المافيا، في صورة مجموعات، تعرف باسم (Cosche)، تكونت كل مجموعة من عشرين شخصاً لهم قانونهم ونظامهم الداخلي. يتخذ تنظيم تلك المجموعات تسلسلاً هرمياً، يتمثل بـ رئيس {كابو} أو الرأس، وهو الحاكم الفعلي الوحيد في العائلة وأقوى أفرادها ويمثل رأس السلطة الهرمية، وهو منفصل عن العمليات الفعلية بعدة طبقات من السلطة، يتلقى جزءاً من أرباح كل عملية يقوم بها أفراد الأسرة.


يختار الكابو بنفسه مستشارين اثنين مهمتهما إسداء النصائح القانونية من دون أن تكون لهما أي صفة تقريرية، التوسط في نزاعات الأسرة، الاهتمام بالجانب الاقتصادي {للأعمال}، ويكونان عادة من رجال العصابات غير المشهورين الذين يمكن الوثوق بهم. من ثم هنالك مساعد الرئيس، وعادة يعينه الرئيس بنفسه، وهو (الرجل الثاني) في العائلة، ويعدّ الكابتن المسؤول عن بقية {كباتن} العائلة تحت رئاسة الرئيس، ويتقدم للرئاسة في حالة سجن الرئيس.
يأتي بعد ذلك ملازمان (كابتنان) أو أكثر حسب كبر حجم العائلة وهما غالباً من أبناء الرئيس، يرشحهما الرجل الثاني ولكن في الأصل يختارهما الرئيس نفسه. عادة، الكابتن قائد مسؤول عن مجموعة، تتضمن العائلة في المتوسط من 4 إلى 6 مجموعات، تتكون كل واحدة من جنود يصل عددهم إلى 10. يدير الكابتن شؤون عائلاته الصغيرة، ولكن يجب أن يتبع الأوامر التي يضعها الرئيس، وأن يدفع له حصة من مكاسبه[3].


يلي الكباتن أعضاء عاملون من ضباط وجنود {مافيوزو} لا تكون لديهم أي علاقة مباشرة بالرئيس الأعلى، والجندي من أعضاء الأسرة {المصنوعين}، أي الذين لا ينتمون مباشرة إلى العائلة إنما يمكن أن يكونوا من أصل إيطالي أو صقلي. يبدأ الجنود بصفة منتسبين أو مساعدين أثبتوا أنفسهم، وغالباً ما يرشحهم الكابتن ليتم قبولهم لاحقاً في مجموعة الكابتن الذي رشحهم.
وهنالك مجموعة من المساعدين من الخارج، ليسوا أعضاءً في العائلة، إنما يقومون بمهام محددة، وبدور الوسيط أحياناً، أو يبيعون المخدرات لدرء الخطر عن الأعضاء الفعليين. لا يمكن أن يصل الأعضاء غير الإيطاليين إلى أكثر من ذلك بالنسبة إلى العائلة ويعمل كل منهم في مكانه من دون أي أمل في الترقية. يبقى الجندي جندياً، ولا يطمح الملازم في منصب الكابو إلا إذا كان إبناً له فالزعامة وراثية، والمراكز هي لمدى الحياة.
تراعى قواعد تسلسل القيادة بشكل حازم، وتدار الأموال بهذا التسلسل وبنسب معينة، ولا يسمح للعضو بأن يتعامل إلا مع القيادات التي تعلوه مباشرة من دون أن يعرف شيئاً بعد ذلك، كذلك يجهل بقية الضباط، وهذه القيادات تتعامل بدورها مع القيادات الأعلى وهكذا. بهذه الطريقة يستحيل على سلطات التحقيق أن تتبع خيطًا واحدًا لتصل إلى كشف القيادات العليا
يتبع أفراد المافيا قواعد وقوانين خاصة تشبه إلى حد بعيد التنظيم العسكري دقة وصرامة[3]، وتسعى في أهدافها البعيدة إلى خدمة القضية (العائلية) الواحدة. على رأس تلك القواعد تأتي (Omertà) أو قاعدة "الصمت" التي تمنع إفادة الشرطة بالجريمة أو مرتكبها. فقد جرت العادة بين سكان المدن الإيطالية ألا يشي أحد بما يعلم إلى السلطات، ولا يتحدث عمّا رأى بأم عينيه ولا ما سمع بأذنيه، لأن الثمن هو حياة الواشي أو حياة أقربائه. وتحرم تلك القاعدة - القانون على المنتمي إلى المافيا البوح بأسرار العائلة، مهما كانت الأسباب والظروف، وإلا تعرض للعقوبة الوحيدة للقتل، وبعد الصمت تأتي قضية "الشرف" التي حافظ عليها رجال المافيا الصقليون لعقود، حيث على رجل المافيا الحقيقي أن يحترم نساء بلاده، وألا ينظر إليهن بسوء.، وحين بدأت المافيا الصقلية العمل في مجال الدعارة وشبكات الرقيق الأبيض، ظلت قوانينها تمنع جلب الفتيات الإيطاليات مع استبعاد القاصرات، والزنجيات بسبب قناعة لدى المافيا بأنهن يلتقطن الأمراض الفتاكة بسرعة
بحلول القرن التاسع عشر اتسعت المافيا وتحولت إلى مجتمع قائم على الجريمة لا يحترم أي شكل من أشكال السلطة. رافق صعود المافيا في إيطاليا وقبل أن تنتشر في العالم تغيرات عديدة تزامنت مع انتقال أنشطتها من الريف إلى المدن، وهو ما تسبب بنشوب معارك بين المافيا الريفية، التي سعت إلى إبقاء الفلاحين في جهلهم وشقائهم لتواصل استغلالهم، والمافيا الجديدة، التي وجدت آفاقاً أرحب في تطوير حركتها الاقتصادية لتجني الأرباح من أسواق باليرمو الداخلية وعبر تهريب المخدرات إلى خارجها، وهو ما كان يتنافى مع قواعد المافيا الأم التي حرمت في البداية الإتجار بالمخدرات، إلا أن هذا الأخير تحوّل لاحقاً إلى مورد أساسي من موارد عائلات المافيا داخل صقلية وخارجها. تنوعت أنشطة جماعات المافيا منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، وشملت إدارة مصانع ومطاعم ومتاجر وشركات تأمين ومصارف وفنادق وملاه كواجهة لأنشطة مربحة غير مشروعة في مجالات القمار وتهريب الخمور والمخدرات والدعارة والإقراض بفوائد (ربا) والابتزاز والاحتيال وسرقة السيارات، فضلاً عن الخطف والقتل
يطلق على المافيا الإيطالية (الصقلية) عبارة "La Cosa Nostra " باللغة الإيطالية بمعنى " الشيء أو الأمر الخاص بنا " تطورت جمعية سرية أخرى تدعى كامورا في سجون نابولي بإيطاليا. وانتشر نفوذها في بداية القرن التاسع عشر في المدينة والمناطق الريفية المجاورة. واكتسبت منظمة إجرامية أخرى هي أونوراتا سوسيتا (الجمعية المحترمة) نفوذًا في إقليم كالابريا الإيطالي حوالي عام 1900 م. وتعتقد الشرطة أن هذه المنظمات لا تزال موجودة. وهناك أمثلة كثيرة على تلك الأسر والجماعات. وفي إيطاليا، حارب بينيتو موسوليني المافيا بدون رحمة، بسجن الكثير من الرجال لمجرد الشك في انتمائهم للمافيا، ولم تقوى شوكة المافيا في إيطاليا مرة أخرى حتى استسلامها في الحرب العالمية الثانية. إلا أنه في الثمانينيات والتسعينيات، أدت سلسلة من حروب العصابات فيما بينهم إلى اغتيال الكثير من أعضاء المافيا البارزين، ركز جيل جديد من رجال المافيا على الأنشطة الإجرامية " للياقات البيضاء" بعكس الأنشطة الإجرامية التقليدية ونتيجة لهذا التغير، قامت الصحافة الإيطالية باستحداث عبارة " La Cosa Nuova" أو " الشيء الجديد"، بدلا من العبارة القديمة التي كان يطلقها المافيا الإيطالية على نفسها وهي " La Cosa Nostra " في إشارة إلى التجديدات الجديدة التي طرأت على المنظمة
وقد أبلغت الجهات القانونية الرسمية ـ لأول مرة ـ عام 1891 م عن وجود مافيا في أمريكا. ففي ذلك العام قتلت جماهير نيو أورليانز 11 شخصًا دون محاكمة، وذلك لاتهامهم بارتكاب جرائم قتل. ومنذ صدور قانون الحظر في العشرينيات من القرن العشرين أصبح الأمريكيون الذين ينحدرون من أصل إيطالي يسيطرون على كل الجرائم المنظمة في الولايات المتحدة. نمت المافيا بالولايات المتحدة الأمريكية في بدايات القرن العشرين بهجرة الصقليين، حتى قام مكتب التحقيقات الفيدرالي في السبعينات والثمانينات بتقليص نفوذ المافيا إلى حد ما. اليوم تظل المافيا الإيطالية-الأمريكية هي أقوى منظمات إجرامية بالولايات المتحدة الأمريكية وتستخدم هذه المكانة للسيطرة على غالبية أنشطة شيكاغو ونيويورك الإجرامية، كما أنها لا زالت تحتفظ بعلاقات بالمافيا الصقلية التي نشأت منها. حيث أن قوة المافيا في صقلية أكثر تكاملاً واستقراراً، حيث أن الفساد مستشري والحكومة المحلية هي تقريباً فرع من فروع المنظمة ذاتها، حيث لهم تأثير حتى على القضاء. بدأت المافيا نشاطاتها في أمريكا بالسيطرة على مدينة نيويورك، وتوسعت المافيا إلى أن أصبحت 26 أسرة عبر الولايات المتحدة الأمريكية، بالمركز في نيويورك، وبعد العديد من حروب العصابات، انتهى الأمر إلى سيطرة 5 عائلات على الأنشطة الإجرامية في نيو يورك : عائلات بونانو ،كولومبو، جامبينو، جينوفيز، لوتشيز
لقد استخدمت أمريكا الاتصالات الإيطالية بالمافيا الأمريكية خلال اجتياح إيطاليا وصقلية في الحرب العالمية الثانية عام 1943، فقد قام لاكي لوتشيانو وأعضاء آخرين في المافيا الذين اعتقلوا خلال هذا الوقت بأمريكا بمد المعلومات للاستخبارات الأمريكية، الذين استخدموا نفوذ لوتشيانو لتسهيل الطريق أمام القوات الأمريكية المتقدمة. وطبقاً لدكتور ألفرد. و. ماكوي، خبير تجارة المخدرات، فقد سمح للوتشيانو بإدارة شبكته من زنزانته جزاء مساعداته، وبعد الحرب تمت مكافأته بترحيله إلى إيطاليا، حيث استكمل نشاطاته هناك. فقد ذهب إلى صقلية عام 1946 لاستئناف نشاطه، وطبقاً لكتاب ماكوي الهام الذي صدر عام 1972 بعنوان " The politics of Heroin in South-East Asia" أو "سياسات الهروين في جنوب-شرق أسيا" ذهب لوتشيانو لإبرام اتحاد مع المافيا الكورسيكية ـ كورسيكا، مما أدى إلى تطور في شبكة التهريب العالمية للهروين، والذي كان يورد أساساً من تركيا ومقره في مرسيليا - وهو ما يطلق عليه " The French connection" أو " الحلقة الفرنسية " ومؤخراً، عندما بدأت تركيا في وقف إنتاجها للأفيون، استخدم اتصالاته مع المافيا الكورسيكية، لفتح حوار مع رجال المافيا الكورسيكية بالمهجر في جنوب فيتنام، فقد استغلوا الأوضاع الفوضوية في الحرب الفيتنامية لتأمين مورد لا ينضب وقاعدة توزيع في " المثلث الذهبي " والذي بعد فترة قصيرة بدأ في ضخ كميات كبيرة من الهيرويين الأسيوي إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبلدان أخرى عبر العسكرية الأمريكية
تقترب أرباحها اليوم من ميزانيات الكثير من دول العالم. غير أن الجرائم المنظمة تغيرت طبيعتها في الفترة الأخيرة واتخذت شكلاً في غاية الدقة والتعقيد بسبب تعقيد النشاط الاقتصادي في العالم بشكل عام.وقد أصبحت المافيا وعالم الجريمة المنظمة محوراً للعديد من الأعمال السينمائية والأدبية وحيكت حولها الكثير من الحكايات والأساطير. وبرغم كل المحاولات المبذولة للقضاء عليها في الكثير من الدول، لا يزال تأثيرها القوي على الساحة السياسية والاقتصادية العالمية والإيطالية خاصة بشكل يقلق الساسة والشعوب على حد سواء. واليوم تستخدم كلمة المافيا مجازاً للدلالة على أقصى درجات الإجرام تنظيماً ووحشية مثل المافيا الروسية والمافيا اليابانية الياكوزا. وينتظم حوالي 6 آلاف إيطالي أمريكي يشاركون في الجريمة المنظمة في شبكة عصابات إقليمية تسمى العائلات وتشارك هذه المنظمات في العديد من النشاطات غير القانونية مثل المقامرة، والدعارة، وبيع المخدرات، والربا. ويقدر المسؤولون عن القانون أن هذه العائلات تكسب حوالي 50 مليار دولار أمريكي سنويًا من هذه النشاطات الإجرامية. ويعتقدون أنها أصبحت تمارس كثيرًا من الأنشطة المشروعة، بجانب أنشطتها غير القانونية ( غسيل الأموال )
العراب رواية ماريو بوزو، قدمت مؤخراً في أفلام من إخراج فرانسيس فورد كوبولا. جسد الفنان العالمي مارلون براندو شخصية دون فيتو كورليوني، وتعتبر هذه الثلاثية من أكثر الأفلام الروائية تأثيراً والتي جسدت وقدمت المافيا إلى الثقافة الأمريكية الشعبية والعالمية على حد سواء. عائلة كورليوني التي..قدمت في.الفيلم.هي.مزج.لقصص.عدة عائلات حقيقية من المافيا الأمريكية........