الأحد، 1 أبريل 2018

دار سبيطار.....محمد ديب




المجمع السكني "دار سبيطار" الذي يضم مجموعة كبيرة من السكان معظمهم من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم، وضمن هذا
التجمع تدور أحداث الرواية "الدار الكبيرة" بطل الرواية الطفل عمر الذي لا يتجاوز الاثني عشر عاما، وأمه "عيني" التي تكافح
لكي تطعم ولدها وابنتاها









يتناول الكاتب أوضاع المجتمع الجزائري من خلال تناول الأشخاص في هذا المجمع السكني وكيف كانوا يعيشون 
ويفكرون ويتعاملون مع بعضهم البعض ,  واقع الإستيطان الإستعماري شديد الوطأة على الشعب , حيث أن هذا 
الإستعمار يتعامل مع المواطنين معاملة دونية  
من هنا تكون المشاعر الوطنية حية لكنها لا تظهر علانية، وذلك بسبب القسوة التي يعامل بها ..المحتل المواطنين، فها هو الأستاذ حسن يتخطى حاجز المحذور ويتكلم للطلاب بالعربية
المحذورة، موضحا لهم بان وطنهم ليس فرنسا "ـ
المحتل المواطنين، فها هو الأستاذ حسن يتخطى حاجز المحذور ويتكلم للطلاب بالعربية المحذورة، موضحا لهم بان وطنهم ليس فرنسا "ـ

وهكذا لم يعلم الصبية ما هو وطنهم" ص25، الصراع بين قول الحقيقة والصمت كان يشكل هاجسا عند المعلم، من هنا قال شيئا ولم يجرؤ على إكماله، وهذه مسألة في غاية الخطورة، لكن القليل الذي قدمه للطلاب جعلهم يعيدوا التفكير فيما يدرس لهم، وهذا كافا، إذا ما أضيف له المعاملة السيئة التي يتلقها المواطنون من المحتل.
فهنا طرح الكاتب بان الأستاذ حسن إنسان يشعر بالخوف وأيضا بالرغبة في التحرر من قبضة الاحتلال وتعاليمه المزيفة، فشخصيات الرواية هي بشرية وليست (سوبر) وهذا ما جعلها اقرب إلى الواقعية، فالرواية هي واقعية بامتياز، لا يوجد فيها إي رمزية ، كما أن أحداثها اقرب إلى الوقائع التاريخية، التي عانى منها الشعب الجزائري.


الرجل السلبي
الكاتب قدم لنا صورة الرجل السلبي، فمن خلال حديث النساء العاملات والمكافحات في سبيل لقمة العيش عن الرجال، كان يصفهم بشكل شبة دائم بالتخاذل والتقاعس وعدم الأقدم على العمل، فها هي "عيني" تتحدث لولدها عمر عن والده بصورة تحمل الحنق والقهر والبؤس، ليس على الوالد وحسب بل على الأوضاع والاستعمار أيضا "ـ هذا كل ما تركه لنا أبوك، ذلك الرجل لا يصلح لشيء، ترك لنا البؤس، غيب وجهه في التراب، وسقطت علي جميع أنواع الشقاء، ... هو الآن هادئ في قبره.. لم يفكر يوما في ادخار قرش واحد.. وها انتم تتشبثون بي كالعلق الذي يمتص الدم ... لقد كنت غبية .. كان ينبغي أن أترككم في الشارع، أن اهرب إلى جبل خال مقفر" ص30، من خلال هذا الكلام نستدل على الحالة المزرية التي تعيشها العائلة، فلا معيل لها سوى المرأة، هي من يوفر الاحتياجات لها، ورغم تواضع هذه المتطلبات وقلتها إلا أن من يستطيع في ظل الاحتلال أن يجلب رغيف الخبز يكون قد أنجز أمرا عظيما.
لم تكن الأم "عيني" تكلم ولدها بهذه الكيفية فقط، بل أيضا تكلمت مع أمها "الجدة" بطريقة اشد وأكثر قسوة، وكأنها ليست ابنتها، بل امرأة من خارج العائلة، "كانت عيني منتصبة على ركبتيها تقذف حقدها في وجه الجدة .. 
ـ ليت الموت يأخذك. لماذا لم ترفضي أن يحملوك إلى هنا؟ 
ـ ماذا كان بوسعي أن افعله يا ابنتي؟
ـ امرأته هي التي أرسلتك إلي، انه مستعد لان يلعق قدميها، أنها هي من تعمل لتطعمه، أما هو فيقضي وقته في التسكع بين المقاهي .. ابن الكلب .. " ص31، صورة أخرى عن الرجل المتعالي على زوجته، القاعد مع القاعدين، بلا عمل أو فعل مفيد، يترك زوجته تعمل. "عيني" تتناول الرجال ـ الزوج والأخ ـ بسلبية، وكأن الرجال في المجتمع الجزائري إبان الاحتلال لم يكونوا يصلحوا إلا للجنس فقط، فهم كسالى أتكالين لا يعملون.
ومع هذا الواقع غير السوي تحمل "عيني" أفكار المجتمع ألذكوري بامتياز، فهي كامرأة شرقية تفكر بان السيادة يجب أن تكون للرجل، رغم أن الواقع يفند هذه الأفكار، فمن خلال زوجها الذي مات دون أن يترك لها قرشا واحد، إلى أخاها القاعد والمتواكل على زوجته، إلى رجال المجمع السكني، الذين لا يصلحون لشيء، ومع كل السلبيات تفكر بالرجل القادم، ابنها عمر، "متى يكبر عمر، ابنها، فيحمل عنها بعض هذا العبء؟ البنت لا يمكن الاعتماد عليها. وإنما يجب إطعامها، حتى إذا شبت عن الطوق أصبح واجبا أن نراقبها مراقبة دقيقة، فهي في سن البلوغ أسوأ من حية، فما أن تغفلي عنها قليلا حتى ترتكب الحماقات. ثم لا بد لك أن تقصدي عروقك حتى تهيئي لها جهازا قبل أن تتخلصي منها" ص72، رغم أن أبطال الرواية هن من النساء، لا أن السرد يؤكد بان أفكار المجتمع ألذكوري الأبوي هي المسيطرة، فهل هذا مقصود من الكاتب؟ أم انه وقع في خلط ـ السرد ـ ولم ينتبه لا إن المتحدث امرأة، فكان لا بد من أن تحمل أفكارها وليس أفكار المجتمع؟
اعتقد بان الرواية الواقعية ترسم الواقع كما هو مع إضافة التحسينات والصور الأدبية والفنية، من هنا كان الكاتب يصر على إعطائنا صورة واقعية عن المجتمع الجزائري والطريقة التي يفكر بها، فهنا كانت المرأة ليست أكثر من منتجة، لا لكنها غير متحررة فكريا، من هنا وجدنها أسيرة المجتمع وأفكاره.
الطفل في ظل الاحتلال والجوع
الأطفال في ظل الاحتلال يكون أكثر من غيرهم عرضة للقمع والسوء المعاملة، إن كانت من المحتل نفسه، أم من الأهل، الذين يعتبرون أطفالهم المتنفس لهم، فتنعكس حالة القمع التي يعانون منها في سلوكهم مع أطفالهم، فنجدهم يفرغون كل الكبت والقهر على هؤلاء الأطفال، وكأنهم ـ الأطفال ـ هم من يقوم يقمع الأهل وليس الآخر المحتل، كما إن الأطفال بطبيعتهم البسيطة يرفضون القمع والاضطهاد مهما كان فاعله، وأيا كانت دافعه، من هنا يقوم عمر بالتمرد على حالة القمع التي تمارسها أمه "عيني" على الجدة فيثور عليها قولا وفعلا، متجاهلا بان من يثور عليها هي أمه، "وهرب. فأسرعت تركض وراءه، لكنه اجتاز فناء البيت بوثبة واحدة..
ـ اخرسي يا ... عاهرة
... ـ يلعن أبوك، يا ملعونة، تلعن أمك.." ص33، اعتقد بان حالة الاجتماعية والاقتصادية وما تشكله من أفكار ومفاهيم عند الأفراد مسألة تلعب دورا حيويا في السلوك، فعمر الذي يعاني الجوع والقهر والفقر وفقدان الأب، لا بد أن يكون بهذه القسوة اتجاه أمه، فهي من خلال معاملتها القاسية للجدة جعلت مشاعر ابنها عمر تتأجج، فهي لم تكن ضد الأم ولكنها ضد سلوكها السيئ.
فبعد أن يغادر البيت تبدأ مشاعر الطفولة تتحرك فيه، ويأخذ في طرح النواقص التي يعاني منها كانسان وكطفل "كان في تلك اللحظات يتمنى لو يعثر على أبيه، أبيه الميت، ولكن الحقيقة التي اكتشفها كانت لا تطاق، أن أباه لن يعود أبدا ألبه، ما من احد يستطيع أن يرد إليه أباه" ص33، حالة الطفل في الحضيض، فكريا وواقعيا، بلا مأوى، جوع، برد، الخوف من القمع والضرب، الحرمان من الأب، كلها تجتمع في حالة عمر، فهو هنا لا يشكل حالة الطفل العادي، بل الطفل غير العادي، الطفل الذي يعيش في ظل الاحتلال والواقع الاجتماعي المتخلف والفقير في ذات الوقت.


صورة الشرطي
لعل الكثير من الأعمال الأدبية، إن كانت رواية أو قصة أو مسرحية أو قصيدة، في مجملها تقدم الصورة السلبية لرجال الشرطة، فهم باستمرار يشكلون أداة القمع والبطش التي تعمل بالناس الشر والقهر، وأقولها بتواضع بأنني لم اقرأ نصا يحمد هؤلاء القساة أبدا، من هنا سنجد حالة طبيعية أن يقدم رجال الشرطة في ظل الاحتلال بصورة سلبية، فها هو الطفل عمر يصاب بالرعب لمجرد أن ذكروا "ـ الشرطة .. الشرطة .. ها هم الشرطة..
وقال بينه وبين نفسه : "ماما" أتوسل إليك، لن اضائقك بعد الآن، احميني، احميني.. تمنى في عنف وحرارة أن تكون أمه "عيني" إلى جانبه" ص38، حالة من الرعب يعاني منها عمر، فهنا الطفل يعكس لنا صورة الرعب التي أوجدوها رجال الشرطة في ذهنه، فهم من خلال سلوكهم القاسي تركوا هذا الإرهاب في الأطفال والمجتمع ككل، "أن رجال الشرطة ينبشون الأوراق التي كان حميد سراج قد جمعها عند أخته، كانوا يجمعون هذه الأوراق، ومن اجل ذلك قلبوا الغرفة عاليها سافلها" ص42، هكذا هم رجال الشرطة، أداة التخريب والتكسير والتحطيم، ويقومون بضرب الناس واعتقالهم، من هنا لا يوجد لهم لا الصورة السلبية، خاصة في المجتمعات التي تعاني من الاحتلال والتخلف.
وها هي فاطمة أخت حميد سراج تقول متحسرة على أخيها، الذي سيكون تحت التعذيب الجسدي والنفسي عند المحتل "ويلي عليك يا أخي .. ما الذي سيقع لك؟ .. ما الذي سيصنعونه بك؟ .. ويلي عليك يا أخي .." ص42، أعمال القمع والاعتقال تترك أثرا بليغا في الشخص المعتقل وزوجته وأبنائه وجيرانه وكل من يشاهد عملية الاعتقال، من هنا تركت هذه العملية أثرا لا يمحى من ذاكرة الطفل عمر، الذي يمثل خلية نشطة، تتأثر ـ سلبا أو إيجابا ـ بكل ما يشاهد ويسمع، "كان عمر حائرا لا يعرف كيف يمكن أن يقدم معونة ما، رجال الشرطة يملأون الدار الكبيرة بحركتهم، ترى متى يذهبون... أصبح عمر لا يطلب قطعة الخبز مغموسة في الماء العين، حين تنصب علينا الكوارث، نذهل عن الجوع، أصبح عمر لا يفكر، لقد تضامن جوعه ـ أصبح جوعه الآن بعيدا، لم يبقى منه فيه إلا ما يشبه غثيانا غامضا لا يهدأ.
اصابه دوارا، كان يمضغ لعابه ويبلعه، أن هذا يولد في نفسه ميلا غريبا إلى القيء، انه لا يجد في نفسه إلا فراغا" ص42 و43، حالة الغثيان تصيب المحبط الخائف غير القادر على الفعل، مهما كان هذا فعل، عمل أو قول.
شدة القمع والقهر والخوف تسبب حالة الغثيان، ذروة الخوف تقع ليس على المعتقل وإنما من شاهد عملية الاعتقال، فما بالنا بأهل المعتقل والمعتقل نفسه!

الطرح الطبقي
في حالة الاحتلال لا بد أن يكون هناك الجوع والفقر هو الطاغي على المجتمع، من هنا لا بد من وجود من يقدم البديل لها الوضع، البديل الذي يبحث في تقديم الحياة الكريمة للمواطن، وتحقيق سبل العيش التي تمثل ابسط الحقوق للإنسان،ة"إن العمال الزراعيين أصبحوا لا يستطيعون أن يعيشوا بهذه الأجور الزهيدة التي يتقاضونها ... يجب أن نتخلص من هذا البؤس .. العمال الزراعيون هم أولى ضحايا الاستغلال الذي يعبث في بلادنا فسادا" ص94، المسألة الاقتصادية من أهم المسائل التي تشغل الأفراد والجماعات، من هنا قدمها محمد ديب بكل وضوح، إن كان من خلال السرد الروائي الذي يعطي مدلولا واضحا عن الحالة الاقتصادية البائسة أم من خلال كلمات الخطيب الذي تحدث بكل صراحة عن الواقع المزري


فكرة الخلاص "القادم من الخارج"
عند العديد من المجتمعات التي تعاني القهر تفكر بطريقة غير سوية، فهي تتجاهل دورها في تحرير ذاتها، وتنتظر القادم من الخارج كي يخلصها مما هي فيه، فهناك فكرة يتداولها بعض الفلسطينيين بان خلاصهم سيكون من جهة الشرق، أن هذا المخلص سيجمع الأمة ويقتل الأعور الدجال، فهنا نجد دعوة بطريقة غير مباشر للانتظار والترقب لقدوم هذا المخلص، وهذا ما فعله الشعب الجزائري إبان الاحتلال الفرنسي، فهم تشبثوا بالقادم الخارجي وجعلوا منه مخلصا "إن هذا الرجل الذي اسمه هتلر قوي قوة هائلة لا يستطيع احد أن يقيس نفسه بقوته، هو ماض يستولي على العالم كله، وسيكون ملك العالم كله، وهذا الرجل يبلغ هذا المبلغ من القوة صديق للمسلمين فمتى وصل إلى شواطئ هذه البلاد أدرك المسلمون كل ما يتمنون، وحظوا بسعادة كبرى، انه سيحرم اليهود من أملاكهم، فهو لا يحبهم، ولسوف يقتلهم، سيكون حامي الإسلام، وسيطرد الفرنسيين، ثم أن الحزام الذي يشد جسمه قد كتب عليه :لا اله إلا الله محمد رسول الله" ص136، التخلف لا يقدم إلا الأفكار المتخلفة، في هذا المشهد الذي تكرر في العراق والسودان واليمن وليبيا وسوريا وكل من راهن على المحرر الخارجي، لا ندري لماذا نحن في المنطقة العربية دائما كنا نتعاطى مع مسألة الخلاص من الظلم أو الاحتلال بالخارج وليس فينا نحن؟ هل تركيبتنا الفكرية هي السبب، أم أن الإيمان له علاقة بهذا الأمر؟

الحبكة والسيطرة على الحدث الروائي
في بداية الرواية ينحدث الكاتب عن الجدة وكيف أنها تشكل عبئا اقتصاديا على "عيني" او على أخيها، لكن في زخمة الاحداث الروايئة ينسى الكاتب هذه الجدة، ويعود الى تذكرنا بها في نهاية الرواية، فالكاتب كان قد نسى شخصبة الجدة لكنه تدارك الامر في النهاية، في المجمل تكمن اهمية مثل هذه الأعمال في تقديمها مادة أدبية بمضمون تاريخي، مما يعطي المتلقي صورة حية عن تلك الفترة من الزمن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق