الأحد، 8 يونيو 2014

الحشاشون


التعريف:
الحشاشون: طائفة إسماعيلية فاطمية نزارية مشرقية، انشقت عن الفاطميين لتدعو إلى إمامة نزار بن المستنصر بالله ومن جاء مِن نسله. أسسها الحسن بن الصباح الذي اتخذ من قلعة آلموت في فارس مركزًا لنشر دعوته وترسيخ أركان دولته.
وقد تميزت هذه الطائفة باحتراف القتل والاغتيال لأهداف سياسية ودينية متعصبة. وكلمة الحشاشين: Assassinدخلت بأشكال مختلفة في الاستخدام الأوروبي بمعنى القتل خلسة أو غدراً أو بمعنى القاتل المحترف المأجور.
التأسيس وأبرز الشخصيات:
• الحسن بن الصباح: ولد بالري عام 430هـ ونشأ نشأة شيعية (*) ثم اتخذ الطريقة الإسماعيلية الفاطمية وعمره 17 سنة، وفي عام 471هـ/1078م ذهب إلى إمامه المستنصر بالله حاجًّا، وعاد بعد ذلك لينشر الدعوة في فارس، وقد احتل عدداً من القلاع أهمها قلعة آلموت 483هـ التي اتخذها عاصمة لدولته.
ـ في عهده مات الإمام المستنصر بالله 487هـ/1094م وقام الوزير بدر الجمالي بقتل ولي العهد والابن الأكبر "نزار" لينقل الإمامة إلى الابن الأصغر "المستعلي" الذي كان في الوقت نفسه ابن أخت الوزير. وبذلك انشقت الفاطمية إلى نزارية مشرقية، ومستعلية مغربية.
ـ أخذ الحسن بن الصباح يدعو إلى إمامة نزار، مدعيًّا أن الإمامة قد انتقلت إلى حفيدٍٍٍ لنزار أحضر سرًّا إلى آلموت وأنه طفل جرى تهريبه من مصر إلى فارس، أو أن محظية لنزار كانت حاملاً منه أُخذت إلى آلموت حيث وضعت حملها. وبقي أمر هذا الإمام الجديد طي الكتمان.
ـ توفي الحسن الصباح عام 518هـ/1124م من غير سليل لأنه كان قد أقدم على قتل ولديه أثناء حياته!!
• كيابزرك آميد: حكم من 518هـ/1124م إلى سنة 532هـ/1138م: كان أول أمره قائداً لقلعة الاماسار لمدة عشرين سنة، وخلال فترة حكمه دخل في عدة معارك مع جيرانه السلاجقة، كما أنه كان أكثر تسامحًا وسياسة من الحسن الصباح.



• محمد كيابزرك آميد: حكم من سنة 532هـ/1138م إلى سنة 557هـ/1162م: كان يهتم بالدعوة للإمام، كما كان يفرض الاحترام الخارجي للفرائض الإسلامية، فقد أقدم على قتل كثير من أتباعه ممن اعتقدوا بإمامة ابنه وطرد وعذب آخرين.
• الحسن الثاني بن محمد: حكم من 557هـ/1162م إلى سنة 561هـ/1166م: أعلن في شهر رمضان 559هـ قيام القيامة، وأنهى الشريعة، وأسقط التكاليف وأباح الإفطار، ثم أقدم بعد ذلك على خطوة أخطر وذلك بأن ادعى بأنه من الناحية الظاهرية حفيد لكيابزرك ولكنه في الحقيقة إمام العصر وابن الإمام السابق من نسل نزار.
• محمد الثاني بن الحسن الثاني: من 561هـ/ 1166م إلى 607هـ/1210م: طور نظرية القيامة ورسخها، وقد ساعده على ذلك انحلال هيمنة السلاجقة في عهده وضعفهم وظهور التركمان وبداية التوسع التركي.
• جلال الدين الحسن الثالث بن محمد الثاني: من 607هـ/1210م إلى 618هـ/ 1221م: رفض عقائد آبائه في القيامة، ولعنهم وكفَّرهم، وأحرق كتبهم وجاهر بإسلامه، وقام بوصل حباله مع العالم الإسلامي فقد أرسل إلى الخليفة العباسي الناصر لدين الله وإلى السلطان السلجوقي خوارزم شاه والملوك والأمراء يؤكد لهم صدق دعوته إلى التعاليم الإسلامية، ففرحت البلاد الإسلامية بذلك وصار أتباعه يعرفون بالمسلمين الجدد.
• محمد الثالث بن الحسن الثالث (وبعض الكتب تسميه علاء الدين محمود): كان حكمه من سنة 1121م إلى سنة 1225م: خلف أباه وعمره 9 سنوات، وظل وزير أبيه حاكمًا لآلموت، وقد عاد الناس في عهده إلى المحرمات، وارتكاب الخطايا والإلحاد حكم الصبي خمس أو ست سنوات ثم أصيب بلوثة عقلية، فانتشرت السرقة واللصوصية وقطع الطرق والاعتداءات.
• ركن الدين خورشاه: 1255م/ 1258م: قاد هولاكو حملة سنة 1256م وكان هدفه قلاع الإسماعيلية، وما زال يتقدم حتى استسلم له ركن الدين وسلمه قلعة آلموت وأربعين قلعة وحصناً كلها سويت بالأرض، فاستقبله هولاكو بترحاب وزوجه فتاة مغولية، وفي عام 1258م انتهى منه بقتله غيلة، وبذلك انتهت دولة الحشاشين سياسيًّا في فارس.
• شمس الدين محمد بن ركن الدين: تقول روايات الإسماعيليين بأن ركن الدين قد أخفى ابنه شمس الدين محمد الذي هرب من بطش هولاكو متنكرًا إلى جهة ما بجنوب القوقاز، ثم استقرت في قرية أنجودا على الطريق بين أصفهان وهمدان. وبقي فيها إلى أن مات في النصف الأول من القرن الثامن للهجرة وكان من عقبه سلسلة من الأئمة في القرن التاسع عشر، ومنهم ظهرت أسرة أغاخان. انقسم الحشاشون بعد شمس الدين إلى قسمين:
ـ بعضهم نادى بإمامة محمد شاه واعترفوا به وبالأئمة من نسله حتى انقطعت سلسلتهم في منتصف القرن العاشر الهجري وكان آخرهم الإمام ظاهر شاه الثالث المعروف (بالدكنى) والذي هاجر إلى الهند وتوفي هناك حوالي سنة 950هـ وانقطع هذا الفرع على الرغم من وجود أتباع له إلى الآن في مصياف والقدموس بسوريا.
ـ وأصحاب الفرع الثاني اعتقدوا بإمامة قاسم شاه، وهؤلاء يشكلون العدد الأكبر من هذه الطائفة وقد هاجروا إلى أعالي نهر جيحون.
• الحشاشون في بلاد الشام:
ـ ظهر لهم في بلاد الشام عدد من القادة مثل بهرام الاسترابادي، والداعي إسماعيل الفارسي، وقد استفادوا من استمالة رضوان بن تتش والي حلب إلى مذهبهم، فوفد إليها عدد كبير من إسماعيلية فارس مما قوى شوكتهم في بلاد الشام.
ـ أبرز شخصياتهم في الشام هو شيخ الجبل سنان بن سليمان بن محمود المعروف برشيد الدين الذي نشأ في البصرة، وتلقى علومه في قلعة آلموت وكان زميلاً لولي العهد الحسن بن محمد الذي أمره بالرحيل إلى بلاد الشام عندما صار الأمر إليه.
ـ انتقل إلى بلاد الشام وجمع الإسماعيلية حوله وصار لهم نفوذ وسلطان، واعترف الناس بإمامته غير أنهم عادوا بعد موته إلى طاعة الأئمة بآلموت وقد كان شخصًا مخيفًا وهم يذكرونه على أنه أعظم شخصياتهم على الإطلاق.
ـ خلفه أمراء ضعاف مما سهل إنهاءهم والقضاء عليهم على يد الظاهر بيبرس.
ـ من قلاعهم في بلاد الشام: قلعة بانياس، حصن قدموس، حصن مصياف، الكهف، الخوابي، المنيقة، القليعة.
ـ امتلكوا عددًا من القلاع، وقاوموا الزنكيين، وحاولوا اغتيال صلاح الدين الأيوبي عدة مرات.
ـ ومما يؤكد تعاونهم مع الصليبيين:
1 ـ عدم وقوع صليبي واحد من الغزاة أسيرًا في أيديهم أو مقتولاً بسلاح أحدهم.
2 ـ قاتلهم حاكم الموصل السلجوقي الذي حضر إلى دمشق لمساعدة إخوانه المسلمين في رد هجمات الصليبيين.
3 ـ قيامهم بتسليم قلعة بانياس ولجوء قائدها إسماعيل إلى الصليبيين حيث مات عندهم.
4 ـ اشتراك كتيبة من الإسماعيليين مع الصليبيين في أنطاكية بعد أن احتل نور الدين حلب.
الأفكار والمعتقدات:
• تلتقي معتقداتهم مع معتقدات الإسماعيلية عامة من حيث ضرورة وجود إمام معصوم ومنصوص عليه وبشرط أن يكون الابن الأكبر للإمام السابق.
• كل الذين ظهروا من قادة الحشاشين إنما يمثلون الحجة والداعية للإمام المستور باستثناء الحسن الثاني وابنه فقد ادعيا بأنهما إمامان من نسل نزار.

• إمام الحشاشين بالشام رشيد الدين سنان بن سليمان قال بفكرة التناسخ (*) فضلاً عن عقائد الإسماعيلية التي يؤمنون بها، كما ادعى أنه يعلم الغيب.
• الحسن الثاني بن محمد: أعلن قيام القيامة، وألغى الشريعة (*)، وأسقط التكاليف.
• الحج لديهم ظاهره إلى البيت الحرام وحقيقته إلى إمام الزمان ظاهراً أو مستورًا.
• كان شعارهم في بعض مراحلهم (لا حقيقة في الوجود وكل أمر مباح).
• كانت وسيلتهم الاغتيال المنظم، وذلك من طريق تدريب الأطفال على الطاعة العمياء والإيمان بكل ما يلقى إليهم، وعندما يشتد ساعدهم يدربونهم على الأسلحة المعروفة ولا سيما الخناجر، ويعلمونهم الاختفاء والسرية وأن يقتل الفدائي نفسه قبل أن يبوح بكلمة واحدة من أسرارهم. وبذلك أعدوا طائفة الفدائيين التي أفزعوا بها العالم الإسلامي آنذاك.
• كانوا يمتنعون في سلسلة من القلاع والحصون، فلم يتركوا في منطقتهم مكانًا مشرفًا إلا أقاموا عليه حصنًا، ولم يتركوا قلعة إلا ووضعوا نصب أعينهم احتلالها.
• يقول عنهم المؤرخ كمال الدين بن العديم: في عام 572هـ/1176م "انخرط سكان جبل السماق في الآثام والفسوق وأسموا أنفسهم المتطهرين، واختلط الرجال والنساء في حفلات الشراب ولم يمتنع رجل عن أخته أو ابنته، وارتدت النساء ملابس الرجال، وأعلن أحدهم بأن سناناً هو ربه".
الجذور الفكرية والعقائدية:
• أصولهم البعيدة شيعية ثم إسماعيلية.
• كان القتل والاغتيال وسيلة سياسية ودينية لترسيخ معتقداتهم ونشر الخوف في قلوب أعدائهم.
• فكرة التناسخ التي دعا إليها رشيد الدين سنان مأخوذة عن النصيرية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
• انطلقت دعوتهم من كرمان ويزد إلى أواسط إيران وأصفهان ثم خوزستان ثم هضبة الديلم واستقرت في قلعة آلموت، وشرقاً وصلوا ما زندران ثم قزوين واحتلوا منطقة رودبار ولاماسار وكوهستان.. واحتلوا كثيراً من القلاع وامتدوا إلى نهر جيحون.
• وصلت دعوتهم إلى سوريا، وامتلكوا القلاع والحصون على طول البلاد وعرضها ومن قلاعهم بانياس ومصياف والقدموس والكهف والخوابي وسلمية.
• كان زوالهم في إيران على يد هولاكو المغولي وفي سوريا على يد الظاهر بيبرس.
• لهم أتباع إلى الآن في إيران، وسوريا، ولبنان، واليمن، ونجران، والهند، وفي أجزاء من أواسط ما كان يعرف بالاتحاد السوفيتي في السابق.
ويتضح مما سبق:
أن الحشاشين جناح من الإسماعيلية (النزارية) اتخذوا القتل وسيلة لهم وقاموا بحركة اغتيالات واسعة شملت كبار الشخصيات المناوئة للإسماعيليين من ملوك وقادة جيوش وكل من يظهر خصومة لهم، وقد أفتى العلماء باستباحة دمائهم ووجوب تنظيف الأرض من دنسهم وعدم جواز أكل ذبيحتهم أو عقد صداقات معهم.
مراجع للتوسع:
ـ الإسماعيلية تاريخ وعقائد، إحسان إلهي ظهير.
ـ مشكاة الأنوار، يحيى بن حمزة العلوي.
ـ فضائح الباطنية، لأبي حامد الغزالي.
ـ الحشاشون، تأليف برنارد لويس وتعريب محمد العزب موسى، دار المشرق العربي الكبير، بيروت، طـ1، 1400هـ/1980م.
ـ طائفة الإسماعيلية: تاريخها، نظمها، عقائدها، د. محمد كامل حسين.
ـ إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة.
ـ أصول الإسماعيلية والفاطمية والقرمطية، برنارد لويس.

أبرهة الحبشي



أ

أبرهة الحبشي ويقال له أيضاً أبرهة الأشرم (لاتينية:Abramus) هو أحد القادة في الجيش الذي أرسله الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول لحرب "يوسف أسأر" أو ذو النواس الحميري. وهو حسب المصادر الإسلامية، من حاول تدمير الكعبة فأرسل عليه الله "طيرا أبابيل" أصابته بالجدري ومات في صنعاء حسب كتاباتهم. ترك أبرهة أو "أبراهموس" عدة كتابات بخط المسند وتعرض لعدة ثورات وتحديات أبرزها قتله لشميفع أشوع وحربه مع ملك مملكة أكسوم وتصديه لثورة من "يزيد بن كبشت" (يزيد بن كبشة) سيد بني كندة و"ذو خليل" و"ذو سحر" و"ذو يزأن" (ذو يزن) وتوسيع سلطانه ليشمل أراضي قبيلة معد وتهامة وإن لم يستطع السيطرة على المناطق الشرقية لليمن التي بقيت بيد أقيال القبائل. مع ذلك، فمن قراءة المصادر التي دونت في عهده يتضح أنه وصل لمرتبة كبيرة مما حدا بملوك فارس وروما على إرسال مبعوثين إليه وهي دلالة إعتراف بسلطانه.
:تاريخ اليمن القديم
في عام 518 للميلاد، ظهر في نصوص المسند إسم ملك يدعى "يوسف أسأر" أو "يوسف أزار" ذكرته المصادر البزنطية بإسم "دونان" ومنها أخذ المؤرخون الإسلاميون تسمية ذو نواس ويبدو أن التسمية البيزنطية كانت محرفة من لقب أطلقه عليه اليمنيون ، حكم يوسف أسأر كأحد الأذواء كما يظهر من اسمه فلم يكن ملكا فعليا فقد تقلص ملك الحميريين كثيرا بسبب منافسة زعماء القبائل اليمنية لهم في السلطان مما زاد في مطامع الأكسوميين فأستغلوا الوضع المزري والإنقسامات القبلية ليدخلوا اليمن وأيدهم في ذلك قبائل مسيحية نكاية بيوسف لإنه وعدد من أشراف حمير كانوا يهود ورد نصان بخط المسند يشيران إلى "يوسف أسأر" ومن تبعه من قبائل كندة وهمدان وخولان ومذحج و"ذو يزن" و"مرثد" بلغ عدد القتلى خلال حملاته ضد المسيحيين والأحباش قرابة إثنين وعشرون ألف قتيل وعدد كبير من الأسرى ويعتقد حسب المصادر الإسلامية، أنه المسؤول عن ماورد في القرآن عن أصحاب الأخدود. فأرسل الإمبراطور جستنيان الأول أسطولا دخل اليمن عن طريق باب المندب وخلافا لروايات أهل الأخبار بعد الإسلام، فإن ذو نواس قتل في المعارك عام 525 للميلاد ولم ينتحر على مازعموا وصل بعد ذو نواس رجل يمني يدعى "شميفع أشوع" لقب نفسه في نص بخط المسند بلقب "ملك سبأ باسم الرحمن وابنه المسيح الغالب" وهي دلالة أنه كان مسيحيا ولكن ورد نص يعود إلى فترة ذو نواس وذكر فيها اسمه ضمن زعماء القبائل التي ساعدت ذو نواس فيعتقد أنه وافق ذو نواس مكرها وعندما علم بوصول الأسطول البيزنطي ومن فيه من الرومان والأحباش توصل إلى إتفاق مع ملك مملكة أكسوم الملك كالب وأعلن نفسه "ملكا على سبأ" وقام بتقوية حصن مارية في ذمار أرسل إليه جستنيان الأول مبعوثا يطلبه محالفة الحبش وتعيين رجل كندي مقرب من بيزنطة يدعى "كايسوس" (قيس) على الأعراب في الحجاز وفي ماأورده المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس دلالة على سيطرة الحميريين على قبائل الأعراب في تهامة والحجاز، وسبب إرسال المبعوث كان لعقد تحالف قوي بين شميفع أشوع في اليمن وكالب في الحبشة لإنهما مسيحيان وعلى دين واحد هو دين بيزنطة، وتسخير الأعراب من معد (وهو شخص من أجداد النبي محمد في عرف النسابة وأهل الأخبار) على قتال الفرس إلا أن هدف الرومان لم يتم وعبر بروكبيوس عن خيبة أمله قائلا : وهكذا هي علاقات روما بالحميريين دائما
تاريخ الحروب لبروكوبيوس وصوله لسدة الحكم


مملكة أكسوم في أقصى إتساعها
في عام 531 بعد ست سنوات من مقتل ذو نواس، قام أحد المجرمين المحكوم عليهم بأحكام في مملكة أكسوم بقتل شميفع أشوع لإنهم لم يريدوا العودة إلى بلادهم (إثيوبيا) وآثروا البقاء في اليمن لإنها "أرض جيدة جدا" على ماقال بروكوبيوس وكان هذا 'المجرم" هو "أبراهموس" (أبرهة) الذي أعلن نفسه ملكا بعد قتله لشميفع أشوع مما أثار غضب الملك كالب في أكسوم. فأرسل جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل لتأديب أبرهة على ماأرتكبه بحق حليف روما شميفع أشوع إلا أن الجيش الذي أرسل إلى اليمن قتل قائده بعد إتفاق أبرم سرا بين أبرهة وعدد من ضباط الجيش الذين آثروا البقاء في اليمن كذلك وألتحقوا بقوات أبرهة. أرسل كالب جيشا آخر إلا أن جيشه تعرض لهزيمة أخرى فتوقف كالب عن إرسال الجيوش وأعلن أبرهة نفسه ملكا
في عام 535 للميلاد، ورد نص قصير يشير إلى قبيلة معد وكيف أنه سار بنفسه تجاههم وإنزاله خسائر فادحة في الأرواح بينهم وأنهى النص بتقديم رجل ورد إسمه في نص المسند بصيغة "عمرم بن مذر" (عمرو بن مضر أو قد يكون عمرو بن المنذر هو المقصود ) بتقديم عدد من أبناء معد رهائن وهي إشارة على مهادنتهم وتعهد بعدم الخروج عليه، فسياسة أخذ الرهائن مقابل الولاء قديمة ومعروفة في اليمن ورد في النص المكون من عشرة أسطر قبائل "بني عامر" و"سعد" و"معد" فيمن تم مقاتلتها في موضع يقال له تربة وهي حاليا مدينة قرب الطائف ضمن مايعرف اليوم السعودية ولم ترد هذه التفاصيل في كتابات أهل الأخبار بعد الإسلام وكان قائد القوات التي أخضعت "بني عامر" (وهم بنو عامر بن صعصعة في كتابات أهل الأخبار رجل يدعى "بشرم بن حصنم" (بشر بن حصن) من قبيلة كندة وذكر النص أنهم غنموا غنائم كثيرة ولايوجد في كتابات الإخباريين أي ذكر لهذه الحقائق المدونة بنص المسند وهو ماقد يفسر كثرة الأخبار الموضوعة بعد الإسلام عن إنتصارات لهذه القبائل على ملوك اليمن في ماعرف بالجاهلية حسب المصادر الإسلامية، فإن أبرهة حاول هدم الكعبة ليحول أنظار الناس عنها وحاول بعض المستشرقين إيجاد نوع من التوفيق بين تفاسير قصة أصحاب الفيل والشواهد الآثارية فرجحوا أن تكون هذه غزوة الفيل المشهورة في كتب التراث والتفاسير العربية دون أن يقروا بحدوث الواقعة ولكن رجحوا أن تكون هي المقصودة وهو مالايصح فعام الفيل حسب الكتابات الإسلامية هو عام مولد النبي محمد ومولد النبي محمد كان عام 570 وليس 535 في حين أن عام 570 عام مهم في اليمن لإنه العام الذي أورد فيه البيزنطيون أن الحميريين بمساعدة الفرس طردوا بقية الأحباش بعد أن أسروا ملكهم ويعتقد أنه أحد أبناء 'أبرهة"
ثورة يزيد بن كبشة
ورد نص عن ثورة قام بها أحد زعماء قبيلة كندة واسمه في نص المسند 'يزيد بن كبشت" وكانت ثورة قامت بها عائلات أستقراطية من كندة و"ذو خليل" و"ذو سحر" و"ذو يزأن" وبعضها أسر مرموقة يعود ذكرها إلى ماقبل مملكة حمير إلى العصور السبئية قبل الميلاد وهو سبب فشلها فلم تكن ثورات شعبية بل ثورات زعماء وشيوخ قبائل ينافسون بعضهم البعض على السلطان ولم يكونوا يجدون حرجا بالتعاون مع قوى أجنبية لتحقيق هذا الغرض فمصالحهم الذاتية كانت أهم لديهم من بلادهم وظهر ذلك أيام ذو نواس وأبرهة ويظهر من أبرهة كان يلقى قبولا عند نسبة واسعة من اليمنيين آنذاك إذ قام أبرهة بترميم سد مأرب وبناء عدد من الكنائس في صنعاء وظفار يريم ولا يستبعد أن يكون مقربا من الفقراء إذ ورد قبل قتله للشميفع أشوع أنه كان عبدا لتاجر روماني ذهب للقتال مكرها ولم يرد العودة إلى عبوديته ولكن لا يمكن إغفال حالة التحاسد بين مشايخ القبائل إذ ورد في النص ذاته أن أقيال همدان وحضرموت و"ذي معاهر" و"ذي كلاع" و " ذو ذبيان" و"ذو رعين" وعدد من الأسر الأخرى كانوا إلى جانبه ولا شك أنه إستغل حالة الإنقسام القبلية هذه فحالف القبائل ضد يزيد بن كبشة وكان ابن شميفع أشوع المدعو "معد يكرب" من ضمن الأقيال في صف سيد بني كندة ولا يستغرب ذلك إذ قتل أبرهة والده توقفت المعارك وتوصل أبرهة لهدنة مع يزيد بن كبشة عقب وصول "أصوات البكاء" عن تصدع أصاب سد مأرب
وفود فارس والروم
بعد أن وصلت الأخبار بمقتل شميفع أشوع وهزيمة الجيش الأكسومي الذي أرسله الملك كالب، أرسلت روما وفارس سفراء إليه وورد نص بخط المسند عبارات من قبيل "رسل منذرن" (رسل المناذرة) وإسم مبعوث هو "حرثم بن جبلت" ( الحارث بن جبلة وهو ملك الغساسنة المعروف) وقدم في نصه الرومان على فارس بطبيعة الحال كونه مسيحي وقدوم الوفود إليه كان طلبا لوده لحساسية المنطقة التي سيطر عليها ذكر بروكبيوس أن ملوك الغساسنة في جنوب فلسطين كانوا مقربين من الحميريين وأن قبائل معد القريبة منهم تتبع الحميريين كذلك

وفي إرسال الوفود الرومانية إليه دلالة على مطامع الرومان بجنوب الجزيرة العربية فرغم أنه قتل حليفهم السابق شميفع وأعلن نفسه ملكا وخلع حليفهم الآخر كالب، أرسل الرومان وفودا دبلوماسية إليه وهو دليل أن جهود التبشير بالمسيحية في اليمن من القرن الرابع الميلادي كانت غطاء لهدف روماني أكبر. وهذا هو الوارد عن أبرهة أو أبراهموس حسب الكتابات القديمة التي دونها هو أو كتبت عنه خلال حياته.
أبرهة في المصادر الإسلامية
القرآن ذكر قصة أصحاب الفيل والغالب عند المفسرين أنها تحكي قصة أبرهة رغم أن القرآن لم يذكر اسمه وكذا الحال في قصة أصحاب الأخدود لم تذكر ذو نواس ولا من معه.
المشهور في التفسير يحكي أن أبرهة بنى كنيسة ضخمة إسمها القليس في صنعاء وبالفعل يوجد في اليمن موقع بصنعاء القديمة يسمى غرقة القليس وهي حفرة كبيرة بنيت فيها الكاثدرائية المعنية. وكان هدف بناء الكنيسة على ماأورد الرواة، هو صرف العرب عن حج مكة وتحويل أنظارهم إلى كنيسته في صنعاء بعد أن أحدث فيها رجل من "بني فقيم" ذكره الطبري بأنه "من أهل البيت الذي تحج له العرب". ويحكي الرواة أن رجلا من بني سليم كان عند أبرهة اسمه "محمد بن خزاعي" كان يتودد للملك فدخل عليه يوما وهو يأكل 'الخصي" فقال محمد لأخيه قيس :"والله لئن أكلنا هذا لا تزال تسبنا به العرب ما بقينا" ثم قام أبرهة بتعيين "محمد" هذا سيدا على مضر وأمره أن يدعو الناس بالحج إلى الكنيسة فلما وصل لديار بني كنانة ضربه رجل منهم بسهم مما أثار غضب أبرهة وعزم أن يهدم الكعبة لأجل ذلك. بل تذكر أهل الأخبار أن الكعبة كانت معظمة عند اليمنيين قبل الإسلام، فما أن علم رجل اسموه في كتبهم "ذو نفر" بنية أبرهة حتى عزم الجهاد دفاعا عن البيت، فقاتل أبرهة وغُلب "ذو نفر" ويذكر الطبري بعض مايدعم نقوش المسند وكتابات البيزنطة التي عاصرت أبرهة ماشأنه أن الأشرم كان "حليما" فلم يقتل أعدائه
وبلغ أبرهة بلاد خثعم وخرجت له قبائل شهران وناهس بقيادة رجل يدعى نفيل بن حبيب الخثعمي فأسره أبرهة وأراد قتله فقال له الخثعمي:أيها الملك لا تقتلني ، فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم : شهران ، وناهس ، بالسمع والطاعة". أما ثقيف فلم تبد مقاومة وخرج قائدهم المدعو "مسعود بن معتب" فقال : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك ، سامعون لك مطيعون ، ليس لك عندنا خلاف ، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك" فلما إقترب أبرهة من مكة إستولى على إبل بني هاشم وبعث رجلا يدعى "حناطة" الحميري ليسأل عن شريف المنطقة فقيل له هو :"عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي " فتوجه حناطة هذا وقال لعبد المطلب إن الملك لايريد حربكم إنما جاء ليهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن لم يرد حربي فأتني به .فخرج عبد المطلب مع حناطة نحو معسكر أبرهة وسأل عن "ذو نفر" المذكور آنفا وتزعم كتابات أهل الأخبار أنه كان صديقا له فقال له: يا ذا نفر ، هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر ، وكان له صديقا : وما غناء رجل أسير في يدي ملك ، ينتظر أن يقتله غدا أو عشيا. ما عندي غناء في شيء مما نزل بك ، إلا أن أنيسا سائق الفيل لي صديق ، فسأرسل إليه ، فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما تريد ، ويشفع لك عنده بخير ، إن قدر على ذلك . قال : حسبي ، فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فجاء به ، فقال : يا أنيس إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب الملك له مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ، فقال : أفعل .
فدخل عبد المطلب على أبرهة سائلا إياه أن يرد له العير أو الإبل التي سلبها منه فعجب أبرهة وأحتقره رغم أنه أكرمه حينما رأى وسامته على روايات الإخباريين، متعجبا منه كيف يطلب الإبل ويترك البيت الذي جاء لهدمه فأجاب عبد المطلب إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه فلما رفض أبرهة طلب عبد المطلب، خرجت قريش إلى الجبال تنظر مافاعل أبرهة في كعبتهم. وفي صبيحة اليوم التالي عزم أبرهة على تنفيذ مخططه وهيأ الفيل الذي جلبه من صنعاء وإسم الفيل كان "محمود".
فقام الخثعمي الذي أسره أبرهة بالهمس في أذن الفيل قائلا :" ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام" فبرك الفيل ولم يقم. فوجهه أبرهة جهات مختلفة عن مكة فقام "يهرول" ورفض الهرولة ناحية مكة. وإذ هم في إنشغالهم حتى خرجت طيور من البحر تحمل ثلاث حجارة، واحدة في مناقيرهم وإثنتان في أرجلهم أصابت جميع الجيش فحاولوا الفرار وسألوا الخثعمي طريق العودة وأورد أهل الأخبار بيتا شعريا منسوبا إليه جاء فيه :
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب غير الغالب
ويقول الطبري :
«خرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل ، فأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم ، فسقطت أنامله أنملة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها مدة تمث قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء ، وهو مثل فرخ الطير ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون»
وكان الطبري ينهي كل فقرة بعبارة والله أعلم.


قال‏ الله تعالى : {{‏ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (الأبابيل الفرق من الطير التي يتبع بعضها بعضا من ههنا وههنا‏)
* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ‏}}. سورة الفيل‏:‏1-5‏‏‏.‏
ويُقال‏ بأنّ "الفيل" مع عظمة خلقه يفرق (يخاف) من "الهر" ، وقد إحتال بعض أمراء الحروب في قتال الهنود بإحضار سنانير إلى حومة الوغى، فنفرت الفيلة.‏.
وفصّل المؤرِّخ محمد إبن إسحاق تلك القصّة فقال‏:‏ كان [أبرهة الحبشي] يحكم أرض اليمن ، وديانته نصرانية.. وكان رجلاً قصيراً لحيماً (اي جسمه مليء باللحم الزائد). وكان ذا دين في النصرانية ..
فحلف يوماً ليسيرن إلى [البيت (العتيق اي الكعبة) حتى يهدمه، ثم أمر "الحبشة" (اي جماعته الأحباش) فتهيّأت وتجهّزت.. ثم سار وخرج معه بالفيل..
وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقاً عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام‏.‏
قال إبن كثير‏:‏ فلمّا نزل بـ (منطقة) المغمس، بعث رجلاً من الحبشة يقال له‏:‏ "الأسود بن مفصود"، على خيل له حتى انتهى إلى [مكة]‏.‏ فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم،
وأصاب فيها 200 بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمَّت قريش وكنانة وهذيل، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك‏.‏ ‏
وبعث [أبرهة] "حناطة الحميري" إلى مكة وقال له‏:‏
ــ سل عن سيِّد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له‏:‏ ((إن الملك يقول‏:‏ إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم))..
فإن هو لم يرد حربي فإئتني به‏.‏
فلما دخل "حناطة" مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له‏:‏ <عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي>،
فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة..
فقال له عبد المطلب‏:‏ ــ ((والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا "بيت الله الحرام" و"بيت [خليله إبراهيم] عليه السلام..

ــ فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته.. وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه))..
فقال له حناطة‏:‏ (( فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك‏ )).‏
فإنطلق معه [عبد المطلب]، ومعه بعض بنيه، حتى أتى (معسكر جيش عدوّه وهناك وجد شخصا من معارفه وكان مقرّبا من الملك [ابرهة] وأنيسه)..
فقال له‏:‏ ((أيها الملك !! هذا "سيِّد قرَيش" ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، وهو الذي يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال، فإئذن له عليك فليكلّمك في حاجته و أحسِن إليه‏)).‏
فأذن له [أبرهة‏].‏
وكان [عبد المطلب] أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم،
فلما رآه [أبرهة] أجلَّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير مُلكه .. فنزل [أبرهة]عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جانبه (أي أنّ [أبرهة] و[عبد المطلب] جلسا بجوار بعضهما على البِساط)..
ــ ثم قال (الملك) لترجمانه‏:‏ (( قل له حاجتك ))‏؟‏
ــ فقال(عبد المطلب):‏ ((حاجتي أن يردّ عليّ الملك 200 بعير أصابها لي))..
ــ قال أبرهة لترجمانه‏:‏< قل له:((لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدتّ فيك حين كلمتني)>؛ ــ (( أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لأهدمه لا تكلمني فيه‏ ))؟؟؟‏
ــ فقال له عبد المطلب‏:‏ ((إني أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربّاً سيمنعه))..
ــ فقال (الملك)‏:‏ ((ما كان ليمتنع مني‏)).‏
ــ قال‏ (عبد المطلب):‏ (( أنت وذاك ))‏.‏
فردّ (الملك)‏ على [عبد المطلب] إبله‏.‏
فإنصرف [عبد المطلب] إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في رؤوس الجبال، خوفاً عليهم من معرة الجيش‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ قام عبد المطلب فأخذ بحلقة "باب الكعبة" وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده‏.‏
ثم إنطلق هو ومن معه من قريش إلى الجبال يتحرزون فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل.. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيّأ فيله، وعبّى جيشه ..
فلما وجهوا الفيل إلى مكة فبرك الفيل‏.‏. فضربوا رأسه ليقوم فأبى .. فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك.. ثم وجوه إلى مكة فبرك‏.‏
قال إبن كثير‏:‏ فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها 3 أحجار يحملها‏:‏ -1- حجر في "منقاره"، -2 +3- وحجران في "رجليه" أمثال الحُمُّـُص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلاّ هلك.. فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاءوا يتساقطون ويهلكون ، كما أصيب أبرهة .
قال محمد بن إسحاق:‏ فلما هلك أبرهة ملك الحبشة يكسوم بن أبرهة، ثم أخوه مسروق بن أبرهة.. فلما طال البلاء على أهل اليمن خرج [سيف بن ذي يزن] الحميري، من نسب حِمْيَر بن سبأ‏.‏ فطرد الأحباش عن اليمن.
سمي عام الفيل بهذا الاسم نسبة إلى الحادثة التي وقعت في تلك السنة، عندما حاول أبرهة الحبشي، أو كما يعرف كذلك بأبرهة الأشرم، حاكم اليمن من قبل مملكة أكسوم الحبشية تدمير الكعبة ليجبر العرب وقريش على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها وزينها في اليمن. ولكن العرب لم يهتموا بها بل وصل الأمر إلى أن أحد العرب أهانها ودخلها ليلاً وقضى حاجته فيها، مما أغضب أبرهة.
خرج أبرهة بجيش عظيم ومعه فيلة كبيرة تتقدم الجيش لتدمير الكعبة وعندما اقترب من مكة المكرمة، وجد قطيعاً من النوق ل عبد المطلب سيد قريش فأخذها غصباً. فخرج عبد المطلب، جدّ الرسول محمد طالباً منه أن يرد له نوقه ويترك الكعبة وشأنها، فرد أبرهة النوق لعبد المطلب ولكنه رفض الرجوع عن مكة. وخرج أهل مكة هاربين إلى الجبال المحيطة بالكعبة خوفاً من أبرهة وجنوده، والأفيال التي هجم بها عليهم.
عندما ذهب عبد المطلب ليسترد نوقه سأله أبرهة لماذا لا يدافعون عن الكعبة أن قال: "أما النوق فأنا ربها، وأما الكعبة فلها رب يحميها ". وعندما رفض أبرهة طلب عبد المطلب أبت الفيلة التقدم نحو مكة، وعندها أرسل الله سبحانه وتعالى طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل قتلتهم وشتتت أشلائهم.
وقد أنزل الله عن هذه الحادثة قرآناً يتلى في سورة الفيل. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}.
ويعتقد أن ذلك العام هو عام مولد محمد عام 570 ميلادية، كما يعتقد بعض الباحثين أن عام الفيل كان بين 568 و 569 ميلادية.












-

السبت، 7 يونيو 2014

ما يجعلني أحب الكتابة..... سعيد الدوسري


- ما يجعلني أحب الكتابة أكثر من الرياضة هو أن المشي يستهلك ثمانية أمثال ما يستهلكه الإنسان من السعرات الحرارية أثناء الكتابة، ولذلك فالكتابة أسهل عندي، وأوفر لسعراتي الحرارية. بل وأحب الكتابة أكثر من الكلام لأن الكلام يحتاج إلى تحريك 44 عضلة بينما لا تحتاج الكتابة إلا إلى نصف هذا العدد تقريبًا!
- بدأت تعلم الكتابة بقلم الرصاص الشهير أبو تمساح المخطط باللونين الأصفر والأسود أو لون الإتّي (اسم الغنج لفريق الاتحاد), وفي طرفه الأعلى مساحة صغيرة مطوقة بطوق نحاسي (ولا أعرف لم كنا نسميه قلم مرسم في ذلك الوقت) وإلى الآن ما زلت أحب الكتابة بقلم الرصاص. ورغم أن الجميع استخدم هذا القلم في طفولته إلا أننا لا نعلم أن من اخترعه هو شخص فرنسي يدعى «جاك كونتييه»، ومن أشهر من استخدمه الفنان «بابلو بيكاسو»، والفنان «مايكل أنجلو».
ولكن من عيوب هذا القلم صغر مسّاحته، وكان المعلم يستطيع أن يعرف مستوى تمكن الطالب من الكتابة عن طريق قياس حجم المساحة مقارنة بطول القلم.
- أحب الكتابة بقلم الرصاص لأنني أولاً: أستطيع أن أمحو أخطائي وما أكثرها! وثانيًا: لأن قلم الرصاص العادي يمكن أن يخط خطًا بطول 35 ميلاً، مع أن سعره لا يتعدى نصف ريال! وثالثًا: لأن طعم المساحة لذيذ للغاية، ومن لم يصدق كلامي فليجرب بنفسه. الغريب أن هذا القلم صنع لأول مرة من الجرانيت وليس من الرصاص.
- كثير من الناس اليوم يمتلكون أقلامًا فخمة من ماركة «واترمان»، ولكنهم في الحقيقة لا يعلمون لماذا سميت بهذا الاسم؟
والسبب بكل بساطة أن مخترع قلم الحبر هو شخص يدعى «واترمان»..
ولم يسئ أحد إلى الخط العربي كما أساء «بيرو» مخترع القلم الجاف، وهذا القلم هو سبب رئيس في رداءة خطوط الطلاب، وكنا نُمنع من استخدامه في الامتحانات خصوصًا.
- بدأت تعلم الأبجدية على الطريقة القديمة: «آ إي أو، با بي بو، تا تي تو،..»، وهي الطريقة القديمة في تعليم الألفابيت (وهي كلمة إغريقية مكونة من ألفا وبيتا)، ثم انتقلنا من الحروف إلى الأسماء والأفعال: «زرع، حصد، قرأ، كتب»، ولشدة حرصي على تعلم الكتابة كنت أتدرب طوال اليوم بالكتابة بإصبعي على بطني (وربما هذا هو سبب التكرش عندي»، أو على الجدران، مما جعل الجميع يتندرون على ذلك.
- حين تعلمت كتابة الأبجدية كان لسان حالي يقول:
«أبي تأمّل وأنتِ أمي
جمالَ خطّي وحُسنَ رسمي
أنا قرأتُ بكلّ فهمي
أنا كتبتُ أحبُّ أمي
أحبّ أختي أحبّ عمي»
وهذا النشيد أعتقد أنه ضمن مقرر الأناشيد لدى طلاب الصف الأول الابتدائي هذه الأيام، ولكنه لم يكن مقررًا على أيامنا قبل ما يربو على ثلاثين عامًا أيام:
«كرتي كرتي ما أحلاها ما أجملها ما أبهاها
كرتي تعلو حتى السقف وأنا أجري وأخي خلفي»
وأيام:
«آه لو كنت أطير مثل عصفور صغير»
وأيام:
«الله في علاه يحرس كل الناس
لا يرتجى سواه في شدة أو باس»
وأيام:
«الولد النظيف منظرة ظريف»
ولذلك لم ترتبط الكتابة عندي بالحب إلا في سني المراهقة، ولا أذكر أنني كتبت يومًا كما يفعل الأطفال «الحلوين» هذه الأيام:
«أحب ماما.. أحب بابا..» مع أنني يعلم الله كنت أحبهما، ولكننا لم نتعود على التعبير عن عواطف الحب بحجة تربيتنا على الرجولة والخشونة!
- حين تعلمت الكتابة اعتقدت لأول وهلة أنني تعلمت لغة السحر أو التعاويذ أو «التشارم Charm» أو «سبل Spell» على شاكلة « Cadabra Abra » عند الغرب، والذين قرؤوا «هاري بوتر» يعرفون هذه الكلمة جيدًا، أو «شررم بررم كهيصع مصيصع شمهورش شلفاشخ حابس حابس..إلخ» هذه الخرافات.
- وإذا كان قدماء الرومان يعتقدون بوجود عصب يربط بين بنصر اليد اليسرى والقلب، ولذلك يلبسون «دبلة» الخطوبة فيه، فقد كنت أعتقد بوجود رابط بين السبابة والوسطى والقلم. فكما أن السبابة تستخدم للسبب والشتم، والوسطى للهمز واللمز، فكذلك القلم الذي تمسك به السبابة والوسطى يجب أن يستخدم لهذه الأغراض.
ولذا كنت حين أغضب من أحد إخوتي أو أبناء عمومتي أو زملائي أتناول ورقة وأكتب فيها بقلم الرصاص: «فلان...وأعدّد الحيوانات المنزلية، حتى التي تقطن الغابة! ثم أطوي الورقة بإحكام، وأدسها في أي مكان، وأغمض عيني وأرتاح، ويزول عني الغضب، وهذه طريقة يستخدمها المعالجون النفسانيون اليوم مع مرضاهم، إما عن طريق الكتابة أو الرسم، وتعطي نتائج إيجابية.
ولكن.. أحيانًا كان صاحب الرسالة يجدها مخبأة في جذع نخلة أو فتحة في جدار بيتنا الطيني، فتنقلب التعويذة على الساحر!
ــ حين تعلمت الكتابة والقراءة أخذت أسناني اللبنية بالتساقط واحدة تلو الأخرى. وما زلت أتذكر أنني كلما سقطت إحدى أسناني المتسوسة أصلاً خلوت بنفسي، ثم أخذت أنطق الحروف الهجائية بالتسلسل: «ألف باء تاء ثاء..» لأتأكد من قدرتي على نطق جميع الحروف، ثم أتابع بقية الطقوس التي تعلمتها من والدتي وإخوتي الكبار، وهذه الطقوس هي أن أخرج إلى الهواء الطلق، ومعي سني التي وقعت، ثم أقذف بالسن عاليًا وأردد بصوت مرتفع: يارب.. هاك ضرس حمار، واعطني ضرس غزال!
وأذكر أنني كنت أتساءل ببراءة: إذا كانت سني هي التي وقعت، وأريد بدلاً منها ضرس غزال، فما دور الحمار في هذه القصة؟! وحتى الآن.. لم أعثر على إجابة!
- رغم أن الأبجدية العربية المكونة من 28 حرفًا أو 29 حرفًا على اعتبار الهمزة المسكينة غير المعترف بها، مع أن لها حوالي 7 أشكال، إلا أنها لا تفي أحيانًا بالغرض الذي نريد التعبير عنه، وكل ما أتمناه أحيانًا أن أكون كمبوديًا لأن الأبجدية الكمبودية تضم 72 حرفًا لأستطيع التعبير عما أريد بسهولة.
والجميل أن الخليل بن أحمد نظم بيتًا في الغزل جمع فيه حروف العربية كلها، ومن ضمنها الهمزة وهو قوله:
«صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت
يحظى الضجيع بها نجلاء معطار»
أما بالنسبة للغة الإنجليزية فقد جمعت حروفها الستة والعشرون في هذه الجملة الطريفة:
The quick brown fox jumps over the lazy dog.
وهو مثل رائع، وترجمته بلغتي الإنجليزية السياحية التي لا تكفي لتجاوز الحدود: إن الثعلب البني السريع ينتصر على الكلب الكسول.
- تعلمت كتابة الرسائل من الحاج صبري، وكان صعيديًا من وجه قبلي قنا يقلب الجيم دالاً، وكنت أكتب الجيم دالاً كما ينطقها، دون أن أعلم، وكنت أعيد عليه قراءة ما كتبته كما نطقه فيعجبه ذلك.
وفي كل رسالة تقريبًا، كان لا بد أن يأتي على ذكر «الشابة». كان أحيانًا يسأل عن أحوالها، وأحيانًا كان يسأل هل ولدت أم لا؟ وكنت لحبي لهذه الشابة التي لا أعرفها أكتب اسمها بخط جميل، حتى اكتشفت فيما بعد أن الشابة التي يقصدها تعني الجاموسة!
- لكل كاتب طقوسه أثناء الكتابة.. فالأديب «مارك توين» مثلاً يكتب منبطحًا على بطنه، والفرنسي «يلزاك» يشرب أثناء الكتابة من ثلاثين إلى خمسين كوبًا من القهوة. والفرنسي «هيجو» يكتب عاريًا، ومع ذلك لا يكتب في اليوم الواحد سوى سطر واحد. والإنجليزي «د.هـ. لورانس» كان يتسلق إحدى الأشجار عاريًا وفي يده تفاحة، حتى يتهيأ للكتابة.
و«أجاثا كريستي» كانت تتناول التفاح بكميات تجارية أثناء كتابة رواياتها البوليسية، والأرجنتيني «بورخيس» كان يستلقي في حوض الحمام، ويتذكر أحلامه ويكتب منها، وأما «أبو عبدالرحمن الظاهري» فكان لا يكتب إلا بعد أن يتناول كوبًا من الشاي الأخضر، و«هانز كريستيان أندرسن» كاتب قصص الأطفال الشهيرة مثل «البطة القبيحة» و«عقلة الإصبع»، كان يكتب في الغابة، ويستقي قصصه منها!!
وأما العبد الضعيف (محدثكم) فطقوسي أثناء الكتابة لا تتعدى تناول القهوة العربية، مع صحن من خلاص الخرج، وبراد شاي (أبو أربع) وقليل من الكعك والمعجنات، وبعض الحلويات، والفطائر، فقط لا غير.
ولأنني كاتب مبتدئ أبحث عن الستر، فلا أضطر للتعري مثل «هيجو»، ولا لتسلق الأشجار مثل «لورانس» ولا للتدخين مثل كثير من الكتاب، بل أكتفي «بلباس السنة». و«في اليوم الذي لا أقرأ فيه ولا أكتب (كما يقول غارسيا ماركيز) لا أستحق وجبة طعام».

الخميس، 5 يونيو 2014

يأجوج ومأجوج هاروت وماروت - بين القرآن والتوراة




مخطوطة فارسية من القرن السادس عشر

تصور قوم ياجوج و مأجوج و بناء ذي القرنين للسور
يأجوج ومأجوج اسم لقبائل بربرية كانت تفسد في الأرض وتعتدي على جيرانها بالقتل والسلب والنهب. وقد ورد خبرهم في القرآن الكريم في سياق قصة ذي القرنين، وهو ملك صالح مؤمن يسّر له الله أسباب المُلك والسلطان والفتح والعمران، فانطلق في حملة تهدف إلى نشر دين الله بين الأقوام الوثنية، حتى بلغ مغرب الشمس، أي أقصى حدّ في الأرض المسكونة، حيث تغرب الشمس على أفق المحيط. ثم انقلب راجعاً حتى وصل إلى أقصى شرق المسكونة، حيث تشرق الشمس من وراء بقاع مجهولة، فوجد شعباً يتكلم لغة غريبة ساكنا عند فجوة بين سلستي جبال، تتدفّق من ورائها عليهم تلك الأقوام. نقرأ في سورة الكهف:
" ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً. إنَّا مكنَّا له في الأرض وآتيناه من كلّ شيء سبباً (1)، فأَتْبع سبباً (2). حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (3)، ووجد عندها قوماً. قلنا : يا ذا القرنين إما أن تُعذّب وإما أن تتّخذ فيهم حُسنا. قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربّه فيعذبه عذاباً نكراً، وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يُسراً.
" ثم أَتْبع سبباً، حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً. ثم أتبع سبباً، حتى إذا بلغ بين السدين(4) وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهل نجعل لك خَرجاً (5) على أن تجعل بيننا وبينهم سداً. قال : ما مَكنّي فيه ربي خير (6). فأعينوني بقوة (7) أجعل بينكم وبينهم ردماً. آتوني زُبَر الحديد (8). حتى إذا ساوى بين الصدفين (9) قال انفخوا. حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أُفرغ عليه قِطراً (10). فما استطاعوا أن يَظهروه (11) وما استطاعوا له نقباً. " (18 الكهف: 90–97).
ولكن يأجوج ومأجوج سوف ينقبون السدّ في آخر الزمن، ويكون خروجهم للإفساد في الأرض ثانية من علامات الساعة. وهذا ما تشير إليه بقية القصة في سورة الكهف:
" قال: هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي (12) جعله دكَّاء (13) وكان وعد ربي حقاً. وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض، ونُفخ في الصور فجمعناهم جمعاً، وعرضنا جهنم للكافرين عرضاً. " (18 الكهف: 98-100).
وهناك إشارة أخرى في سورة الأنبياء إلى نقب يأجوج ومأجوج للسد عند اقتراب الساعة: " حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب يَنسِلون (14) واقترب الوعد الحق، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا: يا ويلتنا قد كنا في غفلة من هذا، بل كنا ظالمين. " (21 الأنبياء: 96-97).

الرواية التوراتية :

يرد الاسم "جوج" في سفر حزقيال على أنه اسم لملك يحكم على أرض تدعى "ماجوج" أو على شعب يدعى بهذا الاسم. وهو سيقوم بغزو أرض إسرائيل قبل اليوم الأخير. ولكنه يُقتل هو وشعبه في مذبحة هائلة :
" وكان كلام الرب إليَّ قائلاً: يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج، رئيس روش وماشك وتوبال، وتنبأ عليه وقل … هكذا قال السيد الرب. في ذلك اليوم عند سُكنى شعبي إسرائيل آمنين … تأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرة معك، كلهم راكبون خيلاً، جماعة عظيمة وجيش كثير، وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابة تغشى الأرض. في الأيام الأخيرة يكون (هذا)، وآتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم حين أتقدس فيك أمام أعينهم ياجوج … ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب، أن غضبي يصعد في أنفي، وفي غيرتي في نار سخطي تكلمتُ أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابات التي تدب على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض. وأستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل واحد على أخيه، وأعاقبه بالوباء والدم، وأُمطر عليه وعلى جيشه وعلى كل الشعوب الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيمة وناراً وكبريتاً. فأتعظم وأتقدس وأُعرف في عيون أمم كثيرة فيعرفون أني أنا الرب. " (حزقيال 38: 1-23).
من مقارنة الروايتين، نلاحظ أن الرواية القرآنية قد انفردت بذكر السد الذي بني لكي يحجب يأجوج ومأجوج، ونقبهم له قبل يوم القيامة وانتشارهم للإفساد في الأرض. وتتفق الروايتان على أن خروج هذه الأقوام هو علامة من العلامات التي تسبق اليوم الأخير.
وقد ورد ذكر جوج وماجوج أيضاً في سفر الرؤيا وهو آخر أسفار العهد الجديد، باعتبارهم أقواماً مفسدين يظهرون في آخر الزمن، فيصطدمون بجيش المؤمنين ولكن الله يقضي عليهم:
" ثم متى تمت الألف سنة يُحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة (=أورشليم). فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي كان يُضلهم طُرح في بحيرة النار والكبريت. " (الرؤيا 20: 7-10).
هاروت وماروت

الرواية القرآنية :

" ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم، نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلو الشياطين على مُلك سليمان. وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلّمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لَمَن اشتراه ما له في الآخرة من خَلاق، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. " (2 البقرة: 101-102).
وقد عرضنا لتفسير هذه الآيات في معرض تقديمنا لسيرة الملك سليمان سابقاً، وقلنا أن هاروت وماروت هما ملاكان أرسلهما الله لامتحان البشر، فنزلا في أرض بابل وعاشا بين الناس فترة من الزمن كانا خلالها يعلمان الناس السحر بعد أن يبينا لكل واحد أن ما يصفونه له هو ابتلاء واختبار من الله تعالى.

الرواية التوراتية:

لا يوجد في التوراة العبرانية قصة عن نزول ملائكة إلى الأرض واختلاطهم بالبشر إلا القصة الواردة في سفر التكوين عن دخول أبناء الله، أي الملائكة، على بنات الناس بعد أن رأوا من حسنهن وجمالهن، فولدن لهم أولاداً عمالقة كان بهم ابتداء الشر على الأرض. (التكوين 6: 1-5). ولكن الأسفار غير القانونية قد توسعت في هذا الموضوع وأسهبت معتبرة أن هؤلاء الملائكة الساقطين هم الذين تحولوا إلى شياطين، وتحول كبيرهم إلى إبليس.
ولكننا نعثر في الفولكلور اليهودي على قصة هبوط ملاكين إلى الأرض أحدهما يدعى عزازيل والآخر شمهازي، وذلك ليثبتا للخالق تفوق الملائكة على الإنسان في الأخلاق وفي طاعة الله، وأن الإنسان غير جدير بالدور الذي رسمه الله له. ولكن شمهازي ما لبث أن وقع في حب امرأة تدعى الزُهرة وطلب وصالها، ولكنها تمنعت واشترطت عليه أن يطلعها على اسم الله الأعظم الخفي، ففعل ذلك. وما أن حازت على الاسم حتى استخدمت قوته في الصعود إلى السماء قبل أن تفي بوعدها لشمهازي، ولكن الله أوقفها بين أفلاك الأجرام السماوية السيارة، وحوّلها إلى الجرم المعروف بكوكب الزُهرة أو كوكب فينوس. (15)
هذه القصة اليهودية وتنويعاتها الأخرى، كانت وراء العديد من القصص التي أوردها المفسرون القدماء لإلقاء الضوء على هاروت وماروت في القصة القرآنية. ومنها هذه القصة المرفوعة لابن عباس، والتي أوردها ابن كثير في تفسيره :
" قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا مسلم، أخبرنا القاسم بن الفضل الحذائي، أخبرنا يزيد عن ابن عباس، أن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي. فقال الله: أنتم معي وهم في غيب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة يهبطون إلى الأرض ليحكموا بين أهل الأرض، وجُعل فيهم شهوة الآدميين، فأُمروا أن لا يشربوا خمراً، ولا يقتلوا نفساً، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد فأقيل. فأُهبط اثنان إلى الأرض هما هاروت وماروت. فأتتهما امرأة من أحسن الناس، فهوياها معاً ثم أتيا منزلها فأراداها. فقالت لهما: لا، حتى تشربا خمري وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني. فقالا: لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم قتلا ثم سجدا. فأشرف أهل السماء عليهما. وقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما. فأخبراها فطارت، فمُسخت جمرة وهي هذه الزهرة. وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مناطان بين السماء والأرض. "
وابن كثير في تفسيره يورد هذه القصة وتنويعات عديدة عليها، ثم يعلق قائلاً :

" وقد رُويَ في هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة، وغيرهم، وقصّها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. وظاهر سياق القرآن إجمالٌ من غير بسط ولا إطناب. ونحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى. والله أعلم بحقيقة الحال. "
هذه التصورات المتأخرة عن أصل كوكب الزهرة، إنما تقوم على أرضية ميثولوجية مغرقة في القدم. فقد رأت الشعوب الساميَّة القديمة في كوكب الزهرة تجسيداً لإلهة الحب الشهواني، التي دعيت إنانا لدى السومريين، وعشتار لدى البابليين، واستارت عند الكنعانيين. وقد نقل الفينيقيون عبادة استارت إلى جزيرة قبرص، ومنها انتقلت إلى بلاد اليونان تحت اسم إفروديت، التي يقص هزيود في كتابه " أصول الآلهة " عن ولادتها من زبد البحر على شاطئ جزيرة قبرص. أما الرومان فقد دعوها فينوس، وهو الاسم الفلكي الشائع اليوم لكوكب الزهرة. كما دعاها الفرس أناهيتا، وفي فنونهم المصورة تبدو على هيئة حسناء تعزف على العود.
وعند عرب الجزيرة قبل الإسلام حمل كوكب الزهرة معاني البياض والحسن والبهجة (16)، ورأوا فيه تجسيداً لإلهتهم العُزّى على ما ترويه المصادر الخارجية(17). وقد عُرفت الزهرة بأكثر من اسم وذلك حسب ظهورها بعد غروب الشمس أو قبل شروقها، فكانوا يدعون نجمة المساء عتر (=استارت =عترتا)، أما نجمة الصبح فيدعونها العزى ويلقبونها بكوكب الحسن. (18) ولهذه الإلهة ضحى الرسول الكريم بشاة عفراء عندما كان على دين قومه، على ما يرويه ابن الكلبي في " كتاب الأصنام" (19). ولكنه بعد البعثة صار يتطير من ظهورها ويقول: لا مرحباً ولا أهلاً. فقد رُوي عن نافع قال: سافرت مع عبد بن عمر، فلما كان آخر الليل قال: يا نافع، هل طلعت الحمراء ( أي الزهرة ) ؟ وأعادها مرتين أو ثلاثاً. ثم قلت: قد طلعت. فقال: لا مرحباً ولا أهلاً. قلت سبحان الله، نجم مُسخر سميع مطيع. قال: ما قلت لك إلا ما سمعته من رسول الله. (20)
كما روى البعض عن عبد الله بن عمر أنه كلما رأى الزهرة لعنها وقال: هذه التي فتنت هاروت وماروت. (21)


الشواهد:

1 - أي يسر له الله الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم .
2 - أي فاتخذ طريقاً .
3 - أي ذات حمأة، وهو الطين الأسود. ولا ندري في أي مكان وقف حتى خُيل إليه ذلك .
4 - أي بين جبلين .
5 - أي خراجاً مالياً .
6 - أي ما أنعم الله به علي خير مما تبذلونه لي .
7 - أي ساعدوني بتقديم اليد العاملة .
8 - أي قطع الحديد .
9 - أي بين جانبي الجبلين .
10 - أي نحاساً مذاباً .
11 - أي يتسوروه ويعلوه .
12 - أي يوم القيامة .
13 - أي دكه وسواه بالأرض .
14 - من كل مرتفع وناحية يهرعون .
15 – K.Sandiki, Legends and Narratives of Islam, Kazi Publications , Chicago , 2000 , PP. 235 – 236 . citing , Louis Ginzbery , Legends of the Jews , III , P 247
16 - راجع تاج العروس للزبيدي ، ص 249/ج 3 ، ولسان العرب ، ص 421/ ج5 .
17 - محمد سليم الحوت : الميثولوجيا عند العرب ، دار النهار ، بيروت ، 1979 ، ص75 و 87 .
18 - نفس المرجع .
19 - ابن الكلبي : الأصنام ، تحقيق أحمد زكي ، القاهرة 1965 ، ص19 .
20 - تفسير الطبري ، ص 345/ ج1 .
21 - تفسير الطبري ، ص 346/ ج1 .






















-