الأحد، 8 يونيو 2014

أبرهة الحبشي



أ

أبرهة الحبشي ويقال له أيضاً أبرهة الأشرم (لاتينية:Abramus) هو أحد القادة في الجيش الذي أرسله الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول لحرب "يوسف أسأر" أو ذو النواس الحميري. وهو حسب المصادر الإسلامية، من حاول تدمير الكعبة فأرسل عليه الله "طيرا أبابيل" أصابته بالجدري ومات في صنعاء حسب كتاباتهم. ترك أبرهة أو "أبراهموس" عدة كتابات بخط المسند وتعرض لعدة ثورات وتحديات أبرزها قتله لشميفع أشوع وحربه مع ملك مملكة أكسوم وتصديه لثورة من "يزيد بن كبشت" (يزيد بن كبشة) سيد بني كندة و"ذو خليل" و"ذو سحر" و"ذو يزأن" (ذو يزن) وتوسيع سلطانه ليشمل أراضي قبيلة معد وتهامة وإن لم يستطع السيطرة على المناطق الشرقية لليمن التي بقيت بيد أقيال القبائل. مع ذلك، فمن قراءة المصادر التي دونت في عهده يتضح أنه وصل لمرتبة كبيرة مما حدا بملوك فارس وروما على إرسال مبعوثين إليه وهي دلالة إعتراف بسلطانه.
:تاريخ اليمن القديم
في عام 518 للميلاد، ظهر في نصوص المسند إسم ملك يدعى "يوسف أسأر" أو "يوسف أزار" ذكرته المصادر البزنطية بإسم "دونان" ومنها أخذ المؤرخون الإسلاميون تسمية ذو نواس ويبدو أن التسمية البيزنطية كانت محرفة من لقب أطلقه عليه اليمنيون ، حكم يوسف أسأر كأحد الأذواء كما يظهر من اسمه فلم يكن ملكا فعليا فقد تقلص ملك الحميريين كثيرا بسبب منافسة زعماء القبائل اليمنية لهم في السلطان مما زاد في مطامع الأكسوميين فأستغلوا الوضع المزري والإنقسامات القبلية ليدخلوا اليمن وأيدهم في ذلك قبائل مسيحية نكاية بيوسف لإنه وعدد من أشراف حمير كانوا يهود ورد نصان بخط المسند يشيران إلى "يوسف أسأر" ومن تبعه من قبائل كندة وهمدان وخولان ومذحج و"ذو يزن" و"مرثد" بلغ عدد القتلى خلال حملاته ضد المسيحيين والأحباش قرابة إثنين وعشرون ألف قتيل وعدد كبير من الأسرى ويعتقد حسب المصادر الإسلامية، أنه المسؤول عن ماورد في القرآن عن أصحاب الأخدود. فأرسل الإمبراطور جستنيان الأول أسطولا دخل اليمن عن طريق باب المندب وخلافا لروايات أهل الأخبار بعد الإسلام، فإن ذو نواس قتل في المعارك عام 525 للميلاد ولم ينتحر على مازعموا وصل بعد ذو نواس رجل يمني يدعى "شميفع أشوع" لقب نفسه في نص بخط المسند بلقب "ملك سبأ باسم الرحمن وابنه المسيح الغالب" وهي دلالة أنه كان مسيحيا ولكن ورد نص يعود إلى فترة ذو نواس وذكر فيها اسمه ضمن زعماء القبائل التي ساعدت ذو نواس فيعتقد أنه وافق ذو نواس مكرها وعندما علم بوصول الأسطول البيزنطي ومن فيه من الرومان والأحباش توصل إلى إتفاق مع ملك مملكة أكسوم الملك كالب وأعلن نفسه "ملكا على سبأ" وقام بتقوية حصن مارية في ذمار أرسل إليه جستنيان الأول مبعوثا يطلبه محالفة الحبش وتعيين رجل كندي مقرب من بيزنطة يدعى "كايسوس" (قيس) على الأعراب في الحجاز وفي ماأورده المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس دلالة على سيطرة الحميريين على قبائل الأعراب في تهامة والحجاز، وسبب إرسال المبعوث كان لعقد تحالف قوي بين شميفع أشوع في اليمن وكالب في الحبشة لإنهما مسيحيان وعلى دين واحد هو دين بيزنطة، وتسخير الأعراب من معد (وهو شخص من أجداد النبي محمد في عرف النسابة وأهل الأخبار) على قتال الفرس إلا أن هدف الرومان لم يتم وعبر بروكبيوس عن خيبة أمله قائلا : وهكذا هي علاقات روما بالحميريين دائما
تاريخ الحروب لبروكوبيوس وصوله لسدة الحكم


مملكة أكسوم في أقصى إتساعها
في عام 531 بعد ست سنوات من مقتل ذو نواس، قام أحد المجرمين المحكوم عليهم بأحكام في مملكة أكسوم بقتل شميفع أشوع لإنهم لم يريدوا العودة إلى بلادهم (إثيوبيا) وآثروا البقاء في اليمن لإنها "أرض جيدة جدا" على ماقال بروكوبيوس وكان هذا 'المجرم" هو "أبراهموس" (أبرهة) الذي أعلن نفسه ملكا بعد قتله لشميفع أشوع مما أثار غضب الملك كالب في أكسوم. فأرسل جيشا قوامه ثلاثة آلاف مقاتل لتأديب أبرهة على ماأرتكبه بحق حليف روما شميفع أشوع إلا أن الجيش الذي أرسل إلى اليمن قتل قائده بعد إتفاق أبرم سرا بين أبرهة وعدد من ضباط الجيش الذين آثروا البقاء في اليمن كذلك وألتحقوا بقوات أبرهة. أرسل كالب جيشا آخر إلا أن جيشه تعرض لهزيمة أخرى فتوقف كالب عن إرسال الجيوش وأعلن أبرهة نفسه ملكا
في عام 535 للميلاد، ورد نص قصير يشير إلى قبيلة معد وكيف أنه سار بنفسه تجاههم وإنزاله خسائر فادحة في الأرواح بينهم وأنهى النص بتقديم رجل ورد إسمه في نص المسند بصيغة "عمرم بن مذر" (عمرو بن مضر أو قد يكون عمرو بن المنذر هو المقصود ) بتقديم عدد من أبناء معد رهائن وهي إشارة على مهادنتهم وتعهد بعدم الخروج عليه، فسياسة أخذ الرهائن مقابل الولاء قديمة ومعروفة في اليمن ورد في النص المكون من عشرة أسطر قبائل "بني عامر" و"سعد" و"معد" فيمن تم مقاتلتها في موضع يقال له تربة وهي حاليا مدينة قرب الطائف ضمن مايعرف اليوم السعودية ولم ترد هذه التفاصيل في كتابات أهل الأخبار بعد الإسلام وكان قائد القوات التي أخضعت "بني عامر" (وهم بنو عامر بن صعصعة في كتابات أهل الأخبار رجل يدعى "بشرم بن حصنم" (بشر بن حصن) من قبيلة كندة وذكر النص أنهم غنموا غنائم كثيرة ولايوجد في كتابات الإخباريين أي ذكر لهذه الحقائق المدونة بنص المسند وهو ماقد يفسر كثرة الأخبار الموضوعة بعد الإسلام عن إنتصارات لهذه القبائل على ملوك اليمن في ماعرف بالجاهلية حسب المصادر الإسلامية، فإن أبرهة حاول هدم الكعبة ليحول أنظار الناس عنها وحاول بعض المستشرقين إيجاد نوع من التوفيق بين تفاسير قصة أصحاب الفيل والشواهد الآثارية فرجحوا أن تكون هذه غزوة الفيل المشهورة في كتب التراث والتفاسير العربية دون أن يقروا بحدوث الواقعة ولكن رجحوا أن تكون هي المقصودة وهو مالايصح فعام الفيل حسب الكتابات الإسلامية هو عام مولد النبي محمد ومولد النبي محمد كان عام 570 وليس 535 في حين أن عام 570 عام مهم في اليمن لإنه العام الذي أورد فيه البيزنطيون أن الحميريين بمساعدة الفرس طردوا بقية الأحباش بعد أن أسروا ملكهم ويعتقد أنه أحد أبناء 'أبرهة"
ثورة يزيد بن كبشة
ورد نص عن ثورة قام بها أحد زعماء قبيلة كندة واسمه في نص المسند 'يزيد بن كبشت" وكانت ثورة قامت بها عائلات أستقراطية من كندة و"ذو خليل" و"ذو سحر" و"ذو يزأن" وبعضها أسر مرموقة يعود ذكرها إلى ماقبل مملكة حمير إلى العصور السبئية قبل الميلاد وهو سبب فشلها فلم تكن ثورات شعبية بل ثورات زعماء وشيوخ قبائل ينافسون بعضهم البعض على السلطان ولم يكونوا يجدون حرجا بالتعاون مع قوى أجنبية لتحقيق هذا الغرض فمصالحهم الذاتية كانت أهم لديهم من بلادهم وظهر ذلك أيام ذو نواس وأبرهة ويظهر من أبرهة كان يلقى قبولا عند نسبة واسعة من اليمنيين آنذاك إذ قام أبرهة بترميم سد مأرب وبناء عدد من الكنائس في صنعاء وظفار يريم ولا يستبعد أن يكون مقربا من الفقراء إذ ورد قبل قتله للشميفع أشوع أنه كان عبدا لتاجر روماني ذهب للقتال مكرها ولم يرد العودة إلى عبوديته ولكن لا يمكن إغفال حالة التحاسد بين مشايخ القبائل إذ ورد في النص ذاته أن أقيال همدان وحضرموت و"ذي معاهر" و"ذي كلاع" و " ذو ذبيان" و"ذو رعين" وعدد من الأسر الأخرى كانوا إلى جانبه ولا شك أنه إستغل حالة الإنقسام القبلية هذه فحالف القبائل ضد يزيد بن كبشة وكان ابن شميفع أشوع المدعو "معد يكرب" من ضمن الأقيال في صف سيد بني كندة ولا يستغرب ذلك إذ قتل أبرهة والده توقفت المعارك وتوصل أبرهة لهدنة مع يزيد بن كبشة عقب وصول "أصوات البكاء" عن تصدع أصاب سد مأرب
وفود فارس والروم
بعد أن وصلت الأخبار بمقتل شميفع أشوع وهزيمة الجيش الأكسومي الذي أرسله الملك كالب، أرسلت روما وفارس سفراء إليه وورد نص بخط المسند عبارات من قبيل "رسل منذرن" (رسل المناذرة) وإسم مبعوث هو "حرثم بن جبلت" ( الحارث بن جبلة وهو ملك الغساسنة المعروف) وقدم في نصه الرومان على فارس بطبيعة الحال كونه مسيحي وقدوم الوفود إليه كان طلبا لوده لحساسية المنطقة التي سيطر عليها ذكر بروكبيوس أن ملوك الغساسنة في جنوب فلسطين كانوا مقربين من الحميريين وأن قبائل معد القريبة منهم تتبع الحميريين كذلك

وفي إرسال الوفود الرومانية إليه دلالة على مطامع الرومان بجنوب الجزيرة العربية فرغم أنه قتل حليفهم السابق شميفع وأعلن نفسه ملكا وخلع حليفهم الآخر كالب، أرسل الرومان وفودا دبلوماسية إليه وهو دليل أن جهود التبشير بالمسيحية في اليمن من القرن الرابع الميلادي كانت غطاء لهدف روماني أكبر. وهذا هو الوارد عن أبرهة أو أبراهموس حسب الكتابات القديمة التي دونها هو أو كتبت عنه خلال حياته.
أبرهة في المصادر الإسلامية
القرآن ذكر قصة أصحاب الفيل والغالب عند المفسرين أنها تحكي قصة أبرهة رغم أن القرآن لم يذكر اسمه وكذا الحال في قصة أصحاب الأخدود لم تذكر ذو نواس ولا من معه.
المشهور في التفسير يحكي أن أبرهة بنى كنيسة ضخمة إسمها القليس في صنعاء وبالفعل يوجد في اليمن موقع بصنعاء القديمة يسمى غرقة القليس وهي حفرة كبيرة بنيت فيها الكاثدرائية المعنية. وكان هدف بناء الكنيسة على ماأورد الرواة، هو صرف العرب عن حج مكة وتحويل أنظارهم إلى كنيسته في صنعاء بعد أن أحدث فيها رجل من "بني فقيم" ذكره الطبري بأنه "من أهل البيت الذي تحج له العرب". ويحكي الرواة أن رجلا من بني سليم كان عند أبرهة اسمه "محمد بن خزاعي" كان يتودد للملك فدخل عليه يوما وهو يأكل 'الخصي" فقال محمد لأخيه قيس :"والله لئن أكلنا هذا لا تزال تسبنا به العرب ما بقينا" ثم قام أبرهة بتعيين "محمد" هذا سيدا على مضر وأمره أن يدعو الناس بالحج إلى الكنيسة فلما وصل لديار بني كنانة ضربه رجل منهم بسهم مما أثار غضب أبرهة وعزم أن يهدم الكعبة لأجل ذلك. بل تذكر أهل الأخبار أن الكعبة كانت معظمة عند اليمنيين قبل الإسلام، فما أن علم رجل اسموه في كتبهم "ذو نفر" بنية أبرهة حتى عزم الجهاد دفاعا عن البيت، فقاتل أبرهة وغُلب "ذو نفر" ويذكر الطبري بعض مايدعم نقوش المسند وكتابات البيزنطة التي عاصرت أبرهة ماشأنه أن الأشرم كان "حليما" فلم يقتل أعدائه
وبلغ أبرهة بلاد خثعم وخرجت له قبائل شهران وناهس بقيادة رجل يدعى نفيل بن حبيب الخثعمي فأسره أبرهة وأراد قتله فقال له الخثعمي:أيها الملك لا تقتلني ، فإني دليلك بأرض العرب ، وهاتان يداي لك على قبيلتي خثعم : شهران ، وناهس ، بالسمع والطاعة". أما ثقيف فلم تبد مقاومة وخرج قائدهم المدعو "مسعود بن معتب" فقال : أيها الملك ، إنما نحن عبيدك ، سامعون لك مطيعون ، ليس لك عندنا خلاف ، وليس بيتنا هذا بالبيت الذي تريد إنما تريد البيت الذي بمكة ونحن نبعث معك من يدلك" فلما إقترب أبرهة من مكة إستولى على إبل بني هاشم وبعث رجلا يدعى "حناطة" الحميري ليسأل عن شريف المنطقة فقيل له هو :"عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي " فتوجه حناطة هذا وقال لعبد المطلب إن الملك لايريد حربكم إنما جاء ليهدم البيت، فإن لم تعرضوا دونه بحرب فلا حاجة لي بدمائكم ، فإن لم يرد حربي فأتني به .فخرج عبد المطلب مع حناطة نحو معسكر أبرهة وسأل عن "ذو نفر" المذكور آنفا وتزعم كتابات أهل الأخبار أنه كان صديقا له فقال له: يا ذا نفر ، هل عندك غناء فيما نزل بنا ؟ فقال له ذو نفر ، وكان له صديقا : وما غناء رجل أسير في يدي ملك ، ينتظر أن يقتله غدا أو عشيا. ما عندي غناء في شيء مما نزل بك ، إلا أن أنيسا سائق الفيل لي صديق ، فسأرسل إليه ، فأوصيه بك ، وأعظم عليه حقك ، وأسأله أن يستأذن لك على الملك ، فتكلمه بما تريد ، ويشفع لك عنده بخير ، إن قدر على ذلك . قال : حسبي ، فبعث ذو نفر إلى أنيس ، فجاء به ، فقال : يا أنيس إن عبد المطلب سيد قريش ، وصاحب عير مكة ، يطعم الناس بالسهل ، والوحوش في رءوس الجبال ، وقد أصاب الملك له مائتي بعير ، فاستأذن له عليه ، وانفعه عنده بما استطعت ، فقال : أفعل .
فدخل عبد المطلب على أبرهة سائلا إياه أن يرد له العير أو الإبل التي سلبها منه فعجب أبرهة وأحتقره رغم أنه أكرمه حينما رأى وسامته على روايات الإخباريين، متعجبا منه كيف يطلب الإبل ويترك البيت الذي جاء لهدمه فأجاب عبد المطلب إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه فلما رفض أبرهة طلب عبد المطلب، خرجت قريش إلى الجبال تنظر مافاعل أبرهة في كعبتهم. وفي صبيحة اليوم التالي عزم أبرهة على تنفيذ مخططه وهيأ الفيل الذي جلبه من صنعاء وإسم الفيل كان "محمود".
فقام الخثعمي الذي أسره أبرهة بالهمس في أذن الفيل قائلا :" ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام" فبرك الفيل ولم يقم. فوجهه أبرهة جهات مختلفة عن مكة فقام "يهرول" ورفض الهرولة ناحية مكة. وإذ هم في إنشغالهم حتى خرجت طيور من البحر تحمل ثلاث حجارة، واحدة في مناقيرهم وإثنتان في أرجلهم أصابت جميع الجيش فحاولوا الفرار وسألوا الخثعمي طريق العودة وأورد أهل الأخبار بيتا شعريا منسوبا إليه جاء فيه :
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب غير الغالب
ويقول الطبري :
«خرجوا يتساقطون بكل طريق ، ويهلكون على كل منهل ، فأصيب أبرهة في جسده ، وخرجوا به معهم ، فسقطت أنامله أنملة أنملة ، كلما سقطت أنملة أتبعتها مدة تمث قيحا ودما ، حتى قدموا به صنعاء ، وهو مثل فرخ الطير ، فما مات حتى انصدع صدره عن قلبه فيما يزعمون»
وكان الطبري ينهي كل فقرة بعبارة والله أعلم.


قال‏ الله تعالى : {{‏ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ (الأبابيل الفرق من الطير التي يتبع بعضها بعضا من ههنا وههنا‏)
* تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ‏}}. سورة الفيل‏:‏1-5‏‏‏.‏
ويُقال‏ بأنّ "الفيل" مع عظمة خلقه يفرق (يخاف) من "الهر" ، وقد إحتال بعض أمراء الحروب في قتال الهنود بإحضار سنانير إلى حومة الوغى، فنفرت الفيلة.‏.
وفصّل المؤرِّخ محمد إبن إسحاق تلك القصّة فقال‏:‏ كان [أبرهة الحبشي] يحكم أرض اليمن ، وديانته نصرانية.. وكان رجلاً قصيراً لحيماً (اي جسمه مليء باللحم الزائد). وكان ذا دين في النصرانية ..
فحلف يوماً ليسيرن إلى [البيت (العتيق اي الكعبة) حتى يهدمه، ثم أمر "الحبشة" (اي جماعته الأحباش) فتهيّأت وتجهّزت.. ثم سار وخرج معه بالفيل..
وسمعت بذلك العرب، فأعظموه وفظعوا به، ورأوا جهاده حقاً عليهم، حين سمعوا بأنه يريد هدم الكعبة بيت الله الحرام‏.‏
قال إبن كثير‏:‏ فلمّا نزل بـ (منطقة) المغمس، بعث رجلاً من الحبشة يقال له‏:‏ "الأسود بن مفصود"، على خيل له حتى انتهى إلى [مكة]‏.‏ فساق إليه أموال أهل تهامة من قريش وغيرهم،
وأصاب فيها 200 بعير لعبد المطلب بن هاشم ، وهو يومئذ كبير قريش وسيدها ، فهمَّت قريش وكنانة وهذيل، ومن كان بذلك الحرم من سائر الناس بقتاله، ثم عرفوا أنه لا طاقة لهم به فتركوا ذلك‏.‏ ‏
وبعث [أبرهة] "حناطة الحميري" إلى مكة وقال له‏:‏
ــ سل عن سيِّد أهل هذا البلد وشريفهم ثم قل له‏:‏ ((إن الملك يقول‏:‏ إني لم آت لحربكم، إنما جئت لهدم هذا البيت، فإن لم تعرضوا لنا دونه بحرب، فلا حاجة لي بدمائكم))..
فإن هو لم يرد حربي فإئتني به‏.‏
فلما دخل "حناطة" مكة، سأل عن سيد قريش وشريفها، فقيل له‏:‏ <عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي>،
فجاءه فقال له ما أمره به أبرهة..
فقال له عبد المطلب‏:‏ ــ ((والله ما نريد حربه، وما لنا بذلك من طاقة، هذا "بيت الله الحرام" و"بيت [خليله إبراهيم] عليه السلام..

ــ فإن يمنعه منه فهو حرمه وبيته.. وإن يخل بينه وبينه، فوالله ما عندنا دفع عنه))..
فقال له حناطة‏:‏ (( فانطلق معي إليه، فإنه قد أمرني أن آتيه بك‏ )).‏
فإنطلق معه [عبد المطلب]، ومعه بعض بنيه، حتى أتى (معسكر جيش عدوّه وهناك وجد شخصا من معارفه وكان مقرّبا من الملك [ابرهة] وأنيسه)..
فقال له‏:‏ ((أيها الملك !! هذا "سيِّد قرَيش" ببابك يستأذن عليك، وهو صاحب عين مكة، وهو الذي يطعم الناس بالسهل والوحوش في رؤوس الجبال، فإئذن له عليك فليكلّمك في حاجته و أحسِن إليه‏)).‏
فأذن له [أبرهة‏].‏
وكان [عبد المطلب] أوسم الناس، وأعظمهم، وأجملهم،
فلما رآه [أبرهة] أجلَّه وأكرمه عن أن يجلسه تحته، وكره أن تراه الحبشة يجلسه معه على سرير مُلكه .. فنزل [أبرهة]عن سريره فجلس على بساطه وأجلسه معه عليه إلى جانبه (أي أنّ [أبرهة] و[عبد المطلب] جلسا بجوار بعضهما على البِساط)..
ــ ثم قال (الملك) لترجمانه‏:‏ (( قل له حاجتك ))‏؟‏
ــ فقال(عبد المطلب):‏ ((حاجتي أن يردّ عليّ الملك 200 بعير أصابها لي))..
ــ قال أبرهة لترجمانه‏:‏< قل له:((لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدتّ فيك حين كلمتني)>؛ ــ (( أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك، وتترك بيتاً هو دينك ودين آبائك، قد جئت لأهدمه لا تكلمني فيه‏ ))؟؟؟‏
ــ فقال له عبد المطلب‏:‏ ((إني أنا ربّ الإبل، وإنّ للبيت ربّاً سيمنعه))..
ــ فقال (الملك)‏:‏ ((ما كان ليمتنع مني‏)).‏
ــ قال‏ (عبد المطلب):‏ (( أنت وذاك ))‏.‏
فردّ (الملك)‏ على [عبد المطلب] إبله‏.‏
فإنصرف [عبد المطلب] إلى قريش فأخبرهم الخبر، وأمرهم بالخروج من مكة، والتحرّز في رؤوس الجبال، خوفاً عليهم من معرة الجيش‏.‏
قال ابن إسحاق‏:‏ قام عبد المطلب فأخذ بحلقة "باب الكعبة" وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه على أبرهة وجنده‏.‏
ثم إنطلق هو ومن معه من قريش إلى الجبال يتحرزون فيها، ينتظرون ما أبرهة فاعل.. فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة، وهيّأ فيله، وعبّى جيشه ..
فلما وجهوا الفيل إلى مكة فبرك الفيل‏.‏. فضربوا رأسه ليقوم فأبى .. فوجهوه راجعاً إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك.. ثم وجوه إلى مكة فبرك‏.‏
قال إبن كثير‏:‏ فأرسل الله عليهم طيراً من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها 3 أحجار يحملها‏:‏ -1- حجر في "منقاره"، -2 +3- وحجران في "رجليه" أمثال الحُمُّـُص والعدس لا تصيب منهم أحداً إلاّ هلك.. فخرجوا هاربين يبتدرون الطريق التي منها جاءوا يتساقطون ويهلكون ، كما أصيب أبرهة .
قال محمد بن إسحاق:‏ فلما هلك أبرهة ملك الحبشة يكسوم بن أبرهة، ثم أخوه مسروق بن أبرهة.. فلما طال البلاء على أهل اليمن خرج [سيف بن ذي يزن] الحميري، من نسب حِمْيَر بن سبأ‏.‏ فطرد الأحباش عن اليمن.
سمي عام الفيل بهذا الاسم نسبة إلى الحادثة التي وقعت في تلك السنة، عندما حاول أبرهة الحبشي، أو كما يعرف كذلك بأبرهة الأشرم، حاكم اليمن من قبل مملكة أكسوم الحبشية تدمير الكعبة ليجبر العرب وقريش على الذهاب إلى كنيسة القليس التي بناها وزينها في اليمن. ولكن العرب لم يهتموا بها بل وصل الأمر إلى أن أحد العرب أهانها ودخلها ليلاً وقضى حاجته فيها، مما أغضب أبرهة.
خرج أبرهة بجيش عظيم ومعه فيلة كبيرة تتقدم الجيش لتدمير الكعبة وعندما اقترب من مكة المكرمة، وجد قطيعاً من النوق ل عبد المطلب سيد قريش فأخذها غصباً. فخرج عبد المطلب، جدّ الرسول محمد طالباً منه أن يرد له نوقه ويترك الكعبة وشأنها، فرد أبرهة النوق لعبد المطلب ولكنه رفض الرجوع عن مكة. وخرج أهل مكة هاربين إلى الجبال المحيطة بالكعبة خوفاً من أبرهة وجنوده، والأفيال التي هجم بها عليهم.
عندما ذهب عبد المطلب ليسترد نوقه سأله أبرهة لماذا لا يدافعون عن الكعبة أن قال: "أما النوق فأنا ربها، وأما الكعبة فلها رب يحميها ". وعندما رفض أبرهة طلب عبد المطلب أبت الفيلة التقدم نحو مكة، وعندها أرسل الله سبحانه وتعالى طيوراً أبابيل تحمل معها حجارة من سجيل قتلتهم وشتتت أشلائهم.
وقد أنزل الله عن هذه الحادثة قرآناً يتلى في سورة الفيل. قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)}.
ويعتقد أن ذلك العام هو عام مولد محمد عام 570 ميلادية، كما يعتقد بعض الباحثين أن عام الفيل كان بين 568 و 569 ميلادية.












-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق