الخميس، 5 يونيو 2014

يأجوج ومأجوج هاروت وماروت - بين القرآن والتوراة




مخطوطة فارسية من القرن السادس عشر

تصور قوم ياجوج و مأجوج و بناء ذي القرنين للسور
يأجوج ومأجوج اسم لقبائل بربرية كانت تفسد في الأرض وتعتدي على جيرانها بالقتل والسلب والنهب. وقد ورد خبرهم في القرآن الكريم في سياق قصة ذي القرنين، وهو ملك صالح مؤمن يسّر له الله أسباب المُلك والسلطان والفتح والعمران، فانطلق في حملة تهدف إلى نشر دين الله بين الأقوام الوثنية، حتى بلغ مغرب الشمس، أي أقصى حدّ في الأرض المسكونة، حيث تغرب الشمس على أفق المحيط. ثم انقلب راجعاً حتى وصل إلى أقصى شرق المسكونة، حيث تشرق الشمس من وراء بقاع مجهولة، فوجد شعباً يتكلم لغة غريبة ساكنا عند فجوة بين سلستي جبال، تتدفّق من ورائها عليهم تلك الأقوام. نقرأ في سورة الكهف:
" ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكراً. إنَّا مكنَّا له في الأرض وآتيناه من كلّ شيء سبباً (1)، فأَتْبع سبباً (2). حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة (3)، ووجد عندها قوماً. قلنا : يا ذا القرنين إما أن تُعذّب وإما أن تتّخذ فيهم حُسنا. قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربّه فيعذبه عذاباً نكراً، وأما من آمن وعمل صالحاً فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يُسراً.
" ثم أَتْبع سبباً، حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها ستراً. كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً. ثم أتبع سبباً، حتى إذا بلغ بين السدين(4) وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً. قالوا: يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض، فهل نجعل لك خَرجاً (5) على أن تجعل بيننا وبينهم سداً. قال : ما مَكنّي فيه ربي خير (6). فأعينوني بقوة (7) أجعل بينكم وبينهم ردماً. آتوني زُبَر الحديد (8). حتى إذا ساوى بين الصدفين (9) قال انفخوا. حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أُفرغ عليه قِطراً (10). فما استطاعوا أن يَظهروه (11) وما استطاعوا له نقباً. " (18 الكهف: 90–97).
ولكن يأجوج ومأجوج سوف ينقبون السدّ في آخر الزمن، ويكون خروجهم للإفساد في الأرض ثانية من علامات الساعة. وهذا ما تشير إليه بقية القصة في سورة الكهف:
" قال: هذا رحمة من ربي، فإذا جاء وعد ربي (12) جعله دكَّاء (13) وكان وعد ربي حقاً. وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض، ونُفخ في الصور فجمعناهم جمعاً، وعرضنا جهنم للكافرين عرضاً. " (18 الكهف: 98-100).
وهناك إشارة أخرى في سورة الأنبياء إلى نقب يأجوج ومأجوج للسد عند اقتراب الساعة: " حتى إذا فُتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب يَنسِلون (14) واقترب الوعد الحق، فإذا هي شاخصة أبصار الذين كفروا: يا ويلتنا قد كنا في غفلة من هذا، بل كنا ظالمين. " (21 الأنبياء: 96-97).

الرواية التوراتية :

يرد الاسم "جوج" في سفر حزقيال على أنه اسم لملك يحكم على أرض تدعى "ماجوج" أو على شعب يدعى بهذا الاسم. وهو سيقوم بغزو أرض إسرائيل قبل اليوم الأخير. ولكنه يُقتل هو وشعبه في مذبحة هائلة :
" وكان كلام الرب إليَّ قائلاً: يا ابن آدم اجعل وجهك على جوج أرض ماجوج، رئيس روش وماشك وتوبال، وتنبأ عليه وقل … هكذا قال السيد الرب. في ذلك اليوم عند سُكنى شعبي إسرائيل آمنين … تأتي من موضعك من أقاصي الشمال أنت وشعوب كثيرة معك، كلهم راكبون خيلاً، جماعة عظيمة وجيش كثير، وتصعد على شعبي إسرائيل كسحابة تغشى الأرض. في الأيام الأخيرة يكون (هذا)، وآتي بك على أرضي لكي تعرفني الأمم حين أتقدس فيك أمام أعينهم ياجوج … ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب، أن غضبي يصعد في أنفي، وفي غيرتي في نار سخطي تكلمتُ أنه في ذلك اليوم يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل والدابات التي تدب على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض. وأستدعي السيف عليه في كل جبالي، يقول السيد الرب، فيكون سيف كل واحد على أخيه، وأعاقبه بالوباء والدم، وأُمطر عليه وعلى جيشه وعلى كل الشعوب الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيمة وناراً وكبريتاً. فأتعظم وأتقدس وأُعرف في عيون أمم كثيرة فيعرفون أني أنا الرب. " (حزقيال 38: 1-23).
من مقارنة الروايتين، نلاحظ أن الرواية القرآنية قد انفردت بذكر السد الذي بني لكي يحجب يأجوج ومأجوج، ونقبهم له قبل يوم القيامة وانتشارهم للإفساد في الأرض. وتتفق الروايتان على أن خروج هذه الأقوام هو علامة من العلامات التي تسبق اليوم الأخير.
وقد ورد ذكر جوج وماجوج أيضاً في سفر الرؤيا وهو آخر أسفار العهد الجديد، باعتبارهم أقواماً مفسدين يظهرون في آخر الزمن، فيصطدمون بجيش المؤمنين ولكن الله يقضي عليهم:
" ثم متى تمت الألف سنة يُحل الشيطان من سجنه ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة (=أورشليم). فنزلت نار من عند الله من السماء وأكلتهم. وإبليس الذي كان يُضلهم طُرح في بحيرة النار والكبريت. " (الرؤيا 20: 7-10).
هاروت وماروت

الرواية القرآنية :

" ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم، نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، واتبعوا ما تتلو الشياطين على مُلك سليمان. وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا، يعلّمون الناس السحر وما أُنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت. وما يعلّمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر. فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله. ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، ولقد علموا لَمَن اشتراه ما له في الآخرة من خَلاق، ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون. " (2 البقرة: 101-102).
وقد عرضنا لتفسير هذه الآيات في معرض تقديمنا لسيرة الملك سليمان سابقاً، وقلنا أن هاروت وماروت هما ملاكان أرسلهما الله لامتحان البشر، فنزلا في أرض بابل وعاشا بين الناس فترة من الزمن كانا خلالها يعلمان الناس السحر بعد أن يبينا لكل واحد أن ما يصفونه له هو ابتلاء واختبار من الله تعالى.

الرواية التوراتية:

لا يوجد في التوراة العبرانية قصة عن نزول ملائكة إلى الأرض واختلاطهم بالبشر إلا القصة الواردة في سفر التكوين عن دخول أبناء الله، أي الملائكة، على بنات الناس بعد أن رأوا من حسنهن وجمالهن، فولدن لهم أولاداً عمالقة كان بهم ابتداء الشر على الأرض. (التكوين 6: 1-5). ولكن الأسفار غير القانونية قد توسعت في هذا الموضوع وأسهبت معتبرة أن هؤلاء الملائكة الساقطين هم الذين تحولوا إلى شياطين، وتحول كبيرهم إلى إبليس.
ولكننا نعثر في الفولكلور اليهودي على قصة هبوط ملاكين إلى الأرض أحدهما يدعى عزازيل والآخر شمهازي، وذلك ليثبتا للخالق تفوق الملائكة على الإنسان في الأخلاق وفي طاعة الله، وأن الإنسان غير جدير بالدور الذي رسمه الله له. ولكن شمهازي ما لبث أن وقع في حب امرأة تدعى الزُهرة وطلب وصالها، ولكنها تمنعت واشترطت عليه أن يطلعها على اسم الله الأعظم الخفي، ففعل ذلك. وما أن حازت على الاسم حتى استخدمت قوته في الصعود إلى السماء قبل أن تفي بوعدها لشمهازي، ولكن الله أوقفها بين أفلاك الأجرام السماوية السيارة، وحوّلها إلى الجرم المعروف بكوكب الزُهرة أو كوكب فينوس. (15)
هذه القصة اليهودية وتنويعاتها الأخرى، كانت وراء العديد من القصص التي أوردها المفسرون القدماء لإلقاء الضوء على هاروت وماروت في القصة القرآنية. ومنها هذه القصة المرفوعة لابن عباس، والتي أوردها ابن كثير في تفسيره :
" قال ابن أبي حاتم: أخبرنا أبي، أخبرنا مسلم، أخبرنا القاسم بن الفضل الحذائي، أخبرنا يزيد عن ابن عباس، أن أهل السماء الدنيا أشرفوا على أهل الأرض فرأوهم يعملون بالمعاصي. فقال الله: أنتم معي وهم في غيب عني. فقيل لهم: اختاروا منكم ثلاثة يهبطون إلى الأرض ليحكموا بين أهل الأرض، وجُعل فيهم شهوة الآدميين، فأُمروا أن لا يشربوا خمراً، ولا يقتلوا نفساً، ولا يزنوا، ولا يسجدوا لوثن. فاستقال منهم واحد فأقيل. فأُهبط اثنان إلى الأرض هما هاروت وماروت. فأتتهما امرأة من أحسن الناس، فهوياها معاً ثم أتيا منزلها فأراداها. فقالت لهما: لا، حتى تشربا خمري وتقتلا ابن جاري وتسجدا لوثني. فقالا: لا نسجد. ثم شربا من الخمر، ثم قتلا ثم سجدا. فأشرف أهل السماء عليهما. وقالت لهما: أخبراني بالكلمة التي إذا قلتماها طرتما. فأخبراها فطارت، فمُسخت جمرة وهي هذه الزهرة. وأما هما فأرسل إليهما سليمان بن داود فخيرهما بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، فاختارا عذاب الدنيا، فهما مناطان بين السماء والأرض. "
وابن كثير في تفسيره يورد هذه القصة وتنويعات عديدة عليها، ثم يعلق قائلاً :

" وقد رُويَ في هاروت وماروت عن جماعة من التابعين كمجاهد والسدي والحسن البصري وقتادة، وغيرهم، وقصّها خلق من المفسرين من المتقدمين والمتأخرين، وحاصلها راجع إلى أخبار بني إسرائيل، إذ ليس فيها حديث مرفوع صحيح متصل الإسناد إلى الصادق المصدوق المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى. وظاهر سياق القرآن إجمالٌ من غير بسط ولا إطناب. ونحن نؤمن بما ورد في القرآن على ما أراده الله تعالى. والله أعلم بحقيقة الحال. "
هذه التصورات المتأخرة عن أصل كوكب الزهرة، إنما تقوم على أرضية ميثولوجية مغرقة في القدم. فقد رأت الشعوب الساميَّة القديمة في كوكب الزهرة تجسيداً لإلهة الحب الشهواني، التي دعيت إنانا لدى السومريين، وعشتار لدى البابليين، واستارت عند الكنعانيين. وقد نقل الفينيقيون عبادة استارت إلى جزيرة قبرص، ومنها انتقلت إلى بلاد اليونان تحت اسم إفروديت، التي يقص هزيود في كتابه " أصول الآلهة " عن ولادتها من زبد البحر على شاطئ جزيرة قبرص. أما الرومان فقد دعوها فينوس، وهو الاسم الفلكي الشائع اليوم لكوكب الزهرة. كما دعاها الفرس أناهيتا، وفي فنونهم المصورة تبدو على هيئة حسناء تعزف على العود.
وعند عرب الجزيرة قبل الإسلام حمل كوكب الزهرة معاني البياض والحسن والبهجة (16)، ورأوا فيه تجسيداً لإلهتهم العُزّى على ما ترويه المصادر الخارجية(17). وقد عُرفت الزهرة بأكثر من اسم وذلك حسب ظهورها بعد غروب الشمس أو قبل شروقها، فكانوا يدعون نجمة المساء عتر (=استارت =عترتا)، أما نجمة الصبح فيدعونها العزى ويلقبونها بكوكب الحسن. (18) ولهذه الإلهة ضحى الرسول الكريم بشاة عفراء عندما كان على دين قومه، على ما يرويه ابن الكلبي في " كتاب الأصنام" (19). ولكنه بعد البعثة صار يتطير من ظهورها ويقول: لا مرحباً ولا أهلاً. فقد رُوي عن نافع قال: سافرت مع عبد بن عمر، فلما كان آخر الليل قال: يا نافع، هل طلعت الحمراء ( أي الزهرة ) ؟ وأعادها مرتين أو ثلاثاً. ثم قلت: قد طلعت. فقال: لا مرحباً ولا أهلاً. قلت سبحان الله، نجم مُسخر سميع مطيع. قال: ما قلت لك إلا ما سمعته من رسول الله. (20)
كما روى البعض عن عبد الله بن عمر أنه كلما رأى الزهرة لعنها وقال: هذه التي فتنت هاروت وماروت. (21)


الشواهد:

1 - أي يسر له الله الطرق والوسائل إلى فتح الأقاليم .
2 - أي فاتخذ طريقاً .
3 - أي ذات حمأة، وهو الطين الأسود. ولا ندري في أي مكان وقف حتى خُيل إليه ذلك .
4 - أي بين جبلين .
5 - أي خراجاً مالياً .
6 - أي ما أنعم الله به علي خير مما تبذلونه لي .
7 - أي ساعدوني بتقديم اليد العاملة .
8 - أي قطع الحديد .
9 - أي بين جانبي الجبلين .
10 - أي نحاساً مذاباً .
11 - أي يتسوروه ويعلوه .
12 - أي يوم القيامة .
13 - أي دكه وسواه بالأرض .
14 - من كل مرتفع وناحية يهرعون .
15 – K.Sandiki, Legends and Narratives of Islam, Kazi Publications , Chicago , 2000 , PP. 235 – 236 . citing , Louis Ginzbery , Legends of the Jews , III , P 247
16 - راجع تاج العروس للزبيدي ، ص 249/ج 3 ، ولسان العرب ، ص 421/ ج5 .
17 - محمد سليم الحوت : الميثولوجيا عند العرب ، دار النهار ، بيروت ، 1979 ، ص75 و 87 .
18 - نفس المرجع .
19 - ابن الكلبي : الأصنام ، تحقيق أحمد زكي ، القاهرة 1965 ، ص19 .
20 - تفسير الطبري ، ص 345/ ج1 .
21 - تفسير الطبري ، ص 346/ ج1 .






















-

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق