بوكرش محمد
الفنان مراد عبد اللاوي وثالث مرة معه في معرض جماعي، كان فحوى اللقاء معه فني تشكيلي فلسفي خالص ...من خلال تساؤلات بسيطة ومشروعة.. يعرج بك على زوايا اجتماعية وأخرى اقتصادية بمحيطه، معقدة لا تنسلخ عن اطارها الفلسفي التشكيلي الثقافي وثقافة الرداءة المكرسة وعدم فهم مهام الفنان التشكيلي وطرق سرد جماليات أعماله وتدخلاته الحركية التشكيلية بما يتماشى والمفاهيم التشكيلية العالمية عكس الأساليب المستهلكة التقليدية المتعود عليها... يختلف الفنان عبد اللاوي عن الكثير بطرق تكويناته المتحررة من اطارها التقليدي والمتحررة من الألوان المثيرة المتداولة بقوة، وكأن العمل التشكيلي محكوم عليه بأن يكون عمل للزينة (ديكوراتيف).. الفنان عبد اللاوي لا يختلف كثيرا عما عودنا عليه الفنان المرحوم الكبير محمد خده، الفرق بينهما يكمن في أن المرحوم محمد خده، عرف كيف يختزل بنية اللوحة التي عرفت بتطبيق مفهوم مقولة : الطرح بالبيان والتبيين لا يكون الا بما قل ودل.
بينما تتشعب الأمور عند الفنان عبد اللاوي بعيدا عن لغة البساطة والتزيين المجاني وذلك بتفعيل حركة هيجان، حركة غليان (تضارب وتصادم) التقاطع فيها ينتج عنه في معظم الأحيان انفجار ..وعلى عدد التقاطعات انفجارات...الشيء الذي يرغم الفنان على التعامل معنا ومع اللوحة بشضايا ما يحصل...وبالتالي وجدت الفنان عبد اللاوي مهما اختزل الأشياء وحاول فعل ذلك يبقى الفرق بينه وبين الفنان خدة شاسع جدا بفارق التراكمات ...والفارق الزمني بينهما يعيش الفنان عبد اللاوي وعمله كشاهد عيان ومترجم صادق لواقع هلامي بدون منظور..، لواقع فوضوي مزري..بمنطور تشكيلي ولوحة غريبة تعبق بالغرائبية التي يكتسيها حزن..قد يكون حزني قبل أن يكون جزن الفنان أو المتلقي الواعي الحساس...
الفنان عبد اللاوي مراد فنان واعي مثقف متميز بحضور وحس المفكر والفيلسوف الأديب..الفنان التشكيلي المحلل القادر على فك طلاسم جنون اللآخر الذي لا يريد الخير لنفسه وبالتالي لغيره. انسانية الفنان التشكيلي عبد اللاوي تركته يغرد خارج السرب، السرب الذي لن يفهم بعد بأنه عنصر أساسي في البناء والدورة العامة..وأجزم من موقعي بحكم التجربة المتواضعة ومعرفة الميدان التشكيلي وخاصة السياسي الاجتماعي والاقتصادي، أن الفنان يعيش غربة كأمثاله في ولايته وبالأحرى في وطنه.. التفاتتي له بتحليل وقراءة بعض من أوضاعنا من خلال أعماله ومداخلاته الثورية ان صح التعبير، ما هي الا التفاتة لنفسي من خلال الكثير من الفنانين الذين خسرناهم...رغم وجود بعض من أعمالهم بمتاحفنا التي أصبحت بالفعل مقابر منسية لأعمال فنية ولأسماء محترمة...مقابر ذاكرتنا الشعبية...
أذكر نفسي وتذكرني أعمال الفنان وتشكيله بأهازيج نخبة من فناني الشعب الجزائري المعبرة على مدى المعاناة والمكابدة التي عاشها الأجداد وعشنا جزءا منها جراء الظلم والتنكيل المباشر وغيره ابان الاحتلال (المستدمر الفرنسي) أذكر على سبيل المثال الفنان عيسى الجرموني، بقار حدة وعلي الخنشلي...أصحاب الحناجر وصيحات الألم المكرس بقساوة الطبيعة من جهة ومن نسيان من خولت لهم أنفسهم ذلك... بعد الاستقلال المزعوم، أي بعد مغادرة العدو الفرنسي الجزائر جسديا لتستلمنا من جديد بيدها الأخرى... الفنان عبد اللاوي يحفر بعمله التشكيلي عن قصد وبغير قصد في ذاكرتنا المهترئة لعله يعثر على رجل...لعله يعثر على انسان..لعله يعثر على جزائري مسؤول...على طريقة من فجروا ثورة نوفمبر 1954 التي طالب بها عبد العزيز بوتفليقة قبيل الانتخابات 10 ماي 2012 ممثلا أياها بها...في عهدات متتالية اتسمت بتصاعدية الخطاب بمقولاته: ارفع رأسك يا با، راني على كرسي من جمر وفي الأخير وهو يودع : طاب جنانا.. ويضيف قائلا الـ 10 من ماي 2012 هي بمثابة أول نوفمبر...هل فهم الشباب؟، هل فهم الشعب؟، هل فهمت الأحزاب؟.( المعذرة، لا أظن ذلك ).
أول نوفمبر يوم مقدس ، يوم استمر طيلة 7 سنوات وتكاليفه فاقت المليون والنصف مليون شهيد والفاهم يفهم وليس يوم سباق نحو تقاسم فتات ريع المحروقات وكراسي جمر البرلمان. لعب الفنان عبد اللاوي و أمثاله دورهم مثل ما لعب عبد العزيز بوتفليقة دوره... رجعت الجزائر لمربعها الأول أي رجعت الى ما قبل الـ 1954 وبالأحرى الى عهد من غلق المؤسسات الصناعية الكبرى التي بناها بوخروبة... علينا أن نفرق بين جبهة التحرير أيام الثورة وجبهة التخريب وغلق المؤسسات وهدم البنى التحتية البمدينية بعد السبعينيات. لوحة الفنان عبد اللاوي لا أراها تعبر عني... ولا لسان حالنا... ان لم تكن تساؤلاتها ومواضيعها بالألوان التي عرفت بها ، تثير بعض من هذه الانشغالات...انشغالات جزائرية تشكيلية أصيلة. شكرا للفنان عبد اللاوي مراد الذي كان قادرا وبعمله أن يفجر فينا حب الرجوع للذاكرة..واستخلاص الدروس من خلال نقاط ضعفنا وعجزنا. تكعيبية كتبها بوكرش محمد
محراب التشكيل....مدونة محمد بوكرش
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق