الجمعة، 25 يوليو 2014

ليوناردو دافنتشي





ليوناردو دافنتشي بريشته

ليوناردو دافنتشي كان عبقريا الى حد النبوة، حسب خصائص النبوة التي تدرس لنا. كان شخصية خرقت كل مسلمات عصره، ليس فقط بكونه مثلي جنسيا ويستخدم يده اليسرى وكسول، بل وكونه تمكن من ابداع اشياء، من عصر يسبق عصره على الرغم من ان تعليمه بسيط، فهل يعني ذلك ان الوحي والالهام هما شئ واحد؟.
بدأت القصة في عام 1498، عندما أجتمع اكبر حكماء العصر، بدعوة من الكنيسة، لبحث أهم القضايا العلمية في ذلك الوقت. حدث الاجتماع في ميلانو ، في قصر احد كبار الاغنياء، Ludvico Sforza. في منتصف الاجتماع دخل أحد ضيوف صاحب القصر الى الاجتماع، واندهش الحاضرون من جرأته. كان شخصية مجهولة، لايعمل في معهد علمي ولم يحصل على تدريس اكاديمي ولايعرف اللاتينية او الرياضيات. ولم يعرف عنه انه نشر اي مقال علمي. ومع ذلك كانوا متشوقين لسماع كلمته لانهم سمعوا انه فنان، وهؤلاء يكونوا عادة ممتعين، كما قيل لهم.


هذا الضيف كان ليوناردو دافنتشي. (Leonardo Da Vinci).
في كلمته، فأجأ الضيف المجتمعين عندما ذكر لهم انه عثر على أحياء بحرية متحجرة، في المغارات، بعيدا عن البحار. وأن هذا لابد أن يكون برهان على أن مياه البحار كانت تغطي اليابسة، في وقت ما، وان الجبال كانت في السابق قيعان للبحار. الحاضرين لم يعرفوا كيف يجب ان تكون ردة فعلهم، إذ نادرا يسمعون مثل هذا الهراء. في النهاية انطلقوا بالضحك، إذ مثل هكذا كلام لابد ان المقصود به إضحاك الناس.
ليس غريبا ان المشهور عن دافنتشي انه رجل فنون، إذ ان هذا الاجتماع العلمي كان اخر أجتماع شارك به، إذ لاأحد أخذ بكلامه العلمي على محمل الجد. كان دافنتشي غاضبا على مستوى الغباء بين " علماء" عصره، لذلك اخفى جميع افكاره العلمية في طيات اوراقه الشخصية. كان يكتب ويرسم مخطاطاته بيده اليسرى وبالعكس، بحيث ان لاأحد كان يستطيع قرائتها.
مذكراته كانت ممتلئة بالرسوم والمخططات لمكائن ضخمة وموهوبة. اليوم يعتبرون افكر دافنتشي العلمية غاية في العبقرية وافتتاحات علمية لاسابق لها. الكثير من افكاره لم تصبح حقيقة تطبيقية الا بعد 500 سنة مثل الهيليكوبتر والغواصة والمدفع الرشاش والسيارة.



ولد دافنتشي 15 ابريل عام 1452 في قرية Vinci وأوضاعه الاجتماعية لم تكن تبشر بالخير. والده، الذي كان كاتب بسيط، جعل فتاة فلاحة حامل، عندما كان عمره 25 عاما. بعد ولادة الطفل تزوجت الفتاة من شخص اخر وانتقلت معه، وتركت الطفل لوالده.
كان ليوناردو صبي جميل، طويل. غير انه منذ السنوات المبكرة ظهرت لديه عوارض التميز. كانت تصرفاته تختلف بوضوح عن تقاليد وعادات عصره، وكان يحرص على إظهار اختلافه. مثلا كان يعتز بأنه يساري اليد، على الرغم من أن ذلك كان يعتبر في عصره من عمل الشيطان، كان الطفل اليساري يُجبر على أستخدام يده اليمنى. وفي زمنه كان الرجل يمتلك لحية قصيرة، خفيفة، في حين ان ليوناردو اطلق لحيته تماما، كما سمح لشعره ان يطول، مع ان العادات تقرر ان الشعر يجب ان يكون قصير.
والاغرب انه اصبح نباتي بفضل حبه للحيوانات. كان يعتبر انه ليس من الاخلاق حبس الحيوانات في الاقفاص، وكانوا يسخرون منه عندما يشتري الطيور ليطلقها حرة.
يعتقد الخبراء ان ليوناردو كان مثليي الجنس، إذ أن الاخبار التي وصلتنا تشير الى انه، في شبابه، عندما كان عمره 24 سنة، في عام 1470، جرى اتهامه باللواط مع موديل ذكر ويعمل عاهر.
من حظ ليوناردو انه بعد شهرين اغلق التحقيق لنقص الادلة، إذ أن مثل هذه التهمة عقوبتها الموت، في العصور الوسطى.
لهذه الاسباب كان ليوناردو حذرا جدا في التحدث عن حياته الشخصية وهذا سبب اننا نعلم القليل عن حياته الشخصية التي جعلها سرية. ولكن، بعد أغلاق التحقيق، نعلم انه أمتلك علاقة طويلة مع شابين، كلاهما كانوا طلاب في ورشته.






شهرة ليوناردو كعبقري، شاعت بسرعة وأصبحت هي الغالبة على الرغم من سلوكه الشاذ. يحكى أنه عندما كان صبياً، وبعد بضعة اشهر من دراسة الرياضيات أصبح يلقي اسئلة متطورة ويضع معضلات رياضية غريبة الى درجة أن استاذه المندهش لم يعد يتمكن من الاجابة عليها. عندما كان عمره 14 عاما وضعه والده لدى صديق له كان استاذا في الرسم هو الرسام اندريا دي فوروشيوا Andrea del Verrocchio, وكان افضل رسام في فلورانسا. بعد وقت قصير ظهرت ملامح عبقرية ليوناردو. تحكى قصص، احداها تقول ان ليونارد رسم ملاك من الاتقان والجمال ان استاذه أقسم ان لايلمس القلم بعد ذلك.
بعد سنة من حادثة التحقيق بتهمة اللواط ترك ليوناردو ورشة الرسام فيروتشيوس ليؤسس ورشته الخاصة. وبسرعة حصل على زبائن من علية القوم، بما يدل على ان سمعته كانت مرتفعة.
عام 1482 سافر ليونارد الى ميلانو للالتقاء بزبون جديد وغاية في الاهمية محافظ المدينة لودفيغو سفوذا (Ludovico Sforza). استمر عمله مع هذا الزبون 17 سنة حتى دخول القوات الفرنسية التي نزعت المحافظ وبدلته.
الاحتلال الفرنسي اجبر ليوناردو على البحث عن ممولين جدد وبين هؤلاء نجد مشاهير مثل البابا ليو العاشر والغني الشهير قيصر بورغيا وملك فرنسا فرانس الاول. لقد رسم لهم لوحات باهرة وخطط لهم مكائن ثورية. احدى اكثر الامور اثارة أن ليوناردو قضى وقتا طويلا في التخطيط لماكينة حربية من أجل شخصا كان يحب السلام، وتحديدا المحافظ لودفيغو سفوذا، الذي كان يحيط به الاعداء، مما يدلل على ان تخطيطاته كانت واعية لتكون ذات فائدة عملية.




كان ليونارد غاية في الكسل ويفضل قضاء النهار حالماً. كان يأخذ من الاعمال مايغرق به ولكنه غالبا لاينفذ الا القليل. أخذ على عاتقه، مثلا، تنفيذ نصب لوالد محافظ لورانسا، لودفيغو سفورذا، ولكنه قضى سنوات في رسم الحصان، وفي النتيجة قام بعمل نموذج من الطين، للحصان وحده، استخدموه الغزاة الفرنسيين كهدف للتدريب.
لوحة " العشاء الاخير" هي نموذج اخر على كسل ليوناردو. أوصى لودفيغو على اللوحة لنصبها في الكنيسة التي سيدفن فيها، غير انها أخذت وقتا طويلا، بما فيه بسبب ان ليونارد قضى وقتا طويلا وهو يبحث عن وجه مناسب لدور يهوذا، في الضواحي الفقيرة لميلانو. وعندا أشتكى القسيس من بطء ليونارد أجابه ليونارد ساخرا أنه يملك وجها نموذجيا ليكون موديلا لدور يهوذا، وان ليوناردو سيقبل بكل ممنونية بأنهاء بحثه عن الوجه المناسب إذا وافق القسيس على ان يكون الموديل.
كان ليونارد معاصرا لرسامين عظام مثل رافيئيل وميتشيل انجلو، كما قام برسم لوحات للبابا نفسه. غير ان التقاءه بملك فرنسا غير الامور. لقد نشأت صداقة بينهم وانتقل الى خدمة ملك فرنسا، عام 1516، الذي اعطاء سكنا جانب قصره ويتصل به بنفق. بعد ثلاثة سنوات مات ليوناردو دافنتشي في خدمة ملك فرنسا، بحضور ملك فرنسا شخصيا الذي أمسك بيده مودعا. وبعد وفاته لازالت أعماله تثير الدهشة والاعجاب.

الطائرات
منذ القديم كان الطيران يثير خيال الانسان، بحيث انه ابتدع الكثير من الاساطير والقصص تارة عن كائنات على شكل الانسان لها اجنحة وتارة عن بشر طاروا بواسطة الجن او العفاريت او البراق او البساط السحري. غير ان ليوناردو كان على قناعة أن بالامكان الطيران وان السر في القدرة على تقليد الطيور. لهذا السبب تعمق في دراسة الاناطوميا والميكانيك.




درس ليونارد خصائص الهواء وتوصل الى انه بالامكان ضغط الهواء. كانت فكرته ان الهواء يملك كتلة، مما يعني ان ماكينة تملك " برغي" كبير، قادرة على رفع نفسها في الهواء، تماما مثل البرغي الذي يدخل الخشب، إذا التف حول نفسه بسرعة كافية.
لم يكن هدف دافنتشي تصميم طائرة قادرة على الطيران، وانما فقط تصميم حل لواحدة من المعضلات التكنيكية على طريق بناء طائرة قابلة للطيران، وبالذات حل معضلة شكل " البرغي" الذي سيحمل الطائرة. كيف سيتمكن ليوناردو من جعل " البرغي الدوار" يدور بسرعة كافية لرفع الطائرة، تركه دافنتشي بدون جواب، في مخططاته.

الطيران الانسيابي
على مايبدو أفترض دافنتشي ان الانسان قادر على الطيران من خلال تقليد طيران الطيور. نلاحظ انه قام بتخطيط آلة تقلد آلية طيران الطيور في أدق تفاصيلها. أجنحة الماكينة لاتتحرك الى الاعلى والاسفل فقط وانما تملك ايضا محورا اسفل يسحب الاجنحة ناحية الجسم تماما كما لدى الطيور الطائرة. كلا الجناحان مرتبطان ببعضهما عن طريق محور يصل بهما الى دعاسات يحركهم الراكب بأقدامه لينزل بهم الى الاسفل. بعد ذلك يقوم الراكب او الطيار من خلال الضغط على الدواسة الثانية. في المخطط اشار دافنتشي الى ان الريش يمكن ان يسهل العملية. وقد وصل المخطط الى درجات متقدمة ان دافنتشي كان يفكر في اختبار النموذج.

طائرة مجنحة
وضع دافنتشي مخطط هندسي دقيق يصف فيه حركة اجنحة الطائر ولكنه لم يكتب اي كلمة عن كيفية حملها لانسان.
المخطط يوضح ان كل جناح يتكون من اربعة " اصابيع" وكل منهم ينقسم الى ثلاثة اقسام ، منفصلة عن بعضها بمفاصل، وجميعها يجري تحريكها بكابلات. يتهيء للباحثين ان الاجنحة تقف على عواميد. في حين ان اقدام الطيار ستقف على حوامل حديدية مثل الدراجة. مع حركة هذه الحوامل بقوة الاقدام تتحرك الاجنحة وتحمل الانسان. يحتمل ان هذه المخططات مراحل تطوير الفكرة عند دافنتشي.


المكائن العسكرية
نابولي والامارات -المدن الايطالية كانت في حرب مع بعضها البعض. لذلك كان الكثيرين في حاجة الى اسلحة جديدة ومتطورة، لحسم المعارك. مخططات دافنتشي الاولى ترسم لنا صور غاية في الخيال الى درجة الهراء، اعتقد اهل زمانه. اليوم نعلم ان هذا " الخيال" حقيقة واقعة. ومع ذلك قدم دافنتشي مخططات واقعية لعصره، على الرغم من تفردها العبقري.




عام 1485 قدم دافنتشي مدفعه المذهل: كان ضخم، وظهره هرمي مغطى بصفائح من الاجر، ومستدير. تحت مظلته يقف اربعين مدفع، فوهتهم موجهة الى كل الاتجاهات. بهذا الشكل يمكن ان يوجه نيرانه الى جميع الاتجاهات. سقف المدفع كان مرتفعا بحيث يسمحبصعود الجنود الى طابق ثان لمراقبة ساحة المعركة وتحديد الاحداثيات. المخطط كان بسيط للغاية، إذ يتألف من قاعدة مستديرة تحركها اربعة عجلات بقوة الايدي، ويخدمها ثمانية جنود هم انفسهم الذين يخدمون المدافع.

المدفعية المتحركة
قبل المدفع السابق كان دافنتشي قد ابدع مدفع سابق له عام 1482. كان مدفع خفيف محمول على عجلتين، ولكن له 12 فوهة، يسبه اسلحة حديثة. يمكن توجيه هذا المدفع بزاوية الى الاعلى والجوانب بحيث انه كان يعتبر دقيق الاصابة. كما يمكن التقرير فيما إذا كان المدفع سيطلق الاثنى عشرة طلقة دفعة واحدة ام طلقة واحدة فقط. جميع هذه المدافع يجري تلقيمها من فتحة واحدة في الاعلى.

عربة التقطيع
لو سمح امير ميلانو ببناء الماكينة التي صممها دافنتشي لاصاب فرسان فرنسا بالرعب. كانت الماكينة عبارة عن مناجل دائرة مرتبطة بعلبة سرعة. غير ان الماكينة لم يجري انتاجها. كان هناك نموذجين للعربة، احدهم يوضع امام الحصان والثاني خلف الحصان. فارس العربة هو الذي يقود عمل الماكينة. كان يوجد العديد من السرعات والمحاور والدواليب الاضافية. والسرعة من محور العربة ينتقل الى المالكينة ويجعل المناجل تتحرك دائريا لتمزق كل من يقترب منها.

المكائن
دافنتشي قام برسم وتخطيط مكائن الطيران لانه كان مهتما بذلك، أما مكائن الحفر وتسهيل الاعمال فقد حصل على طلب لصنعها. هذه الادوات كانت للعمل في حفر القنوات وتوسيع مجاري الانهار ، والتي كانت اهم طرق المواصلات. خلال حياته في ميلانو وفلورنسا رسم دافنتشي قوارب نهرية متطورة وجسور متحركة كبيرة كما رسم مخططات مناشير تعمل على مجاري الماء ومكائن لقياس المسافات.

ماكينة لحفر الانهر
حفارة هائلة، الكيلة الواحدة منها قادرة ان تغطي شخص حتى صدره. كانت الحفارة من اجل تنظيف قناة غير قابلة للملاحة من نهر ارنو عند مدينة ميلانو. كانت الماكينة كبيرة لتتمكن من التنظيف السريع والفعال لمساحات كبيرة. تتألف الماكينة من كرانين من الخشب فوق بعضهما البعض. يستديران حول محور عامودي واحد واذرعتهما مرتبطة ببعضهما بحبل. عندما يكون الاول في حالة التعبئة يكون الثاني في حالة التفريغ. عندما تكون الكيلات فارغة يكون فيها عمال من اجل ان يعمل وزنهم كمساعد لرفع الثانية الممتلئة. تقف الماكينة في وسط القناة على اعمدة خشبية يقوم العمال بجرها للامام عند الحاجة.

الزورق العجيب
عام 1514 طلب البابا ليو العاشر من اخوه ليوناردو ميسينات غيويليانو دي ميدسي تجفيف منطقة واسعة واقعة جنوب شرق روما. يعتقد المختصين انه جرى الطلب من دافنتشي ان يخترع ماكينة قادرة على تعميق النهر ريو مورتينو بحيث لايفيض ولايغرق الاراضي المار فيها.
رسم ليوناردو مخططات مركب مزدوج ليكون مستقر وفي وسطه ناعورة متصلة بالزورقين. كان التصميم يسمح لزورق أخر بالاقتراب ليجري املاءه بالطين القادم من قعر النهر. الناعورة تتحرك بقوة الايدي.


حاسبة المسافات
ماكينة لقياس المسافات من الخشب. الهدف منها قياس المسافات بين مدن المدن-الممالك الايطالية، بطريقة غاية في البساطة. تقوم الطريقة على سحب عربة في داخلها دولاب مسنن عامودي مرتبط بمحور دواليب العربة وبدولاب مسنن افقي اخر وبه العديد من الحفر. كل حفرة يجري ملئها بشئ مثلا حصوة. كل مسافة معينة يسقط حجر في علبة تحت المسنن. عند انتهاء المسافة يجري حساب الاحجار الواقعة فنحصل على المسافة.


دراسة الجنين
بسبب شهرته ومركزه الاجتماعي والعلمي وعلاقاته بالنخبة العليا حصل ليوناردو على الحق بتشريح الجثث في المستشفيات. بذلك حصلنا على احدى اوائل المخطوطات العلمية عن وضع الاجنة في ارحام الامهات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق