الأحد، 24 فبراير 2013

قصص قصيرة جدا

عبد الرحمن سعد - السودان



عبد الرحمن سعد












فرحةٌ باكيةٌ
فرح أهل الجولان عندما سمعوا صوت الرصاص أخيرا. سنُحَرَّر، قالوا.
لم يظهر الجنود على الجبل. ذهبتْ امرأة عجوز تستكشِّف. بكتْ عندما رأتْ أن الرصاص الكثيف قد استقَّر في صدور السوريين.

عربية
كانوا يهتفون: القدس عربية، وغزة حرة.
كان (الرصاص المسكوب) عليهم يضحك على الحليب المسكوب في الجامعة العربية.
==

تلذُّذ
بعد أن مشَّطَ لحيتَه الكثة، أمرَ زوجتَه بلبسِ النقاب. وصل المكان المتفق عليه. أمرها باللعب مع ابنهما الصغير.
تمدًّد علي كرسيه الوثير، و أخذ يتلذَّذ بمشاهدة اليانعات اللاتينيات على الشاطئ بالبكيني

لُعبة
كانت تتصيَّد العربات عندما تتوقَّف عند شارة المرور. ما أن تلمح رجل الشرطة، حتى تهطع، مختبئةً في الزحمة. ما أن يذهب الشرطي حتى تعود لمواصلة شحذها.
ذات مرة، أتيتُ خصيصاً لأسألها، هي ذات السبع سنوات تقريباً: "هل تذهبين إلى المدرسة؟"
أجابتني غاضبة ً مُبَرْطمة:
"ومتى أذهب؟ أنا هنا مع والدتي."
"وماذا تفعلين بالنقود؟"
أجابتني هذه المرة وهي مرحة: "أشتري بها حلوى، و ما تبقى أمنحه لوالدتي."
==

قُبلةٌ حارةٌ

بدأت تكرهه حين بدأ في الانزواء. كان يُكثر من إغلاق الغرفة عليه. بالغرفة فقط قارورة ماء وورقة وقلم وجهاز حاسوب محمول. السهر والإرهاق ظاهران على وجهه. لم تسأله، واكتفتْ بتوبيخه من التهرُّب من الواجبات المنزلية، أحياناً.
وهي داخل العربة التي تَقِلَّهنَّ للعمل، مدَّتْ لها زميلتها بصحيفة. عند تصفُّحِها، طلبتْ وقوف العربة. هرولتْ عائدةً للمنزل. وجدتْه نائماً، أيقظتْه بقبلةٍ طويلةٍ حارة.
مدتْ له الصحيفة قائلةً: "متى تكتب ثانيةً، يا أحمد؟"
في الصفحة الداخلية:
فوز القاص أحمد الحُسيني بجائزة القصة.
وفي التفاصيل مقدار الجائزة ستة آلاف دولار أمريكي.
==

تبسم ساقط
غامتْ الدنيا في عينيها الواسعتين، حين علمتْ من الساعي الذي يعمل مع المحاضر أنها لم تنجح. خرج المحاضر من مكتبه، فوجدها ساقطة علي الأرض، أُعجب بساقيها الممتلئتين.
يوم إعلان النتيجة وتعليقها على حامل اللوحات، كانت تجلسُ بعيدةً عنها، باكيةً. جاءتْ زميلتها تزَّفُ لها خبر نجاحها، لم تُصَدِّق ولكنها فرحتْ.
من على بُعد كان المحاضر يبتسم لها في خبث.
==

شجب
سأل المسئول الكبير جداً حارسه: "ما هذا الهرج؟"
أجابه حارسه و آثار الدموع على عينيه: "إنَّ غزة قد قُصفتْ، وأهلها يُقتَّلون الآن."
صاح المسئول الكبير: "لا يمكن السكوت عليهم أكثر من هذا. أنا أشجب و أدين هذه الفعلة النكراء."
ثم أضاف و هو غاضب: "اطلب مدير المكتب."
جاء مدير المكتب مسرعاً.
قال له المسئول: "الآن، اجلب لي فطوري."
==

للخروج

خرج من عربته الفاخرة المُظلَّلة. نزل الذي كان يركب في الأمام بخفة النمر، ليقف بجانبه.
عدَّل من ربطة عنقه ثم أسرع نحو البوابة. كان مكتوبا عليها "للخروج فقط".
أوقفه الحارس بتهذيبٍ جم. أوضح له أن البوابة للخروج فقط.
صاح فيه: "ألا تعرفني؟"
وقبل أن يجيب الحارس، ظهر مدير المؤسسة جارياً و ملوِّحاً بيده:
"مرحباً بسعادةِ الوزير. تفضَّل. تفضَّل."
اندهش الحارس وسأل مديره: "أليست البوابة للخروج يا سيدي؟"
أجابه المدير بكل هدوء: "نعم، وإنَّ من عليه الخروج الآن هو أنت."


السبت، 23 فبراير 2013

اﻟﺨﻔﺎﻓﯿﺶ اﻟﺘﻲ ﺗﻈهر وﺗﺨﺘﻔﻲ/ﻋﻠﻲ ﺑﺨﺘﺎوي



اﻟﺠﻮ ﻣﺴﺘﻓﺰ . اﻷﻣﺮ ﺻﻌﺐ . و ھﻮاء ھﺬا اﻟﺒﻠﺪ ﺣﺎر . ﺷﻲء ﻣﺎ ﻳﺪب ﻛﺎﻟﻨﻤﻞ ﻓﻲ أﻋﻤﺎﻗﻪ  ﻳﺤﺎول أن ﻳﻜﺸﻄﻪ  ﻳﺒﻌﺪه  ﻳﺤﻤﻲ ﻣﺎﺗﺒﻘﻰ ﻣﻦ ذﻟﻚ اﻟﺨﺪر اﻟﺬي ﺑﺪأ ﻳﺴﺘﻌﺬﺑﻪ . إن ﻣﺎل ﻟﯿﻨﺎم ﻋﻠﻰ ﺟﺎﻧﺒﻪ اﻷﻳﻤﻦ ﺗﻌﺬر ﻋﻠﯿﻪ ﺳﻤﺎع ﻣﺎﻳﺠﺮي ﻓﻲ اﻟﺨﻼء . وإن ﺗﻤﺪد ﻋﻠﻰ ﺷﻤﺎﻟﻪ
ﺗﻮﺟﻌﻪ اﻟﺜﺂﻟﯿﻞ اﻟﺘﻲ ﺣّﯿﺮت أﻛﺜﺮ ﻣﻦ طﺒﯿﺐ . ﺟﺎھﺪ ﻋﻠﻰ ﻣﺮات ﻣﺘﻼﺣﻘﺔ ﻛﻲ ﻳﻐﻔﻮ وﻟﻮ ﺳﺎﻋﺔ . ﺳﺎﻋﺘﺎن . ﺛﻼﺛﺔ . ﻟﻜﻦ ھﯿهات . رﺑﻤﺎ ﻳﺤﺪث ذﻟﻚ ﻓﻲ اﻟﻐﺪ . أﻣﺎ اﻵن . ﻓﻘﻄﻌﺎ ﻻ . ﺳّﻮى ﻣﻦ ﻋﻤﺎﻣﺘﻪ . ﺑﻌﺪﻣﺎ اﻗﺘﻌﺪ ﻣﺮﺗﻜﺰا ﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻪ . ﻣﻊ أن اﻟﺠﻮ ﺑﺪأ ﻳﻤﯿﻞ اﻟﻰ اﻟﺒﺮودة ﻧﺄى ﺑﺎﻟﺒﻄﺎﻧﯿﺔ ﻣﻦ ﺻﺪره اﻟﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ . ھﺬه اﻟﻠﯿﻠﺔ ﻻ ﺗﺸﺒﻪ اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﻛﺮت . ﻗﺎﺗﻠﺔ . ﻣﺘﻌﺒﺔ . ﻗﺎﺗﻤﺔ وﻏﺎﻣﻀﺔ ﺑﺰﻣﻨها اﻟﺒﻄﻲء . ﻧﺎدى ﻋﻠﻰ ﺧﯿﺮة . ﺗﺒﺎطﺄت ﻓﻲ اﻟﻤﺠﻲء . ھﻞ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﻀﻊ اﻟﻌﺸﺎء ﻟﻺﺑﻦ ﻣﻌﻤﺮ . ؟ . رﺑﻤﺎ . ﻟﻜﻦ وﺿﻌها  ھﺬه اﻷﻳﺎم ﻻ ﻳﻌﺠﺒﻪ . ﺑﻌﺾ اﻟﻨﺴﺎء ﺣﯿﻦ ﻳﻄﺒﻌﻦ ﻋﻼﻣﺔ اﺳﺘﻔهام ﻋﻠﻰ اﻟﻘﻠﺐ ﻳﺸﻌﺮ اﻟﻮاﺣﺪ ﻣﻌهن أﻧﻪ ﻏﺮﻳﺐ . ﻣﺸﻮش . ﻣﻜهرب . أﻻ ﻣﻦ ﺻﺎﺣﺐ .؟ ﻣﻦ ﺣﻜﻤﺔ ﺗﺮﺷﺪه .؟ ﻣﻦ ﻟﺴﺎن ﻋﺬب اﻟﺤﺪﻳﺚ .؟ ﻣﻦ ﺷﻲء ﻳﺮﻓﻌﻪ ﺑﻌﯿﺪا ﻋﻦ ھﺬه اﻷﻓﻜﺎر واﻟﺘﺒﺎرﻳﺢ .؟. ﻟﻘﺪ ﻣﺮ اﻟﻜﺜﯿﺮ ﻣﻦ ﻋﻤﺮه . اﻟﺤﯿﺎة ﻏﻔﻠﺔ . ﻏﻔﻮة ﻓﻲ ﻗﻄﺎر اﻟﺰﻣﻦ . ﻛﻞ ﻋﺠﻼت ﻗﻄﺎره ﻻﺣﻘها اﻟﺼﺪأ . ﻣﺎذا ﻳﻨﺘﻈﺮ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻓﺎت . ﻳهمس ﻓﻲ ﻣﺴﻤﻌها ﻗﺒﯿﻞ أن ﻳﻀﻊ ﻋﻠﺒﺔ اﻟﺸﻤﺔ ﺗﺤﺖ وﺳﺎدﺗﻪ
وﻳﻨﺰع اﻟﺼﺪرﻳﺔ ﻟﯿﺘﻤﺪد وﻳﻨﺎم . ( ﷲ ﻳﺴﺘﺮ . اﻟﻮﻗﺖ ﺷﯿﺎن ﻳﺎﺧﯿﺮة ) . ﺗﺘﺮك ﻛﻠﻤﺎﺗﻪ ﺗﺪﻟﻒ اﻟﻰ ﻣﺴﻤﻌها دون ﻣﺤﺎوﻟﺔ ﻣﻨها ﻹدراك اﻟﺴﺒﺐ اﻟﺬي دﻓﻌﻪ ﻛﻲ ﻳﺄﺗﻲ ﺑﻤﺜﻞ ھﺬا اﻟﻜﻼم . ﻋﺎدﺗها ﻣﻌﻪ . ﻻ ﺗﺮﻳﺪ أن ﺗﻘﻠﺐ رأﺳﻪ ﺑﺎﻟﺘﻔﺎﺻﯿﻞ . ﺑﯿﻨهما اﻟﻤﻠﺢ . اﻟﻌﺸﺮة . اﻟﺜﻘﺔ 
اﻟﻠﯿﺎﻟﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﺴهر ﻓﯿها ھﻲ أو ھﻮ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح ﺣﯿﻦ ﺗﻤﺘﺪ ﻳﺪ اﻟﺒﻠﯿﺔ ﻓﺘﻤﺘﺤﻦ واﺣﺪا ﻣﻨهما . ﺗﺰوﺟها وھﻲ ﻓﻲ ﺳﻦ اﻟﺮاﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ . ذاﻗﺎ ﻣﻌﺎ اﻟﺤﻠﻮ واﻟﻤﺮ . إذا ﻏﺎب ﻓﻲ ﻣهمة ﺧﺎرج اﻟﻀﯿﻌﺔ . ﻳﺮﺟﻊ اﻟﯿها اﻷﻣﺮ ﻛﻠﻪ . ﺣﺘﻰ أن ﻳﻮﻣﺎ ﻗﺼﺪھﺎ اﻟﻤﺎﺣﻲ ﺳﺎﺋﻖ اﻟﻤﯿﺮ ﻛﻲﻳﺄﺧﺬ اﻟﻌﺠﻞ ﻣﻦ إﺻﻄﺒﻠها ﻟﯿﻠﻘﺢ اﻟﺒﻘﺮات اﻟﺜﻼث ﻓﻤﺎ ردﺗﻪ . ﺑﻞ ﻗﺎﻟﺖ ﻟﻪ ﻳﻮم ﻳﻜﺮﻣﻚ ﷲ ﺑﻌﺠﻞ ﺣﺎول أن ﺗﺨﺒﺮﻧﺎ ﻛﻲ ﻧﻀﻊ ﻟﻪ اﻟﺤﻨﺔ ﻓﻲ ﻧﺎﺻﯿﺘﻪ . ﻳﻘﺼﺪھﺎ ﻛﻞ اﻟﺠﯿﺮان . ﺗﻘﻀﻲ ﻟهم ﻣﺎﻳﺴﺄﻟﻮن . ﻣﻦ ﻗﻄﻊ اﻟﺴّﺮة اﻟﻰ ﻏﺰل اﻟﺼﻮف اﻟﻰ ﻓﺘﻞ اﻟﻜﺴﻜﺲ ﻓﻲ اﻷﻋﯿﺎد واﻟﻤﻨﺎﺳﺒﺎت . ﻣﺮة واﺣﺪة ﻛﺎﻧﺖ ﺧﺸﻨﺔ . رﻛﺒﺖ رأﺳها. ﻧﻈﺮت اﻟﻰ اﻟﺪﻧﯿﺎ ﺑﺎﻟﻤﻘﻠﻮب . وﻟﻮ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ زوﺟها ﺣﺎﺿﺮا ﻓﻲ ذﻟﻚ اﻟﯿﻮم وھﻮ ﻳﻐﺴﻞ ﺣﺼﺎﻧﻪ اﻷﺳﻮد اﻟﻔﺎﻗﻊ اﻟﻠﻮن
ﻟﻜﺎﻧﺖ اﻟﻀﯿﻌﺔ ﻣﺸﺘﻌﻠﺔ ﻣﻦ أول ﺑﯿﺖ طﯿﻨﻲ اﻟﻰ آﺧﺮه . ﻓﺒﯿﻨﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺳﺮﺣﺖ ﻏﻨﻤها ﻛﻲ ﺗﺮﻋﻰ ﺑﺎﻟﻘﺮب ﻣﻦ ﺑﯿﺘها ﻓﺈذا ﺑﺄﺣﺪ اﻟﺠﯿﺮان أطﻠﻖ ﺟﻨﻮن اﻟﺴﺮﻋﺔ ﻟﺠّﺮاره ﻓﺎﺻﻄﺪم ﺑﺸﺎةَ ﻗُﺮب وﺿﻊ ﺣﻤﻠها. ﻓﻘﺪت رزاﻧﺘها. ﻻﺣﻘﺘﻪ ﺑﻌﻤﻮدھﺎ اﻟﺬي ﻛﺎﻧﺖ ﺗهش ﺑﻪ ﻋﻠﻰ ﻏﻨﻤها.
ﺻﺎﺣﺐ اﻟﺠﺮار ﻟﻢ ﻳهرب . ﻳﺴﺘﺴﻤﺤها ﻛﺎن . ﺻﺮح ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ اﻗﺮب اﻟﻰ اﻟﺒﻜﺎء أﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﻋﺠﻞ . ﻓﺈﻣﺮأﺗﻪ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﺮاش ﻣﺮﻳﻀﺔ ﻣﻨﺬ ﻳﻮﻣﯿ وﻻﺑﺪ أن ﻳﺮى اﻷﻣﺮ ﺑﻨﻔﺴﻪ ﺑﺪل وﻟﺪه اﻟﺬي أﺧﺒﺮه ﺑﻜﻼم ﻣﺘﺪاﺧﻞ . ﻟﻢ ﺗﻌﻄﻒ . ﻟﻢ ﺗﻠﻦ . ﺧﺸﻨﺔ وﻋﻨﯿﺪة ﻛﺤﺠﺮ اﻟّﺼﻮان اﻟﺬي وﺿﻌﺖ ﻋﺪدا ﻣﻨﻪ ﺑﺠﺎﻧﺐ اﻟﺒﺎب ﻟﺘﺴﻦ ﻋﻠﯿﻪ اﻟﺨﻨﺠﺮ او ﺗﺠﻠﺲ ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺎءات اﻟﻌﺬﺑﺔ اﻟﺠﻤﯿﻠﺔ . ﺣﯿﻦ ﻓﺸﻞ ﻓﻲ إﻗﻨﺎﻋها  ﻛﺎن زوﺟها وراء ظهرھﺎ .ﻟﻄﻢ ﺧﺪھﺎ ﺑﺼﻔﻌﺔ ﺣﺘﻰ دارت اﻟﻰ اﻟﺠهة اﻷﺧﺮى . ( ﻋﻨﺪﻣﺎ أﻛﻮن ھﻨﺎ ﻓﺎﻷﻣﺮ ﻳﻌﻮد ﻣﻦ أﺳﺎﺳﻪ إﻟﻲ ) . ﻟﯿﻠﺘها ﺑﻜﺖ . ﺷﻜﺖ زوﺟها ﻓﻲ ﻧﻔﺴها اﻟﻰ اﻟﻮﻟﻲ اﻟﺼﺎﻟﺢ ﺳﻲ ﺣﻤﺪ . ﻟﻢ ﺗﻨﻢ ﺣﺬاءه . ﻧﺄت ﻗﺪر ﻣﺘﺮﻳﻦ وﻧﺎﻣﺖ . ﻓﻲ اﻟﺤﻘﯿﻘﺔ ﻟﻢ ﺗﻨﻢ . اﻧﺘﻈﺮت  ﺗﺤﻠﻢ ﻟﻮ أﻧﻪ ﻳﺒﺎﻏﺘها ﺑﺘﻤﺴﯿﺪة أو ھﻤﺴﺔ أو أي ﺷﻲء ﻳﺼﺐ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻪ . أﻟﯿﺲ زوﺟها.؟. أﻟﻢ ﻳﺴﺒﺢ ﻛﻞ ﻣﻨهما ﻓﻲ اﻟﺤﻠﻮ واﻟﻤﺮ .؟. وﺿﻌﺖ راﺣﺘها ﺗﺤﺖ رأﺳها وﻏﻄﺖ ﺟﻤﯿﻊ أﻋﻀﺎء ﺟﺴﺪھﺎ إﻻ ﻣﻔﺮق ﺷﻌﺮھﺎ اﻟﺬي ﺗﺮﻛﺘﻪ ﺳﺎﻓﺮا ﺗﻠﻚ اﻟﻠﯿﻠﺔ . ﻳﺠﻨﻨﻪ ﺷﻌﺮھﺎ اﻷﺳﻮد اﻟﻔﺎﺣﻢ ﺧﺎﺻﺔ اذا ﻛﺎن ﻣﺮﻣﯿﺎ ﻋﻠﻰ
اﻟﻜﺘﻔﯿﻦ ﻛﺠﻨﺎﺣﻲ ﻏﺮاب . " ﻟﻦ أدﻧﻮ . ﺳﺄﺗﺮﻛها ﺗﺤﺎور ﻧﻔﺴها . اﻟﻤﺮأة ﺣﯿﻦ ﻻ ﺗﺒﺎﻟﻲ ﺑها ﺗﺮﺟﻊ ھﻲ ﺗﺒﺎﻟﻲ ﺑﻚ أﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﺳﺒﻖ . اذا ﺳﺒﻘﺖ ظﻠﻚ ﺳﯿﺒﻘﻰ ﻋﻠﻰ اﻟﺪرب ﺧﻠﻒ ظهرك وﺧﯿﺮة ﻣﺜﻞ ظﻠﻲ ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻓﻲ ھﺬه اﻟﻠﺤﻈﺎت . " . ﻳﻤﯿﻨﺎ . ﺷﻤﺎﻻ . ﺗﺤﺮﻛﺖ . طﺮطﻘﺖ
ﻋﻈﺎم رﺟﻠﯿها ﺣﺘﻰ ﺗﻨﺒهه ﻋﻠﻰ أﻧها ﻣﺴﺘﯿﻘﻈﺔ . ﻣﺘﻮددة . ﻣﺘﺴﺎﻣﺤﺔ و ﻟﻮ ﺑﺪﻻل ﺧﻔﻲ . ﻟﻢ ﻳﺴﺘﺠﺐ . ﻟﻘﺪ ﺧﺮج ﻗﺒﻞ ﻗﻠﯿﻞ ودﻟﻖ ﻗﻄﺮات ﺑﺎردة ﻣﻦ اﻟﻤﺎء ﻋﻠﻰ ﻋﻀﻮه . ﻛﺎن ﻳﺰﺑﺪ . ﻳﺮﺗﻔﻊ وﻳﻨﺨﻔﺾ . ﻟﻢ ﻳﺠﺪ وﺳﯿﻠﺔ ﻟﺘهدﺋﺘﻪ ﺳﻮى اﻟﻤﺎء . ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻟﻢ ﺗﻔﻠﺢ ﺟﻤﯿﻊ طﺮﻗهاوﺣﯿﻠها ﻧﺎﻣﺖ . ھﻮ ﻛﺬﻟﻚ رﻣﻰ ﺑﻘﺒﻀﺔ ﻣﻦ أﺻﺒﻌﯿﻪ ﻣﻘﺪارا ﻣﻌﺘﺒﺮاﻣﻦ اﻟﺸﻤﺔ ﺗﺤﺖ ﻟﺴﺎﻧﻪ وﺗﺮك اﻟﻮﺳﻦ ﻳﺮاود ﺟﻔﻨﯿﻪ . ﺗﻠﻚ ﻟﺤﯿﻈﺎت وﻟﺖ . ﻣّﺮت .
أﺗﻠﻔها  اﻟﻨﺴﯿﺎن اﻟﻰ ﺟهة ﻣﺎ. ﻟﻜﻨها اﻵن ﺗﺄﺧﺮت . ﻣﺎﺑﺎﻟﻪ ﻳﻨﻈﺮ اﻟﻰ ﺟﺎﻧﺒﯿﻪ . اﻟﺸﻤﺔ ﺗﺤﺖ وﺳﺎدﺗﻪ . اﻟﻤﺼﺒﺎح ﺑﺒﻄﺎرﻳﺘﻪ اﻟﺬي اﻋﺘﺎد ان ﻳﻤﻮﺿﻌﻪ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺎﻧﻪ . ﻋﺼﺎ اﻟﺰﺑﻮج ﻣﺴﺎﻓﺔ ﺷﺒﺮﻳﻦ ﻣﻦ ﻳﺪه . ﺧﻨﺠﺮه اﻟﺬي اورﺛﻪ ﻋﻦ ﺟﺪه ﺑﻮﻣﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﻏﻤﺪه .داﺧﻞ اﻟﺼﺪرﻳﺔ اﻟﺘﻲ ﻧﺰﻋها  وﺛﻨﺎھﺎ ووﺿﻌهاﻋﻠﻰ ﻛﺮﺳﻲ اﻟﺨﺸﺐ . اذن ھﻨﺎك ﺷﻲء ﻣﺎ ﻳﺮﻳﺪه . رﺑﻤﺎ ﻧﺴﯿﻪ . ﻋﻠﻰ ﻏﯿﺮ ﻋﺎدﺗﻪ ھﺬه اﻷﻳﺎم .
- ﺧﯿﺮة . ﻳﺎﺧﯿﺮة . وﻳﻨﻚ ..؟
- ﻣﺎذا ھﻨﺎك ..؟
- ﺗﺄﺧﺮت
- اﻟﺼﺤﻮن اﺧﺮﺗﻨﻲ . طﺒﯿﻌﺘﻲ ﻻ ﺗﺴﻤﺢ ان أﺗﺮﻛﮫﺎ ﺣﺘﻰ اﻟﺼﺒﺎح
- ھﻞ أﻏﻠﻘﺖ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺎرﺟﻲ ﻟﻠﺤﻮش ..؟
- أﻏﻠﻘﺘﻪ
- وﻣﻌﻤﺮ .؟
- ﻟﻢ ﻳﺄت ﺑﻌﺪ
- وددت اﻟﻨهوض ﻟﻜﻨﻲ ﺗﻘﺎﻋﺴﺖ .

ﻗﺒﻞ أن ﻳﻜﻤﻞ اﻟﻜﻠﻤﺘﯿﻦ اﻷﺧﯿﺮﺗﯿﻦ ﻛﺎﻧﺖ ﻏﺎدرت . من  ﺷﻔﺘﯿﻪ . ھﻤهم ﺑﻜﻠﻤﺎت ﻏﺎﻣﻀﺔ . ﺗﻤﺪد . واﺿﻌﺎ ﻳﺪﻳﻪ ﺗﺤﺖ رأﺳﻪ .. اﻟﻜﻼب ﻓﻲ
ﺳﻼﺳﻠها ﺧﺎرج اﻟﺒﯿﺖ ﻳﺰداد ﻧﺒﺎﺣهﺎ ﺣﯿﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺣﯿﻦ . اﻟﻈﻼم إزدادت ﻗﺘﺎﻣﺘﻪ . اﻟﺼﻘﯿﻊ ﺑﺪأ ﻳﺸﻨﻖ رؤوس اﻟﺰھﺮ واﻷﻋﺸﺎب اﻟﺤﺪﻳﺜﺔ اﻟﻨﻤﻮ .اﻷﺷﺠﺎر ﻛﺬﻟﻚ ﺗﺠﺎوﺑﺖ ﻣﻊ اﻟﺮﻳﺢ ﻓﺄﻋﻄﺖ ﺻﻮﺗﺎ ﺣﺰﻳﻨﺎ . ﺧﯿﺮة ﻓﻲ اﻟﻤﻄﺒﺦ . ﺗﻠﻘﻲ ﻧﻈﺮة أﺧﯿﺮة ﻋﻠﻰ اﻷواﻧﻲ . "ﻟﻢ أﻧﺲ ﻣﺎﻋﻮﻧﺎ . ﻏﺴﻠﺖﻛﻞ ﺷﻲء . آه . اﺳﺘﻐﻔﺮ ﷲ . " . ﺷﻌﺮت ﺑﺘﻌﺐ ﻳهﺪ  أوﺻﺎﻟهﺎ إرﺗﺨﺖ . ﻟﻤﺎذا ﻻ ﻳﺘﺰوج ﻣﻌﻤﺮ . ﻋﻠﻰ اﻷﻗﻞ ﻛﻨﺘهﺎ ﺗﺮﻳﺤهﺎ ﻣﻦ ﺣﻜﺎﻳﺔ اﻟﻤﻄﺒﺦ ھﺬه . " ﺳﺄﻟﻘﻲ ھﺬا اﻟﻜﻼم ﻓﻲ أذن ﺳﻠﯿﻤﺎن . أﻛﯿﺪ ﻻ ﻳﻤﺎﻧﻊ . ﺳﯿﻔﺮح . ﻟﻜﻦ ھﻞ ﻳﺮﺿﻰ ﻣﻌﻤﺮ ﺑﺎﻟﺰواج . . ؟.
" طﻖ . طﻖ . طﻖ ..طﻖ ..؟ ".. ﻳﺎﻟﻄﯿﻒ ﻣﺎذا ھﻨﺎك " . أﻟﻘﺖ ﻛﻠﻤﺎﺗﮫﺎ ﻓﻲ اﻟهواء و ارﺗﻌﺪت . ﺷﻌﺮت ﺑﺨﻮف وﺿﻌﻒ وأﺷﯿﺎء ﻣﺠهوﻟﺔ رﻛﺒﺖ
ﻛﯿﺎﻧها . وّدت ﻗﺒﻞ ﻗﻠﯿﻞ إﻏﻼق ﺑﺎب اﻟﻤﻄﺒﺦ ﻓﺘﺮاﺟﻌﺖ . ﻣّﺪت رأﺳﮫﺎ اﻟﻰ اﻷﻣﺎم . رﻣﺖ ﻧﻈﺮھﺎ ﻓﻲ اﻟﻐﺴﻖ ﻓﺮﺟﻊ ﻣﺤﺴﻮرا وھﻮ ﻛﻈﯿﻢ .
اﺻﻐﺖ . ﻟﻌﻞ وﻋﺴﻰ . " ﺳﺄذھﺐ اﻟﻰ ﺳﻠﯿﻤﺎن . أﺗﺤﺮى اﻷﻣﺮ ﻣﻦ ھﻨﺎك . ھﻞ ﻳﻜﻮن ﻗﺪ ﺧﺮج .؟ " . دﻧﺖ ﺧﻄﻮﺗﯿﻦ ﺛﻢ ﺗﺮاﺟﻌﺖ ﺣﯿﻦ
إﺷﺘﺪت اﻟﻀﺮﺑﺎت ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺸﺒﻲ ﻟﻠﺤﻮش . " ﻣﻌﻤﺮ ﻟﻢ ﻳﺘﻌﻮد طﺮق اﻟﺒﺎب ﺑﮫﺬا اﻟﺸﻜﻞ . اذن . ﻣﻦ ﻋﻠﻰ اﻟﺒﺎب .؟
ﺗﺴﻤﺮت ﻗﻠﯿﻼ ﻓﻲ ﻋﺮﺻﺔ اﻟﻤﻄﺒﺦ . ﺑﻌﺪ ﻗﻠﯿﻞ اذا ﺳﻤﺢ ﷲ وﻟﻢ ﻳﺤﺪث ﺷﻲء ﺳﺘﺸﺮح ﻣﺎﺟﺮى ﻟﺴﻠﯿﻤﺎن . . ﺿﺮﺑﺔ ﻗﻮﻳﺔ وﻳﻨﻘﺴﻢ اﻟﺒﺎب اﻟﺨﺸﺒﻲ . ارﺗﺠﺖ . ﺗﻌﺜﺮ رﺟﻠﮫﺎ ﺑﻜﯿﺲ ﺑﻼﺳﺘﯿﻜﻲ ﻓﺴﻘﻄﺖ " ﻳﺎﺳﻲ ﺣﻤﺪ وﻳﻦ راك . ﻳﺎﻟﺼﻼّح وﻳﻨﻜﻢ ..؟. ﺑﻌﺒﺎءة ﻣﺘﮫﺪﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﻮاﻣها
ارﺗﻤﺖ وراء زوﺟها . طﺒﻌﺎ ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻛﺎن ﻛﺬﻟﻚ ﻳﺼﻄﻔﻖ . ﻳﺮﺗﺠﻒ . ورﺑﻤﺎ ﺗﺴﺎءل و ﻧﺎدى ﺳﻲ ﺣﻤﺪ ﻣﺮات ﻣﺘﺘﺎﻟﯿﺔ . ﻟﻜﻨﻪ ﻛﺎن ﻳﻘﻒ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ . اﻟﻠﻌﻨﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺜﺂﻟﯿﻞ . " ﻟﻮﻻ اﻟﻤﺮض ﻛﻨﺖ ﻗﻔﺰت ﻧﺎھﻀﺎ " .
- أﻧﺎ ﺧﺎﺋﻔﺔ ﻳﺎﺳﻠﯿﻤﺎن
- ھﺬه ﻟﯿﻠﺘهم. أﻋﺮف ذﻟﻚ . اﺳﻤﻌﻲ .
- ﻧﻌﻢ . " ﻗﻮل ﺑﺮك "
- اﻟﺘﺰﻣﻲ اﻟﺼﻤﺖ ودﻋﯿﻨﻲ أﺗﺼﺮف . ھﻞ ﻓهمت .؟
- فهمت. فهمت. ﻳﺎﺳﻲ ﺳﻠﯿﻤﺎن
ﺑﺼﻌﻮﺑﺔ . وﻋﻠﻰ ﻳﺪﻳﻦ ﻣﺮﺗﺠﻔﺘﯿﻦ ﻣﺮﺗﻜﺰﺗﯿﻦ ﻋﻠﻰ رﻛﺒﺘﯿﻪ نهض ﻓﻲ إﻧﺤﻨﺎءة اﻟﻤﺮﻳﺾ . ﻋﯿﻨﺎه ﺗﺒﺤﻠﻘﺎن ﻓﻲ اﻟﻤﻮﺿﻊ اﻟﺬي ﺳﻤﻊ ﻣﻨﻪ
اﻟَﻄﺮﻗﺎت واﻟﻀﺮﺑﺔ اﻟﻘﻮﻳﺔ اﻷﺧﯿﺮة . ﻣﺎ إن ﺗﺮك ﻣﺴﻤﻌﻪ ﻳﺠﺬب أﻣﺮا ﻣﺎ ﻣﻦ ﺧﺎرج اﻟﻐﺮﻓﺔ ﺣﺘﻰ وﺟﺪ ﻧﻔﺴﻪ أﻣﺎم ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻠﺜﻤﯿﻦ . رﻗﺼﺖ ردﻓﺎه . ﻣﻊ أن أﻟﻢ اﻟﺜﺂﻟﯿﻞ ﻻزﻣﻪ وﻗﺘﺎ طﻮﻳﻼ ﻟﻢ ﻳﺸﻌﺮ ﺑﺸﻲء .
- أﻧﺖ ﺳﻠﯿﻤﺎن .؟
- أﻧﺎ ﺳﻠﯿﻤﺎن .
- ھﺬه زوﺟﺘﻚ.؟
- ھﺬه زوﺟﺘﻲ .
- أﻳﻦ ﻣﻌﻤﺮ .؟
- ﻻ أدري . ﺧﺮج ﻣﻨﺬ ﻣﺪة وﻟﻢ ﻳﻌﺪ
- ﻛﺬاب
- وأﻧِﺖ . ﻻ ﺗﺪرﻳﻦ أﻳﻦ ﻣﻌﻤﺮ .؟
- ﻻ . ﻻ أدري .
ﻓﻲ ﻣﺸﯿﺔ اﻣﺒﺮاطﻮرﻳﺔ . ﻣﺎﻋﺪا دﻟﯿﻠهم اﻟﺬي ﻳﻘﻔﺰ ھﻨﺎ وھﻨﺎك . ﻳﺸﻤﺸﻢ ﻋﻦ ﺷﻲء ﻣﺎ . ﻗﻠﺐ ﺧﺰاﻧﺔ اﻟﻤﻼﺑﺲ . ﺑﻌﺜﺮ ﻣﺤﺘﻮاھﺎ . ﺗﻮﻗﻔﺖ
ﻋﯿﻨﺎه ﻋﻨﺪ ﺣﺎﻓﻈﺔ ﻧﻘﻮد ﺟﻠﺪﻳﺔ ﺗﺂﻛﻠﺖ ﺣﻮاﺷﯿها. ﺳﺄل :
- أﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﻟﺪﻳﻜﻢ ﺑﻌﺾ اﻟﻤﺎل.؟
ﻗﻔﺰت ﻧﻈﺮة ﻣﻦ ﺧﯿﺮة اﻟﻰ ﻋﯿﻨﻲ ﺳﻠﯿﻤﺎن . ﻏﻤﺰھﺎ ھﺬا اﻷﺧﯿﺮ ﺑﻄﺮف ﻋﯿﻨﻪ اﻟﯿﺴﺮى . ﺟﺎءت اﻟﻠﻜﻤﺔ اﻷوﻟﻰ ﻋﻠﻰ ﻗﻔﺎه . ﺳﻘﻂ ﻣﺘﻌﺜﺮاﻓﻲ ﻋﺒﺎءة اﻟﻨﻮم . ﻟﻌﻨﻪ ﻓﻲ ﺧﻠﺪه . ﻓﻜﺮ أن ﻳهجم ﻋﻠﯿﻪ ﻓﻮﻗﻒ ظﻞ ﻣﻌﻤﺮ ﻓﻲ اﻟﻮﺳﻂ ." ﻟﻮ ﺣﺪث وﺿﺮﺑﺘﻪ ﺳﺄﻓﺘﻘﺪ ﻣﻌﻤﺮ " . ﺟﺎش ﻓﻲ ﻋﻤﻖ ﺧﯿﺮة اﻹﻗﺪام ﻋﻠﯿﻪ ﺑﻐﺮز أظﺎﻓﺮھﺎ ﻓﻲ وﺟهه .ﺗﺼﺎﻟﺐ رأﻳﮫﺎ ﺑﺮأي ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻓﻲ اﻟﻐﯿﺐ . ﻣﻊ ذﻟﻚ ﺳﺮﻗﺖ ﻧﻈﺮة اﻟﻰ اﻟﻌﺼﺎ اﻟﺘﻲ ﺣﺬاء رﺟﻠﮫﺎ . ﺗﺮاﺟﻌﺖ اﻟﻰ اﻟﻮراء ﻗﻠﯿﻼ . ﻻﻣﺴﺖ اﻟﻌﺼﺎ ﺑﻜﻌﺒﮫﺎ . ﺧﺸﻨﺔ وﺑﺎردة ﻛﺎﻧﺖ .
- ھﻞ ﺗﺼﻠﻲ..؟ " ﺳﺄﻟﻪ وھﻮ ﻳﻤﯿﻂ اﻟﻠﺜﺎم ﻋﻦ ﻟﺤﯿﺔ ﻛﺜﺔ ﻧﺘﻨﺔ "
- ﻧﻌﻢ أﺻﻠﻲ
- ھﻞ إﻧﺘﺨﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻟﺠﺒهة.؟
- اي ﺟﺒهة؟
دار وﺟهه ﺟهة زوﺟﺘﻪ إﺛﺮ ﺻﻔﻌﺔ ﺣﺎرة ﻗﻮﻳﺔ ﺗﻠﻘﺎھﺎ ﺑﻐﺘﺔ .
- ﻣﺎﺗﻀﺮﺑﻮش . أﺣﺸﻢ ﻋﻠﻰ أﺻﻠﻚ ﺷﻮﻳﺔ
اﻷرﺑﻌﺔ اﻵﺧﺮون ﻛﺎﻧﻮا ﻓﻲ ﻗﻤﺼﺎﻧهم اﻻﻓﻐﺎﻧﯿﺔ . أﻧﻔﺎﺳهم ﺗﻐﺪو وﺗﺮوح ﺗﺤﺖ راﺋﺤﺔ اﻟﻌﻄﺮ اﻟﻨﻔﺎذ . ﺑﺈﺷﺎرة ﻣﻦ ﻋﯿﻨﻪ . إرﺗﻤﻮا ﻋﻠﯿها. اﺧﺬوھﺎ
ﻓﻲ زاوﻳﺔ ﻣﻦ ﻧﻔﺲ اﻟﻐﺮﻓﺔ . ﺗﺮاﺟﻊ دﻟﯿﻠهم اﻟﻰ اﻟﻮراء . أﻛﻤﻞ :
- ھﻨﺎك ﺟﺒهة واﺣﺪة . . واﺣﺪة ﻻ ﻏﯿﺮ . ھﻞ ﻓهمت. أم أﻧﻚ اﻧﺘﺨﺒﺖ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى ..؟
- ﻻ . ﻻ . ﻟﻢ أﻧﺘﺨﺐ ﻋﻠﻰ اﻷﺧﺮى
- إذن ..؟
ﺻﻤﺖ . ود ﻟﻮ أﻧﻪ ﺷﺎب . ﺑﻞ ﺣﻠﻢ ﻟﻮ ﻳﺮﺟﻊ ﺑﻪ اﻟﻌﻤﺮ ﻗﻠﯿﻼ اﻟﻰ اﻟﻮراء ﻛﻲ ﺑﻀﻊ ھﺬا اﻟﺨﻨﺰﻳﺮ ﺗﺤﺘﻪ وﻳﻌﻠﻤﻪ ﻣﻌﻨﻰ اﻟﺤﯿﺎة واﻟﻤﻮت ﻋﻠﻰ
اﻟﺴﻮاء . دﻓﻌﻪ ﺑﺨﻨﺠﺮ رﺷﺎﺷﻪ اﻟﻰ اﻟﻮراء ﻓﺘﺸﻘﻘﺖ ﻋﺒﺎءﺗﻪ ﻓﻮق اﻟﻘﻠﺐ ﺑﻘﻠﯿﻞ .
- ﻻ ﺗﻔﻜﺮ ﻓﻲ اﻟﮫﺮوب ﻧﺤﻦ ﺣﺎﺻﺮﻧﺎ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ ﻣﻦ ﻣﺨﺮﺟﮫﺎ اﻟﻰ ﻣﺪﺧﻠﮫﺎ . ﻓﻜﺮ ﻣﻌﻲ . أﻳﻦ ﺗﻈﻦ ﻧﺠﺪ ﻣﻌﻤﺮ.؟ .
- وﷲ ﻳﺎإﺑﻨﻲ ﻻ أدري .؟ "
- دﻋﻨﺎ ﻣﻦ ﻣﻌﻤﺮ .. ﻧﻌﺮف أﻧﻚ ﻧﺎﺋﻢ ﻋﻠﻰ ﻛﯿﺲ أو ﻛﯿﺴﯿﻦ ﻣﻦ اﻟﻤﺎل . ﺑﺈﺧﺘﺼﺎ ر ﺳﻮف ﻧﺸﺮب ﻣﻦ ھﺬه اﻟﻘﺎرورة رﻳﺜﻤﺎ ﺗﺮﺟﻊ ﻟﻨﺎ
ﺑﻤﺎ ﺳﻤﻌﺖ
ﺣﺪﺟﺘﻪ ﺧﯿﺮة ﺑﻌﯿﻦ داﻣﻌﺔ . ھﺰت ﻛﺘﻔﯿﮫﺎ ﻋﻼﻣﺔ اﻟﺮﻓﺾ . أﺷﺎر إﻟﯿﮫﺎ ﺑﺈﻟﺤﺎح أن ﺗﺄﺗﻲ ﻣﺎ ﻓﻲ اﻟﺼﻨﺪوق . ﻣﺸﺖ ﻣﺘﺜﺎﻗﻠﺔ . ودت ﻟﻮ ﻳﺪﻓﻌﮫﺎ
ذﻟﻚ اﻟﺪﻟﯿﻞ . ﻟﻮ ﻳﺼﻔﻌﮫﺎ . ﻟﻮ ﻳﺸﺘﻤﮫﺎ . أﻳﺔ ﻛﻠﻤﺔ ﺗﺄﺗﻲ ﻣﻨﻪ ﻳﻨﻔﺠﺮ ﻗﻠﺒﮫﺎ ﻋﻦ ﻟﺒﺆة . " ﺳﺄﻣﻀﻲ ﺑﺠﺎﻧﺒﻪ وأﻟﻜﺰه ﻗﻠﯿﻼ . ﻻﺑﺪ ان ﻳﺄﺧﺬ ﺣﻘﻪ
وﻟﻮ ﺑﻌﻀﺔ . ﺑﺼﻔﻌﺔ . ﺑﺸﺘﯿﻤﺔ . ﻟﻤﺎذا ھﺪأ .؟ ﻣﺎﻟﺬي أﺧﺮه اﻟﻰ اﻟﻮراء .؟. اﻟﺠﺒﻨﺎء داﺋﻤﺎ ھﻜﺬا . ﺣﯿﻦ ﻳﺘﺄﻛﺪون ﺑﺜﻘﺔ ﻋﻤﯿﺎء ﻓﻲ ﺣﺼﻮﻟﮫﻢ
ﻋﻠﻰ اﻟﻤﺎل ﻳﺘﻤﺴﻜﻨﻮن . ﻣﺎذا ﻟﻮ رﻓﻀﺖ . إﻳﻪ . ﻣﺎذا ﻟﻮ رﻓﻀﺖ وأﻗﻔﻠﺖ ﺑﺎب اﻟﺤﺠﺮة ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻲ . ؟ . ﻳﺎرﺑﻲ . ﻣﻮﺳﻢ اﻟﺒﺬر ﻋﻠﻰ اﻷﺑﻮاب
. ﺣﻖ اﻟﻤﺎزوت واﻷﺳﻤﺪة واﻟﺒﺬور وو .. إذا أﺧﺬوا ھﺬا ﻣﺎذا ﺳﻨﺄﻛﻞ . اﻟﺘﺮاب ..؟. أف . ﺳﻮف أق..."
- " . ﺧﯿﺮة ..؟"
إﺳﺘﻠها  ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻤها . ﻛﺎن ﺳﻠﯿﻤﺎن ﻳﺮﻳﺪ أﻧهاء اﻟﺰﻳﺎرة ﻓﻲ ظﺮف وﺟﯿﺰ . ﺑﻌﯿﻨﯿﻦ ﺟﺎﺣﻈﺘﯿﯿﻦ ﻛﻌﯿﻨﻲ اﻟﻠﺒﺆة وﺑﯿﺪﻳﻦ ﺗﺤﺎوﻻن إﻳﻘﺎد ﺷﻌﻠﺔ ﻣﺎ وﺿﻌﺖ اﻟﻜﯿﺲ ﺑﯿﻦ ﻳﺪي اﻟﺪﻟﯿﻞ 
- ﺟﻤﯿﻞ .. ﻟﻜﻦ ﻧﺮﻳﺪ أن ﺗﻮﺻﻠﻨﺎ اﻟﻰ رأس اﻟﻄﺮﻳﻖ . ﻋﺮﺑﺔ ﺟﺮارك ﺗﻠﯿﻖ ﺑﻨﺎ ﻧﺤﻦ اﻟﺨﻤﺴﺔ . ھﯿﺎ أﺳﺮع . ﻟﻤﺎذا ﺗﻨﻈﺮ إﻟّﻲ ھﻜﺬا . ؟
- ﻟﻜﻦ اﻟﺠﺮار ﻻ ﻳﺸﺘﻐﻞ ﺑﺎﻟﻤﻔﺘﺎح . ﻧﺤﻦ ﻧﺪﻓﻌﻪ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﺤﺮك
- ﻧﺪﻓﻌﻪ ﺑﺄﻳﺪﻳﻨﺎ
" اﻟﻨﺬل . أظﻨﻪ طﻤﻊ ﻓﻲ اﻟﺠﺮار ﻛﺬﻟﻚ . ؟. ﻻ . إﻻ اﻟﺠﺮار . ﺧﺒﺰة اﻟﻌﺎﺋﻠﺔ ھﻮ . ﻋﺎﺋﻠﺘﻲ ﻟﻦ ﺗﺴﺘﺐ . ﻟﻦ ﺗﺴﺘﻘﺮ إذا ﺣﺮﻣﻮﻧﻲ ﻣﻨﻪ . أﻣﻮت وﻻ
ﻳﺄﺧﺬوه . ﻳﺎﻟﻘﺴﺎوة اﻷﻳﺎم . ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ أن ﻳﺴﺮق اﻟﻮاﺣﺪ ﻓﻲ ﻣﻠﻜﻪ و أﻣﺎم ﻋﯿﻨﯿﻪ وھﻮ ﺣﻲ ﻳﺮزق . ﻣﻦ ﻛﺎن ﻳﻈﻦ ذﻟﻚ . ﺛﻢ ﻣﻦ وراء
ھﺬه اﻟﻔﺘﻨﺔ ﻛﻠﮫﺎ . ھﺬا اﻟﺨﺮاب ﻛﻠﻪ . ﻣﻦ .ﻣﻦ .؟؟ "
ﺻﻔﻖ اﻟﺒﺎب وراءه ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﺄﻛﺪ ﻣﻦ ﺧﺮوﺟهم ﺟﻤﯿﻌﺎ وأﺗﺠهوا ﺟﻤﯿﻌﺎ ﻳﺪﻓﻌﻮن اﻟﺠﺮار ﻛﻲ ﻳﺘﺤﺮك ووﻗﻔﺖ ﺧﯿﺮة ﺗﺸّﯿﻌهم ﻣﻦ ﺧﻼل ﺿﻠﻔﺔ
اﻟﺒﺎب ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻓﺘﺤﺘﻪ دون أن ﺗﺤﺪث ﺻﺮﻳﺮا ودﻣﻮﻋها ﻗﺪ أﺧﺬت ﻣﻨﺤﻨﺎﻳﺎت ﺷﺘﻰ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻳها . وﻗﻠﺒها ﻳﺮدد ﻣﻊ ﺷﻔﺘﯿها " ﻟﯿﺘﻪ ﻳﻌﻮد ﺳﺎﻟﻤﺎ .
ﺳﻠﯿﻤﺎن وﻻ اﻟﺠﺮار..

الأحد، 10 فبراير 2013

أبي.. نزار قباني



أماتَ أَبوك؟
ضَلالٌ! أنا لا يموتُ أبي.
ففي البيت منه
روائحُ ربٍّ.. وذكرى نَبي
هُنَا رُكْنُهُ.. تلكَ أشياؤهُ
تَفَتَّقُ عن ألف غُصْنٍ صبي
جريدتُه. تَبْغُهُ. مُتَّكَاهُ
كأنَّ أبي – بَعْدُ – لم يّذْهَبِ
وصحنُ الرمادِ.. وفنجانُهُ
على حالهِ.. بعدُ لم يُشْرَبِ
ونَظَّارتاهُ.. أيسلو الزُجاجُ
عُيُوناً أشفَّ من المغرب؟
بقاياهُ، في الحُجُرات الفِساحِ
بقايا النُسُور على الملعبِ
أجولُ الزوايا عليه، فحيثُ
أمرُّ .. أمرُّ على مُعْشِبِ
أشُدُّ يديه.. أميلُ عليهِ
أُصلِّي على صدرهِ المُتْعَبِ
أبي.. لم يَزلْ بيننا، والحديثُ
حديثُ الكؤوسِ على المَشرَبِ
يسامرنا.. فالدوالي الحُبالى
تَوَالَدُ من ثغرهِ الطَيِّبِ..
أبي خَبَراً كانَ من جَنَّةٍ
ومعنى من الأرْحَبِ الأرْحَبِ..
وعَيْنَا أبي.. ملجأٌ للنجومِ
فهل يذكرُ الشَرْقُ عَيْنَيْ أبي؟
بذاكرة الصيف من والدي
كرومٌ، وذاكرةِ الكوكبِ..
*
أبي يا أبي .. إنَّ تاريخَ طيبٍ
وراءكَ يمشي، فلا تَعْتَبِ..
على اسْمِكَ نمضي، فمن طّيِّبٍ
شهيِّ المجاني، إلى أطيبِ
حَمَلْتُكَ في صَحْو عَيْنَيَّ.. حتى
تَهيَّأ للناس أنِّي أبي..
أشيلُكَ حتى بنَبْرة صوتي
فكيف ذَهَبْتَ.. ولا زلتَ بي؟
*
إذا فُلَّةُ الدار أعطَتْ لدينا
ففي البيت ألفُ فمٍ مُذْهَبِ
فَتَحْنَا لتمُّوزَ أبوابَنا
ففي الصيف لا بُدَّ يأتي أبي..

السبت، 2 فبراير 2013

نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي



قدّم الدكتور عزالدين فراج للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات: «حياة محمد»، «عظمة الرسول»، «الإعجاز العلمي والإسلامي»، إضافة إلى عدد من الكُتب فى المجالات الأدبية والاجتماعية منها: «فن القراءة»، «العالم العربي الجديد»، «نحو قرية أفضل». هذا إلى جانب تقديم أكثر من سبعين بحثاً علمياً وزراعياً، كما تولى رئاسة لجنة وضع «دائرة المعارف العلمية المصورة للبيئة العربية العالمية للنبات والحيوان»، وحصل على الجائزة الأولى في البحث العلمي 1958، والجائزة الأولى في التأليف الأدبي والاجتماعي أعوام 1947، 1948، 1955، 1963، 1968، وكلفته وزارة الثقافة المصرية بترجمة العديد من الكتب العلمية. ومن الكتب التي ترجمها «نبي الإسلام في مرآة الفكر الغربي»، الذي طُبع عام 1953 في مطبعة «الجهاد» في القاهرة، وكان فراج حينذاك مدرساً في جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، والكتاب ملحق مجلة «الأزهر» لقرائها ويضم نماذج من شهادات كوكبة من العلماء العظماء لنبي الإسلام ورسول الإنسانية، ورحمة الله للعالمين. وبحسب الدكتور محمد عمارة في تقديمه للكتاب، «يستطيع العقل المسلم أن يرد بها (الشهادات) على الافتراء والازدراء الذي يصدر من السفهاء الجهلاء ضد الإسلام ورسوله ورموزه ومقدساته».
ومن الشهادات التي يضمها الكتاب: نبي الإسلام كما صوره الإنكليزي بوسورث سميث (1784-1884) في كتابه «محمد والدين المحمدي»، إذ قال: «لقد ظل محمد إلى آخر حياته وليس له لقب يعتز به إلا أنه نبي مُرسل من عند الله، من دون أن يكون له جيش قائم ولا دخل ثابت. وإذا كان لأي إنسان أن يدعي الحق في تلقي الوحي من الله فإنه محمد، وأنه لحدث فريد في التاريخ أن يؤسس محمد شعباً وامبراطورية وديناً». ويُضيف سميث في موضع آخر من كتابه: «لقد كان محمد موفقاً كل التوفيق، ولم يُحدثنا التاريخ عن مثله. لقد جمع بين زعامات ثلاث، زعامة الشعب، وزعامة الدين، وزعامة الحكم والسلطان، ومع أنه كان أميّاً لا يقرأ ولا يكتب، فقد جاء بكتاب جمع بين البلاغة والتشريع والعبادة». أما السير وليم ميور (1819-1905) فتناول حياة النبي (صلى الله عليه وسلم) بالبحث والتحليل من جوانب مختلفة فكتب عنه: «ومن صفاته الجديرة بالتنويه الرقة والاحترام اللذين كان يعامل بهما أتباعه حتى أقلهم شأناً، فالتواضع والرأفة والأناة وإنكار الذات والسماحة والسخاء تغلغلت في نفسه فأحبه كل من حوله. وكان يكره أن يقول لا، فإذا لم يتمكن من أن يجيب الطالب لسؤاله فضّل السكوت على الجواب، وقد قالت عنه عائشة: إنه كان أشد حياء من العذراء في خدرها، وكان إذا أساء شيئاً تبيناه في أسارير وجهه أكثر من كلامه، ولم يمس أحداً بالضرر إلا في سبيل الله، ويُؤثر عنه أنه كان لا يمتنع عن إجابة دعوة إلى بيت مهما كان رب البيت، وإذا جلس إلى صاحبه لم يرفع نحوه ركبتيه تشامخاً منه وكبراً، وكانت له تلك الخلة النادرة التي يجعل بها كل فرد من صحابته يظن أنه المُفضل المختار».
ودرس لامارتين (1790-1869) حياة محمد (صلى الله عليه وسلم) دراسة وافية، أدرك ما فيها من عظمة وخلود، ما جعله يسجل ويقول: «أترون محمداً كان أخ خداع وكذب؟ لا، لم يكن خادعاً ولا كاذباً بعدما عرفنا تاريخه ودرسنا حياته، فالكذب والخداع والتدليس صفات تتولد من نفاق العقيدة وليس للنفاق قوة العقيدة وليس للكذب قوة الصدق». وفي تناوله لحياته (صلى الله عليه وسلم) يقول: «إن حياة محمد وقوة تأمله وتفكيره وجهاده، ووثبته على خرافات أمته وجاهلية شعبه وخزعبلات قبيلته، وشهامته وجرأته وبأسه، وثباته ثلاثة عشر عاماً يدعو دعوته في وسط أعدائه، وقبوله سخرية الساخرين وهزأه بهزء الهازئين وحميته في نشر رسالته، وتوافره على السعي في إظهار دعوته، ووثوقه بالنجاح وإيمانه بالفوز ورباطة جأشه في الهزائم، وتطلعه إلى إعلان كلمة الله وتأسيس العقيدة الإسلامية، ونجاح دينه بعد موته... كل ذلك أدلة على أنه لم يضمر خداعاً أو يعيش على باطل. وهذا اليقين الذي ملأ روحه هو الذي وهبه القوة على أن يرد إلى الحياة فكرة عظيمة وحجة قائمة ومبدأ مزدوجاً، وهو وحدانية الله وتجرد ذاته عن المادة. الأولى تدل على من هو الله، والثانية تنفي ما ألصقه الوثنيون به. الأولى حطمت آلهة كاذبة، والأخرى فتحت طريقا إلى الفكر والتأمل»، وكتب المستشرق الفرنسي اميل درمنغم (1892-1971م) تحت عنوان «رسول الله»: «تاريخ البشرية ما هو إلا سلسلة من الإيحاء والالهام، إذ يسمع البشر بين وقت وآخر صيحة مدوية، وإذا برجل يسير في طريق الحق غير متوان، عاملاً على أن يوقظ الآخرين من نومهم العميق. هكذا يقوم خلاص البشر على سلسلة من الأفعال الحرة الطليقة. وهكذا نهض محمد (صلى الله عليه وسلم) يدعو قومه إلى دين الواحد الأحد...
وهكذا نهض لينبه آسيا وأفريقيا، وليجدد بلاد فارس الناعسة وليث نصرانية الشرق التي أفسدتها التأملات الفاترة، وشأن الأنبياء في العالم كشأن قوى الطبيعة الهائلة النافعة، كشأن الشمس والمطر، كشأن عواصف الشتاء التي تهز الأرض وتثيرها لتتزين ببساط أخضر في بضعة أيام. وأحسن شهادة لهؤلاء الأنبياء ما يورثونه من راحة العقول وطمأنينة القلوب وشد العزائم والصبر على الشدائد، مع شفاء الأخلاق المريضة الواهنة».
كما اعترف المستشرق الفرنسي أندريه سرفيه بفضل النبي (صلى الله عليه وسلم) في كتابه «الإسلام ونفسية المسلمين» بقوله: «لا يتحدث هذا النبي عن المرأة إلا في لطف وأدب، كان يجتهد دائماً في تحسين حالها ورفع مستوى حياتها، لقد كانت النساء قبله لا يرثن بل كن متاعاً يورث لأقرب الرجال، وكأنهن مال أو رقيق، وعندما جاء الرسول قلب هذه الأوضاع فحرر المرأة وأعطاها حق الإرث». ثم اختتم سرفيه كلامه قائلاً: «لقد حرر مُحمد المرأة العربية، ومن أراد التحقيق بعناية هذا النبي فليقرأ خطبته في مكة والتي أوصى فيها بالنساء خيراً وليقرأ أحاديثه المتباينة».
ويشير فراج إلى أن الكولونيل الأميركي ر. ف. بودلي (1545-1613) والذي أختلط بالعرب ودرس حياتهم الخاصة بصورة واسعة، جذبته حياة مُحمد (صلى الله عليه وسلم) ما دفعه إلى تناول حياته ومظاهر عظمته في كتاب، لافتاً إلى أنه «كان على نقيض من سبقه من الأنبياء، فإنه لم يكتف بالمسائل الإلهية بل تكشفت له الدنيا ومشكلاتها، فلم يغفل الناحية العملية الدنيوية في دينه، فوفق بين دنيا الناس ودينهم، وبذلك تفادى أخطاء من سبقوه من المصلحين الذين حاولوا خلاص الناس عن طريق غير عملي. لقد شبّه الحياة بقافلة مسافرة يرعاها إله، وأن الجنة نهاية المطاف».
ويضيف بودلي أن محمداً (صلى الله عليه وسلم) «لم تتبدل أمانته، ولم يتغير صدقه، بل بقيت فضائله ثابتة على الأيام، حتى لُقب بالأمين ولم تفتنه النساء قط، ولم تفتنه الشهوات أيضاً، وبقيت غرائزه الجنسية مهذبة، وكان حاضر البديهة، عذب الحديث».