كتاب لا مثيل له كما قال ابن شاكر في (الفوات). ويرد اسمه في بعض المصادر (نثر الدرر) وقد لخص فيه الآبي كتابه: (نزهة الأديب) وصرح بذلك في مقدمة الكتاب فقال: (وبعد فإني رأيتك -أمتع الله بأدبك وأهله بك- حين سمعت بالمجموع الكبير الذي سميته (نزهة الأديب) ظننت بي أني قصدت قصد من يؤلف كتاباً فيصنفه أصنافاً ويبوبه أبواباً حتى يتميز فيه النثر عن النظم، والجد عن الهزل...إلخ). واختط به منهجاً جديداً ترسّمه في كل فصول الكتاب، وميزه به عن أشباهه من الكتب. وقصد فيه أن يكون خلواً من الخطب والقصائد الطوال، وإن شذ عن ذلك أحياناً، وأن يكون مجموعة أقوال بليغة وطريفة وغير مترابطة، بحيث يصدق عليه العنوان (نثر الدر) وحاول جاهداً أن يجنب أبوابه الأولى المجون والهزل رعاية للقرآن ومقام الرسول الأعظم، وخص للهزل والمجون أبواباً في كل فصل. وجعل الأعلام محوراً للأقوال والأخبار، جامعاً إلى كل صحابي أو خليفة أو إمام أو فيلسوف أو أديب ما تناثر من أقواله في كتب الفلسفة والأدب والحديث. ليس في الدنيا نسخة كاملة للكتاب إلا التي تحتفظ بها مكتبة كوبريللي بأنقرة، وهي سبعة أجزاء، كل جزأين في مجلد، والسابع مفرد، شرع ناسخها واسمه (محمد عبده) في نسخها يوم 10/ جمادى الأولى/ 711هـ أي بعد (290) سنة من وفاة الآبي. وقد طبع الكتاب لأول مرة في مصر، عام 1988 في سبعة مجلدات ضخمة. (وهي مرجعنا في هذه الترجمة). ونشر د. عثمان بوغانمي الجزء السابع منه (الدار التونسية للنشر 1983م). وقدم له بمقدمة نفيسة، وهمش مواده بتحقيقات قيمة، منها تحقيق ما نقله الآبي عن الإنجيل من قول السيد المسيح (كونوا حكماء كالحيات وبلهاء كالحمام) (ج7 باب1 ص39) وهو ما نراه في إنجيل متى 10/ 16 (فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام). وانظر في مجلة العرب بحثاً نُشر على حلقتين في (ج35 ص422 و526) وفيه أن (نثر الدرر) فصلٌ من كتاب الآبي: (نزهة الأدب). لخصه الآبي في سبعة مجلدات، وأطلق عليه اسم (نثر الدرر ونفائس الجوهر في المحاضرات) أما (نثر الدر) فقطعة من الجزء السابع من كتاب (نثر الدرر) وتبدأ في أثناء الباب الثالث المعنون (حكم ونوادر الفرس) وتنتهي بالباب (24). وقد سقط منها بابان: الباب (25) وعنوانه: (نوادر الأطباء) والباب (26) وعنوانه: (اتفاقات غريبة). كما سقط منها البابان: (1 و2) وشطر من الباب (3).
الْبَابُ الثَّانِي: نُكَتٌ مِنْ كَلاَمِ
النِّسَاءِ
وَمُسْتَحْسَنِ
جَوَابَاتِهِنَّ وَأَلْفَاظِهِنَّ
جَوَابُ امْرَأَةٍ لِبَعْضِ السَّاخِرِينَ مِنْ بَنِي نُمَيْرٍ.
مَرَّتِ امْرَأَةٌ جَمِيلَةٌ عَلَى مَسْجِدِ بَنِي نُمَيْرٍ
بِالْبَصَرَةِ وَعَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا أَكْبَرَ
عَجِيزَتَهَا، وَقَالَ آخَرُ: إِنَهَا مَلْفُوفَةٌ. وَقَالَ آخَرُ: أَنَا
أَجِيئُكُمِ بَخَبَرِهَا. فَتَبِعَهَا وَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى عَجِيزَتِهَا. قَالَ:
فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ وَقَالَتْ: ''الحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ''. ثُمَّ انْصَرَفَتْ إِلَى بَنِي
نُمَيْرٍ فَقَالَتْ: يَا بَنِي نُمَيْرٍ؛ وَاللهِ مَا حَفِظْتُمْ ِفي قَوْلِ اللهِ
عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ قَوْلِ الشَاعِرِ؛ قَالَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ''قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَقَالَ الشَاعِرُ: فَغَضُّ
الطَّرْفُ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ ... فَلاَ كَعْباً بَلَغَ وَلاَ
كِلاَباً
قَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ نُمَيْرٍ وَحَضَرَتْهَا الْوَفَاةُ، وَأَهْلُهَا
مُجْتَمِعُونَ: مَنِ الَّذِي يَقُولُ: لَعَمْرُكَ مَا رِمَاحُ بَنِي نُمَيْرٍ...
بِطَائِشَةِ الصُّدُورِ وَلاَ قِصَارِ قَالُوا: زِيَادٌ الْأَعْجَمُ.ِ
قاَلَتْ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنَّ لَهُ الثُّلُثَ مِنْ مَالِي. وَكَانَ
الثُلُثُ كَثِيراً.
وَقَالَتِ امِرَأَةٌ لِزَوْجِهَا: إِنَّ أَكْلَكَ لَاقْتِفَافُ، وَإِنَّ شُرْبَكَ لاشْتِفَافُ، وَإِنْ ضَجْعَكَ لَالْتِفَافُ.
تَنَامُ لَيْلَةَ تَخَافُ، وَتَشْبَعُ لَيَلَةَ تُضَافُ.
وَصْفُ امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا وَوَصْفُهُ لَهَا:
طَلَّقَ أَعْرَابِيٌ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ لَهُ: جَزَاكَ
اللهُ خَيْراً؛ لَقَدْ كُنْتَ كَثِيرَ الْمَرَقِ، طَيِّبَ الْعَرَقِ، قَلِيلَ الأَرَقِ، قَالَ: وَأَنْتِ
فَجَزَاكَ اللهُ خَيْراً؛ لَقَدْ كُنْتِ لَذِيذَةَ المُعْتَنَقِ عِنْدَ الْكَرَى
وَالْأَرَقِ، وَلَكِنْ مَا قَضَى اللهُ قَدْ سَبَقَ.
تَزَوَّجَ أَعْرَابِي امْرَأَةً أَشْرَفَ مِنْهُ حَسَباً وَنَسَباً
فَقَالَ: يَا هَذِهِ إِنَّكِ مَهْزُولَةٌ. فَقَالَتْ: هُزَالِي أَوْلَجَنِي
بَيْتَكَ
لَمَّا قَتَلَ حَاجِبُ بْنُ زَرَارَةَ قَرَّادَ بْنَ حَنِيفَةٍ، قَالَتْ قَبَائِلُ بَنيِ دَارِمٍ
لِحَاجِبٍ: إِمَّا أَنْ تُقَيَّدَ مِنْ نَفْسِكَ، وَإِمَّا أَنْ تَدْفَعَ إِلَيْنَا
رَجُلاً مِنْ رَهْطِكَ. فَأَمَرَ فَتًى مِنْ بَنِي زَرَارَةَ بْنِ عَدَسٍ أَنْ
يَذْهَبَ إِلَيْهِمْ حَتَى يُقَادَ.
فَمَرُّوا بِالْفَتَى عَلَى أُمِّهِ وَحَسِبُوهَا تَجْزَعُ فَيَدْفَعَ
حَاجِبٌ إِلَيْهِمْ غَيْرَهُ. فَقَالَتْ: إِنَّ
حَيْضَةَ وَقْتَ حاَجِباً المَوْتَ
لَعَظِيمَةُ الْبَرَكَةَ
قَالَتْ أَعْرَابِيَةٌ وَقَدْ دُفِعَ إِلَيْهَا عَلَكٌ لِتَمْضَغَهُ: مَا فِيهِ إِلَّا تَعَبُ الْأَضْرَاسِ
وَخَيْبَةُ الْحُنْجُرَةِ
قِيلَ لِرَمْلَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ: مَا لَكِ أَهْزَلُ مَا تَكُونِينَ
إِذَا كَانَ زَوْجُكِ شَاهِداً؟ قَالَتْ: ِإنَ الْحُّرَةَ لاَ تُضَاجِعُ بَعْلَهَا بِمَلْءِ بَطْنِهَا.
كَأَنَّهَا لَمْ تَأْمَنْ قَرْقَرَةَ الْبَطْنِ وَغَيْرَ ذَلِكَ
نَظَرَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتَيْنِ يَتَلاَعبَانِ فَقَالَ: مُرَّا لَعَنَكُمَا اللهُ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبَاتٌ يُوسُفَ. فَقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: َيا
عَمِّي فَمَنْ رَمَى بِهِ فِي الْجُّبِ: نَحْنُ أَمْ أَنْتُمْ؟
وَمَرَّتْ جَارِيَةٌ بِقَوْمٍ وَمَعَهَا طَبَقٌ مُغَطًّى فَقَالَ
بَعْضُهُمْ: أَيُّ شَيْءٍ مَعَكِ عَلَى الطَّبَقِ؟ قَالَتْ: فَلِمَ غَطَّيْنَاهُ؟
قَالَ الْجَاحِظُ: مِنَ الْأَسْجَاعِ الْحَسَنَةِ قَوْلُ الْأَعْرَابِيَّةِ
حِينَ خَاصَمَتِ ابْنَهَا إِلَى عَامِلِ الْمَاءِ: أَمَا كَانَ بَطْنِي لَكَ وِعَاءً؟ أَمَا كَانَ حِجْرِي لَكَ
فِنَاءً؟ أَمَا كَانَ ثَدْيِي لَكَ سِقَاءً
وَقَالَتِ امْرَأَةٌ: أَصْبَحْنَا مَا يَرْقُدُ لَنَا فَرَسٌ، وَلاَ
يَنَامُ لَنَا حَرَسٌ.
قَوْلُ امْرَأَةٍ فِي رِثَاءِ ابْنِهَا:
مَرَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ مِنْ غَاضِرَةَ، وَإِذَا ابْنٌ
لَهَا مُسْجًى بَيْنَ يَدَيْهَا، وَهِيَ تَقُولُ:
يَرْحَمُكَ اللهُ يَا بُنَيَّ، فَوَاللهِ مَا كَانَ مَالُكَ لِبَطْنِكَ،
وَلاَ أَمْرُِكَ لِعِرْسِكَ، وَلاَ كُنْتَ إِلَّا لَيِّنَ الْعَطْفَةِ، يُرْضِيكَ
أَقَلُّ مِمَّا يُسْخِطُكَ. قَالَ: فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةً، أَلَكِ مِنْهُ
خَلَفٌ؟ قَالَتْ: بَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ: ثَوَابُ اللهِ وَالصَّبْرُ عَلَى
الْمُصِيبَةَ.
وَلَمَّا قُتِلَ الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ دَخَلَ الْمَأْمُوُن
إِلَى أُمِّهِ يُعَزِّيهَا فِيهِ، وَقَالَ: يَا أُمَّةً؛ لاَ تَحْزَنِي عَلَى
الْفَضْلِ؛ فَإِنِي خَلَفٌ لَكِ مِنْهُ. فَقَالَتْ لَهُ: وَكَيْفَ لاَ أَحْزَنُ
عَلَى وَلَدٍ عَوَّضَنِي خَلَفاً مِثْلَكَ، فَتَعَجَّبَ الْمَأْموُنُ مِنْ
جَوَابِهَا. وَكَانَ يَقُوُلُ: مَا سَمِعْتُ جَوَاباً قَطُّ كَانَ أَحْسَنَ مِنْهُ
وَلاَ أَخْلَبَ لِلْقَلْبِ.
قَوْلُ أَعْرَابِيَّةٍ حِينَ شَرِبَتِ النَّبِيذَ:
حُكِيَ أَنَّ عَجُوزاً مِنَ الْأَعْرَابِ جَلَسَتْ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ
إِلَى فِتْيَانٍ مِنْ قُرَيْشٍ يَشْرَبُونَ نَبِيذاً لَهُمْ، فَسَقَوْهَا قَدَحاً
فَطَابَتْ نَفْسُهَا وَتَبَسَّمَتْ ثُمَّ سَقَوْهَا قَدَحاً آخَرَ، فَاحْمَرَّ
وَجْهُهَا وَضَحِكَتْ فَسَقَوْهَا قَدَحاً ثَالِثاً، فَقَالَتْ: أَخْبِرُونِي عَنْ
نِسَائِكُمْ بِالْعِرَاقِ، أَيَشْرَبْنَ مِنْ هَذَا الشَّرَابِ؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَتْ: زَنَيْنَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
سُئِلَتْ أَعْرَابِيَّةٌ فَقِيلَ لَهَا: أَتَعْرِفِينَ النُّجُومَ؟
قَالَتْ: سُبْحَانَ اللهِ أَمَا أَعْرِفُ أَشْيَاخاً وُقُوفاً عَلَى كُلِّ
لَيْلَةٍ؟
قِيلَ ِلإِمْرَأَةٍ أُصِيبَتْ بِوَلَدِهَا: كَيْفَ أَنْتِ وَالْجَزَعُ؟
قَالَتْ: لَوْ رَأَيْتُ فِيهِ دَرَكاً مَا اخْتَرْتُ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَامَ لِي
لَدُمْتُ لَهُ
مَرَّ أَعْرَابِيٌّ بجِارِيَةٍ جَابَّةٍ تَمْدِرُ حَوْضاً لَهَا، فَقَالَ:
مَنْ دَلَّ عَلَى بَعِيرٍ بِعُنُقِهِ عَلاَطٌ، وَبِأَنْفِهِ خَزَامٌ، تَتْبَعُهُ
بَكَرَتَانِ سَمْرَاوَانِ؟ فَقَالَ الْقَوْمُ: حَفِظَ اللهُ عَلَيْنَا وَأَمْسَكَ
عَلَيْكَ. وَاللهِ مَا أَحْسَسْنَا لَهَا خَبَراً. فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: لاَ
حَفِظَ اللهُ عَلَيْكَ يَا عَدُوَّ اللهِ. فَقِيلَ لَهَا: مَا ذَاكَ؟ قَالَتْ:
إِنَّهُ يَنْشُدُ سَوْءَتَهُ
قَالَ بَعْضُهُمْ: شَهِدَتِ امْرَأَةٌ بِالْبَادِيَةِ، وَبَيْنَ يَدَيْهَا
ابْنٌ لَهَا يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَوَثَبَتْ عَلَيْهِ فَأَغْمَضَتْهُ وَعَصَّبَتْهُ
وَتَرَحَّمَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَنَحَّتْ فَقَالَتْ: مَا حَقُّ مَنْ أُلْبِسَ
النِّعْمَةَ، وَأُطِيلَتْ لَهُ الْعَافِيَةُ، وَأُدِيمَتْ بِهِ النَّظْرَةُ، أَلَا
يَعْجِزُ عَنِ التَّوَثُّقِ لِنَفْسِهِ، مِنْ قَبْلِ حَلِّ عُقُودِهِ،
وَالْحُلُولِ بِعُقْوَتِهِ، وَالْحَيَاَلةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ.
وَصْفُ أَعْرَابِيَّةٍ لِزَوْجِهَا:
قَالَتْ أَعْرَابِيَةٌ فِي الزَّوْجِ: لاَ أُرِيدُهُ ظَرِيفاً وَلاَ
ظَرِيفاً وَلاَ رَجُلَ أَهْلِهِ وَلاَ السَّمِينَ الْأَلْحَمَ، وَلَكِنِّي
أُرِيدُهُ، الضَّحُوكَ وَلَّاجاً، الكَسُوبَ خَرَّاجاً
خَطَبَ رَجُلٌ ابْنَةَ عَمٍّ لَهُ فَأَخْبَرَهَا أَبُوهَا بِذَلِكَ
فَقَالَتْ: يَا أَبَهْ، سَلْهُ مَا لِي عِنْدَهُ؟ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَلْطُفُ
بِرَّهَا، وَأَحْمِلُ ذِكْرَهَا، وَأَعْصِي أَمْرَهَا. فَقَالَتْ: زَوِّجْنِيهِ.
لَمَّا أُهْدِيَتِ ابْنَةُ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ إِلَى الْحَجَّاجِ نَظَرَ
إِلَيْهَا فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَعَبْرَتُهَا تَجُولُ فِي خَدِّهَا، فَقَالَ:
مِمَّ بِأَبِي أَنْتِ؟. قَالَتْ: مِنْ شَرَفٍ اتَّضَعَ، وَمِنْ ضَعَةٍ شَرُفَتْ.
وَلَمَّا كَتَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ إِلَى الْحَجَّاجِ بِطَلاَقِهَا، قَالَ لَهَا:
إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَمَرَنِي بِطَلاَقِكِ قَالَتْ: هُوَ أَبَّرُ بِي
مِمَّنْ زَوَّجَنِيكَ.
قَوْلُ امْرَأَةٍ لِبِلاَلِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ:
حَكَمَ ِبلاَلُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ رَجُلٍ
وَامْرَأَتِهِ، فَقَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: يَا بْنَ أَبِي مُوسَى، إِنَّمَا
بُعِثْتُمْ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
نَزَلَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ مِنَ الْعَرَبِ فَقَالَ لَهَا: هَلْ مِنْ لَبَنٍ
أَوْ طَعَامٍ يُبَاعُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّكَ لَلَئِيمٌ أَوْ حَدِيثُ عَهْدٍ
بِاللِّئَامِ. فَاسْتَحْسَنَ ذَلِكَ مِنْهَا وَخَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا.
كَرَاهَةُ النِّسَاءِ لِلشَّيْبِ:
حَدَّثَ بَعْضُهُمْ قَالَ: خَرَجْتُ إِلَى نَاحِيَةِ الطَّفَاوَةِ، فَإِذَا
أَنَا بِامْرَأَةٍ لَمْ أَرَ أَجْمَلَ مِنْهَا. فَقُلْتُ: أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ؛
إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَبَارَكَ اللهُ لَهُ فِيكِ، وَإِلاَّ فَأَعْلِمِينِي.
قَالَ: فَقَالَتْ: وَمَا تَصْنَعُ بِي وَفِيَّ شَيْءٌ لاَ أَرَاكَ تَرْتَضِيهِ.
قُلْتُ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: شَيْبٌ فِي رَأْسِي. قَالَ: فَثَنَيْتُ عِنَانَ
دَابَّتِي رَاجِعاً. فَصَاحَتْ بِي: عَلَى رِسْلِكَ أُخْبِرْكَ بِشَيءٍ.
فَوَقَفْتُ وَقُلْتُ: مَا هُوَ يَرْحَمْكِ اللهُ؟ فَقَالَتْ: وَاللهِ مَا بَلَغْتُ
الْعِشْرِينَ بَعْدُ، وَهَذَا رَأْسِي – فَكَشَفَتْ عَنْ عنَاَقِيدَ كَالْحِمَمِ –
وَمَا رَأَيْتُ فِي رَأْسِي بَيَاضاً قَطُّ، وَلَكِنْ أَحْبَبْتُ أَنْ تَعْلَمَ
أَنَّا نَكْرَهُ مِثْلَ مَا يُكْرَهُ مِنَّا. وَأَنْشَدَتْ: أَرَى شَيْبَ
الرِّجَالِ مِنَ الْغَوَانِي ... بِمَوْضِعِ شَيْبِهِنَّ مِنَ الرِّجَاِل. قَالَ:
فَرَجَعْتُ خَجَلاً كَاسِفَ الْبَالِ.
وَصَفَتِ امْرَأَةٌ نِسَاءً فَقَالَتْ: كُنَّ صُدُوعاً فِي صَفاً لَيْسَ
لِعَاجِزٍ فِيهِنَّ حَظٌّ.
مِنْ أَقْوَالِ ابْنَةِ الْخُسِّ:
قِيلَ لاِبْنَةِ الِخُسِّ: مَنْ تُرِيدِينَ أَنْ تَتَزَوَّجِي؟ فَقَالَتْ:
لاَ أُرِيدُهُ أَخَا فُلاَنٍ وَلاَ ابْنَ عَمِّ فُلاَنٍ، وَلاَ الظَّرِيفَ، وَلاَ
الْمُتَظَرِّفَ، وَلاَ السَّمِينَ الْأَلْحَمَ وَلَكِنِّي أُرِيدُهُ كَسُوباً
إِذَا غَذَا، ضَحُوكاً إِذَا أَتَى، أَخَالُ وَلاَ تَيَمُّنَهُ. وَقِيلَ لَهَا:
مَنْ أَعْظَمُ النَّاسِ فِي عَيْنَيْكِ؟ قَالَتْ: مَنْ كَانَتْ لِي إِلَيْهِ
حَاجَةٌ.
قِيلَ لأَعْرَابِيَّة قَدْ حَمِلَتْ شَاةً تَبِيعُهَا: بِكَمْ؟ قَالَتْ:
بِكَذَا. قِيلَ لَهَا: أَحْسِنِي. فَتَرَكَتِ الشَّاةَ وَمَرَّتْ لِتَنْصَرِفَ.
فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَمْ تَقُولُوا أَنْقِصِي، وَإِنَمَّا
قُلْتُمْ: أَحْسِنِي. وَالإِحْسَانُ تَرْكُ الْكُلِّ.
قَالَتْ قَرِيبَةُ الْأَعْرَابِيَّة: إِذَا كُنْتَ فِي غَيْرِ قَوْمِكَ
فَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الذُّلِّ. قِيلَ لأَعْرَابِيَّةٍ: مَا أَطْيَبُ
الرَّوَائِحِ؟ قَاَلتْ: بَدَنٌ تُحِبُّهُ، وَوَلَدٌ تُرَبِّهِ
سَأَلَ رَجُلٌ الْخَيْزُرَانَ حَاجَةً، وَأَهْدَى إِلَيْهَا هَدِيَّةً
فَرَدَّتْهَا وَكَتَبَتْ إِلَيْهِ: إِنْ كَانَ الَّذِي وَجَّهْتُهُ ثَمَناً لِرَأْيٍ
فِيكَ فَقَدْ بَخَسْتَنِي فِي الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِزَادَةً فَقَدْ
اسْتَغْشَشْتَنِي فِي الْنَّصِيحَةِ.
قَتَلَ قُتَيْبَةُ أَبَا امْرَأَةٍ وَأَخَاهَا وَزَوْجَهَا، ثُمَّ قَالَ
لَهَا: أَتَعْرِفِينَ أَعْدَى لَكِ مِنِّي؟ قَالَتْ: نَعَمْ: نَفْسٌ طَالَبَتْنِي
بِالْغَدَاءِ بَعْدَ مَنْ قَتَلَتْ لِي.
تَقَدَّمَتِ امْرَأَةٌ إِلَى قَاضٍ فَقَالَ لَهَا الْقَاضِي: جَامَعَكِ
شُهُودُكِ كُلُّهُمِ؟ فَسَكَتَتْ فَقَالَ كَاتِبُهُ: إِنَّ الْقَاضِي يَقُولُ:
جَاءَ شُهُودُكِ مَعَكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. ثُمَّ قَالَتْ لِلْقَاضِي: أَلَا قُلْتَ
كَمَا قَالَ كَاتِبُكَ؟ كَبُرَ سِنُّكَ، وَذَهَبَ عَقْلُكَ وَعَظُمَتْ لِحْيَتُكَ
فَغَطَّتْ عَلَى عَقْلِكَ؛ وَمَا رَأَيْتُ مَيِّتاً يَحْكُمُ بَيْنَ الْأَحْيَاءِ
غَيْرَكَ.
قَالَتْ أَعْرَابِيَّةٌ لِزَوْجِهَا، وَرَأَتْهُ مَهْمُوماً: إِنْ كَانَ
هَمُّكَ بِالدُّنْيَا فَقَدْ فَرَغَ اللهُ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ لِلْآخِرَةِ
فَزَادَكَ اللهُ هَمّاً بِهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيَّةً تَقُولُ: إِلَهِي؛ مَا
أَضْيَقَ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ، وَأَوْحَشَهُ عَلَى مَنْ لَمْ تَكُنْ
أَنِيسَهُ.
وَافْتَخَرَتْ جَارِيَتَانِ مِنَ الْعَرَبِ بَقَوْسَيْ أَبَوَيْهِمَا.
فقَالَتْ إِحْدَاهُمَا: قَوْسُ أَبِي طَرُوحٌ مَرُوحٌ، تُعَجِّلُ الظَّبْيَ أَنْ
يَرُوحَ. وَقَالَتِ الْأُخْرَى: قَوْسُ أَبِي كُرَةٌ، تُعَجِّلُ الظَّبْيَ
النَّفَرَةَ.
قَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبْيعَةٍ لِابْنَتهِ هِنْدٍ: قَدْ خَطَبَكِ إِلَيَّ
رَجُلاَنِ؛ خَطَبَكِ السُّمُّ نَاقِعاً، وَخَطَبَكِ الْأَسَدُ عَادِياً.
فَأَيُّهُمَا أَحْبَرُ إِلَيْكِ أَنْ أُزَوِّجَكِ؟ قَالَتْ: الَّذِي يَأْكُلُ
أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الَّذِي يُؤْكَلُ. فَزَوَّجَهَا أَبَا سُفْيَانَ، وَهُوَ
الْأَسَدُ الْعَادِي وَكَانَ الآخَرُ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرُو.
سُمِعَتِ امْرَأَةٌ بَدَوِيَّةٌ وَهِيَ تُرَقِصُ ابْناً لَهَا وَتَقُولُ: رَزَقَكَ
اللهُ جَدّاً يَخْدُمُكَ عَلَيْهِ ذَوُو الْعُقُولِ، وَلاَ رَزَقَكَ عَقْلاً
تَخْدُمُ بِهِ ذَوِي الْجُدُودِ.
حَدِيثُ أُخْتَيْنِ:
قَالَ ابْنُ أَبِي طَاهِرٍ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدَةَ قَالَ:
تَزَاوَرَتْ أُخْتَانِ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ، فَأَرْهَقَتْهُمَا الصَّلاَةُ،
فَبَادَرَتْ إِحْدَاهُمَا فَصَلَّتْ صَلاَةً خَفِيفَةً، فَقَالَ لَهَا بَعْضُ النِّسَاءِ:
كُنْتِ حَرِيَّةً أَنْ تَطُولِي الصَّلاَةَ فِي هَذَا الْيَوْمِ شُكْراً ِللهِ
حِينَ التَقَيْنَا. قَالَتْ: لاَ، وَلَكِنْ أُخَفِّفُ صَلاَتِي الْيَوْمَ
وَأَتَمَتَّعُ بالنَّظَرِ إِلَيْهَا، وَأَشْكُرُ اللهَ فِي صَلاَتِي غَداً.
قَالَتِ الْخَنْسَاءُ: النِّسَاءُ يُحْبِبْنَ مِنَ الرِّجَالِ
الْمَنْظَرَانِيَّ الْغَلِيظَ الْقَصَرَةِ، الْعَظِيمَ الْكَمَرَةِ، الَّذِي إِذَا
طَعَنَ حَفَرَ، وَإِذَا أَخْطَأَ قَشَرَ، وَإِذَا أَخْرَجَ عَقَرَ.
قِيلَ لِأَعْرَابِيَّةٍ فِي الْبَادِيَةِ: مِنْ أَيْنَ مَعَاشُكُمْ؟
فَقَالَتْ: لَوْ لَمْ نَعِشْ إِلَّا مِنْ حَيْثُ نَعْلَمُ لَمْ َنعِشْ.
دَخَلَتْ إِلَيْهِ قَاَل لَهَا: أَتَقُومِينَ إِلَيَّ أَمْ أَقُومُ
إِلَيْكِ؟ قَالَتْ: مَا قَطَعْتُ إِلَيْكَ عَرْضَ السَّمَاوَةِ وَأَنَا أُرِيدُ
أَنْ أُكَلِّفَكَ طُولَ الْبَيْتَ. فَلَمَّا جَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، قَالَ: لاَ
يَرُوعَنَّكَ هَذَا الشَّيْبُ، قَالَتْ: أَمَا إِنِّي مِنْ نِسْوَةٍ أَحَبُّ
أَزْوَاجِهِنَّ إِلَيْهِنَّ الْكَهْلُ السَّيِّدَ.
قاَلَ: حُلِّي إِزَارَكِ. قَالَتِ: ذَاكَ بِكَ أَحْسَنُ. فَلَمَّا قُتِلَ
أَصَابَتْهَا ضَرْبَةٌ عَلَى يَدِهَا. وَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ فَرَدَّتْهُ
وَقَالَتْ: مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ مِنِّي؟ قَالُوا: ثَنَايَاكِ. فَكَسَّرَتْ
ثَنَايَاهَا وَبَعَثَتْ بِهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ. وَقَالَ: ذَلِكَ مِمَّا رَغِبَ
قُرَيْشاً فِي نِكَاحِ نِسَاءِ كَلْبٍ.
تَزَوَّجَ الزُّبَيْرُ أُمَّ مُصْعَبٍ، وَتَزَوَّجَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ أُمَّ سُكَيْنَةٍ، وَتَزَوَّجَ مَرْوَانُ أُمَّ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
اسْتَعْمَلَ الْمَنْصُورُ رَجُلاً عَلَى خُرَاسَانَ فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ
فِي حَاجَةٍ فَلَمْ تَرَ عِنْدَهُ غَنَاءً. فَقَالَتْ: أَتَدْرِي لِمَ وَلَّاكَ
أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَتْ: لِيَنْظُرَ هَلْ يَسْتَقِيمُ أَمْرُ
خُرَاسَانَ بِلاَ وَالٍ.
قَالَ بَعْضُهُمْ: خَطَبْتُ امْرَأَةً فَأَجَابَتْ، فَقُلْتُ: إِنِّي
سَيِّءُ الْخُلُقِ. فَقَالَتْ: أَسْوَأُ خُلُقاً مِنْكَ مَنْ يُلْجِئُكَ إِلَى
سُوءُ الْخُلُقِ.
قِيلَ: إِنَّ الْحَسَنَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ طَلَّقَ امْرَأَتَيْنِ
قُرَشِيَّةً وَجَعْفِيَّةً، وَبَعَثَ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِشْرِينَ
أَلْفاً. وَقَالَ ِللرَّسُولِ: اِحْفَظْ مَا تَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا،
فَقَالَتِ الْقُرَشِيَّةُ: جَزَاهُ اللهُ خَيْراً. وَقَالَتِ الْجَعْفِيَّةُ:
مَتَاعٌ قَلِيلٌ مِنْ حَبِيبٍ مُفَارِقٍ. فَرَاجَعَهَا وَطَلَّقَ الْأُخْرَى.
بَيْنَ الْحُسَيْنَ وَامْرَأَتِهِ:
وَكَانَتْ عِنْدَ الْحَسَنِ بَنِ الْحُسَيْنِ امْرَأَةٌ فَضَجِرَ يَوْماً
وَقَالَ: أَمْرُكِ فِي يَدِكَ، فَقَالَتْ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كَانَ فِي يَدِكَ
عِشْرِينَ سَنَةً فَحَفِظْتَهُ، أَفَأُضَيِّعُهُ فِي سَاعَةٍ صَارَ فِي يَدِي.
قَدْ رَدَدْتُ إِلَيْكَ حَقَّكَ. فَأَعْجَبَهُ قَوْلُهَا وَأَحْسَنَ صُحْبَتَهَا.
قَالَتِ الْخَيْزُرَانُ: قَبَّحَ اللهُ الْخَدَمَ، لَيْسَ لَهُمْ حَزْمُ
الرِّجَالِ وَلاَ رِقَّةُ النِّسَاءِ.
كَتَبَ الْمَأْمُونُ إلِىَ شَكْلَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْمَهْدِيِّ
يَتَوَعَّدُهَا فَأَجَابَتْهُ: أَنَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أُمٌّ مِنْ
أُمَّهَاتِكَ، فَإِنْ كَانَ ابْنِي عَصَى اللهَ فِيكَ فَلاَ تَعْصِهِ فِيَّ،
وَالسَّلاَمُ.
قاَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: رَأَيْتُ هِنْداً بِمَكَّةَ
جَالِسَةً، كَأَنَّ وَجْهَهَا فَلْقَةُ قَمَرٍ، وَخَلْفَهَا مِنْ عَجِيزَتِهَا
مِثْلُ الرَّجُلِ الجَالِسِ، وَمَعَهَا صَبِيٌّ يَلْعَبُ، فَمَّرَ رَجَلٌ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ:
إنِّي لأَرَى غُلاَماً إِنْ عَاشَ لَيَسُودَّنَّ قَوْمَهُ. فَقَالَتْ هِنْدُ: إِنْ لَمْ يَسُدْ إِلَّا
قَوْمَهُ فَلاَ جَبَرَهُ اللهُ.
قِيلَ لأُمِّ الرَّشِيدِ: أَتَخَافِينَ الْمَوْتَ؟ قَالَتْ: كَيْفَ لاَ
أَخَافَهُ؟ وَلَوْ كُنْتُ عَصَيْتُ مَخْلُوقاً مَا أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ فَكَيْفَ
أَلْقَى اللهَ وَقَدْ عَصَيْتُهُ؟
خَبَرُ أُمِّ الْحَجَّاجِ مَعَ زَوْجِهَا
كَانَتِ الْفَارِعَةُ بِنْتُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيَّةُ أُمُّ الْحَجَّاجِ عِنْدَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعَيْبَةَ، فَدَخَلَ
عَلَيْهَا ذَاتَ يَوْمٍ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ وَهِيَ
تَتَخَلَّلُ فَقَالَ: يَا فَارِعَةُ؛ لَئِنْ كَانَ هَذَا التَّخَلُّلُ مِنْ أَكْلِ
الْيَوْمِ إِنَّكِ لَجَشِعَةٌ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَكْلِ الْبَارِحَةِ
إِنَّكِ لَبَشِعَةٌ، اِعْتَدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: سَخِنَتْ عَيْنُكَ
مِنْ مِطْلاَقٍ. مَا هُوَ مِنْ ذَا وَلاَ ذَاكَ. وَلَكِنِّي اسْتَكْتُ فَتَخَلَّلْتُ مِنْ شَظِيَّةٍ مِنْ سِوَاكِي.
فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ خَرَجَ فَلَقِيَ يُوسُفَ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي عُقَيْلٍ.
فَقَالَ: إِنِّي قَدْ نَزَلْتُ الْيَوْمَ عَنْ سَيِّدَةِ نِسَاءِ ثَقِيفٍ، فَتَزَوَّجْتُهَا فَإِنَّهَا
سَتُنْجِبُ. فَتَزَوَّجَهَا فَوَلَدَتْ لَهُ الْحَجَّاجَ.
دَخَلَتْ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةُ عَلَى الْحَجَّاجِ. فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: أَلَا أُخْجِلُهَا لَكُمْ؟
قَالُوا: بَلَى. قَالَ: يَا لَيْلَى، أَكُنْتِ تُحِبِّينَ تَوْبَةً؟ قَالَتْ:
نَعَمْ أَيُّهَا الْأَمِيرُ. وَأَنْتَ لَوْ رَأَيْتَهُ أَحْبَبْتَهُ.
الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ وَزَوْجُهُ:
قَالَ ابْنُ عَيَّاشٍ: تَزَوَجَ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ثَلاَثاً
وَسِتِّينَ امْرَأَةً، وَكَانَ أَكْثَرَ مَا يَقِيمُ عَلَى الْمَرْأَةَ سِتَّةَ
أَشْهُرٍ، وَكَانَ فِيمَنْ تَزَوََّجَ ابْنَةَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُطِيعٍ
الْعَدَوِيِّ، وَكَانَتْ جَمِيلَةً ظَرِيفَةً، فَلَمَّا أُهْدِيَتْ إِلَيْهِ،
قَالَ لِسُمَّارِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَرُونَ عِنْدَهُ: لاَ تَبْرَحُوا –
وَإِنْ أَبْطَأْتُ – حَتَّى أَخْرُجَ إِلَيكُمْ. وَدَخَلَ بِهَا وَانْتَظَرُوا
حَتَّى خَرَجَ إِلَيْهِمْ فِي السَّحَرِ وَهُوَ يَضْحَكُ. فَقَالُوا: سَّرَكَ اللهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. فَقَالَ: مَا
رَأَيْتُ مِثْلَ ابْنَةِ الْمُنَافِقِ. يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ مُطِيعٍ –
وَكَانَ مِمَّنْ قُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرَ، وَكَانَ بَنُو
مَرْوَانَ يُسَّمُونَ شِيعَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ: الْمُنَافِقِينَ - لَمَّا أَرَدْتُ الْقِيَامَ أَخَذْتْ بِذَيْلِي وَقَالَتْ:
يَا هَذَا؛ إِنَّا قَدِ اشْتَرَطْنَا عَلَى الجَمَّالِينَ الرِّجْعَةَ. فَمَا رَأْيُكَ؟ فَأُعْجِبَ بِهَا
وَأَقَامَ عَلَيْهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَعَثَ إٍلَيْهَا بِطَلاَقِهَا.
قَالَ بَعْضُهُمْ: قَالَتْ لِي جَارِيَةٌ لِي: ظَهَرَ يَا مَوْلاَيَ الشَّيْبُ فِي رَأْسِكَ. فَقُلْتُ: هُوَ مَا لاَ تُحِبُّونَهُ.
فَقَالَتْ: إِنَّمَا يُثْقِلُ عَلَيْنَا الشَّيْبُ عَلَى الْبَدِيهَةِ، فَأَمَّا شَيْبٌ نَشَأَ مَعَنَا فَنَحْنُ نَنْظُرُ إِلَيْهِ
بِالْعَيْنِ الْأُوْلَى.
افْتَخَرَ عَلَى شَاهْفريد أُمُّ
يَزِيدِ بْنِ الْوَلِيدِ نِسَاءَ الْوَلِيدِ الْعَرَبِيَّاتِ فَقَالَتْ:
لَيْسَتْ مِنْكُنَّ امْرَأَةٌ إِلَّا وَفِي عَشِيرَتِهَا مَنْ يَفْخَرُ
عَلَيْهَا، وَلاَ يُقِّرُ لَهَا بِالشَّرَفِ وَالْفَضْلِ. وَلَيْسَ فِي الدُّنْيَا
أَعْجَمِيَّةٌ تَفْخَرُ عَلَيَّ. وَكَانَتْ مِنْ أَوْلاَدِ يَزْدَجْرِدَ. وَلِذَلِكَ
يَقُولُ يَزِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ: أَنَا ابْنُ كِسْرَى وَأَبِي مَرْوَانُ،
وَقَيْصَرُ جَدِّي وَجَدِّي خَاقَانُ.
بَيْنَ الرَّشِيدِ وَعِنَانَ:
عُرِضَتْ عِنَانُ جَارِيَةُ النَّاطِفِيِّ عَلَى الرَّشِيدِ وَهُوَ يَتَبَخْتَرُ، فَقَالَ لَهَا: أَتُحِبِّينَ
أَنْ أَشْتَرِيَكِ؟ فَقَالَتْ: وَلِمَ لاَ يَا أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً وَخَلْقاً؟ فَقَالَ: أَمَّا الْخَلْقُ فَقَدْ رَأَيْتِهِ، فَالْخُلُقُ أَنَّى
عَرَفْتِهِ؟ قَالَتْ: رَأَيْتُ شَرَارَةً طَاحَتْ مِنَ الْيَجْمُرَةِ فَلَمَعَتْ
فِي خَدِّكَ، فَمَا قَطَّبْتَ لَهَا وَلاَ عَاتَبْتَ أَحَداً.
لَمَّا بَنَى الْمَأْمُونُ بِبُورَانَ مَدَّ يَدَهُ إِلَيْهَا فَحَاضَتْ، فَقَالَتْ: أَتَى أَمْرُ
اللهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ. فَفَطِنَ الْمَأْمُونُ وَوَثَبَ عَنْهَا.
كَانَ مُعَاوِيَةُ يَمْشِي مَعَ أُمِّهِ فَعَثَرَ، فَقَالَتْ لَهُ: قُمْ
لاَ رَفَعَكَ اللهُ – وَأَعْرَابِيٌّ يَنْظُرُ إِلَيْهِ – فَقَالَ: لِمَ
تَقُولِينَ لَهُ هَذَا؟ فَوَ اللهِ إِنِّي لأَظُنُّهُ سَيَسُودُ قَوْمَهُ.
فَقَالَتْ: لاَ رَفَعَهُ اللهُ إِنْ لَمْ يَسُدْ إِلَّا قَوْمَهُ. قَالَ مُحَمَدُ
بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ: جَمَعَتْنَا أَمُّنَا فَاطِمَةُ
بِنْتُ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَقَالَتْ: يَا بَنِيَّ إِنَّهُ وَاللهِ مَا نَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ السَّفَهِ
بِسَفَهِهِمْ شَيْئاً، وَلاَ أَدْرَكُوهُ مِنْ لَذَّاتِهِمْ إِلَّا وَقَدْ نَالَهُ
أَهْلُ الْمُرُوءَاتِ بِمُرُوءَاتِهِمْ. فَاسْتَتِرُوا بِسِتْرِ اللهِ.
لَمَّا قَصَدَ المُعْتَضِدُ بَنِي شَيْبَانَ اصْطَفَى
مِنْهُمْ عَجُوزاً سَرِيعَةَ الْجَوَابِ فَصِيحَةً، فَكَانَ يُغْرِي بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْجُلَسَاءِ، فَجَاءَتْ يَوْماً فَقَعَدَتْ بِلاَ إِذْنٍ، فَقاَلَ لَهَا
خَفِيفُ السَّمَرِ قَنْدِيُّ الْحَاجِبِ: أَتَجْلِسِينَ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ
الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكِ؟ فَقَالَتْ: أَنْتَ جَارُ ذَلِكَ
وَحَاجِبُهُ، كَانَ يَجِبُ أَنْ تُعَرِّفَنِي مَا أَعْمَلُ قَبْلَ دُخُولِي إِذْ
لَمْ تَكُنْ لِي عَادَةٌ بِمِثْلِهِ. ثُمَّ قَامَتْ. فَتَغَافَلَ المُعْتَضِدُ
عَنْهَا فَقَالَتْ: يَا سَيِّدَاه؛ أَقِيَامٌ إِلَى الْأَبَدِ، فَمَتَى يَنْقَضِي
الْأَمَدُ؟ فَضَحِكَ وَأَمَرَهَا بِالْجُلُوسِ.
قَالُوا: طَافَ عَلَيَّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنُ الْعَبَّاسِ بِالْبَيْتِ، وَهُنَاكَ عَجُوزٌ قَدِيمَةٌ
وَعَلِيٌّ قَدْ فَرَعَ النَّاسَ كَأَنَّهُ رَاكِبٌ وَالنَّاسُ مُشَاةٌ. فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا الَّذِي فَرَعَ النَّاسَ؟ فَقِيلَ: عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ
الْعَبَّاسِ، فَقَالَتْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، إِنَّ النَّاسَ لَيَرْذَلُونَ، عَهْدِي بِالْعَبَّاسِ يَطُوفُ
بِهَذَا الْبَيْتِ كَأَنَّهُ فُسْطَاطٌّ أَبْيَضُ وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ عَلِيٌّ إِلَى مَنْكِبِ أَبِيهِ عَبْدَ اللهِ، وَكَانَ عَبْدُ
اللهِ إِلَى مَنْكِبِ أَبِيهِ الْعَبَّاسِ، وَكَانَ الْعَّبَاسُ إِلَى مَنْكِبِ أَبِيهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. قَالَتْ
هِنْدُ بِنْتُ عُقْبَةَ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ لَمَّا رَجَعَ مُسْلِماً مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ إِلَى مَكَّةَ فِي لَيْلَةِ الْفَتْحِ فَصَاحَ: يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ، أَلَا إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ، فَأَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّداً قَدْ أَتَاكُمْ بِمَا لاَ قِبَلَ لَكُمْ بِهِ.
فَأَخَذَتْ هِنْدُ رَأْسَهُ وَقَالَتْ: بِئْسَ طَلِيعَةَ الْقَوْمِ. وَاللهِ مَا
خُدِشْتُ خَدْشاً، يَا أَهْلَ مَكَّةَ. عَلَيْكُمْ الْحَمِيتُ الدَّسِمَ
فَاقْتُلُوهُ. وَقَالَتْ هِنْدُ: إِنَمَّا النِّسَاءَ أَغْلاَلٌ، فَلْيَخْتَرِ الرَّجُلُ غِلًّا لِيَدِهِ. وَذَكَرَتْ هِنْدُ بِنْتُ
الْمُهَلَّبِ النِّسَاءَ فَقَالَتْ: مَا زُيِّنَّ بِشَيءٍ كَأَدَبٍ بَارِعٍ
تَحْتَهُ لُبٌّ ظَاهِرٌ. وَقَالَتْ أَيْضاً: إِذَا رَأَيْتُمُ النِّعَمَ مُسْتَدِيرَةً فَبَادِرُوا بِالشُّكْرِ قَبْلَ
حُلُولِ الزَّوَالِ.
لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةُ وَالْحَجَّاجُ:
قَدِمَتْ لَيْلَى الْأَخْيَلِيَّةُ عَلَى الْحَجَّاجِ وَمَدَحَتْهُ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؛ أَعْطِهَا
خَمْسَمِائَةٍ، فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْأَمِيرُ، اِجْعَلْهَا أَدَماً. فَقَالَ
قَائِلٌ: إِنَمَّا أَمَرَ لَكِ بِشَاءٍ. قَالَتْ: الْأَمِيرُ أَكْرَمُ
مِنْ ذَاكَ. فَجَعَلَهَا إِبِلاً إِنَاثاً اسْتِحْيَاءً. وَإِنَّمَا كَانَ أَمَرَ لَهَا بِشَاءٍ أَوَّلاً.
كَانَتْ آمِنَةُ بِنْتُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عِنْدَ الْوَلِيدِ بِنِ
عَبْدِ الْمَلِكِ، فَلَمَّا مَاتَ عَبْدُ الْمَلِكِ سَعَتْ بِهَا إِحْدَى
ضَرَّاتِهَا إِلَى الْوَلِيدِ. وَقَالَتْ: لِمَ تَبْكِ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ
كَمَا بَكَتْ نَظَائِرُهَا. فَقَالَ لَهَا الْوَلِيدُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَتْ:
صَدَقَ الْقَاِئُل لَكَ، أَكُنْتِ قَائِلَةً: يَا لَيْتَهُ بَقِيَ حَتَّى يَقْتُلَ
أَخاً لِي آخَرَ كَعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ.
كَانَتِ ابْنَةُ هَانِي بْنِ قُبَيْصَةَ عِنْدَ لَقِيطِ بْنِ زُرَارَةَ، فَقُتِلَ عَنْهَا
وَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا، فَكَانَ لاَ يَزَالُ يَرَاهَا تَذْكُرُ لَقِيطاً. فَقَالَ لَهَا
ذَاتَ مَرَّةٍ: مَا اسْتَحْسَنْتِ مِنْ لَقِيطٍ؟ فَقَالَتْ: كُلُّ أُمُورِهِ
كَانَتْ حَسَنَةً. وَلَكِنِّي أُحَدِّثُكَ إِنْ خَرَجَ مَرَّةً إِلَى الصَّيْدِ وَقَدِ انْتَشَى، فَرَجَعَ إِلَيَّ وَبِقَمِيصِهِ نَضْحٌ مِنْ دَمِ صَيْدِهِ وَالْمِسْكُ
يَضُوعُ مِنْ أَعْطَافِهِ، وَرَائِحَةُ الشَّرَابِ مِنْ فِيهِ. فَضَمَّنِي ضَمَةً
وَشَمَّنِي شَمَّةً، فَلَيْتَنِي كُنْتُ مُتُّ ثَمَّةَ. قَالَ: فَفَعَلَ زَوْجُهَا
مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ ضَمَّهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: أَيْنَ أَنَا مِنْ لَقِيطٍ؟ فَقَالَتْ: مَاءٌ
وَلاَ كَصُدَاءٍ، وَمَرْعًى وَلاَ كَالسَّعْدَانِ.
قَالُوا: كَانَ ذُو الْأُصْبُعِ الْعُدْوَانِيُّ غَيُوراً، وَكَانَ لَهُ
بَنَاتٌ أَرْبَعُ لاَ يُزَوِّجُهُنَّ غَيْرَةً؛ فَاسْتَمَعَ عَلَيْهِنَّ مَرَةً وَقَدْ خَلَوْنَ يَتَحَدَّثْنَ، فَذَكَرْنَّ الْأَزْوَاجَ حَتَّى قَالَتِ الصُّغْرَى مِنْهُنَّ:
زَوْجٌ مِنْ عُودٍ خَيْرٌ مِنْ قُعُودٍ. فَخَطَبَهُمْ فَزَوَّجَهُنَّ. ثُمَّ أَمْهَلَهُنَّ حَوْلاً، ثُمَّ زَارَ الْكُبْرَى
فَقَالَ لَهَا: كَيْفَ رَأَيْتِ زَوْجَكِ؟ قَالَتْ: خَيْرُ زَوْجٍ يُكْرِمُ
أَهْلَهُ، وَيَنْسَى فَضْلَهُ. قَالَ: حَظِيتِ وَرَضِيتِ. فَمَا مَالُكُمْ؟
قَالَتْ: خَيْرُ مَالٍ. قَالَ: وَمَا هُوَ؟ قَالَتْ: الإِبِلُ، نَأْكُلُ
لُحْمَانِهَا مُزَعاً، حَدِيثٌ أَمْ زَرْعٌ.
اجْتَمَعَتْ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةٍ فَتَعَاهَدْنَ أَلَّا يَكْتُمْنَ
أَخْبَارَ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئاً.
فَقالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٌّ، عَلَى جَبَلٍ وَعْرٍ،
لاَ سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلاَ سَمِينٌ فَيُنْتَقَى، وَيُرْوَى فَيُنْتَقَلُ.
وَقَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لاَ أَبُثُّ خَبَرَهُ، وَإِنِّي أَخَافُ أَلَّا أَذَرَهُ إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرُ
عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ.
قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ، لاَ حَرٌّ وَلاَ قَرٌّ، وَلاَ
مَخَافَةٌ وَلاَ سَآمَةٌ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ إشْتَّفَ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلاَ يُولِجُ الْكَفَّ
لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي عَيَيَاءُ طَبَاقَاءُ،
كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ، أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ.
قَالَتِ السَّاِبعَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلاَ
يُسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ الثَّاِمَنةُ: زَوْجِي الْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ،
وَالرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ،
طَوِيلُ النِّجَادِ، عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِي. قَالَتِ
الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ
إِبِلٌ قَلِيلاَتُ الْمَسَارِحِ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ
الْمِزْهَرِ أَيَقْنَّ أَنَهُنَّ هَوَالِكَ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةُ: زَوْجِي
أَبُو زَرْعٍ وَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حِلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ
شَحْمِ عَضُدَيَّ، وَبَجَحَنِي فَبَجَحْتُ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ
غُنَيْمَةٍ بِشَقٍّ وَنَشْرَبُ أَلْبَانَهَا جُرَعاً وَتَحَمِلُنَا وَضِعَفَتَنَا
مَعاً. فَقَالَ: زَوْجٌ كَرِيمٌ وَماَلٌ عَمِيمٌ. ثُمَّ زَارَ الثَّانِيَةَ
فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ زَوْجَكِ؟ قَالَتْ: يُكْرِمُ الْحَلِيلَةَ وَيَقَّرِبُ الْوَسِيلَةَ. قَالَ: فَمَا مَالُكُمْ؟ قَالَتْ:
الْبَقَرُ. قَالَ: وَمَا هِي؟ قَالَتْ: تَأْلَفُ الْفِنَاءَ، وَتَمْلَأُ
الْإِنَاءَ، وَتُودِكُ السِّقَاءَ، وَنِسَاءٌ مَعَ نِسَاءٍ. قَالَ: رَضِيتِ
وَحَظِيتِ. ثُمَّ زَارَ الثَّالِثَةَ فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ زَوْجَكِ؟
فَقَالَتْ: لاَ سَمْحٌ بَذْرٌ، وَلاَ بَخِيلٌ حَكْرٌ. قَالَ: فَمَا مَالُكُمْ؟
قَالَتْ: الْمِعْزَى. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: لَوْ كُنَّا نُولِدُهَا
فَطْماً، وَنَسْلَخُهَا أَدْماً، لَمْ نَبْغِ بِهَا نِعْماً. فَقَالَ: جُذْوَةٌ
مُغْنِيَةٌ. ثُمَّ زَارَ الرَّاِبعَةَ فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتِ زَوْجَكِ؟
فَقاَلَتْ: شَرَّ زَوْجٍ؛ يُكْرِمُ نَفْسُهُ وَيُهِينُ عِرْسَهُ. قَالَ: فَمَا
مَالُكُمْ؟ قَالَتْ: شَرُّ مَالٍ؛ الضَّأْنُ. قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قَالَتْ: جُوْفٌ
لاَ يَشْبَعْنَ، وَهِيمٌ لاَ يَنْقَعْنَ، وَصُمٌّ، لَا يَسْمَعْنَ، وَأَمَرَ
مُغْوِيَتِهِنَّ يَتْبَعْنَ. فَقَالَ: أَشْبَهُ أُمّاً بَعْضَ بَزَّةٍ،
فَأَرْسَلَهَا مَثَلاً.
امْرَأَةٌ عَلَى قَبْرِ الْأَحْنَفِ:
وَقَفَتِ امْرَأَةٌ مِنْ تَمِيمَ عَلَى قَبْرِ الْأَحْنَفِ، فَقَالَتْ:
للهِ دَرُّكَ مِنْ مِجَنٍّ فِي جَنَنٍ، وَمُدْرَجٍ فِي كَفَنٍ. نَسْأَلُ اللهَ
الَّذِي فَجَعَنَا بِوَجْهِكَ، وَابْتَلاَنَا بِفَقْدِكَ، أَنْ يَجْعَلَ سَبِيلَ
الْخَيْرِ سَبِيلَكِ وَدَلِيلَ الْخَيْرِ دَلِيلَكِ، وَأَنْ يُوَسِّعَ لَكَ فِي
قَبْرِكَ، وَيَغْفِرَ لَكَ يَوْمَ حَشْرِكَ. فَوَ اللهِ لَقَدْ كُنْتُ فِي
الْمَحَافِلِ شَرِيفاً، وَعَلَى الْأَرَامِلِ عَطُوفاً، وَلَقَدْ كُنْتَ فِي
الْجُودِ مُسَوَّداً، وَإِلَى الْخَلِيفَةِ مُوَفَّداً، وَلَقَدْ كَانُوا
لِقَوْلِكَ مُسْتَمْتِعِينَ، وَلِرَأْيِكَ مُتَّبِعِينَ.
الْمَأْمُونُ وَزُبَيْدَةَ:
قَالَ ثُمَامَةُ: لَمَّا دَخَلَ الْمَأْمُونُ بَغْدَادَ دَخَلَتْ عَلَيْهِ
زُبَيْدَةُ أُمُّ الْأَمِينِ، فَجَلَسَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقاَلَتْ: الْحَمْدُ
للهِ، أُهَنِّيكَ بِالْخِلاَفَةِ، فَقَدْ هَنَّأْتُ بِهَا نَفْسِي قَبْلَ أَنْ
أَراَكَ؛ وَلَئِنْ كُنْتُ قَدْ فَقَدْتُ ابْناً خَلِيفَةً، لَقَدْ اعْتَضْتُ
ابْناً خَلِيفَةً، وَمَا خَسِرَ مَنِ اعْتَاضَ مِثْلَكَ، وَلاَ ثُكِلَتْ أُمٌّ
مَلَأَتْ عَيْنَهَا مِنْكَ، وَأَنَا أَسْأَلُ اللهَ أَجْراً عَلَى مَا أَخَذَ،
وَإِمْتَاعاً بِمَا وَهَبَ. فَقَاَل الْمَأْمُونُ: مَا تَلِدُ النِّسَاءُ مِثْلَ
هَذِهِ. مَاذَا تَرَاهَا أَبْقَتْ فِي هَذَا الْكَلاَمِ لِبُلَغَاءِ الرِّجَالِ.
تَزَوَّجَ عَبْدُ الْمَلِكِ لُبَابَةَ بِنْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرَ،
فَقَالَتْ لَهُ يَوْماً: لَوِ اسْتَكْتَ فَقَالَ: أَمَّا مِنْكَ فَأَسْتَاكُ. وَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَهَا
عَلِيُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْعَّبَاسِ وَكَانَ أَقْرَعَ لاَ يُفَارِقُهُ قَلَنْسُوَتُهُ.
فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ جَارِيَةً وَهُوَ جَالِسٌ مَعَ لُبَابَةَ،
فَكَشَفَتْ رَأْسَهُ عَلَى غَفْلَةٍ لِتَرَى مَا بِهِ. فَقَالَتْ لِلْجَارِيَةِ:
قُولِي لَهُ: هَاشِمِيٌّ أَصْلَعٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ أُمَوِيٍّ أَبْخَرٍ.
فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأطِيطٍ، وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ وَعِنْدَهُ
أَقُولُ فَلاَ أُقَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَقَيَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ.
أُمُّ أَبِي زَرْعٍ وَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رِدَاحٌ، وَبَيْتُهَا
فَسَاحٌ. اِبْنُ أَبِي زَرْعٍ وَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟ مَضْبَحٌ كَمِسَلِّ
شَطْبَةٍ، وَتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ. بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ وَمَا بِنْتُ
أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا وَمِلْءُ كِسَاِئهَا، وَغَيْظُ
جَارَتِهَا. جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ وَمَا جَارِيَةُ أَبيِ زَرْعٍ؟ لاَ تَبُثُّ
حَدِيثَنَا تَبْثِيثاً وَلاَ تَنْقُثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثاً، وَلاَ تَمْلَأُ
بَيْتَنَا تَعْشِيشاً. خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ
امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ
خِصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ، فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ
رَجُلاً سَرِيّاً، رَكِبَ شَرِيّاً، وَأَخَذَ خَطِيّاً، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نِعَماً
ثَرِيّاً. وَقَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتِ كُلَّ
شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): كُنْتُ
لَكَ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ.
إسْلاَمُ قِيلَةَ:
وَفِي حَدِيثِ قِيلَةَ حِينَ خَرَجَتْ إِلَى النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ
عَلَيهِ وَسَلَّمَ) كَانَ عَمُّ بَنَاتِهَا أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَنَاتِهَا
مِنْهَا.
قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَتْ بَكَتْ هُنَيْهَةً مِنْهُنَّ وَهِيَ
أَصْغَرُهُنَّ، حُدَيْبَاءُ كَانَتْ قَدْ أَخَذَتْهَا الْفُرْصَةَ، عَلَيْهَا
سَبِيجٌ لَهَا مِنْ صَوْفٍ فَرَحِمَتْهَا فَحَمَلَتْهَا مَعَهَا فَبِينَا هُمَا
يَرْتَكَاِن، إِذَا تَنَفَّجَتِ الْأَرْنَبُ. فَقَالَتِ الْحُدَيْبَاءُ
وَالْقَصِيَّةُ: وَاللهِ لاَ يَزَالُ كَعْبُكِ عَالِياً. قَالَتْ: وَأَدْرَكَنِي
عَمُهُنَّ بِالسَّيْفِ، فَأَصَابَتْ ظَبَّتُهُ طَائِفَةً مِنْ قُرُونِ
رَأْسَيْهِ. وَقَالَ: أَلْقِي إِلَيَّ ابْنَةَ أَخِي يَا دُفَارُ فَأَلْقَيْتُهَا
إِلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أُخْتٍ لِي نَاكِحٍ فِي بَنِي شَيْبَانَ
أَبْتَغِي الصَّحَابَةَ إِلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ).
فَبَيْنَمَا أَنَا عِنْدَهَا لَيْلَةً، تَحْسَبُ عَيْنِي نَائِمَةً، إِذْ دَخَلَ
زَوْجُهَا مِنَ السَّامِرِ، فَقَالَ: وَأَبِيكِ لَقَدْ أَصَبْتُ لِقِيلَةَ صَاحِبَ
صِدْقٍ، حُرَيْثَ بْنَ حَسَّانِ الشَيْبَانِيُّ فَقَالَتْ أُخْتِي: الْوَيْلُ لِي،
لاَ تُخْبِرْهَا فَتَتَّبِعْ أَخَا بَكْرٍ بْنِ وَائِلٍ بَيْنَ سَمْعِ الْأَرْضَ
وَبَصَرِهَا، لَيْسَ مَعَهَا رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهَا. قَالَتْ: فَصَحَبْتُ صَاحِبَ
صِدْقٍ، حَتَى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،
فَصَّلَيْتُ مَعَهَا الْغَدَاةَ حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ دَنَوْتُ،
فَكُنْتُ إِذَا رَأَيْتُ رَجُلًا ذَا رُوَاءٍ أَوْ ذَا قِشْرٍ طَمَحَ بَصَرِي
إِلَيْهِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ.
فَقَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلاَمُ. وَهُوَ قَاعِدٌ القُرْفُصَاءَ، وَعَلَيْهِ
أَسْمَالٌ مَليتِينَ، وَمَعَهُ عَسِيبُ نَخْلَةٍ مَقْشُورٌ غَيْرَ خَوْصَتَينِ
مِنْ أَعْلاَهُ قَالَ: فَتَقَدَّمَ صَاحِبِي يُبَايِعُهُ عَلَى الْإِسْلاَمِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، اُكْتُبِ لِي بِالدَّهْنَاءِ لاَ يُجَاوِزُهَا
مِنْ تَمِيمٍ إِلَيْنَا إِلَّا مُسَافِرٌ أَوْ مُجَاوِرٌ. فَقَالَ: يَا غُلاَمُ؛
اُكْتُبْ لَهُ قَالَتْ: فَشَخَصَ بِي وَكَانَتْ وَطَنِي وَدَارِي فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللهِ، الدَّهْنَاءُ مَقِيدُ الْجَمَلِ، وَمَرْعَى الْغَنَمِ، وَهَذِهِ
نِسَاءُ بَنِي تَمِيمٍ وَرَاءَ ذَلِكَ. فَقَالَ: صَدَقَتِ الْمِسْكِينَةُ،
الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، يَسَعْهُمَا الْمَاءُ وَالشَّجَرُ
وَيَتَعَاوَنَانِ عَلَى الْفِتَانِ. قَالَتْ: ثُمَّ أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ
فَكَتَبَ لِي فِي قِطْعَةِ أَدَمٍ أَحْمَرَ: لِقِيلَةَ وَالنِّسْوَةُ وَبَنَاتُ
قَلِيلَةٌ لاَ يَظْلِمْنَّ حَقّاً وَلاَ يُكْرَهْنَ عَلَى مَنْكَحٍ، وَكُلُّ
مُؤْمِنٍ مُسْلِمٍ لَهُنَّ نَصِيرٌ، أَحْسِنَّ وَلاَ تُسِئْنَ. وَقَالَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ: أَيُلاَمُ ابْنُ هَذِهِ أَنْ يَفْصِلَ الْخُطَّةَ، وَيَنْتَصِرَ
مِنْ وَرَاءِ الْحُجْرَةِ. قَالَتْ: فَلَمَّا رَأَى حُرَيْثُ أَنَّهُ قَدْ حِيلَ
دُونَ كتِاَبِهِ صَفَّقَ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ
أَنَا وَأَنْتَ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُ: حَتْفَهَا حَمَلَتْ ضَأْنٌ
بأَِظْلاَفِهَا.
قَالَتْ: فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ لَقَدْ كُنْتَ دَلِيلاً فِي اللَّيْلَةِ
الظَّلْمَاءِ، جَوَاداً لِذِي الرَّحْلِ، عَفِيفاً عَنِ الرَّفِيقَةِ، صَاحِبَ
صِدْقٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ. عَلَى أَنِّي
أَسْأَلُ حَظِّي إِذَا سَأَلْتَ حَظَّكَ. قَالَ: وَمَا حَظُّكَ مِنَ الدَّهْنَاءِ؟
لاَ أَبَا لَكِ قَالَتْ: مُقَيَّدٌ جَمَلِي تَسْأَلُهُ لِجَمَلٍ امْرَأَتُكِ.
قَالَ: أَمَّا إِنِّي أُشْهِدُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ أَنِّي لَكِ
أَخٌ مَا حَيِيتُ إِذْ أَثْنَيْتِ هَذَا عَلَيَّ عِنْدَهُ. قَالَتْ: إِذَا
بَدَأْتُهَا فَإِنِّي لَا أُضَيِّعُهَا.
وَقَفَ الْمَهْدِيُّ وَقَدْ حَجَّ عَلَى امْرَأَةٍ مِنْ
طَيِّءٍ فَقَالَ: مِمَّنِ الْعَجُوزُ؟ قَالَتْ: مِنْ طَيِّءٍ قَالَ: مَا مَنَعَ
طَيِّئاً أَنْ يَكُونَ فِيهَا آخَرُ مِثْلَ حَاتِمٍ؟ قَالَتْ: الَّذِي مَنَعَ
الْعَرَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا آخَرُ مِثَلَكَ. قَالُوا: سَارَتْ بَنُو سَعْدٍ
إِلَى بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَكَانَتْ فِيهِمْ جَارِيَةٌ عَاشِقٌ فَاكْتَلأَتْ
تَنْظُرُ، فَرَأَتْ رَجُلاً مُعْتَجِراً بِشُقَّةِ بُرَدٍ مُتَنَكِّباً قَوْسَهُ
فَلاَحَتْ لَهَا صَفْحَةُ الْقَوْسِ، فَأَنْبَهَتْ أَبَاهَا وَقَالَتْ: يَا
أَبَهْ: إِنِّي رَأَيْتُ مَتْنَ سَيْفٍ أَوْ صَفْحَةَ قَوْسٍ عَلَى مَوْضِعِ
السِّلاَحِ فِي الشِّمَالِ، مِنْ رَجُلٍ أَجْلَى الْجَبِينِ بَرَّاقِ الثَّنَايَا،
كَأَنَّ عَمَامَتَهُ مَلْوِيَّةٌ بِشَجَرَةٍ. فَقَالَ: يَا بُنَيَّةَ، إِنِّي
لأَبْغِضُ الْفَتَاةَ الْكَلُوءَ الْعَيْنِ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا كَذَبْتُكَ.
فَصَاحَ فِي قَوْمِهِ فَأَنْذَرَهُمْ. فَقَالُوا: مَا نِيَّةُ ابْنَتِكَ فِي هَذِهِ
السَّاعَةِ؟ إِنَّهَا عَاشِقَةٌ، فَاسْتَحْيَا الشَّيْخُ فَانْصَرَفَ. فَقَالَتِ
ابْنَتُهُ: اِرْتَحِلْ؛ فَإِنَّ الْجَيْشَ مُصَبَِّحُكَ. وَوَقَعَتْ بَنُو سَعْدٍ
بِبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ فَقَتَلُوا وَمَلَأُوا أَيْدِيَهُمْ مِنَ السَّبْيِ
وَالْغَارَةِ.
قَالَ الْأَصْمَعِي: قِيلَ لِامْرَأَةٍ: عَلاَمَ
تَمْنَعِينَ زَوْجَكِ الْقِصَّةَ؟ فَإِنَّهُ يَعْتَلُّ بِكِ. فَقَالَتْ: كَذَبَ
وَاللهِ، إِنِّي لأُطَأْطِئُ الْوِسَادَ وَأُرْخِي اللِّبَادَ.
رُقْيَةُ أَعْرَابِيَّةٍ:
قَالَ بَعْضُهُمْ: سَمِعْتُ أَعْرَابِيَّةً بِالْحِجَازِ تَرْقِي رَجُلاً
مِنَ الْعَيْنِ فَقَالَتْ: أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّهْ، الَّتِي لاَ
تَجُوزُ عَلَيْهَا هَامَّهْ، مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَشَرِّ الْإِنْسِ عَامَّهْ،
وَشَرِّ النَّظْرَةِ اللَّامَّهْ، أُعِيذُكَ بِمَطْلَعِ الشَّمْسِ، مِنْ شَرِّ ذِي
مَشْيٍ هَمْسْ، وَشَرِّ ذِي نَظَرٍ خِلْسْ، وَشَرِّ ذِي قَوْلٍ دَسّْ. مِنْ شَرِّ
الْحَاسِدِينَ وَالْحَاسِدَاتِ، وَالنَّافِسِينَ وَالنَّافِسَاتِ وَالْكَائِدِينَ
وَالْكَائِدَاتِ.
نَشَرْتُ عَنْكَ بِنَشْرَةِ نَشَّارِ، عَنْ رَأْسِكَ ذِي الْأَشْعَارِ،
وَعَنْ عَيْنَيْكَ ذَوَاتَيِ الْأَشْفَارِ، وَعَنْ فِيكَ ذِي الْمَحَارِ،
وَظَهْرِكَ ذِي الْفِقَارِ، وَبَطْنِكَ ذِي الْأَسْرَارِ، وَفَرْجِكَ ذِي
الْأَسْتَارِ، وَيَدَيْكَ ذَوَاتَيِ الْأَظْفَارِ، وَرِجْلَيْكَ ذَوَاتَيِ
الْآثَارِ، وَذَيْلِكَ ذِي الْغُبَارِ، وَعَنْكَ فَضْلاً وَذَا إِزَارِ، وَعَنْ
بَيْتِكَ فَرَجاً وَذَا أَسْتَارِ. رَشَشْتُ بِمَاءٍ بَارِدٍ نَاراً، وَعَيْنَيْنِ
أَشْفَاراً، وَكَانَ اللهُ لَكَ جَاراً.
مُعَاوِيَةُ وَسَوْدَةُ بِنْتُ عَمَارَةَ:
وَفَدَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ عَمَارَةَ الْهَمَدَانِيَّةَ عَلَى مُعَاوِيَةَ
فَقَالَ لَهَا: مَا حَاجَتُكِ؟ قَالَتْ: إِنَّكَ أَصْبَحْتَ لِلنَّاسِ سَيِّداً،
وَلِأَمْرِهِمْ مُتَقَلِّداً، وَاللهُ مُسَائِلُكَ عَنْ أَمْرِنَا، وَمَا
افْتَرَضَ عَلَيْكَ مِنْ حَقِّنَا، وَلاَ يَزَالُ يُقَدِّمُ عَلَيْنَا مَنْ
يَنُوءُ بِعِزِّكَ، وَيَبْطِشُ بِسُلْطَانِكَ، فَيَحْصُدُنَا حَصْدَ السُّنْبُل،ِ
وَيَدُوسُنَا دَوْسَ الْبَقَرِ، وَيَسُومُنَا الْخَسِيسَةَ، وَيَسْأَلُنَا
الْجَلِيلَةَ. هَذَا بِشْرُ بْنِ أَرْطَاةَ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قِبَلِكَ،
فَقَتَلَ رِجَالِي، وَأَخَذَ مَالِي، يَقُولُ لِي: قُومِي بِمَا أَسْتَعْصِمُ
اللهَ مِنْهُ، وَأَلْجَأُ إِلَيْهِ فِيهِ، وَلَوْلاَ الطَّاعَةُ لَكَانَ فِينَا
عِزَّةٌ وَمَنْعَةٌ؛ فَإِمَّا عَزَلْتَهُ عَنَّا فَشَكَرْنَاكَ، وَإِمَّا لاَ
فَعَرَفْنَاكَ. قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَتُهَدِّدِيَنَنِي بِقَوِمِكِ؟ لَقَدْ
هَمَمْتُ أَنْ أَحْمِلَكِ عَلَى قَتَبٍ أَشْرَسٍ، فَأَرُدَّكِ إِلَيْهِ، يُنَفِّذُ
فِيكِ حُكْمَهُ. فَأَطْرَقَتْ تَبْكِي ثُمَّ أَنْشَأَتْ تَقُولُ: صَلَّى الْإِلَهُ
عَلَى جِسْمٍ تَضَمَّنَهُ... قَبْرٌ فَأَصْبَحَ فِيهِ الْعَدْلُ مَدْفُونَا
قَدْ حَالَفَ الْحَقَّ لاَ يَبْغِي بِهِ بَدَلَا... فَصَارَ باِلْحَقِّ
وَالْإِيمَانِ مَقْرُونَا
قَالَ لَهَا: وَمَنْ ذَاكَ؟ قَالَتْ: عَلِيُّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ. قَالَ: وَمَا صَنَعَ بِكَ حَتَى صَارَ عِنْدَكَ كَذَا؟ قَالَتْ:
قَدِمْتُ عَلَيْهِ فِي مُتَصَدِّقٍ قَدِمَ عَلَيْنَا قَبْلَهُ، وَاللهِ مَا كَانَ
بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلَّا مَا بَيْنَ الْغَثِّ وَالسَّمِينِ، فَأَتَيْتُ عَلِيّاً
عَلَيْهِ السَّلاَمُ لِأَشْكُوَ إِلَيهِ مَا صَنَعَ، فَوَجَدْتُهُ قَائِماً
يُصَلِّي. فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيَّ انْفَتَلَ مِنْ صَلاَتِهِ ثُمَّ قَالَ لِي
بِرَأْفَةٍ وَتَعَطُّفٍ: أَلَكِ حَاجَةٍ؟ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ. فَبَكَى ثُمَّ
قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَنْتَ الشَّاهِدُ عَلَيَّ وَعَلَيْهِمْ، إِنِّي لَمْ
آمُرْهُمْ بِظُلْمِ خَلْقِكَ، وَلاَ بِتَرْكِ حَقِّكَ. ثُمَّ أَخْرَجَ مِنْ
جَيْبِهِ قِطْعَةَ جِلْدٍ كَهَيْئَةِ طَرَفِ الْجِرَابِ، فَكَتَبَ فِيهَا:
''بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ
رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ'' ''وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ
أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ، بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ
لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ''. إِذَا
قَرَأْتَ كِتَابِي فَاحْتَفِظْ بِمَا فِي يَدَيْكَ مِنْ عَمَلِنَا حَتَّى يُقْدِمَ
عَلَيْكَ مَنْ يَقْبِضُهُ مِنْكَ وَالسَّلاَمُ. فَأَخَذَتْهُ مِنْهُ وَاللهِ مَا
خَتَمَهُ بِطِينٍ وَلاَ خَزَمَهُ بِخِزَامٍ فَقَرَأْتُهُ. فَقَالَ لَهَا
مُعَاوِيَةُ: لَقَدْ لَمَظَكُمُ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ الْجُرْأَةَ عَلَى
السُّلْطَانِ فَبَطِيئاً مَا تُفْطِمُونَ. ثُمَّ قاَلَ: اكْتُبُوا لَهَا بِرَدِّ
مَالِهَا وَالْعَدْلِ عَلَيْهَا. قَالَتْ: إِلَيَّ خَاصَّةً أَمْ لِقَوْمِي
عَامَّةً. قَالَ: مَا أَنْتِ وَقَوْمُكِ؟ قَالَتْ: هِيَ وَاللهِ ذَا الْفَحْشَاءِ
وَاللُّؤْمِ. إِنْ كَانَ عَدْلاً شَامِلاً، وَإِلاَّ فَأَنَا كَسَائِرِ قَوْمِي.
قَالَ: اكْتُبُوا لَهَا وَلِقَوْمِهَا.
مُعَاوِيَةُ وَالزَّرْقَاءُ بِنْتُ عُدَيٍّ:
وَأَوْفَدَ مُعَاوِيَةُ الزَّرْقَاءَ بِنْتَ عُدَيٍّ بْنِ غَالِبٍ فَقَاَل
لَهَا: أَلَسْتِ رَاكِبَةَ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ يَوْمَ صِفِّينَ بَيْنَ
صَفَّيْنِ، تُوقِدِينَ الْحَرْبَ، وَتَحُضِّينَ عَلَى الْقِتَالِ؟ فَمَا حَمَلَكِ
عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ
الرَّأْسُ، وَبَقِيَ الذَّنْبُ، وَالدَّهْرُ ذُو غِيَرٍ، وَمَنْ تَفَكَّرَ
أَبْصَرَ، وَالْأَمْرُ يَحْدُثُ بَعْدَهُ الْأَمْرُ. قَالَ لَهَا: صَدَقَتِ.
فَهَلْ تَحْفَظِينَ كَلاَمَكِ يَوْمَ صِفِّينَ؟ قَالَتْ: مَا أَحْفُظُهُ قَالَ: وَلَكِنِّي
وَاللهِ أَحْفَظُهُ. للهِ أَبُوكِ لَقَدْ سَمِعْتُكِ تَقُولِينَ: أَيُّهَا
النَّاسُ؛ إِنَّكُمْ فِي فِتْنَةٍ، غَشَتْكُمْ جَلاَبِيبُ الظُّلْمَ، وَجَارَتْ
بِكُمْ عَنْ قَصْدِ الْمَحَبَّةِ، فَيَا لَهَا مِنْ فِتْنَةٍ عَمْيَاءَ صَمَّاءَ
لاَ يُسْمَعُ لِقَائِلِهَا، وَلاَ يُنْقَادُ لِسَائِقِهَا. أَيُّهَا النَّاسُ؛
إِنَّ الْمِصْبَاحَ لاَ يُضِيءُ فِي الشَّمْسِ وَإِنَّ الْكَوَاكِبَ لاَ تَقِدُ
فِي الْقَمَرِ، وَإِنَّ الْبَغْلَ لاَ يَسْبِقُ الْفَرَسَ، وَإِنَّ الزَّفَّ لاَ
يُوَازِنُ الْحَجَرَ، وَلاَ يَقْطَعُ الْحَدِيدُ إِلَّا الْحَدِيدَ، أَلَا مَنِ
اسْتَرْشَدَنَا أَرْشَدْنَاهُ، وَمَنِ اسْتَخْبَرَ أَخْبَرْنَاهُ، إِنَّ الْحَقَّ
كَانَ يَطْلُبُ ضَالَّتَهُ، فَصَبْراً يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ
وَالْأَنْصَارِ، فَكَأَنْ قَدِ انْدَمَلَ شَعْبُ الشَّتَاتِ، وَالْتَأَمَتْ
كَلِمَةُ الْعَدْلِ، وَغَلَبَ الْحَقُّ بَاطِلَهُ، فَلاَ يَعْجَلَنَّ أَحَدٌ
فَيَقُولُ: كَيْفَ وَأَنَّى. لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً. أَلَا
إِنَّ خِضَابَ النِّسَاءِ الحِنَّاءِ، وَخِضَابُ الرِّجَالِ الدِّمَاءُ،
وَالصَّبْرُ خَيْرٌ فِي الْأُمُورِ عَوَاقِباً إِلَى الْحَرْبِ قُدْماً غَيْرَ
نَاكِصِينَ، فَهَذَا يَوْمٌ لَهُ مَا بَعْدَهُ. ثُمَّ قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ
يَا زَرْقَاءَ لَقَدْ شَرَكْتِ عَلِيّاً فِي كُلِّ دَّمٍ سَفَكَهُ، فَقَالَتْ:
أَحْسَنَ اللهَ بِشَارَتَكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَدَامَ سَلاَمَتَكَ.
مِثْلُكِ مِنْ بَشَّرَ بِخَيْرٍ وَسَرَّ جَلِيسَهُ. قَالَ لَهَا: وَقَدْ سَرَّكَ
ذَلِكَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ وَاللهِ، لَقَدْ سَرَّنِي قَوْلُكِ فَأَنَّى بِتَصْدِيقِ
الْفِعْلِ؟ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَاللهِ لَوَفَاؤُكُمْ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ
أَحَّبُ إِلَيَّ مِنْ حُبِّكُمْ لَهُ فِي حَيَاتِهِ.
مُعَاوِيَةُ وَأُمُّ الْخَيْرِ بِنْتُ الْحُرَيْشِ:
وَأَوْفَدَ أُمَّ الْخَيْرِ بِنْتَ الْحُرَيْشِ الْبَارِقِيَّةُ فَقَالَ
لَهَا: كَيْفَ كَانَ كَلاَمُكِ يَوْمَ قُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ؟ قَالَتْ:
لَمْ أَكُنْ وَاللهِ رَوَيْتُهُ مِنْ قَبْلُ وَلاَ دَوَّنْتَهُ بَعْدُ. وَإِنَّمَا
كَانَتْ كَلِمَاتٍ نَفَثَهُنَّ لِسَانِي حِينَ الصَّدْمَةِ. فَإِنْ شِئْتَ أَنْ
أُحْدِثَ لَكَ مَقَالاً غَيْرَ ذَلِكَ فَعَلْتُ. قَالَ: لاَ أَشَاءُ ذَلِكَ. ثُمَّ
التَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيُّكُمْ حَفِظَ كَلاَمَ أُمِّ الْخَيْرِ؟
قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا أَحْفَظُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
كَحِفْظِي سُورَةَ الْحَمْدِ. قَالَ: هَاتِه. قَالَ: نَعَمْ كَأَنِّي بِهَا يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَعَلَيْهَا بُرْدٌ زُبَيْدِيٌّ
كَثِيفُ الْحَاشِيَةِ، وَهِيَ عَلَى جَمَلٍ أَرْمَكَ وَقَدْ أُحِيطَ حَوْلَهَا
وَبِيَدِهَا سَوْطٌ مُنْتَشِرُ الضَّفِيرَةِ، وَهِيَ كَالْفَحْلِ يَهْدِرُ فِي
شَقْشَقَتِهِ، تَقُولُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ
زَلْزَلَةَ السَّاعَةَ شَيْءٌ عَظِيمٌ. إِنَّ اللهَ قَدْ أَوْضَحَ الْحَقَّ،
وَأَبَانَ الدَّلِيلَ، وَنَوَّرَ السَّبِيلَ، وَرَفَعَ الْعِلْمَ؛ فَلَمْ يَدَعْكُمْ
فِي عَمْيَاءَ مَبْهَمَةٍ، وَلاَ سَوْدَاءَ مُدْلَهِمَّةٍ، فَإِلَى أَيْنَ
تُرِيدُونَ رَحِمَكُمْ اللهَ؟ أَفِرَاراً عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، أَمْ
فِرَاراً مِنَ الزَّحْفِ، أَمْ رَغْبَةً عَنِ الْإِسْلاَمِ، أَمِ ارْتِدَاداً عَنِ
الْحَقِّ؟ أَمَا سَمِعْتُمُ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ''وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ
حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ والصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ
أَخْبَارَكُمْ''. ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ تَقُولُ:
اللَّهُمَّ قَدْ عِيلَ الصَّبْرُ، وَضَعُفَ الْيَقِينُ، وَانْتَشَرَتِ
الرَّعِيَّةُ، وَبِيَدِكَ يَا رَبِّ أَزِمَّةُ الْقُلُوبِ، فَاجْمَعْ إِلَيْهِ
كَلِمَةَ التَّقْوَى، وَأَلِّفِ الْقُلُوبَ عَلَى الْهُدَى، وَارْدُدِ الْحَقَّ
إِلَى أَهْلِهِ - هَلُمُّوا رَحِمَكُمُ اللهُ إِلَى الْإِمَامِ الْعَادِلِ،
وَالْوَصِيِّ الْوَفِيِّ، وَالصَّدِيقِ الْأَكْبَرِ، إِنَّهَا إِحَنٌّ
بَدْرِيَّةٌ، وَأَحْقَادٌ جَاهِلِيَّةٌ، وَضَغَائِنُ أُحُدِيَّةٌ وَثَبَ بِهَا
مُعَاوِيَةُ حِينَ الْغَفْلَةِ، لِيُدْرِكَ بِهَا ثَارَاتِ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ.
ثُمَّ قاَلَتْ: ''فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ
لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ'' صَبْراً مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، قَاتِلُوا عَلَى بَصِيرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ، وَثَبَاتٍ مِنْ
دِينِكُمْ؛ فَكَأَنِّي بِكُمْ غَداً قَدْ لَقِيتُمْ أَهْلَ الشَّامِ كَحُمُرٍ
مُسْتَنْفَرَةٍ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةَ، لاَ تَدْرِي أَيْنَ يُسْلَكُ بِهَا فِي
فِجَاجِ الْأَرْضِ. بَاعُوا الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا، وَاشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ
بِالْهُدَى، وَبَاعُوا الْبَصِيرَةَ بِالْعَمَى. وَعَمَّا قَلِيلٍ لَيُصْبِحُنَّ
نَادِمِينَ، تَحِلُّ بِهِمُ النَّدَامَةُ فَيَطْلُبُونَ الْإِقَالَةَ. إِنَّهُ
وَاللهِ مَنْ ضَّلَ عَنِ الْحَقِّ وَقَعَ فِي الْبَاطِلِ، وَمَنْ لَمْ يَسْكُنِ
الْجَنَّةَ نَزَلَ النَّارَ. أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ الْأَكْيَاسَ اسْتَقْصَرُوا
عُمُرَ الدُّنْيَا فَرَفَضُوهَا، وَاسْتَبْطَأُوا الْآخِرَةَ فَسَعْوا لَهَا.
وَاللهِ أَيُّهَا النَّاسُ لَوْلَا أَنْ تُبْطَلَ الْحُقُوقُ، وَتُعَطَّلَ
الْحُدُودُ، وَيَظْهَرَ الظَّالِمُونَ، وَتَقْوَى كَلِمَةُ الشَّيْطَانِ، لَمَا اخْتَرْنَا وُرُودَ الْمَنَايَا عَلَى
خَفْضِ الْعَيْشِ وَطِيبِهِ. فَإِلَى أَيْنَ تُرِيدُونَ رَحِمَكُمُ اللهُ؟ عَنِ
ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَزَوْجِ ابْنَتِهُ، وَأَبِي
ابْنَيْهِ، خُلِقَ مِنْ طِينَتِهِ، وَتَفَرَّعَ مِنْ نَبْعَتِهِ، وَخَصَّهُ بِسِرِّهِ، وَجَعَلَهُ بَابَ مَدِينَتِهِ، وَعَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ وَأَبَانَ بِبُغْضِهِ الْمُنَافِقِينَ.
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ يُؤَيِّدُهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمَعُونَتِهِ، وَيَمْضِي
عَلَى سُنَنِ اسْتِقَامَتِهِ، لاَ يَعْرُجُ لِرَاحَةِ الدَّارِ. هَا هُوَ مُفْلِقُ
الْهَامِ، وَمُكَسِّرِ الْأَصْنَامِ، إِذْ صَلَّى وَالنَّاسُ مُشْرِكُونَ، وَأَطَاعَ وَالنَّاسُ مُرْتَابُونَ،
فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَتَلَ مُبَارِزِي بَدْرٍ، وَأَفْنَى أَهْلَ
أُحُدٍ، وَفَرَّقَ جَمْعَ هَوَزَانَ. فَيَا لَهَا مِنْ وَقَائِعَ
زَرَعَتْ فِي قُلُوبِ قَوْمٍ نِفَاقاً، وَرِدَّةً وَشِقَاقاً. قَدِ اجْتَهَدَتُ
فِي الْقَوْلِ، وَبَالَغَتُ فِي النَّصِيحَةِ وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ وَعَلَيْكُمُ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ. فَقَالَ
مُعَاِويَةُ: وَاللهِ يَا أُمَّ الْخَيْرِ مَا رَأَيْتُ بِهَذَا الْكَلاَمِ إِلَّا
قَتْلِي. وَوَاللهِ لَوْ قَتَلْتُكَ مَا حَرِجْتُ فِي ذَلِكَ. قَالَتْ: وَاللهِ مَا يَسُوءُنِي يَا
بْنَ هِنْدٍ أَنْ يَُجْرِيَ اللهُ ذَلِكَ عَلَى يَدَيْ مَنْ يُسْعِدُنِي
بِشَقَائِهِ. قَالَ: هَيْهَاتَ يَا كَثِيرَةَ الْفُضُولِ: مَا تَقُولِينَ فِي
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ؟ قَالَتْ: وَمَا عَسَيْتُ أَنْ أَقُولَ فِيهِ؟
اسْتَخْلَفَهُ النَّاسِ وَهُمْ كَارِهُونَ، وَقُتِلُوا وَهُمْ رَاضُونَ.
فَقَالَ مُعَاوِيَةَ: إِيهاً يَا أُمَّ الْخَيْرِ. هَذَا وَاللهِ
أَوَصْلَكِ الَّذِي تَبْنِينَ عَلَيْهِ. قَالَتْ: ''لَكِنَّ اللهَ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ
بِعِلْمِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ يَشْهَدُونَ، وَكَفَى بِاللهِ شَهِيداً'' مَا
أَرَدْتُ لِعُثْمَانَ نَقْصاً. وَلَقَدْ كَانَ سَبَّاقاً إِلَى الْخَيْرَاتِ
وَإِنَّهُ لَرَفِيعُ الدَّرَجَةِ. قَالَ: فَمَا تَقُولِينَ فِي طَلْحَةَ بْنِ
عُبَيْدِ اللهِ؟ قَالَتْ: وَمَا عَسَى أَنْ أَقُولَ فِي طَلْحَةَ؟ اُغْتِيلَ مِنْ
مَأْمَنِهِ، وَأُتِيَ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْذَرْ. وَقَدْ وَعَدَهُ رَسُولُ اللهِ
(صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الْجَنَّةَ. قَالَ: فَمَا تَقُولِينَ فِي الزُّبَيْرِ؟ قَالَتْ:
يَا هَذَا لاَ تَدَعْنِي كَرَجِيعِ الضَّبُعِ يَعْرِكُ فِي الْمَرْكَنِ. قَالَ:
حَقاًّ لَتَقُولِينَ ذَلِكَ. وَقَدْ عَزَمْتُ عَلَيْكِ. قَالَتْ: وَمَا عَسَيْتُ
أَنْ أَقُولَ فِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
وَحَوَارِيِّهِ؟ وَقَدْ شَهِدَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِالْجَّنَةِ. وَلَقَدْ كَانَ سَبَّاقاً إِلَى كُلِّ مَكْرُمَةٍ
مِنَ الْإسْلاَمِ. وَإِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ اللهِ يَا مُعَاوِيَةُ؛ فَإِنَّ
قُرَيْشاً تُحَدِّثُ أَنَّكَ مِنْ أَحْمَلِهَا، فَأَنَا أَسْأَلُكَ بِأَنْ
تَسَعَنِي بِفَضْلِكَ، وَأَنْ تَعْفِيَنِي مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ. وَامْضِ لِمَا شِئْتَ مِنَ غَيْرِهَا. قَالَ: نَعَمْ وَكَرَامَةً
قَدْ أَعْفَيْتُكَ، وَرُدَّهَا مُكَرَّمَةً إِلَى بَلَدِهَا.
الْجُمَانَةُ بِنْتُ الْمُهَاجِرِ وَابْنُ الزُّبَيْرِ:
ذُكِرَ أَنَّ الْجُمَانَةَ بِنْتَ الْمُهَاجِرِ بْنِ خَالِدِ بْنِ
الْوَلِيدِ نَظَرَتْ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ يَرْقَى
الْمِنْبَرَ، يَخْطُبُ بِالنَّاسِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ، فَقَالَتْ حِينَ رَأَتْهُ
رَقِيَ الْمِنْبَرَ: أَيَا نَقَّارُ اُنْقُرْ. أَمَا وَاللهِ لَوْ كَانَ فَوْقَهُ
نَجِيبٌ مِنْ بَنِي أُمَيَّةَ، أَوْ صَقْرٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ لَقَالَ
الْمِنْبَرُ: طِيقْ طِيقْ، قَالَ: فَأُنْمِيَ كَلاَمُهَا إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ
الزُّبَيْرِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَى بِهَا، فَقَالَ لَهَا: مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكِ باِلْكَاعِ؟ قَالَتْ: الْحَقَّ
أَبْلَغْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى ذَلِكَ؟
قَالَتْ: لاَ تَعْدِمُ الْحَسْنَاءَ ذَامّاً. وَالسَاخِطُ لَيْسَ بِرَاضٍ. وَمَعَ
ذَلِكَ فَمَا عَدَوْتُ فِيمَا قُلْتُ لَكَ أَنْ نَسَبْتُكَ إِلَى التَّوَاضُعِ
وَالدِّينِ، وَعَدُوَّكِ إِلَى الْخُيَلاَءِ وَالطَّمَعِ. وَلَئِنْ ذَاقُوا
وَبَالَ أَمْرِهِمْ لَتَحْمَدَنَّ عَاقِبَةَ شَأْنِكَ، وَلَيْسَ مَنْ قَالَ
فَكَذِبَ كَمَنْ حَدَّثَ وَصَدَقَ. وَأَنْتَ بِالتَّجَاوُزِ جَدِيرٌ، وَنَحْنُ
لِلْعَفْوِ أَهْلٌ فَاسْتُرْ عَلَى الْحُرْمَةِ، تَسْتَتِمُّ النِّعَمَةَ،
فَوَاللهِ مَا يَرْفَعُكَ الْقَوْلُ وَلاَ يَضَعُكَ. وَإِنَّ قُرَيْشاً لَتَعْلَمُ أَنَّكَ عَابِدُهَا وَشُجَاعُهَا، وَسِنَانُهَا وَلِسَانُهَا،
حَاطَ اللهُ لَكَ دُنْيَاكَ، وَعَصَمَ أُخْرَاك،َ وَأَلْهَمَكَ شُكْرَ مَا
أَوْلاَكَ.
ذَكَرَ الْأَصْمَعِيَّ عَنْ أَبَّانَ بْنِ تَغْلُبٍ قَالَ: خَرَجْتُ فِي طَلَبِ
الْكَلَأِ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى مَاءٍ مِنْ مِيَاهِ كَلْبٍ، وَإِذَا أَعْرَابِيٌّ
عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ وَمَعَهُ كِتَابٌ مَنْشُورٌ يَقْرَؤُهُ عَلَيْهِمْ،
وَجَعَلَ يَتَوَعَّدُهُمْ. فَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ وَهِيَ فِي خَبَائِهَا.
وَكاَنَتْ مُقْعَدَةً كِبَراً: وَيْلَكَ دَعْنِي مِنْ أَسَاطِيرِكَ. لاَ تَحْمِلْ
عُقُوبَتَكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَحْمِلْ عَلَيْكُنَّ وَلاَ تَتَطَاوَلْ عَلَى مَنْ لاَ يَتَطَاوَلُ
عَلَيْكَ. فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا يُقَرِّبُكَ إِلَيْهِ حَوَادِثُ الدُّهُورِ،
وَلَعَّلَ مَنْ صَيَّرَكَ إِلَى هَذَا الْيَوْمَ أَنْ يُصَيِّرَ غَيْرَكَ
إِلَى مِثْلِهِ غَداً، فَيَنْتَقِمَ مِنْكَ أَكْثَرَ مِمَّا انْتَقَمْتَ مِنْهُ،
فَاكْفُفْ عَمَّا أَسْمَعُ مِنْكَ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ
الْأُوَّلِ: لاَ تَحْقِرَنَّ الْفَقِيرَ عَلَّكَ أَنْ ... تَرْكَعَ يَوْماً وَالدَّهْرُ قَدْ
رَفَعَهُ.
وَصِيَّةُ أَعْرَابِيَّةٍ:
قَالَ مَهْدِيُّ بْنُ أَبَّانَ: قُلْتُ لِوَلَّادَةَ الْعَبْدِيَّةِ – وَكاَنَتْ
مِنْ أَعْقَلِ النِّسَاءِ – إِنِّي أُرِيدُ الْحَّجَ فَأَوْصِينِي. قَالَتْ: أُوْجِزُ فَأُبْلِغَ، أَمْ
أُطِيلُ فَأُحْكِمَ. فَقُلْتُ: مَا شِئْتِ. قَالَتْ: جُدْ تَسُدْ، وَاصْبِرْ تَفُزْ. قُلْتُ: أَيْضاً. قَالَتْ: لاَ
يَتَعَدَّ غَضَبُكِ حِلْمَكَ، وَلاَ هَوَاكَ عِلْمَكَ، وَفِّ دِينَكَ بِدُنْيَاكَ، وَفِّرْ عِرْضَكَ
بِعِرْضِكَ، وَتَفَضَّلْ تُخْدَمْ، وَاحْلُمْ تُقَدَّمْ. قُلْتُ: فَمَنْ
أَسْتَعِينُ؟ قَالَتْ: اللهَ. قُلْتُ: مِنَ النَّاسِ؟ قَالَتْ: الْجَلِدَ النَّشِيطَ، وَالنَّاصِحَ
الْأَمِينَ.
قُلْتُ: فَمَنْ أَسْتَشِيرُ؟ قَالَتْ: الْمُجَرِّبَ الْكَيِّسَ، أَوِ
الْأَدِيبَ الصَّغِيرَ. قُلْتُ: فَمَنْ أَسْتَصْحِبُ؟ قَالَتْ: الصَّدِيقَ
الْمُسْلِمَ، أَوِ الْمُدَاجِيَ الْمُتَكَرِّمَ. ثُمَّ قَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ؛
إِنَّكَ تَفِدُ إِلَى مَلِكِ الْمُلُوكِ، فَانْظُرْ كَيْفَ يَكُونُ مَقَامَكَ
بَيْنَ يَدَيْهِ.
حَدِيثُ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةُ:
رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ خَرَجَ لَيْلَةَ
هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهٌ وَعَامِرَ
بْنَ فَهِيرَةَ وَدُلَيْهِماً اللَّيْثِيَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ.
فَمَرُّوا عَلَى خَيْمَةِ أُمِّ مَعْبَدٍ الْخُزَاعِيَّةِ. وَكَانَتِ امْرَأَةً
بَرِزَةً جَلِدَةً تَحْتَبِي بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ، ثُمَّ تَسْقِي وَتُطْعِمُ –
فَسَأَلُوهَا لَحْماً وَتَمْراً لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا، فَلَمْ يُصِيبُوا
عِنْدَهَا شَيْئاً مِنْ ذَلِكَ، وَكَانَ الْقَوْمُ مُرْمِلِينَ مُسْنِينَ.
فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) إِلَى شَاةٍ فِي كَسْرِ
الْخَيْمَةِ. فَقَالَ: مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟ قَالَتْ: شَاةُ
خَلَّفَهَا الْجُهْدُ عَنِ الْغَنَمِ. قَالَ: هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَتْ:
هِيَ أَجْهَدُ مِنْ ذَلِكَ. قَالَ: أَتَأْذَنِينَ أَنْ أَحْلُبَهَا. قَالَتْ:
بِأَبِي وَأُمِّي أَنْتَ، نَعَمْ: إِنْ رَأَيْتَ بِهَا حَلْباً فَاحْلُبْهَا،
فَدَعَا رَسُولُ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِالشَّاةِ فَمَسَحَ
ضِرْعَهَا، وَسَمَّى اللهَ وَدَعَا لَهَا فِي شَاتِهَا، فَتَفَاجَتْ عَلَيْهِ
وَدَرَّتْ وَأَخْتَرَتْ وَدَعَا بِإِنَاءٍ يَرْبُضُ الرَّهْطَ فَحَلَبَ فِيهِ
ثَجّاً حَتَّى غَلَبَهُ الثِّمَالُ، ثُمَّ سَقَاهَا حَتَّى رُوِيَتْ، وَسَقَى
أَصْحَابَهُ حَتَى رُوُوا، ثُمَّ شَرِبَ آخِرُهُمْ، وَقَالَ: سَاقِي الْقَوْمَ
آخِرُهُمْ شُرْباً. فَشَرِبُوا جَمِيعاً عِلَلاً بِنَهَلٍ، ثُمَّ أَرَاضُوا، ثُمَّ
حَلَبَ فِيهِ ثَانِياً عَوْداً عَلَى بَدْءٍ حَتَّى مَلَأَ الْإِنَاءَ، ثُمَّ
غَادَرَهُ عِنْدَهَا وَبَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا. قَالَ: مَا لَبِثْتُ
حَتَّى جَاءَ زَوْجُهَا أَبُو مَعْبَدٍ يَسُوقُ أَعْنُزاً حِيلاً عِجَافاً،
تُسَاوِكُ هُزَالاً، مُحُّهُنَّ قَلِيلٌ وَلاَ نَقَا بِهِنَّ. فَلَمَّا رَأَى أَبُو
مَعْبَدٍ اللَّبَنَ عَجِبَ، وَقَالَ: وَمِنْ أَيْنَ هَذَا يَا أُمَّ
مَعْبَدٍ؟ وَالشَّاءُ عَازِبَةٌ حِيَالٌ، وَلاَ حَلُوبَةُ فِي الْبَيْتِ.
فَقَالَتْ: لاَ وَاللهِ، إِلَّا أَنَّهُ مَّرَ بِنَا رَجُلٌ مُبَارَكٌ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ كِيتْ
وَكِيتْ. قَالَ: صِفِيهِ إِلَيَّ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ، فَقَالَتْ: رَأَيْتُ رَجُلاً
ظَاهِرَ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجَ الْوَجْهِ، حَسَنَ الْخُلُقِ، لَمْ تَعِبْهُ
ثَجْلَةٌ وَلَمْ تُزَرْ بِهِ صَلْعَةٌ، وَسِيماً قَسِيماً فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ،
وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صَوْتِهِ صَحَلٌ، وَفِي عُنُقِهِ سَطَحٌ وَفِي
لِحْيَتِهِ كَثَافَةٌ، أَحْوَرٌ أَكْحَلٌ، أَزَجٌّ أَقْرَنٌ، إِنْ صَمَتَ
فَعَلَيْهِ الْوَقَارُ، وَإِنْ تَكَلَّمَ سَمَا وَعَلاَهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ
النَّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ، وَأَحْلاَهُ وَأَحْسَنُهُ مِنْ قَرِيبٍ،
حُلْوُ الْمَنْطِقِ، فَصْلٌ وَلاَ نَزِرٌ وَلاَ هَذِرٌ، كَأَنَّ مَنْطِقَهُ
خَرَزَاتُ نَظْمٍ تَتَحَدَّرْنَ: رَبْعَةٌ لَا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ، وَلَا
تَقْتَحِمُهُ الْعَيْنُ مِنْ قِصَرٍ، غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ، فَهُوَ أَنْضَرُ
الثَّلاَثَةِ مَنْظَراً وَأَحْسَنُهُمْ قَدْراً، لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفُّونَ بِهِ،
إِنْ قَالَ أَنْصَتُوا لِقَوْلِهِ، وَإِنْ أَمَرَ تَبَادَرُوا إِلَى أَمْرِهِ،
مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ، لَا عَابِسٌ وَلَا مُفَنِّدٌ. (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ). قَالَ أَبُو مَعْبَدٍ: هُوَ وَاللهِ صَاحِبُ قُرَيْشٍ الَّذِي ذُكِرَ لَنَا مِنْ أَمْرِهِ بِمَكَّةَ مَا ذُكِرَ.
وَلَوْ كُنْتِ وَافَقْتِهِ لاَلْتَمَسْتُ صُحَبَتَهُ، وَلأَفْعَلَنَّ إِنْ
وَجَدْتُ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلاً.
وَصِيَةٌ أُخْرَى لأَعْرَابِيَّةٍ:
قَالَ أَبَّانُ بْنُ تَغْلُبٍ: سَمِعْتُ امْرَأَةً تُوصِي ابْناً لَهَا
وَأَرَادَ سَفَراً فَقَاَلَتْ: أَيْ بُنَيَّ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللهِ، فَإِنَّ قَلِيلَهُ أَجْدَى عَلَيْكَ مِنْ كَثِيرِ عَقْلِكَ،
وَإِيَّاكَ وَالنَّمَائِمَ، فَإِنَّهَا تُورِثُ الضَّغَائِنَ، وَتُفَرِّقُ بَيْنَ
الْمُحِبِّينَ؛ وَمَثِّلْ لِنَفْسِكَ مِثَالَ مَا تَسْتَحْسِنُ لِغَيْرِكَ ثُمَّ
اتَخِذْهُ إِمَاماً، وَمَا تَسْتَقْبِحُ مِنْ غَيْرِكَ فَاجْتَنِبْهُ، وَإِيَّاكَ
وَالتَّعَرُضَ لِلْعُيُوبِ فَتُبْصِرَ نَفْسَكَ غَرَضاً،
وَخَلِيقٌ أَلَّا يَلْبَثَ الْغَرَضُ عَلَى كَثْرَةِ السِّهَامِ، وَإِيَّاكَ وَالْبُخْلَ بِمَالِكِ، وَالْجُودَ
بِدِينِكَ. فَقَالَتْ أَعْرَابِيَّةٌ مَعَهَا: أَسْأَلُكِ إِلَّا زِدْتِهِ يَا
فُلاَنَةُ فِي وَصِيَّتِكِ قَالَتْ: أَيْ وَاللهِ؛ وَالْغَدْرُ أَقْبَحُ مَا
يُعَامَلُ بِهِ الْإِخْوَانُ، وَكَفَى بِالْوَفَاءِ جَامِعاً لِمَا تَشَتَّتَ مِنَ
الْإِخَاءِ وَمَنْ جَمَعَ الْعِلْمَ وَالسَّخَاءَ فَقَدِ اسْتَجَادَ الْحُلَّةَ،
وَالْفُجُورُ أَقْبَحُ وَأَبْقَى عَاراً.
وَصْفُ امْرَأَةِ عُرْوَةَ لَهُ:
قَامَتِ امْرَأَةُ عُرْوَةَ بْنِ الْوَرْدِ الْعَبْسِيِّ بَعْدَ أَنْ
طَلَّقَهَا فِي النَّادِي فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّكَ واللهِ الضَّحُوكُ مُقْبِلاً، السَّكُوتُ مُدْبِراً،
خَفِيفٌ عَلَى ظَهْرِ الْفَرَسِ، ثَقِيلٌ عَلَى مَتْنِ الْعَدُوِّ، رَفِيعُ
الْعِمَادِ، كَثِيرُ الرَّمَادِ، تُرْضِي الْأَهْلَ والْجَانِبَ. قَالَ:
فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ بَعْدَهُ فَقَالَ: أَثْنِي عَلَيَّ كَمَا أَثْنَيْتِ
عَلَيْهِ. قَالَتْ: لاَ تُحْوِجْنِي إِلَى ذَلِكَ فَإِنِّي إِنْ قُلْتُ، قُلْتُ
حَقّاً فَأَبَى، فَقَالَتْ: إِنَّ أَكْلَكَ لَاقْتِفَافِ وَإِنَّ شُرْبَكَ لَاشْتِفَافُ، وَإِنَّكَ لَتَنَامُ لَيْلَةَ تَخَافُ، وَتَشْبَعُ لَيْلَةَ
تُضَافُ.
وَصْفُ نِسَاءٍ لِبَنَاتِهِنَّ وَوَصَايَاهُنَّ لَهُنَّ:
بَعَثَ النُّعْمَانَ بْنُ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُدَيِّ
بْنِ نَصْرٍ إِلَى نِسْوَةٍ مِنَ الْعَرَبِ مِنْهُنَّ فَاطِمَةُ بِنْتُ الْخَرْشَبِ، وَهِيَ مِنْ بَنِي
أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ، وَهِيَ أُمُّ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ وَأَخَوَاتِهِ،
وَإِلَى قِيلَةَ بِنْتِ الْحَسْحَاسِ الْأَسَدِيَّةَ وَهِيَ أُمُّ خَالِدِ بْنِ صَخْرِ بْنِ الشَّرِيدِ،
وَإِلَى تُمَاضِرَ بِنْتِ الشَّرِيدِ، وَهِيَ أُمُّ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ
وَأَخَوَاتِهِ كُلِّهِمْ، وَإِلَى الرُّوَاعِ النَّمْرِيَّةِ، وَهِيَ أُمُّ
يَزِيدِ بْنِ الصَّعَقِ، فَلَمَّا اجْتَمَعْنَ عِنْدَهُ. قَالَ: إِنِّي قَدْ أُخْبِرْتُ بِكُنَّ، وَأَرَدْتُ أَنْ أَنْكِحَ إِلَيْكُنَّ فَأَخْبِرْنَنِي عَنْ بَنَاتِكُنَّ. فَقَالَتْ: فاَطِمَةُ عِنْدِي الْفَتْخَاءُ
الْعَجْزَاءُ، أَصْفَى مِنَ الْمَاءِ، وَأَرَّقُ مِنَ الْهَوَاءِ، وَأَحْسَنُ مِنَ السَّمَاءِ، وَقَالَتْ تُمَاضِرُ: عِنْدِي مُنْتَهَى
الْوُصَّافِ، دَفِيئَةُ اللِّحَافِ، قَلِيلَةُ الْخِلاَفِ. وَقَاَلتِ الرُّوَاعُ:
عِنْدِي الْحُلْوَةُ الْجُهْمَةُ، لَمْ تَلِدْهَا أَمَةٌ. وَقاَلَتْ قِيلَةَُ
عِنْدِي مَا يَجْمَعُ صِفَاتِهِنَّ وَفِي ابْنَتِي مَا لَيْسَ فِي بَنَاتِهِنَّ. فَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ جَمِيعاً فَلَمَّا أُهْدِينَ إِلَيْهِ دَخَلَ عَلَى
ابْنَةِ الْأَنْمَاِريَّةِ فَقَالَ: مَا أَوْصَتْكِ بِهِ أُمُّكِ؟ قَالَتْ:
قَالَتْ لِي: عَطِّرِي جِلْدَكِ، وَأَطِيعِي زَوْجَكِ، وَاجْعَلِي الْمَاءَ آخِرَ
طِيبِكِ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى ابْنَةِ السُّلَمِيَّةِ فَقَالَ: مَا أَوْصَتْكِ بِهِ
أُمُّكِ؟ قَالَتْ: قَالَتْ لِي: لاَ تَجْلِسِي بِالْفِنَاءِ، وَلاَ تُكْثِرِي مِنَ
الْمِرَاءِ، وَاعْلَمِي أَنَّ أَطْيَبَ الطِّيبِ الْمَاءُ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى
ابْنَةِ النَّمْرِيَّةِ فَقَالَ: مَا أَوْصَتْكِ بِهِ أُمُّكِ؟ قَالَتْ: قَالَتْ
لِي: لاَ تُطَاوِعِي زَوْجَكِ فَتَمَلِّيهِ، وَلاَ تُعَاصِيهِ فَتَشْكَعِيهِ،
وَاصْدُقِيهِ الصِّغَارَ، وَاجْعَلِي آخِرَ طِيبِكِ الْمَاءَ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى
ابْنَةِ الْأَسَدِيَّةَ فَقَالَ: مَا أَوْصَتْكِ بِهِ أُمُّكِ؟ قَالَتْ: قَالَتْ
لِي: أَدْنِي سِتْرَكِ، وَأَكْرِمِي زَوْجَكِ، وَاجْتَنِبِي الْإِبَاءَ،
وَاسْتَنْظِفِي بِالْمَاءِ.
وَصْفُ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ لِنِسَائِهِنَّ:
وَكَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْعَرَبِ عِنْدَ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ لَهُ
أَوْلاَداً أَرْبَعَةً رِجَالاً ثُمَّ هَلَكَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَتَزَوَّجَتْ
بَعْدَهُ، فَنَأَى بِهَا زَوْجُهَا عَنْ بَنِيِّهَا وَتَزَوَّجُوا بَعْدَهَا ثُمَّ
إِنَّهَا لَقِيَتْهُمْ فَقَالَتْ: يَا بَنِيَّ، إِنِّي سَأَلْتُكُمْ عَنْ نِسَائِكُمْ فَأَخْبِرُونِي عَنْهُنَّ. قَالُوا: نَفْعَلْ. فَقَالَتْ لأَحَدِهِمْ:
أَخْبِرْنِي عَنِ امْرَأَتِكَ. فَقَالَ: غِلٌّ فِي وَثَاقٍ، وَخُلُقٌ لاَ يُطَاقُ،
حَرَّمْتُ وِفَاقَهَا، وَمَنَعْتُ طَلاَقَهَا. وَقاَلَتْ لِلثَّانِي: كَيْفَ
وَجَدْتَ امْرَأَتَكَ؟ قَالَ: حُسْنٌ رَائِعٌ، وَبَيْتٌ ضَائِعٌ، وَضَيْفٌ
جَائِعٌ. وَقاَلَتْ لِلثَّالِثِ: كَيْفَ وَجَدْتَ امْرَأَتَكَ؟ قَالَ: دَلٌّ لاَ
يُقْلَى، وَلَذَّةٌ لاَ تُقْضَى وَعُجْبٌ لاَ يُفْنَى، وَفَرَحٌ مُضِلٌّ أَصَابَ
ضَالَّتُهُ وَرِيحُ رَوْضَةٍ أَصَابَتْ رَبَابَهَا. قَالَتْ: فَهَلَّا أَصِفُ
لَكُمْ كَيْفَ وَجَدْتُ زَوْجِي. قَالُوا: بَلَى، قَالَتْ: مَيْلُ ظَغِينَةٍ،
وَلَيْثُ عَرِينَةٍ، وَظِّلُ صَخْرٍ وَجِوَارُ بَحْرٍ.
كَانَتْ حُمَيدَةُ بِنْتُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرِ بْنِ سَعْدٍ تَحْتَ
رُوحِ بْنِ زِنْبَاعَ فَنَظَرَ إِلَيْهَا يَوْماً تَنْظُرُ إِلَى قَوْمِهِ جُذَامٍ
وَقَدِ اجْتَمَعُوا عِنْدَهُ فَلاَمَهَا. فَقَالَتْ: وَهَلْ أَرَى إِلَّا
جُذَاماً؟ فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ الْحَلاَلَ مِنْهُمْ فَكَيْفَ الْحَرَامَ!
قَالَتِ الْجُمَانَةُ بِنْتُ قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ الْعَبْسِيِّ لِأَبِيهَا
لَمَّا شَرِقَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّبِيعِ بْنِ زِيَادٍ فِي الدِّرْعِ:
دَعْنِي أُنَاظِرْ جَدِّي فَإِنْ صَلَحَ الْأَمْرُ بَيْنَكُمَا، وَإِلَّا كُنْتُ
مِنْ وَرَاءِ رَأْيِكَ. فَأَذِنَ لَهَا: فَأَتَتِ الرَّبِيعَ فَقَالَتْ: إِنْ
كَانَ قَيْسُ أَبِي فَإِنَّكَ يَا رَبِيعُ جَدِّي، وَمَا يَجِبُ لَهُ مِنْ حَقِّ
الْأُبُوَةِ عَلَيَّ إِلَّا كَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْكَ مِنْ حَقِّ الْبُنُوَّةِ لِي.
وَالرَّأْيُ الصَّحِيحُ تَبْعَثُهُ الْعِنَايَةُ، وَتُجْلِي عَنْ مَحْضِهِ
النَّصِيحَةُ. إِنَّكَ قَدْ ظَلَمْتَ قَيْساً بِأَخْذِ دِرْعِهِ، وَلأَجِدُ
مُكَافَأَتَهُ إِيَّاكَ سُوءُ غُرْمِهِ، وَالْمُعَارِضُ مُنْتَصِرٌ، وَالْبَادِي
أَظْلَمُ، وَلَيْسَ قَيْسُ مِمَّنْ يُخَوَّفُ بِالْوَعِيدِ وَلَا يَرْدَعُهُ
التَّهْدِيدُ، فَلاَ تَرَكَنَنَّ إِلَى مُنَابَذَتِهِ، فَالْحَزْمُ فِي مُتَارَكَتِهِ،
وَالْحَرْبُ مَتْلَفَةٌ لِلْعِبَادِ، ذَهَّابَةٌ بِالطَّارِفِ وَالتِّلاَدِ،
وَالسِّلْمُ أَرْخَى لِلْبَالِ، وَأَبْقَى لِأَنْفُسِ الرِّجَالِ. وَبِحَقٍّ
أَقُولُ. لَقَدْ صَدَعْتُ بْحُكْمٍ، وَمَا يَدْفَعُ قَوْلِي إِلَّا غَيْرُ ذِي
فَهْمٍ.
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: لَمَّا أُهْدِيَتْ بِنْتُ عُقَيْلِ بْنِ عَلَفَةٍ إِلَى
الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، بَعَثَ مَوْلاَةً لَهُ لِتَأْتِيَهُ
بِخَبَرِهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَأَتَتْهَا فَلَمْ تَأْذَنْ لَهَا، أَوْ
كَلَّمَتْهَا فَأَحْفَظَتْهَا فَهَشَّمَتْ أَنْفَهَا، فَرَجَعَتْ إِلَيْهِ
فَأَخْبَرَتْهُ، فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا قَاَلَ: مَا
أَرَدْتِ إِلَى عَجُوزِنَا هَذِهِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللهِ إِنْ كَانَ خَيْراً
أَنْ تَكُونَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيَ بَهْجَتَهُ، وَإِنْ كَانَ شَرّاً أَنْ تَكُونَ
أَحَقَّ مَنْ سَتَرَهُ.
لَمَّا انْهَزَمَ النَّاسُ عَنِ الْمُخْتَارِ مَرَّ أَبُو مَحْجَنَ
الثَّقَفِيُّ بِأَمَةٍ وَاسَمُهَا دَوْمَةُ فَقَالَ: يَا دَوْمَةُ ارْتَدِفِي
خَلْفِي. قَالَتْ: وَاللهِ لَئِنْ يَأَخُذَنِي هَؤُلاَءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُرَى خَلْفَكَ.
كَانَتْ رِقَاشُ بِنْتُ عَمْرِو عِنْدَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فقَاَلَ لَهَا
يَوْماً: اِخْلَعِي دِرْعَكِ قَالَتْ: خَلْعُ الدِّرْعِ بِيَدِ الزَّوْجِ. قَالَ:
اِخْلَعِيهِ لِأَنْظُرَ إِلَيْكِ، قَالَتْ: التَّجَرُدُ لِغَيْرِ نِكَاحٍ
مُثْلَةٌ.
كَانَ تَمِيمُ الدَّارِيُّ يَبِيعُ الْعِطْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ
مِنْ لَخْمٍ، فَخَطَبَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ فِي جَاهِلِيَّتِهِ
فَمَاكَسَهُمْ فِي الْمَهْرِ فَلَمْ يُزَوِّجُوهُ. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلاَمُ
جَاءَ بِعِطْرٍ يَبِيعُهُ فَسَاوَمَتْهُ أَسْمَاءُ فَمَاكَسَهَا فَقَالَتْ لَهُ:
طَالَمَا ضَرَّكَ مَكَاسُكَ، فَلَمَّا عَرَفَهَا اسْتَحْيَا وَسَامَحَهَا فِي
بَيْعِهِ.
أَرْسَلَ مَسْلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ إِلَى هِنْدِ بِنْتِ
الْمُهَلَّبِ وَخَطَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ، فَقَالَتْ لِرَسُولِهِ: وَاللهِ لَوْ
أَحْيَا مَنْ قَتَلَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي وَمَوَالِيَّ مَاطَابَتْ نَفْسِي
بِتَزْوِيجِهِ بَلْ كَيْفَ يَأْمَنُنِي عَلَى نَفْسِهِ، وَأَنَا أَذْكُرُ مَا
كَانَ مِنْهُ وَثَأْرِي عِنْدَهُ. لَقَدْ كَانَ صَاحِبُكَ يُوصَفُ بِغَيْرِ هَذَا
فِي رَأْيِهِ.
وَخَطَبَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ رَمْلَةَ بِنْتَ الزُّبَيْرِ
بْنِ الْعَوَّامِ فَرَدَّتْهُ وَقَالَتْ لِرَسُولِهِ: إِنِّي لاَ آمَنُ نَفْسِي عَلَى مَنْ قَتَلَ أَخِي. وَكَانَتْ
أُخْتَ مُصْعَبٍ لِأُمِّهِ. كَانَتْ أُمُّهُمَا الْكَلْبِيَّةَ.
مِنْ قَوْلِ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ لِابْنِهَا:
دَخَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرَ عَلَى أُمِّهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ
أَبِي بَكْرٍ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ، فَقَاَل: يَا أُمَّهْ؛ خَذَلَنِي النَّاسُ حَتَى أَهْلِي وَوَلَدِي وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلَّا
اليَسِيرَ وَمَنْ لاَ دَفْعَ عِنْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ. وَقَدْ أَعْطَانِي الْقَوْمُ مَا أَرَدْتُ مِنَ
الدُّنْيَا فَمَا رَأْيُكِ؟ قَالَتْ: إِنْ كُنْتَ علَى حَقٍّ تَدْعُو إِلَيْهِ
فَامْضِ عَلَيْهِ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ، وَلاَ تُمَكِّنْ مِنْ
رَقَبَتِكَ غِلَمَانَ بَنِي أُمَيَّةَ فَيَتَلَعَّبُوا بِكَ. وَإِنْ قُلْتَ:
إِنِّي كُنْتُ عَلَى حَقٍّ فَلَمَّا وَهَنَ أَصْحَابِي ضَعُفَتْ نِيَّتِي فَلَيْسَ
هَذَا فِعْلُ الْأَحْرَارِ، وَلاَ فِعْلُ مَنْ فِيهِ خَيْرٌ، كَمْ خُلُودُكَ فِي
الدُنْيَا؟ الْقَتْلُ أَحْسَنُ مَا تَقَعُ بِهِ يَا بْنَ الزُّبَيْرِ. وَاللهِ
لَضَرْبَةٌ بِالسَّيْفِ فِي عِزٍّ أَحَبُ إِلَيَّ مِنْ ضَرْبَةٍ بِسَوْطٍ فِي ذُلٍّ. قَالَ لَهَا: هَذَا
وَاللهِ رَأْيِي، وَالَّذِي قُمْتُ بِهِ دَاعِياً إِلَى اللهِ. وَاللهِ مَا
دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إِلَّا الْغَضَبُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُهْتَكَ مَحَارِمُهُ. وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ
أَطَّلِعَ رَأْيَكِ فَيَزيدَنِي قُوَّةً وَبَصِيرَةً مَعَ قُوَّتِي وَبَصِيرَتِي.
وَاللهِ مَا تَعَمَّدْتُ إِتْيَانَ مُنْكَرٍ وَلاَ عَمَلاً بِفَاحِشَةٍ، وَلَمْ
أَجِرْ فِي حُكْمٍ، وَلَمْ أَغْدُرْ فِي أَمَانٍ، وَلَمْ يَبْلُغْنِي عَنْ
عُمَّالِي فَرَضِيتُ بِهِ. بَلْ أَنْكَرْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ عِنْدِي
آثَرَ مِنْ رِضَى رَبِّي. اللَّهُمَّ إِنِّي لاَ أَقُولُ ذَلِك تَزْكِيَةً لِنَفْسِي، وَلَكِنْ
أَقُولُهُ تَعْزِيَةٌ لِأُمِّي لِتَسْلُوَ عَنِّي. قَالَتْ لَهُ: وَاللهِ إِنِّي
لَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ عَزَائِي فِيكَ حُسْناً بَعْدَ أَنْ تَقَدَّمْتَنِي أَوْ
تَقَدَّمْتُكَ، فَإِنَّ فِي نَفْسِي مِنْكَ حَرَجاً حَتَّى أَنْظُرَ إِلَى مَا
يَصِيرُ أَمْرُكَ.ثُمَّ قَالَتْ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ طُولَ ذَاكَ النَّحِيبَ
وَالظَّمَأِ فِي هَوَاجِرَ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَبِرَّهُ بِأُمِّهِ.
اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ سَلَّمْتُ فِيهِ لِأَمْرِكَ، وَرَضِيتُ فِيهِ
بِقَضَائِكَ، فَأَثِبْنِي فِي عَبْدِ اللهِ ثَوَابَ الشَّاكِرِينَ. فَوَدَّعَهَا
وَقَالَ: يَا أُمَهْ لاَ تَدْعِي الدُّعَاءَ لِي قَبْلَ قَتْلِي وَلاَ بَعْدَهُ.
قَالَتْ: لَنْ أَدْعُهُ لَكَ. فَمَنْ قُتِلَ عَلَى بَاطِلٍ فَقَدْ قُتِلْتَ عَلَى
حَقٍّ. فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: فَلَسْتُ بِمُبْتَاعِ الْحَيَاةِ بَسُبَّةٍ ...
وَلاَ مُرْتَقٍ مِنْ خَشْيَةِ الْمَوْتِ سُلَّماً.
وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: اِحْمَلُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَحَارَبَ حَتَى
قُتِلَ.
وَرُوِيَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلى أُمِّهِ أَسْمَاءَ وَهِيَ عَلِيلَةٌ،
فَقَالَ: يَا أُمَّهْ. إِنَّ فِي الْمَوْتِ لَرَاحَةٌ. فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ؛
لَعَلَّكَ تَتَمَنَّى مَوْتِى. فَوَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ أَمُوتَ حَتَّى
تَأْتِيَ عَلَى أَحَدِ طَرَفَيْكَ؛ فَإِمَّا أَنْ تَظْفَرَ بِعَدُوِّكَ فَتَقِرَّ عَيْنِي،
وَإِمَّا أَنْ تُقْتَلَ فَأَحْتَسِبَكَ. قَالَ: فَالْتَفَتَ إِلَى أَخِيهِ
عُرْوَةَ وَضَحِكَ. فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي قُتِلَ فِي صَبِيحَتِهَا فِي السَّحَرِ
عَلَيْهَا فَشَاوَرَهَا، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ لَا تُجِيبَنَّ إِلَّا خُطَّةً تَخَافُ
عَلَى نَفْسِكَ الْقَتْلَ. قَالَ: إِنَّمَا أَخَافُ أَنْ يُمَثِّلُوا بِي. قَالَتْ: يَا
بُنَيَّ؛ إِنَّ الشَّاةَ لَا تَأْلَمُ السَّلْخَ بَعْدَ الذَّبْحِ.
خَطَبَ عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ هِنْدَ بِنْتَ أَسْمَاءَ بْنِ
خَارِجَةَ الْفِزَارِيِّ فَرَدَّتْهُ، وَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ: إِنِّي وَاللهِ مَا بِي عَنْكَ رَغْبَةٌ، وَلَكِنْ لَيْسَ
زَوْجِي إِلَّا مَنْ لاَ يُؤْذِي قَتْلاَهُ وَلاَ يُرَدُّ قَضَاؤُهُ، وَلَيْسَ
ذَلِكَ عِنْدَكَ.
الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَإِحْدَى زَوْجَاتِهِ:
حَجَّتْ أُمُّ حَبِيبِ بِنْتُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَهْتَمِ
فَبَعَثَ إِلَيْهَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ فَخَطَبَهَا، فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ آتِ هَذَا الْبَلَدَ لِلتَّزْوِيجِ، وَإِنَّمَا جِئْتُ لِزِيَارَةِ هَذَا الْبَيْتِ، فَإِذَا
قَدِمْتَ بَلَدِي وَكَانَتْ لَكَ حَاجَةٌ فَشَأْنُكَ. قَالَ: فَازْدَادَ فِيهَا
رَغبَةً، فَلَمَّا صَارَتْ إِلَى الْبَصْرَةِ أَرَسَلَ إِلَيْهَا فَخَطَبَهَا،
فَقَالَ إِخْوَتُهَا: إِنَّهَا امْرَأَةٌ لاَ يُفْتَاتُ عَلَى مِثْلِهَا بِرَأْيٍ،
وَأَتَوْهَا فَأَخْبَرُوهَا الْخَبَرَ، فَقَالَتْ: إِنْ تَزَوَّجَنِي عَلَى
حُكْمِي أَجَبْتُهُ. فَأَدُّوا ذَلِكَ إِلَيْهِ فَقَالَ: امْرَأَةٌ مِنْ تَمِيمَ،
أَتَزَوَّجُهَا عَلَى حُكْمِهَا. ثُمَّ قَالَ: وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَ
حُكْمُهَا لَهَا؟ قَالَ: فَأَعْطَاهَا ذَلِكَ. فَقَالَتْ: قَدْ حَكَمْتَ بِصَدَاقِ
أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَبَنَاتِهِ، اثْنَيْ عَشَرَ
أُوقِيَةً مِنَ الْفِضَّةِ. فَتَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ، وَأَهْدَى لَهَا مِائَةَ
أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَجَاءَتْ إِلَيْهِ فَبَنَى بِهَا فِي لَيْلَةٍ قَائِظَةٍ عَلَى
سَطْحٍ لاَ حَظَارَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا غَلَبَتْهُ أَخَذَتْ خِمَارَهَا
فَشَدَّتْهُ فِي رِجِلِهِ، وَشَدَّتِ الطَّرَفَ الْآخَرَ فِي رِجْلِهَا. فَلَمَّا
انْتَبَهَ مِنْ نَوْمِهِ رَأَى الْخِمَارَ فِي رِجْلِهِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟
قَالَتْ: أَنَا عَلَى سَطْحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ حَظَارٌ، وَمَعِي فِي الدَّارِ
ضَرَائِرُ، وَلَمْ آمَنْ عَلَيْكَ وَسَنَ النَّوْمِ، فَفَعَلْتُ هَذَا حَتَّى
إِذَا تَحَرَّكْتَ تَحَرَّكْتُ مَعَكَ. قَالَ: فَازْدَادَ فِيهَا رَغْبَةً،
وَبِهَا عَجَباً.
ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ عَنْهَا فَكَلَّمُوهَا فِي الصُّلْحِ عَنْ
مِيرَاثِهِ. فَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لِآخُذَ لَهُ مِيرَاثاً أَبَداً، وَخَرَجَتْ
إِلَى الْبَصَرَةِ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا نَفَرٌ يَخْطُبُونَهَا مِنْهُمْ يَزِيدُ
بْنُ مُعَاوِيَةٍ – لَعَنَهُ اللهُ – وَعَبْدُ اللهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ
بْنُ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ فَأَتَاهَا إِخْوَتُهَا فَقَالُوا
لَهَا: هَذَا ابْنُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا ابْنُ عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا ابْنُ حَوَارِيِّهِ، وَهَذَا ابْنُ عَامِرٍ
أَمِيرُ الْبَصْرَةِ. اِخْتَارِي مَنْ شِئْتِ مِنْهُمْ. قَالَ: فَرَدَّتْهُمْ
جَمِيعاً. وَقَالَتْ: مَا كُنْتُ لأَتَّخِذَ حِماً بَعْدَ بْنِ رَسُولِ اللهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ.
اِبْنُ زِيَادٍ وَخَارِجِيَّةٌ:
وَقَالَ الْمَدَائِنِيُّ: أَتَى عُبَيْدُ اللهِ بْنُ زِيَادٍ بِامْرَأَةٍ
مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَطَعَ رِجْلَهَا وَقَالَ لَهَا: كَيْفَ تَرَيْنَ؟
فَقَالَتْ: إِنَّ فِي الْفِكْرِ فِي هَوْلِ الْمَطْلَعِ لَشُغْلاً عَنْ
حَدِيدَتِكُمْ هَذِهِ. ثُمَّ قَطَعَ رِجْلَهَا الْأُخْرَى وَجَذَبَهَا، فَوَضَعَتْ
يَدَهَا عَلَى فَرْجِهَا. فَقَالَ: إِنَّكِ لَتَسْتَرِينَهُ. فَقَالَتْ: لَكِنَّ سُمَيَّةَ
أُمَّكَ لَمْ تَكُنْ تَسْتُرُهُ.
قَالَ الْمَهْدِيُّ لِلْخَيْزُرَانِ أُمِّ مُوسَى وَهَارُونَ ابْنَيْهِ:
إِنَّ مُوسَى ابْنَكِ يَتِيهُ أَنْ يَسْأَلَنِي حَوَائِجَهُ. قَالَتْ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلَمْ تَكُنْ أَنْتَ فِي حَيَاةِ الْمَنْصُورِ لَا
تَبْتَدِئُهُ بِحَوَائِجِكَ، وَتُحِبُّ أَنْ يَبْتَدِئَكَ هُوَ؟ فَمُوسَى ابِنُكَ
كَذَلِكَ يُحِبُّ مِنْكَ. قَالَ: لَا، وَلَكِنَّ التِّيهَ يَمْنَعُهُ. قَالَتْ:
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَمِنْ أَيْنَ أَتَاهُ التِّيهُ؟ أَمِنْ قَلْبِي أَمْ
قَلْبِكَ؟
حِكَايَةٌ مَعَ أَعْرَابِيَّةٍ:
رُوِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: بَيْنَا أَنَا ذَاتَ يَوْمٍ بِالْبَادِيَةِ،
فَخَرَجْتُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي فِي الظُّلَمِ، فَإِذَا أَنَا بِجَارِيَةٍ
كَأَنَّهَا عَلَمٌ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فَقَالَتْ: وَيْحَكَ
أَمَا لاَ زَاجِرَ مِنْ عَقْلٍ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَكَ نَاهٍ مِنْ دِينٍ؟ قُلْتُ
لَهَا: وَاللهِ مَا يَرَانَا شَيْءٌ إِلَّا الْكَوَاكِبَ. قَالَتِ: وَيْحَكَ.
وَأَيْنَ مُكَوْكِبَهَا؟
قَالَ الْجَاحِظُ: لَمَّا مَاتَ رَقَبَةُ بْنَ مَصْقَلَةَ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ
وَدَفَعَ إِلَيْهِ شَيْئاً. فَقَالَ: ادْفَعْهُ إِلَى أُخْتِي. فَسَأَلَ الرَّجُلُ
عَنْهَا فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهَا: أَحْضِرِينِي شَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ
أَنَّكِ أُخْتُهُ. فَأَرْسَلَتْ جَارِيَتَهَا إِلَى الْإِمَامِ وَالْمُؤَذِّنِ
لِيَشْهَدَا لَهَا. وَاسْتَنَدَتْ إِلَى الْحَائِطِ فَقَالَتْ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَبْرَزَ وَجْهِي، وَأَنْطَقَ عَنِّي، وَشَهَّرَ
بِالْفَاقَةِ اسْمِي. فَقَالَ الرَّجُلُ: شَهِدْتُ أَنَّكِ أُخْتُهُ حَقّاً. وَدَفَعَ الدَّنَانِيرَ إِلَيْهَا،
وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى شَهَادَةٍ مَنَ يَشْهَدُ لَهَا.
خَطَبَ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ عَائِشَةَ بِنْتَ عُثْمَانَ. فَقَالَتْ: لاَ
أَتَزَوَّجَ بِهِ وَاللهِ أَبَداً، فَقِيلَ لَهَا: وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ:
لأَنَّهُ أَحْمَقٌ، لَهُ بِرْذَوْنَانِ أَشْهَبَانِ، فَهُوَ يَتَحَمَّلُ مَؤُونَةَ
اثْنَينِ وَاللَّوْنُ وَاحِدٌ.
ذَكَرَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ سُوءَ خُلُقِ امْرَأَتِهُ بَيْنَ يَدَيْ
جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ يَتَحَظَّاهَا فَقَالَتْ لَهُ: إِنَّمَا حُظُوظُ الْإِمَاءِ لِسُوءِ خَلاَئِقَ الْحَرَائِرِ.
هِنْدُ بِنْتُ أَسْمَاءَ تُدافِعُ عَنْ أَخِيهَا:
اخْتَلَفَ الْحَجَّاجُ وَهِنْدُ بِنْتُ أَسْمَاءَ بْنِ خَارِجَةَ فِي
بَنَاتِ قَيْنٍ، فَبَعَثَ إِلَى مَالِكِ بْنِ أَسْمَاءَ فَأَخْرَجَهُ مِنَ
الْحَبْسِ، وَسَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ فَحَدَثَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى هِنْدٍ.
فَقَالَ لَهَا: قُومِي إِلَى أَخِيكِ. فَقَالَتْ: لاَ أَقُومَ إِلَيْهَ وَأَنْتَ
سَاِخطٌ عَلَيْهِ. فَأَقْبَلَ الْحَجَّاجُ عَلَى مَالِكٍ فَقَالَ: إِنَّكَ وَاللهِ – مَا عَلِمَتْ – لِلْخَائِنِ لِأَمَانَتِهِ،
اللَّئِيمُ حَسَبُهُ، الزَّانِي فَرْجَهُ. فَقَالَتْ هِنْدٌ: إِنْ أَذِنَ الْأَمِيرُ تَكَلَّمْتُ. فَقَالَ: تَكَلَّمِي.
فَقَالَتْ: أَمَّا قَوْلُ الْأَمِيرِ: الزَّانِي فَرْجُهُ، فَوَاللهِ لَهُوَ
أَحْقَرُ عِنْدَ اللهِ وَأَصْغَرُ فِي عَيْنِ الْأَمِيرِ مِنْ أَنْ يَجِبَ للهِ
عَلَيْهِ حَدٌّ فَلاَ يَقِيمَهُ. وَأَمَّا قَوْلَ الْأَمِيرِ: اللَّئِيمُ
حَسَبُهُ، فَوَاللهِ لَوْ عَلِمَ مَكَانَ رَجُلٍ أَشْرَفَ مِنْهُ لَصَاهَرَ
إِلَيْهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: الْخَائِنُ أَمَانَتَهُ. فَوَاللهِ لَقَدْ وَلَّاهُ
الْأَمِيرُ فَوَفَّرَ، فَأَخَذَهُ بِمَا أَخَذَ بِهِ فَبَاعَ مِنْ وَرَاءِ
ظَهْرِهِ. وَلَوْ مَلَكَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا لافْتَدَى بِهَا مِنْ هَذَا
الْكَلاَمِ.
أَتَى الْبَرْدُ عَلَى زَرْعِ عَجُوزٍ بِالْبَادِيَةِ، فَأَخْرَجَتْ
رَأْسَهَا مِنَ الْخَبَاءِ وَنَظَرَتْ إِلَى الزَّرْعِ قَدِ احْتَرَقَ فَقَالَتْ –
وَرَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَى السَّمَاءِ - : اِصْنَعْ مَا شِئْتَ فَإِنَّ رِزْقِي
عَلَيْكِ.
قِيلَ لِرَابِعَة:َ إِنَّ التَّزَوُّجَ فَرْضُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلِمَ لاَ تَتَزوَّجِينَ؟ فَقَالَتْ: فَرْضُ اللهِ
قَطَعَنِي عَنْ فَرْضِهِ.
عَاتِكَةُ بْنِتُ زَيْدٍ وَمَوْتُ أَزْوَاجِهَا:
كَانَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ عُمَرَ وَبْنِ نُفَيْلٍ عِنْدَ
عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقُتِلَ
عَنْهَا، فَخَلَفَ عَلَيْهَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَقُتِلَ عَنْهَا، فَخَلَفَ
عَلَيْهَا الزُّبَيْرَ، فَقُتِلَ، فَخَلَفَ عَلَيْهَا مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَقُتِلَ. فَقَالَ عَبْدُ اللهِ
بْنُ عُمَرَ: مَنْ سَرَّهُ الشَّهَادَةُ فَلْيَتَزَوَّجْ عَاتِكَةَ. فَبَلَغَهَا
ذَلِكَ فَقَالَتْ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ بَيْضَةَ الْبَلَدِ، حُبْلَى لاَ
تَطِيرُ وَلاَ تَلِدُ فَلْيَكُنْ كَعَبْدِ اللهِ. فَبَلَغَ ذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بِنَ
جَعْفَرَ الطَّيَّارَ فَضَحِكَ وَقَالَ: مَا هُوَ كَمَا قَالَتْ إِنَّهُ لَمِصْبَاحُ بَلَدٍ، وَابْنُ كَهْفِ الْإِسْلاَمِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنِ اشْتَاقَ إِلَى
الشَّهَادَةِ فَلْيَتَزَوَّجْ عَاتِكَةَ.
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ خَطَبَهَا فَقَالَتْ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا أَرْبَأُ بِكَ عنِ الْقَتْلِ. كَانَ عَمْرٌو أَحَدَ
بَنِي كَاهِلَ يَغْزُو فِيهِمْ فَيُصِيبُ مِنْهُمْ فَوَضَعُوا لَهُ رَصْداً عَلَى
الْمَاءِ فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ. ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْتِهِ جَنُوبٍ فَقَالُوا: إِنَّا طَلَبْنَا
عَمْراً أَخَاكِ. قَالَتْ: لَئِنْ طَلَبْتُمُوهُ لَتَجِدُنَّهُ مَنِيعاً، وَلَئِنْ
ضِفْتُمُوهُ لَتَجِدُنَّهُ مُرِيعاً، وَلَئِنْ دَعَوْتُمُوهُ لَتَجِدُنَّهُ
سَرِيعاً. قَالُوا: قَدْ أَخَذْنَاهُ وَقَتَلْنَاهُ وَهَذَا سَلْبُهُ. قَالَتْ:
لَئِنْ سَلَبْتُمُوهُ لَتَجِدُنَّ ثِنْتَهُ وَافِيَةً، لَا حَجْزَتُهُ جَافِيَةٌ
وَلَا ضَالَّتُهُ كَافِئَةٌ. وَلَرُبَّ ثَدْيٍ مِنْكُمْ قدِ افْتَرَشَهُ وَنَهْبٍ
قَدِ اقْتَرَشَهُ، وَضَبٍّ قَدِ احْتَرَسَهُ.
اسْتِعْدَاءُ امْرَأَةٍ عَلَى زَوْجِهَا:
زَوَّجَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ بِنْتاً لَهُ تُدْعَى أُمُّ مَالِكٍ مِنْ
بْنِ أَخٍ لَهُ يُدْعَى مُرَّةُ بْنُ الْجَعْدِ، كَانَ شَرِطاً مِنَ الرِّجَالِ
دَمِيماً، فَجَامَعَتْهُ وَانَسَلَّتْ بِاللَّيْلِ، فَوَافَقَتِ الْمَدِينَةَ تَسْتَعْدِي
حَسَنَ بْنَ زَيْدٍ الْعَلَوِيِّ عَلَى أَبِيهَا. فَلَمَّا وَقَفَتْ بَيْنَ
يَدَيْهِ نَادَتْ: إِنَّا بِاللهِ وَبِكَ يَا بْنَ رَسُولِ اللهِ، قَدْ جَاوَزْتُ
إِلَيْكَ مَخَاوِفَ، وَقَطَعْتُ نَتَائِفَ. أَنْتَعِلُ الْحَفَى، وَأَحْتَمِلُ
الْوَجَى عَائِذَةً بِاللهِ وَبِكَ مِنْ وَالِدٍ مَغْبُونٍ، وَقَرِينٍ مَأْفُونٍ،
شَرَانِي بَأَوْكَسِ الْأَثْمَانِ، وَعَكَسَنِي بِدَارِ مَذَلَّةٍ وَهَوَانٍ، مِنْ
زَوْجٍ كَأَنَّهُ كَلْبٌ مَصْرُورٌ، عَلَى جِيفَةٍ مَمْطُورٌ، فِي يَوْمِ صَرٍّ
مَقْرُورٍ، قَدْ شَرَّدَ بُغْضُهُ نَوْمَ الْجُفُونِ وَاسْتَجْلَبَ قِلاَهُ مَاءَ
الشُّؤُونِ. فَالنَّوْمُ مُوثَقٌ، وَالدَّمْعُ مُطْلَقٌ، إِذَا اسْتَجَمَّ
الدَّمْعُ أَفَاضَتْهُ أَحْزَانُهَا، وَإِذَا فَاضَ وَكَفَّ بِأَسْجَانِهَا.
نَؤْمُلُ مِنْ عَدْلِكَ مَا نَشَرَ اللهُ بِهِ حُسْنَ الظَّنِّ بِكَ، فَآنَسَهَا فِي الْوَحْشَةِ وَأَطْمَعَهَا فِي
الْإِنْجَاحِ، ثُمَّ أَنْشَدْتُهُ شِعْراً لَهَا فَقَامَ الْحَسَنُ بِأَمْرِهَا
حَتَى بَلَغَتْ مُرَادَهَا. لَمَّا قَالَ النَّابِغَةُ ِللْخَنْسَاءِ: مَا
رَأْيْتِ ذَا مَثَانَةٍ أشْعَرَ مِنْكِ. قَالَتْ لَهُ: وَلاَ ذَا خِصْيَتَيْنِ.
وَقَالَ لَهَا عُمَرُ: يَا خَنْسَاءُ مَا أَقْرَحَ مَآقِي عَيْنَيْكِ؟ قَالَتْ:
بُكَائِي عَلَى السَّادَاتِ مِنْ مُضَرٍ. قَالَ: يَا خَنْسَاءُ؛ إِنَّهُمْ فِي النَّارِ. قَالَتْ: ذَاكَ أَطْوَلُ لِعَوِيلِي عَلَيْهِمْ.
وَكَانَتْ تَقُولُ: كُنْتُ أَبْكِي لِصَخْرٍ عَلَى الْحَيَاةِ ... وَأَنَا أبْكِي
لَهُ الْآنَ مِنَ النَّارِ. قَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ مِرْدَاسَ بْنِ أَبِي
عَامِرٍ، وَهِيَ عَرُوسٌ أُمُّهَا الْخَنْسَاءُ فِي شَيْءٍ كَرِهَتْهُ. فَقَالَتِ
الْخَنْسَاءُ: يا حَمْقَاءُ؛ وَاللهِ لَكَأَنَّهَا بُظَيْرُ أَمَةٍ وَرْهَاءَ.
أَنَا وَاللهِ كُنْتُ أَكْرَمَ مِنْكِ بَعْلاً، وَأَرْقَى مِنْكِ نَعْلاً،
وَأحْسَنَ مِنْكِ عُرْساً، وَأَتَمَّ مِنْكِ أُنْساً؛ إِذْ كُنْتُ فَتَاةً
أُعْجِبُ الْفِتْيَانَ، وَأَشْرَبُ اللَّبَنَ غَضّاً قَارِصاً، وَمَحْضاً خَالِصاً، لَا أَنْهَشُ
اللَّحْمَ، وَلَا أُذِيبُ الشَّحْمَ، وَلَا أَرْعَى الْبَهْمَ، كَالْمُهْرةِ
الصَّنِيعِ، لَا مُضَاعَةً وَلَا عِنْدَ مُضِيعٍ، عَقِيلَةُ الْحِسَانِ الْحُورِ،
أُضِيءُ فِي طَخْيَةَ الدَّيْجُورِ، وَذَلِكَ فِي شَبِيبَتِي قَبْلَ شَيْبِي.
وَقَامَتْ مُغْضَبَةً.
مِغْزَلُ الْمَرْأَةِ:
قاَلَ بَعْضُهُمْ: مَرَرْتُ عَلَى هِنْدٍ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ، فَرَأَيْتُ
بِيَدِهَا مِغْزَلًا تَغْزِلُ بِهِ، فَقُلْتُ لَهَا: تَغْزِلِينَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ
سَمِعْتُ أَبِي يَذْكُرُهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
قَالَ: ''أَعْظَمُكُنَّ أَجْراً أَطْوَلُكُنَّ طَاقَةً، وَهُوَ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ وَيَذْهَبُ بِحَدِيثِ النَّفْسِ''. وَرُوِيَ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْمِغْزَلُ فِي يَدِ الْمَرْأَةِ مِثْلُ
الرُّمْحِ فِي يَدِ الْغَازِي. قِيلَ لِلْخَنْسَاءِ: لَمْ يَكُنْ صَخْرٌ كَمَا
وَصَفْتِ. قَالَتْ: وَكَيْفَ ذاَكَ؟ فَوَاللهِ لَقدْ كَانَ نَدِيَّ الْكَفَّيْنِ/
يَابِسَ الْجَنْبَيْنِ؛ يَأْكُلُ مَا وَجَدَهُ، وَلاَ يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَهُ.
مِنْ أَقْوَالِ حُبَّى الْمَدِينِيَّةِ:
قِيلَ لِحُبَّى الْمَدِينِيَّةُ: مَا السُّقْمُ الَّذِي لَا يَبْرَأُ، وَالْجُرْحُ الَّذِي لَا يَنْدَمِلُ؟ قَالَتْ: حَاجَةُ الْكَرِيمِ إِلَى
اللَّئِيمِ لَا يُجْدِي عَلَيْهِ. قِيلَ: فَمَا الشَّوْقُ؟ قَالَتْ: اعْتِقَادُ
الْمِنَنِ فِي أَعْناَقِ الْكِرَامِ، يَبْقَى لِلْأَعْقَابِ عَلَى الْأَحْقَابَ.
ذَكَرَ نِسْوَةٌ أَزْوَاجَهُنَّ فَقَالَتْ إِحْدَاهُنَّ: زَوْجِي عَوْنِي فِي الشَّدَائِدِ، وَالْعَائِدَ دُونَ
كُلَّ عَائِدٍ، إِنْ غَضِبْتُ عَطَفَ، وَإِنْ مَرِضْتُ لَطَفَ. وَقَالَتِ
الْأُخْرَى: زَوْجِي لِمَا عَنَانِي كَافٍ، وَلِمَا أَسْقَمَنِي شَافٍ، عِنَاقُهُ
كَالْخُلْدِ، وَلاَ يَمَلُّ طُولَ الْعَهْدِ. وَقَالَتِ الْأُخْرَى: زَوْجِي
الشِّعَارُ حِينَ أُجَرَّدُ، وَ الْأُنْسُ حِينَ أُفْرَدُ، وَالسَّكَنُ حِينَ
أَرْقُدُ. - قَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ: لَا يُعْجِبُني
الشَّابُّ يَمْعُجُ مَعْجَ الْمُهْرِ طَلْقاً أَوْ طَلْقَيْنِ ثُمَّ يضَطَجِعُ
بِنَاحِيَةِ الْمَيْدَانَ، وَلَكِنْ أَيْنَ أَنْتِ مِنْ شَيْخٍ يَضَعُ قُبَّ
اسْتِهِ بِالْأَرْضِ ثُمَّ سَحْباً وَجَرّاً؟
قَالَ ابْنُ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ لِزَبْرَاءَ جَارِيَةِ أَبِيهِ: يَا
زَانِيَةُ.
فَقَالَتْ: وَاللهِ لَوْ كُنْتُ زَانِيَةً لأَتَيْتُ أَبَاكَ بِابْنٍ
مِثْلِكَ.
وَصْفُ امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا:
طَلَّقَ أَعْرَابِيٌّ امْرَأَتُهُ فَذَمَّهَا فَقَالَتْ: وَأَنْتَ وَاللهِ
– مَا عَلِمْتَ – تَغْتَنِمُ الْأُكْلَةَ فِي غَيْرِ جوُعٍ، مُلِحٌّ بَخِيلٌ،
إِذَا نَطَقَ الْأَقْوَامُ أَقْعَصْتَ، وَإِذَا ذُكِرَ الْجُودُ أُفْحِمْتَ؛ لِمَا
تَعْلَمُ مِنْ قِصَرِ بَاعِكَ، وَلُؤْمِ آبَائِكَ، وَتَسْتَضْعِفُ مَنْ تَأْمَنُ،
وَيَغْلِبُكَ مَنْ تَخَافُ، ضَيْفُكَ جَائِعٌ، وَجَارُكَ ضَائِعٌ، أَكْرَمُ النَّاسِ عَلَيْكَ مَنْ أَهَانَكَ، وَأَهَوَنُهُمْ عَلَيْكَ
مَنْ أَكْرَمَكَ. الْقَلِيلُ عِنْدَكَ كَثِيرٌ، وَالْكَثِيرُ عِنْدَكَ حَقِيرٌ.
سَوَّدَ اللهُ وَجْهَكَ، وَبَيَّضَ جِسْمَكَ، وَقَصَّرَ بَاعَكَ، وَطَوَّلَ مَا
بَيْنَ رِجْلَيْكَ؛ حَتَّى إِنْ دَخَلَ انْثَنَى، وَإِنْ رَجَعَ الْتَوَى.
قَالَ بَعْضُهُمْ: كُنْتُ عِنْدَ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُهَلَّبِ أَعْرِضُ
عَلَيْهَا طِيباً فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمَتَاعَ بَيْنَ يَدَيْهَا، فَلَمَّا
جِئْتُ قَالَتْ: بِئْسَ مَا صَنَعْتَ، لَا تَأْمَنَنَّ امْرَأَةً قَطُّ عَلَى
رَجُلٍ وَلَا عَلَى طِيبٍ. قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ: خَرَجْتُ ذَاتَ
لَيْلَةٍ أَطُوفُ، فَإِذَا أَنَا بِامْرَأَةٍ قَدْ فَضَحَ وَجْهُهَا ضَوْءَ
الْقَمَرِ مُتَعَلِّقَةً وَهِيَ تَقُولُ: إِلَهِي؛ أَمَا وَجَدْتَ شَيْئاً
تُعَذِّبُ بِهِ إِلَّا النَّارَ؟ ثُمَّ ذَهَبَتْ، فَنِمْتُ ثُمَّ عُدْتُ
فَوَجَدْتُهَا وَدَيْدَنُهَا أَنْ تَقُولَ ذَلِكَ. قُلْتُ: لَوْ عَذَّبَ بِمَا
سِوَى النَّارِ، فَكَانَ مَاذَا؟ قَالَتْ: يَا عَمَّاهُ؛ أَمَا
وَاللهِ لَوْ عَذَّبَ بِغَيْرِ النَّارِ لَقَضَيْنَا أَوْطَاراً. جَعَلَ ابْنُ السَمَّاكَ
يَوْماً يَتَكَلَمُ وَجَارِيَةٌ لَهُ حَيْثُ تَسْمَعُ كَلاَمَهُ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ إِلَيْهَا قَالَ لَهَا: كَيْفَ سَمِعْتِ كَلاَمِي؟ قَالَتْ: مَا
أَحْسَنَهُ لَوْلَا أَنَّكَ تُكْثِرُ تِرْدَادَهُ. قَالَ: أُرَدِّدُهُ حَتَّى
يَفْهَمَهُ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ. قَالَتْ: إِلَى أَنْ يُفْهَمَ مَا لَا يَفْهَمُهُ
قَدْ مَلَّهُ مَنْ فَهِمَهِ.